____________

وَلا خَيرَ في وِدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّونٍ إِذا الريحُ مالَت مالَ حَيثُ تَميلُ
جَوادٌ إِذا اِستَغنَيتَ عَن أَخذِ مالِهِ وَعِندَ اِحتِمالِ الفَقرِ عَنكَ بَخيلُ
فَما أَكثَرَ الإِخوان حينَ تَعدّهُم وَلَكِنَهُم في النائِباتِ قَليلُ

لعل هذه الأبيات المقتطفة من حديقة حكم الإمام الشافعى الغناء تحاكى آيات القرآن الكريم في كونها صالحة لكل زمان ومكان طالما انها تخاطب البشر.


اي كانت مشاربهم _ اي البشر _ ففي الأخير يجتمعون في خصال واحدة بدرجات متفاوتة مفطورين وبعضهم مجبولين.

بيد ان هذه الخصلة ( التلون)_ طبعا وفقا للأهداف والأطماع_ هي أس بلاء ليس على صاحبها فقط بل على المجتمع ككل لأنها موغلة في الأنا.

وحيث انها خصلة تتمتع بها البشرية منذ الأذل وتتضرر منها الشعوب والأفراد وكل المجتمعات فالسودان ليس باستثناء.
لكن تعالوا لنرى الى أي مدى كان معول النفاق والتلون هداما.
فنحن شعب ورغم ما نتميز به من كريم خصال اصبحت مثار العالم لكنا في ذات الوقت نبتلى بهذه الآفة وما أكثرها.

فالندع وقعها على بقية الصعد ونكتفى بالسياسة أو فالنقل ان الأخيرة هي من تحرض البقية كونهم يقعون تحت تأثيرها. كيف لا وتداعيات السياسة تنعكس مباشرة على الأمور الحياتية الأخرى.

ولعل تأريخنا يحتفظ بأمثال لمتلونون كثر سواء اكانوا افراد أو ٱجسام. لكن ما شهدته الفترة الأخيرة هو الأبشع كونه يجسد الانتهازية الرخيصة في ابهى صورها. وليس هناك ما اقعد بلادنا سواها. وتعودنا ان نتفرج على هكذا مواقف على مستوى الداخل.
ورغم الحرج والفضائح الاخلاقية جراء النفاق الإجتماعى إلا ان مرتكبوه لا يلوون على شيء ولا يلفتفتون خلفهم.. ولا غرو في ذلك طالما ان ليس بوجوههم مزعة لحمة.

اما الخارج والذي لم تتكشف نواياه واخلاقه إلا خلال المحنة الأخيرة التي يمر بها السودان وتبارى البعض منهم في ايذائه بالاشتراك يرومون منه صيدا ثمينا بعد ان رمى لهم كبير الصيادين بالطعم. لا ادري كيف سيعود هؤلاء ادراجهم لحظيرة التعامل معنا بعد ان فشل دأبهم وتبددت مطامعهم ولم تعد تجدى نفعا اي محاولة أو جولة بعد الخسائر السابقة، وبعد ان اوشكنا على الخلاص ولاحت تباشير وإشراقات النصر الذي ما يئسنا يوما منه… كيف يا ترى؟!

المحنة التى مر بها السودان وهي الأعظم على مر تأريخه كشفت الكثير. اسقطت النقاب وخلفت رؤوس حاسرة. عندما وقف البعض في المنتصف يتفرج ولسان حاله (يشجع اللعبة الحلوة) أو فالنقل يميل حيث تميل الريح، وهؤلاء اخف وطأة في التلون من اولئك الذين جاهروا بالوقوف في صف العدو مرجحين كفته. هؤلاء تحديدا طريق عودتهم وانعطافهم مع المشهد الجديد محرج ( اها كيف وكيف)؟!.. هذا الى جانب مجاهرين عاصين مع سبق الاصرار والترصد

شكرا لهذه الحرب التي كشفت العميل من الوطنى، الانتهازى والمتملق من المستمسك بموقفه، الطامع من الحادب على المصلحة العامة.

شكرا كثيرا بلا حدود لكل الدول الصديقة التي تكشفت نيتها واخلاقها ودعمت لو بالكلمة الطيبة، وبالمقابل تبا لتلك المعروفة والتى اصبحت طرف ثان في الحرب ويجب على الدولة بعد انجلاء الحرب
ان تعيد شكل التعامل معها على المستوى الرسمى سيما رعاياها وان يكون بمستوى اخلاقهم لا اخلاقنا.

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال : هذه غدرة فلان ” .

المصدر: نبض السودان

كلمات دلالية: الوقت بينما يمضى بعد ان

إقرأ أيضاً:

آفـة الترويض السياسي (3 – 3)

في الجزء الأول من هذا المقال حاولت تسليط الضوء

على ماهية الترويض وأهداف وركائزه.

وفي الجزء الثاني حاولت التركيز على مراحل الترويض عبر التاريخ.

أما في هذا الجزء (الثالث والأخير) فسأحاول التركيز على:

تسلسل أدوات وسلم الترويض.

أولا: أدوات الترويض

قد أصبح من الضروري على السياسي لكي ينجح في الوصول إلى أهدافه والمحافظة على مكانته أن يستخدم أدوات الترويض المتاحة والمناسبة له، والحقيقة أن أدوات وتقنيات الترويض السياسي عديدة، لعل الشكل الآتي يوضح تسلسل أهم هذه الادوات:

أولا: التربية

أول هذه الأدوات الضرورية للترويض السياسي هي “التربية”، وهنا يمكن القول أن من أهم الأسباب التي أدت إلى تخلف أمتنا (وخصوصا وطني ليبيا) هو إهمالنا قضية التربية، وخصوصا بعدها السياسي، بمعنى، يمكن القول إن التربية السياسية الصحيحة لا وجود لها في ثقافتنا، وتعتبر عند الأغلبية من المكروهات، وعند بعض السادة من المحرمات رافعين شعار:

من السياسة.. ترك السياسة

وعند البعض الآخر، لا يجوز ممارسة السياسة إلا لمناصرة وحماية الحاكم الذي يؤيدونه ويعتبرونه “ولي أمرهم”، وهذا الولي لا يجوز – في نظرهم – الخروج عن طاعته حتى ولو كان “طاغياً” أو “فاسقاً” أو “مستبداً”.

ومنذ ثمانينات القرن العشرين، أدرك الخبراء والاستراتيجيين الأمريكان والأوروبيين هذه الحقيقة، فوضعوا استراتيجية جديدة لـ”محاربة الإسلام من داخله”، وذلك بالتركيز على “الخلافات” بين “الجماعات” و”الفرق” و”الطوائف” و”الشعوب” الإسلامية للتفريق بينها والعمل على إضعافها.

ولعل من أهم القضايا التي لفتت انتباههم هي “قضية التربية السياسية”، فاتفقوا على إعادة تشكيلها، وصناعة “محتواها” واستخدام “مصطلحات” جديده وغريبة لها، فعلى سبيل المثال: قسموا الإسلام إلى نوعين:

(أ‌) “إسلام سياسي” – يؤمن المسلم فيه بأن الإسلام منهج حياة وأن الدين والسياسة وجهان لعملة واحدة.

(ب‌) “إسلام غير سياسي، أي علماني” – يؤمن المسلم فيه بأن الدين شأن شخصي يعني عبادة الله والاقتراب منه، وأن الدين والسياسة لا يلتقيان، فالدين مُقدس بينما السياسة قذرة ولا أخلاق لها.

وبالإضافة إلى ما كان يُفكر ويخطط له الاستراتيجيين في أمريكا وأوروبا، كان حكام العرب يتجاهلون المؤسسات التربوية في مجتمعاتهم، وخصوصا دورها السياسي في بناء الدول الديمقراطية الحديثة، والأسوأ من هذا كله أنهم فصلوا التربية عن التعليم، فعلى سبيل المثال: لقد نجح القذافي، منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، في فصل المؤسسات التربوية عن المؤسسات التعليمية رافعاً شعار:

الطفل .. تربيه أمه!

وقام أيضا باستخدام مؤسسات بديلة، كالتي ذكرتها أعلاه، وأدوات أخرى كـ”المدرج الأخضر” و”دورات تدريبية” و”معسكرات عقائدية” مثل “معسكر جدايم”.

وهنا قد يسأل سائل فيقول:

ما المقصود بالتربية السياسية؟

يمكن تعريف التربية السياسية على أنها:

• تعني مجموع العمليات والأدوات التي يستطيع بها الإنسان تعلم واكتساب الآراء والأفكار والقيم السياسية في مجتمعه،
• وقد تعنى “التهيئة”،
• كما قد تعني “التأهيل”،
• أو “التكييف” السياسي في المجتمع الذي يعيش فيه الانسان،
• أو تعني “كل ما يساعد” الفرد على تشكيل شخصيته،
• أو تعني تعلم المواطن “السلوك والانتماء” السياسي في مجتمعه.

بمعنى آخر،

• هي عملية تعتني بالكيفية التي يتم بها تأهيل المواطن سياسيا وثقافيا واجتماعيا،
• وهي عملية تعتنى بمعرفة عمليات الحصول على الحس السياسي في الدولة،
• وهي عملية تعنى أن تشكيل الشخصية السياسية هي عملية شاقة وتراكمية،
• وهي عملية تمكن جيل معين من نقل أفكاره ومعتقداته للأجيال القادمة،
• وهي عملية تعنى أن الإنسان هو نتاج المعطيات والشروط التي يتربى عليها.

ثانياً: التعليم

أما الأداة الثانية من الأدوات الضرورية للترويض السياسي فهي “التعليم”، فقد اتفق جُل الخبراء بأنه من أهم أدوات الترويض وتحويل شخص ما إلى كائن مُطيع وخاضع، إذ يعمل التعليم على مساعدة شخص ما لتحقيق قدر أكبر من الليونة والمرونة والطاعة لما طلب منه.

انطلاقاً من هذا الفهم، قامت الولايات المتحدة والدول الأوربية منذ سبعينيات القرن الماضي بتشجيع الدول العربية على:

(أ‌) بعث شبابها (وخصوصاً المتفوقين منهم) للدراسات الجامعية والعليا في امريكا وأوروبا،

(ب‌) شجعت الدول العربية على تغيير مناهج التعليم وافراغها من محتواها (الديني والقومي) تحت شعار الحداثة والتمدن.

وقد آتت هذه الاستراتيجية ثمارها كما هو مشاهد اليوم في جُل النخب العربية الحاكمة (وخصوصا في دول الخليج)، فجُل هذه النخب، التي تعلمت في أمريكا وأوروبا، والتي بدأ السعي في إعدادها منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، قد أصبحت هي المسيطرة والحاكمة في شؤون بلدانها ومجتمعاتها، مما أدى إلى ترويض الدول والشعوب العربية وجعلها تابعة وخاضعة لسياسات أمريكا وأوروبا، ولعل خير مثال على ذلك: هو موقف النخب العربية الحاكمة من القضية الفلسطينية هذه الأيام، وخصوصا من الحرب الهمجية على غزة.

ثالثاً:

التدريب أما الأداة الثالثة من الأدوات الضرورية للترويض السياسي فهي “التدريب”، وهو عملية تمرين أو تطبيق تهدف إلى اكتساب مهارات أو خبرات جديدة يحتاجها شخص ما للقيام بمهام محددة أو خاصة. والترويض كمفهوم سياسي، يعني عملية نقل شخص ما من حالته الطبيعية (أو الأنية) التي يعيشها إلى الحالة التي يصبح فيها طيعا وخاضعاً لولي أمره.

ويعتمد هذا النوع من الترويض بالدرجة الأولى على:

(أ) دورات تخصصية.

(ب) وورش عمل.

وقد استخدمت أمريكا والدول الغربية هذه الأداة لترويض النخب السياسية في الدول النامية، وذلك بالتركيز على ثلاث شرائح أساسية في هذه المجتمعات هي: الشباب والمرأة والقوات المسلحة (وخصوصا – الجيش والأمن).

رابعاً:

التأهيل أما الأداة الرابعة من الأدوات الضرورية للترويض السياسي هي “التأهيل” أو “إعادة التأهيل”، وهو عبارة عن وسيلة تعني تهيئة شخص ما لعمل خاص، وذلك بضبط سلوكه عن طريق الثواب والعقاب، وقد تعني جعل شخص ما كفء (أي ذو كفاءة)، وقد تعني مجموعة من العمليات المتشابكة والمتتابعة واللازمة لتمكين الأفراد على المحافظة على نشاطاتهم اليومية والمعتادة، بمعنى آخر، التأهيل هو تناسب الشخص لبعض الوظائف أو المناصب التي يرغب القيام بها، وقد يعني عملية استعادة شخص ما لأقصى ما تسمح به قدراته.

ثانياً: سلم الترويض

لتبسيط الأمر، يمكن تقسيم سلم الترويض السياسي إلى 3 مستويات أساسية، كما هو واضح في الشكل الآتي:

أولا: التليين بمعني تخفيف أو تلطيف أو تهدئة طبع أو سلوك شخص ما، أي جعله ليناً وسهل التعامل معه.

ثانياً: تدجين يعني “الإخضاع” لسلطة ما أو “التكيف” أو “التأقلم” معها, بمعنى آخر، يعني جعل شخص ما يألف العيش بالوضع الذي هو فيه، فعلي سبيل المثال: الدكتاتور في دولة ما يعمل على تدجين الأفراد في دولته من أجل جعلهم مجرد كائنات تستجيب لأوامره دون أدنى نقاش ولا تردد.

ثالثاً: الاستعباد يعني توصيل شخص ما إلى درجة “العبودية” و”الاستغلال” من خلال إجباره على القيام بأمور وتصرفات رغم إرادته، بمعنى آخر، هو عملية إخضاع شخص ما لتحقيق الطاعة المطلقة للمُروض، وبذلك يمكن اعتبار الاستعباد أسوأ وأدنى أنواع الترويض.

الخلاصة

لعله من المناسب أن أختم هذا المقال بالتذكير بأهم القيم والأفكار والقضايا التي وردت فيه، والتي من أهمها:

أولا: النظر للترويض كـ”أداة”

بمعنى ضرورة التأكيد على أن الترويض السياسي في سياقه العام، هو مجرد أداة (أو عملية) تستهدف تعديل أو تطوير شخص (أو جماعة أو مؤسسة أو دولة ما) بغية ضبطه وتأمين بلوغه إلى تحقيق الهدف المطلوب أو المرغوب للمُروض، وبمعني أخر، هو في الأصل ليس أداة سلبية أو ضارة وإنما تعتمد على (من) يستخدمها ولماذا؟

ثانيا: النظر للترويض كـ”آفـة”

بمعنى ضرورة التأكيد على أن أداة الترويض قد تم استخدامها، للأسف الشديد، من قبل البعض (وخصوصا في مجال السياسة) لتحقيق مصالح وأهداف أنانية وضارة بالأخرين، وتحولت بذلك من “أداة إيجابية” إلى “أداة سلبية” و”آفة ضارة وخبيثة”، وتحولت بذلك إلى “سلاح قاتل” في يد سياسيين مُفسدين وفاسدين لا ينظرون إلى أخيهم الإنسان كإنسان، وإنما مجرد مخلوق ينبغي توظيفه واستغلاله والاستفادة منه لتحقيق أغراضهم الشخصية، وعليه لابد من مواجهة هذه الآفة السياسية الضارة ومحاربتها بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة والمشروعة.

ثالثا: النظر للترويض كـ”مؤسسة”

بمعنى ضرورة التأكيد على أنه لكي نواجه هذه الآفة الخبيثة والضارة بنجاح لابد من الاهتمام بأدوات وتقنيات الترويض وتوظيفها التوظيف المناسب والصحيح، ولابد من إصلاح مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسات “التربوية” و”التعليمية” و”المهنية” و”السياسية” و”العسكرية” و”الامنية”، وذلك لأن جُل هذه المؤسسات إما تقليدية أو متخلفة أو فاشلة أو مخترقة، فعلى سبيل المثال: يمكن القول إن القوى الدولية وخصوصا أمريكا والدول الأوروبية، قد نجحت منذ عام 2011 في اختراق مؤسساتنا، وعملت على ترويض العديد منها وحولتها إلى مجرد “مؤسسات مجتمعية وظيفية” تشتغل لصالحها و”معارضات سياسية أليفة” تشتغل لصالح الحكام الموالين لها، وعليه لقد أصبح من الضروري الإسراع في دسترة مؤسسات الدولة السيادية، والسعي لبناء دولة المؤسسات التي تقوم على القانون وتسود فيها العدالة ويسعى فيها كل إنسان لتحقيق سعادته.

رابعاً: النظر للترويض كـ “قضية تربوية وتعليمية”

بمعنى ضرورة التأكيد على أنه لكي نواجه هذه الآفة الخبيثة والضارة بنجاح، لابد من إصلاح المؤسسات التربوية والتعليمية والانطلاق منها لإصلاح منظومة السلطة والمؤسسات الأخرى.

وذلك لأن المؤسسات التربوية هي الأساس الضروري لبناء شخصية أي فرد في المجتمع، فبدون التربية لا يمكن غرس قيم مكارم الأخلاق والآداب الحميدة والسلوكيات الإيجابية في المواطن، وإن المؤسسات التعليمية ضرورية لتحقيق النمو والتقدم والازدهار، ولأنها مهمة لاكتساب العلم والمعرفة واستخداماتها، وهي التي ستبني أجيال المستقبل وتنشر الثقافة بين المواطنين، وقد أدرك عدو أمتنا هذه الحقيقة منذ زمناً بعيد، فسيطر بذلك على مؤسساتنا التربوية والتعليمية، وكان نتاج ذلك نجاحهم في السيطرة على ثرواتنا وعقولنا، وبذلك علينا أن ندرك بأنه:

“إذا صلحت مؤسستي التربية والتعليم تقدمت الدولة، وإذا فسدتا تخلفت”

خامساً: النظر للترويض كـ “قضية أخلاقية”

والحقيقة التي لا جدال فيها، أنه قد كان لنا (في ليبيا)، في بداية تأسيس الدولة الدستورية الأولى (1952 – 1969)، مؤسسات تربوية وتعليمية ناجحة وفاعلة، ولكن اليوم وللأسف الشديد، لا يوجد لدينا “لا تربية ولا تعليم”، وبذلك ضاعت “مكارم الأخلاق في المجتمع”، وانتشرت “ظاهرة القابلية للفساد” – أي استعداد الأفراد لممارسة الفساد والرغبة في استخدامه كوسيلة لتعظيم مكانتهم ومكاسبهم الشخصية، ودخلوا بذلك إلى ما يمكن أن نطلق عليه “مرحلة ما بعد الاستحياء” – أي أن هؤلاء الأفراد أصبحوا لا يستحون في القيام بأي شيء يرغبون بالقيام به! ويعتقدوا بأنه لا رادع لهم، وأنهم فوق القانون, وأصبحت في نظرهم:

“قيمة الإنسان تقدر بالدينار.. لا.. بالأفكار”!

وعليه فلابد من الاهتمام بتربية النشئ على “مكارم الأخلاق”، وجعلها الأساس ونقطة الانطلاق التربوي، وخصوصا في السنوات الأولى من التعليم، إذا أردنا إعادة بناء الوطن والمواطن في الدولة الحديثة، ولعل من أهم هذه المكارم (العشر) التي أجمع عليها العرب في الجاهلية وجاء الإسلام ليقرها ويقوم بتثبيتها، وهي:

الصدق: لأنه ثمرة الإخلاص والتقوى. الوفاء بالوعد: لأنه من صفات المؤمنين. الأمانة عند الائتمان: لأن خيانة الأمانة جريمة أخلاقية ودينية وقانونية. مداراة الناس: لأنها قوام المعاشرة الحسنة، والاحترام، واللين في الكلام. رد الجميل: لأنه من الواجب مبادلة أهل الفضل بالافضل ومقابلة الجميل بالأجمل. إكرام الضيف: لأن رسولنا الكريم (ﷺ) قال: “من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفَه”. حسن الجوار: لأن الإحسان لمن حولك ضرورة لسعادتك، ولهذا قيل “الجار قبل الدار”. إغاثة الملهوف: لأن مساعدة من هو في محنة أو أزمة إذا استغاث بك واجب انساني. إجارة المستجير: لأنها من أسمى صور التعاون والدعم والتكافل والوقوف مع المظلومين. الشجاعة والإقدام: لأنها تقود إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل سواء في الأقوال أو الأفعال.

هذه هي مكارم الاخلاق العشر التي أتى رسولنا الكريم (ﷺ) لإتمامها عندما قال “إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ”، وعلى الجميع أن يعي أنه لن تقوم لنا “دولة عادلة” بهذه الثقافة والأخلاق السائدة هذه الأيام، وصدق الشاعر أحمد شوقي الذي قال:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

سادساً: النظر للترويض “كعامل للخوف”

عند استخدام أداة الترويض فيما يلي مجموعة من النصائح (المتعلقة بالخوف) على كل من يرغب في ممارسة السياسة الاهتمام بها وأخذها في الاعتبار وهي:

(1) على السياسي أن يدرك أن الخوف عامل ضروري ومهم في حياة الانسان.
(2) على السياسي أن يعي ان الخائف لا ينفع معه المنطق.
(3) على السياسي ألا يفترض “أن الانسان إذا عرف كل الحقائق سيتصرف وفقاً لذلك”.
(4) على السياسي أن يؤمن بأن الخوف في أغلب الأحيان أهم وأكثر تأثيرا من القوة!!! وقد عبر عن هذه الحقيقة الصحفي ميك هيوم رئيس تحرير مجلة سبايكد,،في مقال له بعنوان: “الخوف والانهزامية يصيبان الغرب.” قال فيه: “إن الخوف والانهزامية يصيبان الغرب ورغم تفوقهما العسكري الساحق في أفغانستان، وآلاتهما المتطورة لإدارة وسائل الإعلام، فإن الحكومتين الأميركية والبريطانية تشعران بقلق بالغ إزاء خسارة الحرب الدعائية”(ميك هيوم,2001).
(5) على السياسي أن يدرك بأن الخوف يزداد قوة عندما يقترن بالجهل.

بعد كل ما ذكرت أعلاه، هل في الإمكان، العمل على التخلص من “آفة الترويض السياسي”؟ والسعي لإعادة استخدام الترويض بأساليبه الصحيحة والمفيدة للجميع وبالجميع، والعمل على تحقيق أهدافنا السامية والنبيلة، وذلك بإعادة هيكلة مؤسسات دولتنا التربوية والتعليمية والسياسية والمهنية والعسكرية والأمنية، لكي نستطيع إعادة بناء دولتنا الديمقراطية وفق دستور عادل نحلم به جميعاً.

أدعو الله أن يتحقق ذلك قبل فوات الأوان.

وأخيرا، يا أحباب، لا تنسوا أن هذا مجرد رأي،
فمن أتى برأي أحسن منه قبلناه،
ومن أتى برأي يختلف عنه احترمناه.

والله المســتعـان.

المراجع:

ميك هيوم , هو رئيس تحرير مجلة سبايكد , ورقة بعنوان: “الخوف والانهزامية يصيبان الغرب.” في مؤتمر سبايكد بعنوان “بعد الحادي عشر من سبتمبر: الخوف والكراهية في الغرب”، عقد يوم 26 مايو, 2001. معهد بيشوبس جيت في لندن.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • التشكيك: سلاح خفي في الحرب النفسية التي تشنها المليشيات
  • مناظرة العيدروس للوليد مادبو التي ارجات احمد طه الى مقاعد المشاهدين
  • ملخص مباراة الهلال 2 – 2 الشباب – دوري روشن
  • ملخص مباراة الاتحاد 3 – 2 الاتفاق – دوري روشن
  • صحيفة الثورة الثلاثاء 24 شوال 1446 – 22 ابريل 2025
  • الانسحاب المتوقع من دارفور لمقاتلي كردفان – مسيرية وحوازمة
  • يجب منح الجهاز صلاحيات جديدة تتناسب مع حالة الحرب وتتلاءم مع طبيعة المهددات الأمنية التي تهدد السودان
  • طالب دكتوراه ياباني متفوق في جامعة بريغهام يونغ بالولايات المتحدة – إلغاء تأشيرته
  • صحيفة الثورة الاثنين 3 شوال 1446 – الموافق 21 ابريل 2025
  • آفـة الترويض السياسي (3 – 3)