شكلت الديمقراطية أحد المطالب الشعبية منذ ظهورها في عصر اليونان، حيث راكمت البشرية العديد مفاهيمها المتعددة ونظرياتها المختلفة، على الرغم من أن أجرأتها تبقى حبرا على ورق بحكم شكل الأنظمة سواء منها الإقطاعية والفيودالية والأوليغارشية والديكتاتورية والتوليتارية والاستبدادية، وعرف هذا المفهوم العديد من التغيرات والتغييرات السياسية والعسكرية التي عرفتها الإنسانية، ولعل مفهوم الديمقراطية الاجتماعية أو ما يعرف بالديمقراطية الشعبية الذي يعد أحد المفاهيم التي ظهرت مع بداية القرن الواحد والعشرين، هو خلافا للديمقراطية التقليدية التي كانت سائدة في الغرب والتي كانت ترمي إلى تحقيق المساواة السياسية، والتي عملت على الرفع من مستواهم من الناحية المادية وهو نمط جديد انضاف إلى صور الديمقراطية بمفاهيمها القديمة التي اتخذت أشكالا متعددة، الديمقراطية المباشرة أو ما يعرف بالديمقراطية المثالية والتي يتولى أفراد الشعب مباشرة بأنفسهم جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
أما الديمقراطية الاجتماعية التي جاءت نتيجة موت الاشتراكية كما أكد عالم الاجتماع أنتوني جيدنز، كما أن التطور الصناعي والتقني الذي عرفه العالم فرض المناداة بها باعتبار أن فلسفتها الاجتماعية التي تعتمد على حرية كل مكونات الشعب في العيش الكريم والدخل المعقول والمساواة الاجتماعية بين جميع أفراد المجتمع، وكما أشار عالم الاجتماع انتوني جيذنز في كتابه “الطريق الثالث” الذي يعتبر رؤية متكاملة يمكن أن تصنع بناء متكاملا، حيث أن فلسفة الطريق الثالث تسعى إلى تحقيق التواؤم بين بعض القيم التقدمية العريقة التي لازمت الإنسان زمنا طويلا وتستند هاته الفلسفة كما أكد صاحب الكتاب إلى:
– التزام الحكومات بأن تكفل الفرص أمام جميع مواطنيها وترسخه، ولا تسمح لأحد بأي امتيازات أخرى من أي نوع.
– مبدأ أخلاقي يقوم على المسئولية المتبادلة التي ترفض سياسات التمييز بنفس القدر الذي ترفض به سياسات النبذ الذي أسماه جيدنز في هذا الكتاب الاستعباد الاجتماعي.
– توجه جديد لعملية الحكم يقوم على تمكين المواطنين ليتصرفوا بأنفسهم لما يحقق مصالحهم.
كما أن الدولة الاجتماعية مرتبطة بشكل قوي بالديمقراطية، فعبر الديمقراطية، يتم التعبير عن المواطنة الفاعلة، وتحقيق التماثل الاجتماعي، وهناك ثلاث أطروحات تؤكد ذلك.
الأطروحة الأولى تشير إلى أن الديمقراطية تؤدي إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية حسب نظر المفكر البنغالي أمارتياسن، والأطروحة الثانية تؤكد أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تؤدي إلى الديمقراطية والدليل على ذلك نموذج دول المينا والخليج العربي، أما الأطروحة الثالثة فتتعلق بأن التنمية الإنسانية تؤدي إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتبار أن التنمية الإنسانية تتعلق بإعطاء الناس الفرص والقدرات وتنمية الإنسان لأجل الانسان.
وباعتبارها تتعلق بمؤشرات ترتبط بالأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والبيئي.
كما أن الدولة الاجتماعية تنبني على العدالة المجالية وإعطاء التراب أحقيته وأهميته باعتباره يشكل إحدى أهم مرتكزات المواطنة الفاعلة وهو عنصر الانتماء، دون أن ننسى أن معالم ها ترتكز على محاربة الاحتكار العمومي وتنبني على توزيع الموارد والخدمات وتكافؤ الفرص وفعالية وضبط القانون وتنظيم الحوار العمومي وتفعيل الديمقراطية التشاركية، من خلال التجارب المقارنة يتبين لنا أن دعامات الدولة أصبحت حاضرة بشكل قوي لدينا سواء من خلال دستور سنة 2011، أو البرامج الحكومية للحكومات التي أعقبت هذا الدستور، حيث نص الدستور في تصديره ذكر بالعديد من دعائم الدولة الاجتماعية.
إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.
كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.
وإدراكا منها بضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في هذه المنظمات، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا.
كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على السلام والأمن في العالم، وتأسيسا على هذه القيم والمبادئ الثابتة، وعلى إرادتها القوية في ترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون والتضامن والشراكة البناءة، وتحقيق التقدم المشترك، فإن المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير.
كما نص في الفصل الأول على ما يلي:
– نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية.
– يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة
– الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
– تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.
– التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة.
كما نص في الفصل 31 على ما يلي:
– تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:
– العلاج والعناية الصحية؛
– الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛
– الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛
– التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة؛
– التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية؛
– السكن اللائق؛
– الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي؛
– ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق؛
– الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة؛
– التنمية المستدامة.
ونلاحظ من خلال ما سبق أن دستور 2011، أبرز لنا دعائم وركائز الدولة الاجتماعية الي تنبني على التضامن والمساواة والانصاف والحكامة الجيدة وتوزيع الخدمات العمومية بشكل متساو والاندماج الوطني والحماية الاجتماعية
نخلص في الأخير إلى أننا في عصرنا المعولم نحن في حاجة ماسة إلى ديمقراطية اجتماعية من شأنها أن تخلق سياسات اجتماعية مبنية على العدالة الاجتماعية لإعادة الاعتبار لإنسانية الإنسان.
عبدالواحد بلقصري – هسبريس المغربية
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدولة الاجتماعیة المملکة المغربیة کما أن
إقرأ أيضاً:
خبير اقتصادي: الدولة حريصة على حماية الشرائح الاجتماعية عبر التحول إلى لدعم النقدي
تحدث الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، عن التحول إلى منظومة الدعم النقدي، قائلا إنّ مخصصات الدعم في الموازنة العامة للدولة المصرية لا يجري المساس بها وتتخذ مسار تصاعدي من عام لآخر، موضحا أنّ الدولة حريصة على حماية الشرائح الاجتماعية المختلفة في برنامجها للإصلاح الاقتصادي.
تطوير برامج الدعم وعدم المساس بمخصصاتهوأضاف «جاب الله»، خلال مداخلة هاتفية عبر فضائية «إكسترا نيوز»، أنّه خلال تعاون الدولة مع صندوق النقد الدولي كانت هناك أولوية لتطوير برامج الدعم وعدم المساس بمخصصاتها، بل التركيز على زيادة مخصصات الدعم ومن ثم تأتي عملية جودة الإنفاق، مشيرا إلى أنّ الدولة تصمم على الدعم العيني في بعض المجالات مثل دعم الإسكان الاجتماعي للشرائح الأولى بالرعاية وتطوير إسكان العشوائيات، فضلاً عن دعم العلاج على نفقة الدولة.
التحول للدعم النقدي ليصل لمستحقيهوتابع: «هناك أوجه للدعم العيني بها كثير من المشكلات، عندما نجد دعم الوقود نلاحظ أن حوالي 10% من المقيمين في مصر يستفيدوا بهذا الدعم دون حق، كما ينطبق على دعم الكهرباء والمياه والسلع التموينية من خلال وصوله لفئات غير مستحقة، بالتالي الدعم النقدي يضمن الوصول إلى مستحقيه ويساعد على الحد من الهدر ومحاربة عدم الشفافية الذي يرتبط بممارسات الدعم العيني».