#وراء_الحدث د. #هاشم_غرايبه
لتبيّن ماذا وراء محاكمات “عمران خان”، علينا معرفة أن الباكستان هي إحدى الدول الإسلامية، لذا وجدنا أن المستعمرين الأوروبيين أحكموا قبضتهم عليها، كباقي الدول التي كانت تشكل الدولة الإسلامية، بعد نجاحهم بهزيمة الدولة العثمانية وريثة الدولة الإسلامية.
اغتنم البريطانيون والفرنسيون هذه الفرصة التي لاحت أخيرا بعد صراع فاشل لأجدادهم الرومان قرونا عديدة مع الدولة الإسلامية، التي طردتهم من المنطقة العربية شر طردة، لذلك اجتهدوا في وضع كل العراقيل أمام إعادة توحد الأقطار الإسلامية بعد أن قسموها.
كانت الهند والباكستان بلدا واحدا، ومنذ أن دخلت في الإسلام، وبسبب اتساع رقعة شبه القارة الهندية وبعد الجنوب عن الاحتكاك بالمسلمين، وبسبب الفقر والجهل الذان رسخهما النظام الاقطاعي الذي كان سائدا، بقيت المناطق الجنوبية على معتقداتها الوثنية، لكن ظل نظامها السياسي إسلاميا، وحتى بعد احتلها المغول، بقيت كذلك إذ أنهم ذاتهم دخلوا في الإسلام.
بعد احتلال بريطانيا لها عام 1858 وما خرجت بعد تسعين عاما، إلا بعد أمنت الوسائل الكفيلة بمنع عودتها الى ديار الإسلام، فأذكت التعصب القومي المتخلف، الذي يعتبر الإسلام استعمارا، فشجعت النزعات الهندوسية والسيخية، لإذكاء الصراع مع المسلمين، ثم قامت بتقسيم البلاد الى الهند والباكستان بناء على المعتقد، وأبقت منطقة كشمير الواقعة على المنطقة الفاصلة بينهما تحت حكم الهند رغم أن أغلبية سكانها مسلمون، لتبقى مصدر نزاع وصراع منهك.
لم تهتم بريطانيا كثيرا بالتدخل في الهند طالما أنها فصلتها عن العالم الإسلامي، جل اهتمامها كان بالنظام الباكستاني، والذي تعاملت معه بالأسلوب ذاته كسائر الأقطار العربية والإسلامية فبعد أن وجد المستعمرون الأوروبيون أن احتلالاتهم العسكرية للوطن العربي عالية الكلفة، ويمكن تحقيق مبتغاهم في السيطرة السياسية والإقتصادية بكلفة ضئيلة، من خلال تنصيب أنظمة حكم محلية ملتزمة بممانعة الإسلام، خرجت جيوشهم، لكي يتهيأ للشعوب الثائرة أنها دخلت في مرحلة التحرر الوطني، ولتجميل صورة الأنظمة الموكل إليها إدارة البلاد.
لكن وزيادة في الإحتياط أبقيت المفاصل الرئيسة في يد (مستشارين) أجانب، وأهمها الجيوش الوطنية.
تمت تنشئة الجيوش والأجهزة الأمنية، بحيث تحقق حماية النظام الحاكم، الذي يدرك أن بقاءه مرهون بقدرته على منع الإسلاميين من الوصول الى المراكز المؤثرة، لذلك بنيت عقيدتها القتالية على الولاء للزعيم، وتمت تهيئة القيادات في دورات ومعاهد غربية لضبط الإلتزام بهذه المعايير، وعزل عقولهم عن الفكر الإسلامي والولاء للأمة، لأنهما أمران متلازمان، فالمسلم يتخطى عقله حدود (سايكس بيكو)، وانتماءه يكون للأمة وليس للقطر، وولاءه لله وليس للزعيم.
لذلك تحرص الأنظمة على منع انتشار الفكر الإسلامي في صفوف العسكريين، لأن ذلك سيؤدي الى وحدة الأمة من جديد، أي قيام دولة إسلامية قوية مستقلة القرار، مما سيشكل بلا شك تهديدا جديا لمصالح الغرب.
ولما أن العسكر وظيفتهم قتالية نقيض للسياسية، إذ تعلموا وتدربوا على الإنضباط للآمر وعدم مناقشته أوتقييم آثاره، بل التنفيذ التام.
لهذا السبب لا يوجد لهم أي دور سياسي في الديمقراطيات الحديثة، فقائد الجيش العسكري يتبع لوزير الدفاع المدني، لذلك لا يمكن أن يناط بالعسكر أية مهمة سياسية، ومتى ما تم تجاوز ذلك كان فسادا في السلطة.
يقول الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد): “ما من حكومة عادلة تأمن المسؤولية والمؤاخذة، بسبب غفلة الأمّة أو التَّمكُّن من إغفالها، إلاّ وتسارع إلى التَّلبُّس بصفة الاستبداد، وبعد أن تتمكَّن فيه لا تتركه، وفي خدمتها إحدى الوسيلتين العظيمتين: جهالة الأمَّة، والجنود المنظَّمة”.
من هنا نفهم لماذا لا تقوم انقلابات عسكرية إلا في الدول التي فرض عليها التخلف، كما نستنتج تفسير أصرار الغرب على إبقاء العسكر على رأس السلطة في الدول العربية الهامة.
وفي الدول التي يتمكن المدنيون من الوصول للسلطة، يبقوا العسكر متمكنين من التحكم بالنظام السياسي تحت مسمى (حراس العلمانية) أو بالتسمية الحديثة الحماية من الأرهاب.
والأمثلة ماثلة، نراها في الجزائر ومصر وسوريا والسودان وليبيا حفتر، كما في تركيا والباكستان.
هكذا نفهم انقلاب الجيش التركي على عدنان مندريس واعدامه، وانقلاب ضياء الحق على “بوتو” واعدامه، وانقلاب السيسي على مرسي واعدامه، والآن نشاهده في سلسلة محاكمات “عمران خان” بتهم سخيفة لإعدامه سياسيا بمنحه من الترشح.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: وراء الحدث
إقرأ أيضاً:
ما الدول التي يواجه فيها نتنياهو وغالانت خطر الاعتقال وما تبعات القرار الأخرى؟
أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي أوامر اعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بينامين نتنياهو، ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، وذلك يعني أن أكثر من 120 دولة موقعة على معاهدة روما ملزمة باعتقالهما على أراضيها.
وجاء في تقرير لصحيفة "معاريف" أن أكثر من 120 دولة موقعة على معاهدة روما ملزمة باعتقال رئيس نتنياهو غالانت، في حال دخولهما أراضيها، ويأتي القرار في ظل الشبهات حول ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.
وتشمل قائمة الدول الموقعة في أوروبا 39 دولة، بينها قوى كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى ذلك، فإن الدول المجاورة لـ"إسرائيل" مثل قبرص واليونان، التي تعتبر وجهات مفضلة للشخصيات الإسرائيلية الرفيعة، ملزمة أيضًا بالمعاهدة.
وفي أفريقيا، وقعت 30 دولة على المعاهدة، بما في ذلك دول هامة مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا، في قارة أمريكا، انضمت 24 دولة إلى المعاهدة، من بينها قوى إقليمية مثل البرازيل وكندا والمكسيك، بينما تغيب عن المعاهدة الولايات المتحدة التي لم توقع عليها.
في آسيا، وقعت ثماني دول فقط على المعاهدة، من بينها اليابان وكوريا الجنوبية والأردن، في أوقيانوسيا، انضمت ثماني دول إلى المعاهدة، بما في ذلك أستراليا ونيوزيلندا.
وأكد التقرير أن "توقيع الدول على المعاهدة يلزمها بالتعاون مع المحكمة الدولية وتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عنها، ومعنى هذا القرار هو أن نتنياهو وغالانت قد يجدان نفسيهما محدودين بشكل كبير في حركتهما الدولية، خصوصًا في الدول الغربية المتقدمة".
وأشار إلى أن هذا الوضع قد يؤثر على قدرتهما على عقد لقاءات دبلوماسية وتمثيل "إسرائيل" على الساحة الدولية، وحتى الآن، أكد وزير الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن "أوامر الاعتقال ليست سياسية ويجب تنفيذها".
من جانبه، انضم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إلى دعوة احترام وتنفيذ قرار المحكمة، مضيفًا أن الفلسطينيين يستحقون العدالة بعد جرائم الحرب التي ارتكبتها "إسرائيل" في غزة.
في الوقت نفسه، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية أن رد فعل بلاده على أوامر الاعتقال سيكون وفقًا لأنظمة المحكمة، وهو انضمام مهم آخر من الدول التي تعترف بسلطة المحكمة في لاهاي.
وفي تقرير آخر للصحيفة، أكد الخبير في القانون الدولي وقوانين التسليم من كلية الحقوق في كلية الإدارة، يارون زامر، أنه "من الناحية العملية، يمكننا القول الآن أنه من المحتمل ألا يتمكّنوا من الوصول إلى أي من الدول الأعضاء في المحكمة، وهذا يشمل حوالي 124 دولة. ولحسن الحظ، أو ربما لحظنا، الولايات المتحدة ليست واحدة منها".
وفقًا للمحامي زامر، يحمل القرار تبعات أخرى: "في الأساس، يفتح هذا المجال لمحاكمة مستقبلية لأشخاص في رتب أدنى، السبب هو أن المحكمة تبعث برسالة من عدم الثقة في النظام القضائي الإسرائيلي، والتبعات التي قد نشعر بها فعلا، هي أن الدول ستسعى لتجنب العلاقات مع إسرائيل".
وأضاف "تخيلوا وجود دولة ديمقراطية تريد الآن التجارة بالأسلحة مع إسرائيل أو تقديم مساعدات أمنية لإسرائيل في الوقت الذي يكون فيه زعيم الدولة مطلوبًا من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب".
ووفقًا لبيان المحكمة، فإن نتنياهو وغالانت "يتحملان المسؤولية الجنائية عن الجرائم التالية كمشاركين في تنفيذ الأفعال مع آخرين وهي: جريمة الحرب باستخدام المجاعة كوسيلة حرب؛ وجرائم ضد الإنسانية من قتل واضطهاد وأفعال غير إنسانية أخرى".
وكانت هولندا، التي تستضيف المحكمة في لاهاي، أول دولة تعلن أنها ستلتزم بأوامر الاعتقال، وفيما يتعلق بإمكانية إصدار أوامر اعتقال إضافية، يعتقد زامر: "من الصعب أن أصدق أن المحكمة ستقوم فعلاً بمحاكمة الأشخاص في أعلى المناصب، ليس عبثًا تم إصدار الأوامر ضد رئيس الحكومة ووزير الدفاع، أشك في أنه تم إصدار أوامر ضد شخصيات أخرى، لكن من الناحية النظرية، قد يكون هناك وضع استثنائي".
وأوضح أنه "من الناحية النظرية، قد يكون هناك وضع استثنائي، لكن أعتقد أن المحكمة ستوجه اهتمامها بشكل رئيسي إلى الأشخاص في المناصب العليا، في النهاية، التوجه العام للمحكمة هو محاكمة كبار المسؤولين الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن القرارات السياسية والعسكرية".
وذكر زامر أنه على الرغم من التحديات التي قد يواجهها القادة الإسرائيليون في السفر إلى دول أخرى بسبب أوامر الاعتقال، فإن "إسرائيل" قد تتخذ خطوات دبلوماسية لمواجهة هذه التحديات، لكن ذلك قد يتطلب تضافر الجهود على المستوى الدولي لتخفيف الضغط، وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن بعض الدول قد تلتزم بالأوامر بينما أخرى قد تحاول تجنب ذلك لأسباب سياسية أو أمنية.
وفيما يخص تأثير هذه الأوامر على العلاقات الدولية لـ"إسرائيل"، أكد زامر إن الدول ستتردد في التعامل مع إسرائيل بشكل طبيعي إذا كانت تواجه ضغوطًا من المحكمة الجنائية الدولية، قد يؤدي ذلك إلى عواقب كبيرة على مستوى التجارة، التعاون الأمني، والعلاقات الدبلوماسية مع العديد من الدول حول العالم.
وختم أن هذه التطورات ستكون بمثابة نقطة تحول في كيفية تعامل "إسرائيل" مع العالم الخارجي، حيث ستواجه تحديات إضافية على صعيد العلاقات الدولية والشرعية القانونية.