فورين بوليسي: نتنياهو محاصر.. 5 مسارات للإطاحة به وقلق من وصول اليمين المتطرف
تاريخ النشر: 7th, February 2024 GMT
هل بات نتنياهو محاصر؟.. يسوق كل من آرون ديفيد ميلر، الزميل الأول في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، و آدم إسرائيليفيتز، الزميل المبتدئ في نفس المؤسسة هذا التساؤل، محاولين تحليل موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يمر بفترة حرجة في مسيرته السياسية ، واستشراف الطرق المتوقعة لمستقبله، في خضم تداعيات أطول حرب بين دولة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية منذ عام 1973.
وفي التحليل، الذي نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، يرى الكاتبان أن نتنياهو "على وشك الدخول في شفق حياته المهنية، لكن غروبه تماما لن يكون بالأمر السهل".
التحديات أمام نتنياهوويتعين على نتنياهو أن يتعامل مع شبكة متقاربة من الخلافات والضغوط، يقول الكاتبان، في حين يتعامل أيضاً مع الجمهور الإسرائيلي غير الراضي على نحو متزايد، ومن بين ذلك الإحباط لدى عائلات الأسرى الذين احتجزتهم "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول؛ والانشقاقات في مجلس الحرب؛ مع وجود جناح يميني متمرد؛ وعودة جنود الاحتياط المعبأين (تقليدياً دائرة انتخابية مناهضة لنتنياهو)؛ والتوترات المتزايدة مع الولايات المتحدة - ناهيك عن محاكمته المستمرة بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في المحكمة المركزية في القدس.
اقرأ أيضاً
نتنياهو يرفض طلب بلينكن الاجتماع منفردا مع رئيس الأركان الإسرائيلي
ولا يزال نتنياهو ينظر إليه داخل إسرائيل على أنه المشرف الأول على أكبر فشل استخباراتي وهجوم في تاريخ إسرائيل واليوم الأكثر دموية بالنسبة لليهود منذ المحرقة.
وبقول الكاتبان إن الجمهور الإسرائيلي لن يتخلى بأي حال من الأحوال عن الحرب ضد "حماس"، لكن الهدفين المزدوجين المتمثلين في تدمير المنظمة الفلسطينية العسكرية وتحرير الأسرى الذين ما زالوا محتجزين في غزة، أصبحا الآن في وضع شك كبير، بعدما أحبطت "حماس" عمليات الجيش الإسرائيلي؛ وربما تلوح في الأفق صفقة لإطلاق سراح الأسرى.
وستكون هذه نقطة قرار محفوفة بالمخاطر بالنسبة لرئيس الوزراء حيث يصر أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه على أن الحرب يجب أن تستمر بينما يدفع الوسطيون ويسار الوسط نحو صفقة رهائن تنطوي على وقف طويل للقتال.
فرص نتنياهوويرى الكاتبان أن ما سبق لا يعني أن الزوال السياسي لرئيس الوزراء الأطول حكما في إسرائيل سيكون سريعا.
ولا توجد في الوقت الحالي آليات مباشرة لإبعاده عن السلطة.
وفي الواقع، لدى نتنياهو عدد قليل من أدوات الضغط التي يجب أن يسحبها، بما في ذلك من جهة غير متوقعة: رئيس أمريكي يهدف إلى التوصل إلى اتفاق تطبيع إسرائيلي سعودي قبل الانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إذا وافق نتنياهو على ذلك.
اقرأ أيضاً
لابيد: عرضت على نتنياهو دخول حكومته بدلا من سموتريتش وبن غفير
أكثر ما يخشاه نتنياهوويقول أنشيل فيفر، الذي ربما يكون المراقب الأكثر ذكاءً لنتنياهو، بحسب الكاتبان، إن أكثر ما يخشاه رئيس الوزراء ليس الأمريكيين أو الضغط من عائلات الأسرى، بل "خسارة الأغلبية في الكنيست التي استغرقت أربع سنوات وخمس انتخابات". الحملات، بما في ذلك 18 شهرًا محبطًا خارج المكتب، من أجل تأمينها.
فإذا ظهرت صفقة رهائن تستلزم وقفاً طويلاً لإطلاق النار، فقد يسعى أعضاء الكنيست اليمينيون المتطرفون، ولا سيما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أو وزير المالية بتسلئيل سموتريش (وخاصة الأول، الذي ارتفعت أرقام حزبه في استطلاعات الرأي) إلى الانسحاب من التحالف الحكومي.
ولكن إذا أذعن نتنياهو للضغوط من يمينه، فإن التهديد الوشيك باستقالة بيني جانتس وآيزنكوت من حكومة الحرب يظل احتمالاً واضحاً.
وكثف جانتس وآيزنكوت، العضوان في تحالف الوحدة الوطنية الذي يحظى بشعبية متزايدة، انتقاداتهما لنتنياهو في الأسابيع الأخيرة.
اقرأ أيضاً
بوليتيكو: بايدن وصف نتنياهو بـ "الرجل السيء" في جلسة مغلقة
مسارات الإطاحة بنتنياهوولطرده، هناك عدة مسارات متاحة للمعارضة الإسرائيلية – وكلها إشكالية، بحسب التحليل، وهي:
أولا: تصويت داخل الكنيست لحجب الثقة
أي تصويت بناء بحجب الثقة يتطلب ما لا يقل عن 61 صوتًا من أعضاء الكنيست (من أصل 120) لتمريره.
وبدلاً من ذلك، يمكن للكنيست تمرير مشروع قانون مدعوم بأغلبية بسيطة لحل نفسه والانتقال إلى الانتخابات.
لكن في الوقت الحالي، يبدو أنه لا توجد شهية في الكنيست الحالي لإرسال البلاد إلى انتخابات أخرى في زمن الحرب، ناهيك عن الأصوات اللازمة لتشكيل ائتلاف حاكم بديل، يقول الكاتبان.
ثانيا: التخلي عن نتنياهو داخل حزب الليكود
تنبع الآلية الثانية لإقالة نتنياهو من الاعتقاد بأن استقالة جانتس وآيزنكوت من حكومة الحرب، إلى جانب الاحتجاجات واسعة النطاق، ستكون بمثابة حافز لحفنة من أعضاء الكنيست من حزب الليكود للتخلي عن نتنياهو.
لكن ليس هناك ما يضمن أن جانتس وآيزنكوت سيستقيلان طوعا من منصبيهما المؤثرين في أي وقت قريب.
وبالنسبة لهم، فإن الإشراف على قرارات نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت، مثل منع المزيد من التصعيد في لبنان، يساعد في إضعاف الجهات الفاعلة اليمينية المتطرفة في التحالف.
كما لا يزال نتنياهو يحتفظ بالسيطرة على حزبه، وليس لدى الليكود تاريخ في التخلي عن زعيمه والتهامه.
اقرأ أيضاً
بن غفير يهاجم بايدن ويثير غضبا في إسرائيل.. وول ستريت جورنال: يدفع نتنياهو نحو التطرف
ثالثا: لجنة تحقيق قضائية في أحداث السابع من أكتوبر
تعتبر لجنة الدولة التي شكلتها الحكومة أو لجنة مراقبة الدولة في الكنيست ذات أهمية كبيرة نظرا لصلاحيات التحقيق الواسعة، مثل القدرة على استدعاء الشهود والتوصية بالاستقالات، مثلما حدث مع رئيسة الوزراء السابقة جولدا مائير عقب حرب أكتوبر 1973، والتي استقالت بموجب توصية من "لجنة أجرانات".
ويرأس لجان الدولة رئيس المحكمة العليا، الذي يعين أعضائها، مما يحمي العملية من التدخل السياسي.
لكن أي لجنة تحقيق تابعة للدولة قد تستغرق أشهرا قبل أن تنشر نتائجها.
وقد استغرقت لجنة "أجرانات" خمسة أشهر لإصدار تقرير أولي (أبريل/نيسان 1974) وما يقرب من عام ونصف لإصدار النسخة النهائية (يناير/كانون الثاني 1975).
وبصرف النظر عن الجدول الزمني الممتد، يمكن لنتنياهو أن يسعى إلى تعديل تشكيل لجنة تحقيق لحماية نفسه من المسؤولية الشخصية.
رابعا: محاكمة نتنياهو بتهم الفساد
ويقول الكاتبان إنه بعد ذلك، بالطبع، هناك محاكمة نتنياهو الخاصة – التي تمتد لأربع سنوات متتالية دون أي علامات على الانتهاء في أي وقت قريب.
ويمكن بسهولة أن يمر عام آخر ويؤدي إما إلى إدانة أو صفقة إقرار بالذنب، بما في ذلك اعتزال نتنياهو السياسة، لمنع نتيجة الإدانة هذه.
الأمر الوحيد المؤكد هو أن الأمر سيستغرق بعض الوقت، فعلى سبيل المثال تم توجيه الاتهام إلى أولمرت في يناير 2012 في قضية هوليلاند، وأدين بتهمتي الرشوة في مارس/آذار 2014، وبدأ قضاء عقوبة بالسجن لمدة 19 شهرًا فقط في فبراير/شباط 2016.
اقرأ أيضاً
نتنياهو يسير على حبل مشدود في صفقة الأسرى وسط اعتراضات وزرائه اليمينيين
مسار خامس لإبعاد نتنياهوويقول الكاتبان إن هناك مسارا خامسا لإزالة نتنياهو من السلطة، لكنه يظل سيفا ذو حدين، فقد شرعت إدارة بايدن في مبادرة إقليمية متكاملة لتجاوز الحرب بين إسرائيل و"حماس" وتحقيق الاستقرار على الساحة العربية الإسرائيلية الأوسع، محورها هو رغبة الإدارة - التي كانت واضحة قبل 7 أكتوبر - في الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق تطبيع إسرائيلي سعودي.
وتتضمن الخطوط العريضة سلسلة متتابعة من الخطوات: أولاً، إطلاق سراح الأسرى في غزة مقابل السجناء الذي من شأنه أن يؤدي إلى وقف مؤقت لإطلاق النار مع "حماس" يدوم أشهراً، يليه عرض سعودي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بشرط موافقة الإسرائيليين على إقامة دولة فلسطينية وانسحاب القوات من غزة.
ويبدو أن منطق الإدارة الأمريكية هو أن مثل هذا العرض من شأنه أن يؤدي بالتأكيد إلى كسر ائتلاف نتنياهو.
ولكن ربما يتخلى نتنياهو، الحريص على البقاء في السلطة، عن شركائه المتطرفين ويشرك حزب الليكود في تحالف جديد مع شركاء أكثر وسطية لإبرام الصفقة وتعزيز إرثه.
إذا رفض نتنياهو الصفقة، فسوف تتبعها انتخابات، مما قد يؤدي إلى هزيمته، وستحصل الحكومة الجديدة على الصفقة.
اقرأ أيضاً
هآرتس: نتنياهو يقوض السلام بوضع 3 دول عربية في "محور شر"
قدوم اليمينلكن الكاتبان يتساءلان عن خليفة نتنياهو المحتمل، في حالة نجاح محاولات الإطاحة به، لكنهما يعبران عن قلقهما من إمكانية وصول اليمين أو حتى يمين الوسط إلى السلطة، فدائما ما يكون اليمين هو المستفيد الأكبر من الأزمات الأمنية والسياسية في إسرائيل.
وعلى سبيل المثال، وفي عام 2001، ألحق أرييل شارون، زعيم الليكود، بإيهود باراك واحدة من أكبر الهزائم في السياسة الإسرائيلية بعد فشل قمة كامب ديفيد واندلاع الانتفاضة الثانية؛ وبالمثل أطاحت حرب لبنان عام 2006 برئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت، الذي أدت استقالته إلى بداية فترة نتنياهو الطويلة كرئيس للوزراء.
حكومة بقيادة جانتسلكن الكاتبان يشيران، في نهاية التحليل، إلى إمكانية أن تأتي حكومة جديدة بقيادة بيني جانتس، تركز أكثر على حماية الديمقراطية والمجتمع المدني وسيادة القانون.
ويضيفان أنه من شأن ائتلاف جانتس الجديد أن يتخلى عن الخطاب الهدّام الذي ينشره نتنياهو تجاه الولايات المتحدة، وربما يثبت أنه أكثر واقعية في القضايا المتعلقة بالصراع مع الفلسطينيين.
ومن المشكوك فيه أن تكون الحكومة الجديدة، التي من المحتمل أن تدير سلسلة أيديولوجية من اليمين إلى اليسار على غرار ائتلاف بينيت لابيد السابق، قادرة على اتخاذ قرارات جوهرية تؤدي إلى اتفاق تحويلي ينهي الصراع مع الفلسطينيين، يقول الكاتبان.
اقرأ أيضاً
نتنياهو فقد ثقة شعبه وحلفائه.. نيويورك تايمز: ليس رجل المرحلة
ومع ذلك، وعلى الرغم من أنها لن تقدم حلاً سريعاً للمشكلة بعيدة المنال المتمثلة في الأرض الموعودة كثيراً، إلا أن الحكومة الجديدة قد تقرب المنطقة خطوة أخرى - مع تغيير القيادة على الجانب الفلسطيني أيضاً.
المصدر | آرون ديفيد ميلر وآدم إسرائيليفيتز / فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: نتنياهو غزة حكومة نتنياهو بيني جانتس إيتمار بن غفير اليمين المتطرف رئیس الوزراء اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
جيل زد السوري الذي دفع الثمن مبكرا
تزداد الأثمان التي يدفعها الجيل "زد" (Gen Z) في سوريا، كلما تأخر المجتمع الدولي وقوى الأمر الواقع في بناء سلام يستند إلى حل سياسي يطوي صفحة الصراع الذي اندلع قبل نحو 13 عاما.
فمواليد هذا الجيل الذين رأت عيونهم النور بين عامي (1996-2011) -وهي السنوات التي يُصنف بها عالميا- تتراوح اليوم أعمارهم بين 13 و28 عاما، وتعيش النسبة الأكبر منهم في دول الجوار وفي المخيمات وأوروبا، حيث دفعتهم مآسي الحرب للهرب نحو حياة آمنة، وسط حالة عدم يقين ليس بحاضرهم فحسب، بل وبمستقبلهم الذي يلفه الغموض مع استمرار الصراع، وتدهور الوضع الإنساني داخل البلاد.
وتقدر المؤشرات الديمغرافية للنمو السكاني -التي يصدرها البنك الدولي تباعا- إلى جانب مصادر حكومية سورية، عدد أفراد هذا الجيل في عام 2011، وهو العام الذي شهد بداية الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، نحو 8 ملايين فرد، بلغت نسبتهم 38.3% من عدد السكان.
في حين تُجمع منظمات حقوقية عالمية على أن أغلب أفراده تعرضوا بين عامي 2011-2024 لدورات متكررة من العنف الحكومي والنزوح واللجوء ولحرمان غذائي وصحي وتعليمي شديد، علاوة على عواقب جسدية ونفسية مدمرة طويلة المدى أثّرت على تكوينهم واهتماماتهم.
القمع في مرحلة متقدمةخلال العقدين الأخيرين من حكم الرئيس السابق حافظ الأسد، شهد جيل إكس (1980-1965)، وجيل الألفية (1996-1981)، مجريات سياسية مؤثرة بدءا من ظاهرة "الأسد إلى الأبد" إلى شعار "لا حياة في هذا البلد إلا للتقدم والاشتراكية"، ترجمهما نظام دمشق لحملات قمع واعتقالات واسعة، ومجازر ارتكبها الجيش السوري (1983-1980) في مناطق تدمر وحماة وحلب وجسر الشغور، انتهت بمصرع عشرات الآلاف من المدنيين.
وورث جيل زد -حسب السياسي السوري المعارض عماد غليون- مظاهر الخوف والقلق التي تركها الأسد الأب في نفوس السوريين، واستمرت بعد وفاته مع نظام الأسد الابن عام 2000.
ولفت غليون، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن التحولات العميقة التي جرت في بنية الدولة وتحولها لما يُعرَف بسوريا الأسد من خلال نظام حكم إقصائي يستند إلى ركيزتي المخابرات والجيش، لم تكن لتحمي النظام الحالي من غضب شعبي صامت، خرج إلى العلن مع شعارات جدارية شارك في كتابتها أطفال من جيل زد -كما في مدينة درعا جنوب البلاد- مطلع عام 2011، تناهض النظام وسياسته الداخلية.
ورغم محاولة تدجين هؤلاء الأطفال بفرض مناهج تعليم ذات طابع سياسي وإلزامية الانضمام لثلاث منظمات عقائدية ترافق حياتهم الدراسية (طلائع البعث، وشبيبة الثورة، واتحاد الطلبة) للسيطرة على عقولهم، فإن النظام -بحسب غليون- فشل في تحطيم حلمهم وتطلعاتهم للحرية والكرامة.
غليون: رغم محاولة تدجين هؤلاء الأطفال فإن النظام فشل في تحطيم حلمهم وتطلعاتهم للحرية والكرامة (شترستوك) التحرر من عباءة الخوففي مطلع عام 2012، انضم عبد السلام -ابن الـ15 عاما آنذاك- إلى الاحتجاجات التي خرجت بمدينة حماة، وشهد -حسب حديثه للجزيرة نت- مقتل عشرات المتظاهرين من أبناء جيله برصاص القوات الحكومية، في ساحة العاصي (مركز المدينة) ووصف المشهد بقوله: لقد لقوا مصرعهم وهم يحملون الورود بأيديهم.
في العام نفسه، فر عبد السلام إلى الأردن بمساعدة أصدقائه بعد أن لاحقه الأمن الحكومي، وقدم للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين طلب لجوء تم قبوله، ثم استكمل دراسته، ويتابع حياته في العاصمة عمان على أمل أن يعود لبلده، وقد تحققت تطلعات جيله.
تقدر الأمم المتحدة عدد الذين لقوا مصرعهم من أفراد هذا الجيل على يد قوات الأمن السورية والجيش النظامي، بأكثر من 10 آلاف طفل، خلال السنوات الثلاث الأولى من الصراع، إضافة إلى أن عددا أكبر أصيب بجروح جراء القصف الجوي والبري.
ورصد تقرير قدمه الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن في يناير/كانون الثاني 2014 حول حالة الأطفال والنزاع المسلح في سوريا، حالات لا تُحصى من قيام القوات الحكومية بقتل الأطفال وتشويههم، وعرقلة حصولهم على التعليم والخدمات الصحية.
وذكر التقرير الذي غطى الفترة الواقعة بين مارس/آذار (2011-2013) أن القوات الحكومية ألقت القبض على عدد كبير من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عاما، واستخدمتهم أمام الدبابات كدروع بشرية، في حين تعرض عدد كبير بعمر الـ11 عاما للرصاص في تظاهراتهم المناوئة للحكومة في عدد من المحافظات، وقُتل أغلبهم وأصيب آخرون بإصابات بليغة.
وأرجع التقرير الإصابات التي تعرض لها أفراد هذا الجيل خلال تلك السنوات إلى إطلاق الرصاص العشوائي على المتظاهرين والقصف المكثف بالمدافع والطائرات الحربية على القطاعات المدنية، إذ أدى الأخير إلى حروق وجروح وبتر أطراف وإصابات بالعمود الفقري طالت الكثيرين منهم.
شاب يسير على أنقاض وسط مبانٍ متضررة إثر قصف على مدينة حلب السورية 2014 (شترستوك) سلوكيات مضطربة وغضب سريعمن منظور عام، تأثر الأبناء السوريون من جيل زد بتجارب آبائه من جيلي (إكس والألفية) خلال نصف قرن من الإقصاء والاستبداد السياسي وسطوة الحزب الواحد الذي يقود الحكم في سوريا، وأسهمت تجارب محيطه العائلي والاجتماعي المتراكمة، حيث أمضى مئات الأفراد سنوات قيد الاعتقال كسجناء رأي في فترات مختلفة، على نظرته للحياة والمستقبل.
ورغم سمة التمرد التي نافس بها سابقيه ومحاولته كسر القيود التي حدت من تطلعاته، فإن علاقته بجيل الألفية في بعض المسائل تبدو تكاملية، خاصة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والتغيير والحرية والعدالة والمساواة.
كما زاد رواج المصطلحات الحديثة، مثل الدولة المدنية، والمواطن العالمي، والجندر، والاقتصاد الرقمي، ومنصات التواصل الشبكية، من تماهيه بين المحلي والإقليمي والعالمي، متأثرا بأفكار وتوجهات جديدة تتعلق بالهوية والقيم المجتمعية ومفاهيم غالبا ما كانت تدفعه إلى تجاوز المألوف والنزوع نحو التمرد والعصيان والعنف، وفي أحيان أخرى إلى الانكماش بداعي القلق والتوترو الاكتئاب.
وكشفت دراسة استطلاعية أجرتها جامعة كامبردج بين عامي (2019-2020) شملت نحو 1300 فرد من جيل زد ممن عاشوا ودرسوا في مدينة دمشق، عن وجود آثار سلبية عند 53% منهم نتيجة الصراع كاضطراب ما بعد الصدمة وسرعة الغضب.
وأفادت الإجابات التي نقلتها الاستبيانات على لسان فتيان وفتيات من الصف العاشر وما فوق، في 7 مدارس حكومية تَعرّض 58% منهم لخطر مباشر، في حين قال 40% إنهم فقدوا أحد الأقرباء، و61% عانوا كثيرا بسبب ضوضاء الحرب، و62% عانوا من سرعة الغضب لأتفه الأمور، مما تسبب لهم بمشكلات كثيرة.
ولفتت الدراسة إلى أن تأثيرات الحرب كانت أسوأ بالنسبة للفتيات، حيث ذكرن أنهن يعانين في أغلب الأحيان من نسب أعلى لاضطراب ما بعد الصدمة، ما جعل نوعية حياتهن أسوأ من أقرانهم الذكور.
دراسة: تأثيرات الحرب في سوريا كانت أسوأ بالنسبة للفتيات إذا يعانين غالبا من نسب أعلى لاضطراب ما بعد الصدمة (رويترز) اصطفافات أنتجت هوية مجزأةعلل الخبير المختص في التنمية البشرية إبراهيم السعيد ميل بعض أفراد الجيل الذين ولدوا مع بداية الصراع في المناطق الساخنة للعنف وتقمص شخصية المحارب، إلى صورة الدبابة والطائرة وبندقية الكلانشينكوف التي لا تزال تتحكم بمخيلتهم، فأغلب هؤلاء لا يعرفون شيئا في الحياة سوى الحرب والقتال والهرب إلى أمكنة أكثر أمانا تحميهم من القصف.
بالمقابل، رد السعيد قصور الجيل المعرفي تجاه الماضي وإرثه التاريخي وعدم إلمامه بتضحيات أجداده في مرحلة الاستقلال 1945-1925، ونضالاتهم ضد الديكتاتوريات التي حكمت في بداية نشوء الدولة السورية الوطنية، وعادت مع حكم البعث في عام 1963، إلى سياسة تجهيل كانت تهدف لصنع ذاكرة جديدة لا تحتوي غير إرث الأسد.
وأوضح، في حديثه للجزيرة نت، أن تفاوت السمات التي يحملها أنتج هوية مجزأة تعكس الأزمة العميقة التي يواجهها المجتمع السوري بعد أن عززت الحرب الطريق لاصطفافات سياسية وعقائدية ونمو هويات صغرى وفرعية تسعى جميعها للتميز والهيمنة عبر نهج إقصائي بدأه النظام أولا واستثمرته مكونات أخرى لأبعاد سياسية.
وشدد السعيد على أن أغلب أفراد الجيل الذين نزحوا تتوزع هويتهم بين قوالب نمطية ذات خلفيات أيديولوجية محددة، وأخرى ذات فضاء حر لا ترتبط فكريا بأية أيديولوجية، لكنهم جميعا مندفعون تجاه دولة تحمي حقوقهم وتطلعاتهم المشروعة.
وفي السياق نفسه، عبّر همبرفان كوسه عضو غرفة دعم المجتمع المدني السوري (CSSR) -وهو فريق عمل تابع للأمم المتحدة- عن مخاوفه من وجود تصدّعات في جسد الشباب السوري، ودعا -في كلمة خلال افتتاح مؤتمر بروكسل السادس حول سوريا- إلى دعم الحوار بين فئاتهم بما يتجاوز الانتماءات الجغرافية والطائفية، وطالب بالابتعاد عن أولئك الذين ينشرون خطاب الكراهية.
السعيد: أغلب أفراد جيل زد الذين نزحوا تتوزع هويتهم بين قوالب ذات خلفيات أيديولوجية محددة وأخرى ذات فضاء حر (غيتي) فقر في الأمن والتعليم والمنظومة الرقميةتصف الأمم المتحدة الصراع السوري بأنه أكثر الحروب دموية في العالم، فعلاوة على حجم الدمار الهائل وخسائر الاقتصاد التي بلغت نحو 400 مليار دولار، خسرت البلاد رأسمالها البشري؛ إذ لقي ما يزيد عن 500 ألف شخص مصرعهم، وأكثر من 970 ألف مغيبين قسريا، بينهم 155 ألف سيدة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
كما سجلت سوريا أعلى نسبة نزوح داخلي بنحو 7.2 مليون نازح، ولجوء حوالي 6.5 مليون للخارج، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، وذلك لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية على المستوى العالمي.
ويرى محللون أن حصة جيل زد من هذه الخسائر غير متوفرة بدقة، لكنها كبيرة، تختزلها 3 أوضاع تنم عن تعرضه لفقر في الأمن والتعليم وفي حصته من التكنولوجيا الرقمية.
وتشير معظم ردود أفراده حول الأسباب التي دعتهم للفرار خارج البلاد إلى وجود مخاطر أمنية تتعلق بمواقفهم من السلطة، إضافة إلى ما يشكله تجنيدهم الإجباري في الجيش الحكومي من استثمار -يرفضونه- يعمل له النظام بهدف ضخ دماء جديدة إلى قواته المنهكة على جبهات الحرب.
من جهة ثانية، رصدت تقارير الأمم المتحدة تأثر هذا الجيل خلال سنوات الصراع بآليات تكيف سلبية اتبعتها الأسر في مواجهات المتغيرات التي أفرزتها الحرب، كالعمل بدل المدرسة لإعالة الأسرة، نتيجة الضائقة المالية التي تعاني منها 90% من العائلات.
وتأسفت إيلينا ديكوميتيس، مستشارة السياسات المعنية بالشباب في المجلس النرويجي للاجئين، من أن "الشباب أجبر على وضع مرحلة المراهقة جانبا، بغية خوض مرحلة البلوغ على عجل، والنهوض بمسؤوليات كبيرة من أجل إعالة أسرهم".
محللون: حصة جيل زد من الخسائر كبيرة تختزلها أوضاع تنم عن تعرضه لفقر في الأمن والتعليم والتكنولوجيا (الأناضول)وتؤكد اليونيسيف، في تقرير لها، أن ما يزيد عن 2.5 مليون طفل خسرهم التعليم في سوريا، حيث تواجه البلاد أكبر أزمة تعليم في التاريخ الحديث بحسب المصدر، وصنف التقرير المرافق التعليمية في المدن والبلدات التي شهدت هجمات حكومية، بأنها إما مدمرة أو مصابة بضرر أو تؤوي أسرا نازحة، في حين تعاني أخرى في المدن الخاضعة لسلطة النظام من ضغط شديد.
لمس ماجد -أحد مواليد الجيل زد- بعد فراره توفر بدائل أكثر جاذبية في دول اللجوء، ونفى امتلاكه في مطلع حياته السبل والمهارات التي كان من المفترض أن تمكنه من الاستثمار في المبتكرات الحديثة ومجاراة الثورة الرقمية وتكنولوجيا الاتصالات التي يشهدها العالم.
وأكد للجزيرة نت أنه لم يشعر بضرورة تفاعله مع الموجة الرقمية، إلا بعد أن غادر البلاد وأقام في تركيا، إذ قال "لقد اكتشفت فجوة كبيرة بين ما وصلت إليه قدرات الجيل زد في المجتمعات المجاورة، وبين واقع جيلنا في سوريا".
يصف ماجد مواليد جيله بجيل الرقمنة الذي عاش أفراده على مستوى العالم زمن الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ويرى أن حصة جيله كانت ضعيفة، بسبب موانع فرضتها السلطات أدت لحالة انغلاق عن العالم عاشها المجتمع السوري سنوات طويلة.
ونقل عن أحد أقاربه كيف كان استخدام جهاز الفاكس -في بداية انتشاره زمن الأسد الأب- دون موافقة جهاز المخابرات، جريمة تعرض صاحبه للتوقيف، وكيف كانت أغلب العائلات تخفي جهاز الستلايت أيضا الخاص باستقبال القنوات التلفزيونية عبر الأقمار الاصطناعية تحت أغطية من القماش، خوفا من انكشاف أمره لأجهزة الأمن.
واصطدم أبناء هذا الجيل بأول احتكار لتكنولوجيا الاتصال الخلوي ومعلومات الإنترنت بعد أن حصلت شركة خاصة على امتياز استثمار الشبكة عام 2001، ورفعت أسعار الخطوط الخلوية لأرقام لم تتمكن من تسديدها سوى نخبة المجتمع السوري.
وذكر تقرير أصدرته الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2003 أن عدد مشتركي خدمة الهاتف الخلوي بلغ 12 مشتركا لكل 1000 شخص (25 ألف مشترك في دمشق و20 ألفا في حلب).
غير أن الرقم الذي ارتفع بعد عدة سنوات، حين أصبحت أسعار خدمة الشبكة متاحة لمختلف طبقات المجتمع، أعطى مؤشرا حول اندفاع محدود لاستدراك الفجوة التي فصلته عن العالم الرقمي، وحقق إنجازا بارزا عندما نقل للعالم بالصوت والصورة عبر كاميرات أجهزة الخلوي والنت الفضائي -لتوقف الأرضي- وقائع الاحتجاجات الشعبية عام 2011، وردود فعل النظام العنيفة تجاهها.
وتواجه أعداد كبيرة داخل البلاد تحدي الوصول إلى فرص سبل العيش الرقمية اللائقة، بسبب عدم كفاية سرعة الإنترنت وتقطعه أو انقطاعه لفترات طويلة.
وكانت عينة شبابية من الجيل نفسه قد بررت، في دراسة أجراها مكتب اليونسكو في بيروت عام 2021 بعنوان "محو الأمية وتقييم المهارات الحياتية للشباب السوري"، أن عدم حضورهم عبر الإنترنت يعود إلى:
عدم امتلاكهم جهاز كمبيوتر شخصيا أو لابتوب. غياب الطاقة ومشكلات في إشارات الهاتف المحمول. صعوبات مالية أدت إلى عدم توفر الهواتف الذكية وعدم توفر أجهزة التلفاز.