تحت رعاية وحضور حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه وأخيه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سلطان عمان الشقيقة أقيم ظهر اليوم حفل افتتاح (مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية) وذلك بولاية الدقم بسلطنة عمان الشقيقة.

هذا وقد وصل الموكب المقل لسموه حفظه الله ورعاه وأخيه جلالة السلطان المعظم الى موقع حفل الافتتاح حيث اقيم استقبال شعبي شارك فيه عدد من أهالي وأبناء محافظة الوسطى الكرام قدموا خلاله مجموعة من الفنون العمانية.

وكان في استقبال سموه رعاه الله وأخيه جلالة السلطان المعظم معالي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير النفط الدكتور عماد محمد العتيقي ومعالي وزير المالية بسلطنة عمان الشقيقة سلطان بن سالم الحبسي وعدد من السؤولين من الجانب الكويتي والعماني.

وفي مستهل الحفل تم عرض فيلم حول المشروع والذي يعد أكبر مشروع استثماري في قطاع المصافي والبتروكيماويات حيث سلط الضوء على الدور الحيوي للشراكة الكويتية العمانية في رحلة المصفاة نحو الرخاء.

وقد ألقى رئيس جهاز الاستثمار العماني عبدالسلام المرشدي كلمة هذا نصها:

“بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين وعلى من اتبعه إلى يوم الدين

مولاي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارقٍ المعظم.

حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت.

حفظكما الله ورعاكما وسدد على طريق الخير مسعاكما.

أيها الحضور الكريم:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وإنها لسعادة غامرة أن تحتفي فيها سلطنة عمان بجانب دولة الكويت الشقيقة بهذا المشروع المشترك بينهما والذي يأتي تجسيدا للعلاقات المتجذرة بين البلدين منذ القدم.

فمنذ أن مخرت السفن العمانية عباب البحار كانت بوصلتها تشير إلى شقيقتها الكويت فأشرعت تستبق الخطى إلى موانئها وهناك تجسدت معاني التعاون والتآلف بين الإنسان العماني والكويتي وغدت أنموذجا يحتذى به بين دول العالم المختلفة.

واليوم تسر الأعين وتبتهج الأنفس أن ترى العماني مع شقيقه الكويتي يعملان في مكان واحد يواصلان هذه المسيرة التاريخية المجيدة لتكون إرثا خالدا للأجيال القادمة يسترشد به على طريق السعي نحو الازدهار والتقدم.

وتتويجا لهذا الإرث المشترك وتعزيزا لأواصر الصداقة المتجذرة؛ فقد تكاتفت جهود الجانبين للعمل على مشروع مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية وهو أكبر مشروعٍ استثماريٍ بين دولتين خليجيتين في قطاع المصافي والبتروكيماويات بتكلفة جاوزت ثلاثة ونصف مليار ريال عماني (أي ما يعادل تسعة مليارات دولار أمريكي).

وتعد المصفاة أول مصفاة خليجية تعتمد على النفط الخام المستورد في عملياتها ويتوقع أن تسهم في رفع إجمالي الطاقة التكريرية لسلطنة عمان إلى 500 ألف برميل يوميا بزيادة تبلغ 230 ألف برميل يوميا.

أيها الحفل البهيج:

لقد تشرف هذا المشروع بأن وضع حجر أساسه جلالة السلطان هيثم بن طارقٍ -أيده الله- في عام 2018م واليوم نرى حصاد الجهد ونتاج البذل فبارك الله المساعي وسدد الجهود فعلى الرغم من أن العالم قد عصفت به خلال هذه السنوات مجموعة من التحديات الاقتصادية والسياسية وغيرها إلا أن الإصرار الذي تلين أمامه الصعاب والهمم الوقادة للعاملين على المشروع جاوزت كل تلك التحديات فعملت بجد واجتهاد للوصول إلى هذا اليوم.

يقع المشروع في منطقة الدقم الاقتصادية والتي -لا يخفى على أحد مدى أهميتها الاستراتيجية لما تتميز به من موقع متفرد ولما تمتلكه من مقومات وحوافز تجعلها منطقة جذابة للاستثمارات.

وفي هذا الإطار نوجه خالص الشكر للهيئة العامة للمناطق الاقتصادية والمناطق الحرة على ما قدمته خلال الفترة الماضية من جهود أسهمت في إنجاح المشروع وإتمامه.

وتزامنا مع افتتاح مصفاة الدقم فإننا كذلك نحتفي بإتمام مشروع (مرافق) الذي يدعم عمليات المصفاة فيما يخص تزويدها بالطاقة والماء باستثمار بلغ 196 مليون ريال عماني وقد أنجزت الشركة ما عليها في الوقت المحدد فلها خالص التقدير.

كما نثمن دور الشركة العمانية للصهاريج والتي سعت سعيا دؤوبا لإنجاز ما عليها حيث إنها ترفد أعمال المصفاة فيما يخص تخزين النفط في رأس مركز باستثمارٍ قدره مئتا مليون ريال عماني.

وختاما فإننا نقدم خالص الشكر والثناء لشركة البترول الكويتية العالمية المملوكة لدولة الكويت الشقيقة ولمجموعة أوكيو المملوكة لسلطنة عمان على نتاج جهودهم التي نشهدها اليوم فنهضتا بهذا الواجب الوطني خير نهوض.

سائلين الله العلي القدير أن يسبغ على البلدين عظيم نعمائه وعطائه ويحوطهما بحصين حفظه ويمدهما بكريم أفضاله إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

بعدها ألقى الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية الشيخ نواف سعود الصباح كلمة هذا نصها:

“بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سلطان عمان حفظكم الله ورعاكم

سيدي حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت حفظكم الله ورعاكم

أصحاب السمو والمعالي

الضيوف الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بكل فخر أقف أمامكم اليوم ممثلا لمؤسسة البترول الكويتية وشركاتها – الشريك الكويتي في مصفاة الدقم – لنشهد معا التشغيل التجاري لأضخم مشروع خليجي مشترك.

ولولا توفيق الخالق الباري ولولا دعم قياداتنا السياسية الحكيمة ولولا تفاني المهنيين من أبناء وبنات وطنينا الأعزاء – رغم حدوث أشرس جائحة عالمية شهدها عصرنا هذا لما نجحنا في إنشاء هذه المصفاة.

ويدل هذا الإنجاز على الإخاء التاريخي بين سلطنة عمان الشقيقة وبلادي دولة الكويت فقصتنا معكم يا اشقائي لم تبدأ بالدقم بل تعود إلى سفن الغوص حين أبحر أجدادنا بحثا عن العيش الكريم فأجزل الله عليهم بنعمه بعد عقود من الكفاح وهم يشقون الجبال ويزرعون الصحراء ويبنون الأوطان.

واليوم بعد الوصول إلى التشغيل التجاري الكامل لمصفاة الدقم ستقوم المصفاة بتصريف النفط الكويتي الخام والنفط العماني وتكريره محققة الأهداف الاستراتيجية لمؤسسة البترول الكويتية والتي تنص على الدخول في فرص استثمارية مع شركاء عالميين لتنمية قدرتنا التكريرية في الأسواق الواعدة وذلك بهدف الوصول إلى قدرة تكريرية تبلغ 425 ألف برميل نفط يوميا بحلول عام 2025 وبحمد الله وبتعاون أشقائنا في السلطنة حققنا هذا الهدف قبل موعده.

حضورنا الكريم

إن احتفالنا اليوم لا يعد المحطة الأخيرة في طريق النجاح بل هي وقفة مستحقة لنا لنقدر جهود العاملين والعاملات في مصفاة الدقم ومن ثم نكمل السير فالتحديات التي تعصف بصناعة النفط والغاز ليست بسهلة وأهمها التوجه العالمي للتحول بالطاقة الأمر الذي يستجوب العمل معا كيد واحدة لتأمين التشغيل الآمن والمربح للمصفاة لكي نجعلها صرحا عالميا للابتكار والريادة في صناعة التكرير العالمية.

وكما قال الشاعر الكويتي القديم عبدالله الفرج رحمه الله مستشهدا بأشرعة السفن البحرية العالية: من يطلب العالي فيصبر على الراش ،،، هذا وما كاد اوله هان تاليه

وفي الختام أتقدم بالشكر الجزيل لكافة العاملين في المشروع على جهودهم الحثيثة وتحقيق أهدافه متمنيا لهم دوام التوفيق والسداد.

نسأل الله أن يحفظ سلطنة عمان الشقيقة وأن يحفظ بلادي دولة الكويت ويديم على أوطاننا نعمة الأمن والأمان والازدهار وخير ما نختم به قول المولى في محكم كتابه

(رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات)

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

ثم تفضل حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه وأخوه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سلطان عمان الشقيقة بإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية الخاصة بافتتاح المصفاة.

بعدها توجه حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه وأخوه جلالة السلطان المعظم وبمعيتهم رئيس مجلس ادارة مجموعة أوكيو ونائب رئيس جهاز الاستثمار العماني ملهم بن بشير الجرف إلى غرفة التحكم الرئيسية بالمصفاة حيث تم الاستماع إلى شرح تفصيلي عن عمليات المصفاة المشتركة.

ثم تم تقديم هدية تذكارية لحضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه الله بهذه المناسبة وقد تفضل سموه رعاه الله بالتوقيع على سجل الارث بعدها غادر سموه وأخوه جلالة السلطان المعظم مكان الحفل بمثل ما استقبلا به من حفاوة وترحيب.

المصدر كونا الوسومسلطان عمان سمو أمير البلاد مصفاة الدقم

المصدر: كويت نيوز

كلمات دلالية: سلطان عمان سمو أمير البلاد مصفاة الدقم الشیخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حضرة صاحب السمو أمیر البلاد جلالة السلطان المعظم البترول الکویتیة حفظه الله ورعاه عمان الشقیقة مصفاة الدقم دولة الکویت سلطان عمان

إقرأ أيضاً:

في حضرة الملك الأسير المعتمد بن عباد بأغمات المغربية

أغمات- هذه هي المدينة الصغيرة التي تقع على سفح جبال الأطلس جنوب شرق مدينة مراكش، والتي قال عنها الجغرافي أبو عبيد الله البكري في كتابه "المُغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب" -وهو جزء من كتابه الشهير "المسالك والممالك"- إن "التجار والغرباء كانوا ينزلون بها".

كنا بعضا من هؤلاء الغرباء الذين وصلوا إلى أغمات، لكن ليس للنزول بها، بل لزيارة ضريح المعتمد بن عباد الإشبيلي الأندلسي، أحد أعظم ملوك الطوائف، الذي سبق وسيطرت مملكته إشبيلية على جنوبي الأندلس لفترة ليست بالقصيرة.

ولا يسعك إلا أن تتذكر أبيات الوزير الشاعر لسان الدين بن الخطيب (713هـ/1313م- 776هـ/1374م) وأنت في الطريق لزيارة دفين أغمات المغربية، عن طوع وقد رأيتها من أولى المهمات خلال وجودك بجبال الأطلس القريبة.

قبرا المعتمد (يسار) وزوجته اعتماد الرميكية يتوسطهما قبر ابنهما أبي هاشم (الجزيرة)

ابن الخطيب هذا الشاعر الأندلسي الرقيق رأى أن عليه واجب الزيارة، ولو بعد قرون لقبر رجل تخلى عنه كثير من الذين كانوا من المقربين منه بعد أن وقع في المحنة الشديدة إثر خلافه العميق مع زعيم الدولة المرابطية يوسف بن تاشفين، دفين مراكش.

فقال ابن الخطيب وقتها أبياتا بعضها لا يزال يزين حائط ضريح المعتمد:
قدْ زُرْتُ قَبْرَكَ عنْ طَوْعٍ بأغْماتِ

رأيْتُ ذلِكَ منْ أوْلَى المُهِمّاتِ

لِم لا أزُورُكَ يا أنْدَى المُلوكِ يَدًا

ويا سِراجَ اللّيالي المُدْلَهِمّاتِ

وأنْتَ مَنْ لَوْ تخَطّى الدّهْرُ مَصْرَعَهُ

إلى حَياتي أجادَتْ فيهِ أبْياتِي

بمجرد ما تسأل أي شخص بأغمات عن مكان الضريح يدلك عليه لشهرة المدينة الصغيرة به (الجزيرة) محج للزوار

عندما تدلف إلى أغمات، لا تحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى ضريح المعتمد بن عباد، الذي بات -منذ قرون- محجا لكبار الشخصيات السياسية والأدبية منذ دفنه بها.

الكل يدلك على مقر الضريح بمجرد ما تفتح فاك متسائلا عنه، فقد باتت هذه المدينة الصغيرة لا تُذكر إلا ويُذكر الملك الشاعر المنفي بها، وهو الذي طغت شهرته على قادة أندلسيين نفوا بدورهم إليها ودفنوا بترابها، ولعل أبرزهم الأمير عبد الله بن بلقين، آخر ملوك بني زيري بغرناطة، والذي ترك لنا مذكراته الشخصية المهمة بعنوان "التبيان عن الحادثة الكائنة بدولة بني زيري في غرناطة".

بمجرد ما تدخل إلى الضريح، تجد على يسارك مكتبا صغيرا للقيّم يضم كتبا عن تاريخ الأندلس وملوك الطوائف وما يؤرخ لحقبة المعتمد نفسه وعلاقته بالدولة المرابطية، وعادة ما يلج الزوار إلى المكتب لمعرفة تفاصيل أكثر عن الملك الشاعر.

أما قبر المعتمد، فهناك أمام مرأى العين على بعد خطوات من المدخل، تلج إلى المكان فتجد قبره أولا على الباب مزينا بفسيفساء "الزليج" التقليدية، وإلى جانبه هناك قبر زوجته ورفيقة دربه التي لم تتخل عنه في سراء ولا في ضراء اعتماد الرميكية، ويتوسطهما قبر صغير يضم رفات ابنهما أبي هاشم، الذي طالما خاطبه أبوه بأبيات شعرية حزينة مؤلمة خلال فترة الأسر بأغمات.

تقرأ الفاتحة على هؤلاء الراقدين هنا تحت التراب، وخيالك يسرح مع المصير الذي انتهوا إليه، وقد كانوا -جنوبي الأندلس- ملوكا ذوي جاه ونفوذ يخشاه الجميع، يرفلون في النعم، ويقصدهم الجميع رغبا في التقرب إليهم والفوز بعطاياهم.

عدد من الزوار يتركون آثار مراكش ومباهجها ويأتون لزيارة ضريح ملك إشبيلية بأغمات (الجزيرة) أبيات حزينة

وتحيط بالضريح أبيات كان قد نظمها المعتمد نفسه ويقول فيها:

عَلِّل فُؤادَكَ قَد أَبَلّ عَليلُ

وَاِغنَم حَياتَكَ فَالبَقاءُ قَليلُ

لَو أَنَّ عُمرَكَ أَلفُ عامٍ كامٍلٍ

ما كانَ حَقا أَن يُقالَ طَويلُ

أَكَذا يَقودُ بِكَ الأَسى نَحوَ الرَدى

وَالعُودُ عُودٌ وَالشَمولُ شُمولُ

لا يَستَبيكَ الهَمُّ نَفسَكَ عنوَةً

وَالكأسُ سَيفٌ في يَدَيكَ صَقيلُ

بِالعَقلِ تَزدَحِمُ الهُمومُ عَلى الحَشا

فالعَقلُ عِندي أَن تَزولَ عُقولُ

تليها أبيات لسان الدين بن الخطيب التي قالها خلال زيارته للقبر.

الضريح يقع بمنطقة قريبة من مدخل أغمات (الجزيرة)

كما تعلو الحائط قبالة قبر المعتمد أبيات يقول المؤرخون إنه أوصى أن تكتب على قبره بعد وفاته، وفيها يقول:

قَبرَ الغَريب سَقاكَ الرائِحُ الغادي

حَقّاً ظَفَرتَ بِأَشلاء ابن عَبّادِ

بِالحِلمِ بالعِلمِ بِالنُعمى إِذِ اِتّصلَت

بِالخَصبِ إِن أَجدَبوا بالري لِلصادي

بالطاعِن الضارِب الرامي إِذا اِقتَتَلوا

بِالمَوتِ أَحمَرَ بالضرغمِ العادي

بالدَهر في نِقَم بِالبَحر في نِعَمٍ

بِالبَدرِ في ظُلمٍ بِالصَدرِ في النادي

نَعَم هُوَ الحَقُّ وَافاني بِهِ قَدَرٌ

مِنَ السَماءِ فَوافاني لِميعادِ

كَفاكَ فارفُق بِما اِستودِعتَ مِن كَرَمٍ

رَوّاكَ كُلُّ قَطوب البَرق رَعّادِ

وَلا تَزالُ صَلاةُ اللَهِ دائِمَةً

عَلى دَفينكَ لا تُحصى بِتعدادِ

زوار الضريح لا يغادرون المكان من دون قراءة أبيات أوصى المعتمد بكتابتها على قبره (الجزيرة) بداية الحكاية

يحكي الشيخ القيّم على الضريح قصة المعتمد بن عباد للزوار الذين يتركون مآثر مراكش وجامع فنائها وأسواقها الشعبية الجذابة ومرافقها السياحية، ويأتون هنا إلى هذه البلدة الصغيرة لزيارة هذا الملك الشاعر.

يحكي لهم كيف وُلد هذا الملك في مدينة باجة (جنوب البرتغال)، وكيف تمرّس على الحرب وعلى فنون القتال، وقد كان أبوه المعتضد بن عباد -الذي اشتهر بسطوته وشدته وحبه للشعر- قد ولاه إمارة مدينة "أونبة/ وَلْبة" (جنوب غرب إسبانيا)، وعينه قائدا للجيوش.

ولا يكاد يختلف المؤرخون حول كون المعتمد قد تولى الحكم بعد وفاة أبيه شابا في الثلاثين من عمره، لكنه أبان عن حنكة وقوة وصرامة ضمنت لفترة تماسك دولته في مستنقع من حروب لا تكاد تنتهي حتى تبدأ بين ملوك الطوائف، الذين لجأ بعضهم للتحالف مع العدو الخارجي ضد خصومه من بني ملته.

أحدهم كان المعتمد نفسه، الذي رغم سيطرته على جنوب الأندلس كله تقريبا، وقوته المتعاظمة في المنطقة، فإنه كان يخشى على سلطته من أمراء طليطلة على الحدود الشمالية لدولته، وكانت له معهم معارك لعل أقساها على المعتمد كانت المعركة التي خسر فيها ولده سراج الدولة، وكذلك خسارة قرطبة لفائدة غريمه المأمون بن ذي النون، خصمه اللدود.

ورغم أنه سرعان ما استعادها من قبضة حكام طليطلة في معركة حاسمة انتصر فيها وسقطت فيها أرواح خلق كثير من المسلمين، فإن إسقاط دولتهم كانت رغبة قوية بالنسبة له لتأمين حكم بني عباد وأراضيهم.

وهذا ما دفعه -حسب المؤرخين- للتحالف مع أمير منطقة قشتالة ألفونسو السادس الذي كان على علاقة طيبة بأمراء طليطلة، فاجتهد المعتمد في ضرب تلك العلاقة باتخاذ قرار هو الذي شكل نقطة تحول كبير في مساره السياسي.

ويذكر المؤرخون أن المعتمد بعث بوزيره المفاوض الشهير ابن عمار إلى ألفونسو السادس لإقناعه بإبرام اتفاق سري بينهما يقضي بمعاونة المعتمد في حرب خصومه، مقابل تخلي المعتمد عن دعم طليطلة لفائدة ألفونسو، وذلك إلى جانب تقديم مبالغ مالية كبيرة له.

القصر الذي سكنه المعتمد بإشبيلية تحول إلى مزار سياحي كبير في إسبانيا (الأناضول) وسقطت طليلطة

وتم الاتفاق، وسقطت طليطلة عام 478هـ تحت حكم ألفونسو السادس الذي سرعان ما تنكر لاتفاقه مع المعتمد، وبدأت نواياه تتكشف إزاء إمارته.

وكان سقوط طليطلة وانتهاء حكم مملكة بني ذي النون أمرا جللا حزن له مسلمو الأندلس، وقد سجل ذلك الشاعر عبد الله بن فرج اليحصبي المعروف بابن العسال، في أبيات قال فيها:

حثُّوا رَوَاحِلكم يا آل أنْدَلُسٍ

فَمَا المقَامُ بِها إلاّ مِنَ الغَلَطِ

الثوبُ يَنْسِلُ مِنْ أَطْرافِهِ وأَرى

ثَوْبَ الجزيرةِ مَنْسولاً مِنَ الوَسَطِ

وسرعان ما بدأ ألفونسو السادس يسيطر على أراض جديدة، وطالب المعتمد بن عباد بإرجاع ما أخذه من أراضي كانت بمملكة طليطلة، واستشعر كل ملوك الطوائف الخطر الداهم، فما لبثت الطريق أن تمهدت للاستعانة بأمير المسلمين في مراكش، يوسف بن تاشفين الذي كانت دولته المرابطية قد بلغت أوجها في عهده.

ورغم نصائح وجهت إليه بألاّ يستنجد بالمرابطين خوفا من استيلائهم على ملك الأندلس، فإنه أصر على موقفه وأجابهم بعبارته الشهيرة "رعي الجمال خير من رعي الخنازير".

ولبى ابن تاشفين نداء الجهاد، وانطلق نحو الأندلس فكانت معركة الزلاقة الشهيرة عام 479 هـ-1086م التي سحق فيها جيش ألفونسو السادس الذي فر من ساحة الوغى مع تبقى من جنوده.

ابن تاشفين وملوك الطوائف

وجرت مياه كثيرة تحت الجسر، وعاد ابن تاشفين مرة ثانية ثم ثالثة إلى الأندلس لإنقاذها من العدوان الأجنبي، وفي كل مرة يزداد اقتناعا بأنه لا أمل في توحد ملوك الطوائف على تقوية صفوفهم في مواجهة عدو متربص يتحالف مع هذا ضد ذاك، ومع ذاك ضد هذا لأجل تحقيق مصلحته الخاصة فقط.

وفي المرة الثالثة كان ابن تاشفين قد عزم على السيطرة على ممالك الأندلس المشتتة وتوحيد صفوفها تحت رايته، وقد استشار لذلك ثلة من العلماء المسلمين الذين بلغت شهرتهم الآفاق، وبينهم حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (ت 505هـ) وأبو بكر الطرطوشي (ت 520هـ).

ومما ساعد على اتخاذ هذا القرار الخطير والمهم تنامي الأنباء إلى أمير المسلمين تؤكد تحالف عدد من ملوك الطوائف مع عدوهم المشترك ألفونسو السادس، وبينهم المعتمد بن عباد نفسه، برغم ما كان بينهم من حروب، إذ خاف ملوك الطوائف على ملكهم من المرابطين، في حين استشعر ألفونسو السادس خطر المرابطين على سلطانه، خاصة بعد الهزيمة المدوية في معركة الزلاقة.

المرابطون يسيطرون

نجحت خطة ابن تاشفين، وسيطر أمراء جيوشه على ممالك الأندلس، وصمد المعتمد في حصنه بإشبيلية لشهور بدعم من ألفونسو، قبل أن تنهار قواته ويُقتل عددٌ من أولاده، ويدخل المرابطون إشبيلية في 484هـ/1091م في حين نُقل هو أسيرا إلى المغرب، برفقة من تبقى من أسرته في سفن أعدت لهم، نقلتهم أولا إلى مدينة طنجة في أقصى شمال غرب المغرب، ثم نقلوا إلى قلعة فازار بجبال الأطلس المتوسط، ثم مكناس فأغمات، وهذا هو الخط الذي يظهر واضحا في مصادر المؤرخين.

وقد خلد الشاعر ابن اللبانة الداني الأندلسي دفين مايوركا (ت 507هـ) هذه اللوحة المؤلمة في قصيدته الشهيرة "تبكي السماء"، والتي جاء فيها:

تبكي السماء بمزنٍ رائحٍ غادي

على البهاليلِ من أبْنَاء عبَّادِ

وكَعْبَةٍ كانتِ الآمال تعمرُهَا

فاليَومَ لا عاكف فيها ولا بَادِ

هِيَ المقاديرُ لا تُبْقِي على أحَدٍ

وكلُّ ذي نفس فيها لآمَادِ

إِنْ يخلعُوا فبنو العبَّاسِ قدْ خُلِعُوا

وقد خلتْ قبْلُ حمص أرض بغْدَادِ

كانوا مُلوكاً ملوك الأرض فانصرفوا

ومالهم حَوْمة فيها ولا نَادِ

حمَوْا حَرِيمَهُم حتّى إذَا غُلبوا

سيقوا على نسقٍ في حبْل مقتادِ

نسيتُ إلا غداة النهر كونهم

في المنشآت كأمْواتٍ بألحَادِ

والنَّاس قدْ مَلؤوْا العبرين واعتبروا

من لؤلؤ طَافِياتٍ فوقَ أزْبَادِ

حُطّ القناعُ فلم تستَرْ مخدرَةٌ

ومَزّقت أوجه تمزيق أبرَادِ

تفرقوا جيرة من بعدما نشؤوا

أهلاً بأهْلٍ وأولادًا بأولادِ

سارت سَفَائنهمْ والنوح يصحبُها

كأنها إبلٌ يحدو بها الحادي

كم سَالَ في المَاءِ من دَمْعٍ وكم حملتْ

تلك الفظائع من قطعات أكْبَادِ

مدخل ضريح المعتمد بن عباد (الجزيرة) سنوات في الأسر

في هذه المدينة الصغيرة أغمات، التي كانت أول عاصمة للمرابطين قبل أن يتم ابن تاشفين بناء مراكش، عاش المعتمد أسوأ أيامه على الإطلاق وهو في قيود الأسر، التي يذكر المؤرخون أنها خُففت عنه لوهلة، قبل أن تشتد مجددا بعد أن أعلن ابنه عبد الجبار الثورة على المرابطين في الأندلس، فسارع المرابطون للقضاء عليها.

وقد رسم المعتمد بعض لوحات ألمه ومعاناته بشعره، وبينها أبياته التي نظمها وقد زرنه بناته في الأسر وكن يرتدين لباسا بسيطا، وعملهن كان أن يغزلن للناس مقابل ثمن بخس، فقال في الديوان الذي جمعه وحققه الدكتوران حامد عبد المجيد وأحمد أحمد بدوي وراجعه الدكتور طه حسين:

فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورا

فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسورا

تَرى بَناتكَ في الأَطمارِ جائِعَةً

يَغزِلنَ لِلناسِ ما يَملِكنَ قَطميراً

بَرَزنَ نَحوَكَ لِلتَسليمِ خاشِعَةً

أَبصارُهُنَّ حَسراتٍ مَكاسيرا

يَطأنَ في الطين وَالأَقدامُ حافيَةٌ

كَأَنَّها لَم تَطأ مِسكاً وَكافورا

لا خَدَّ إِلّا تَشكّى الجَدبَ ظاهِرهُ

وَلَيسَ إِلّا مَعَ الأَنفاسِ مَمطورا

أَفطَرتَ في العيدِ لا عادَت إِساءَتُهُ

فَكانَ فِطرُكَ لِلأكبادِ تَفطيرا

قَد كانَ دَهرُكَ إِن تأمُرهُ مُمتَثِلاً

فَرَدّكَ الدَهرُ مَنهيّاً وَمأمورا

مَن باتَ بَعدَكَ في مُلكٍ يُسرُّ بِهِ

فَإِنَّما باتَ بِالأَحلامِ مَغرورا

قيد قاس

ثم ما يلبث أن يخاطب القيد نفسه قائلا:

قَيدي أَما تَعلمني مُسلما

أَبَيتَ أَن تُشفِقَ أَو تَرحَما

دَمي شَرابٌ لَكَ وَاللَحمُ قَد

أَكَلتهُ لا تَهشم الأَعظُما

وأكثر ما آلمه رؤية بناته له وهو في ذلك المنظر، وكذلك ابنه هاشم الذي يخاطبه قائلا:

يُبصِرُني فيكَ أَبو هاشمٍ

فَيَنثَني وَالقَلبُ قَد هُشِّما

اِرحَم طُفَيلاً طائِشاً لُبّهُ

لَم يَخشَ أَن يأتيكَ مُستَرحِما

وارحم أُخيَّاتٍ له مثله

جرعتَهنَّ السمَّ والعلْقَمَا

لافتة قبر اعتماد الرميكية التي رافقت زوجها في السراء والضراء (الجزيرة) زوجة السراء والضراء

بين مقتل عدد من أولاده، وضياع ملكه، والحالة البئيسة التي بدت عليها بناته، وحاله في قيود الأسر، وقف المعتمد بن عباد وحيدا إلا من زوجته اعتماد الرميكية التي لم تتركه حتى بعد أن تبدل الوضع من النقيض إلى النقيض.

أحب المعتمد تلك المسجاة هناك إلى جانبه في هذ الضريح حبا عظيما، منذ لقائه الأول بها وهي بعد جارية خلال رحلة تنزه عادية، فاشتراها وأعتقها وتزوجها وفضلها على زوجاته وجواريه.

حتى إن المصادر التاريخية تذكر أن حبه لها بلغ لأن يتكنى باسمها فتحول من محمد بن عباد إلى المعتمد أبو القاسم محمد بن عباد، واشتهر بعد ذلك بالاسم الذي عرف به في التاريخ: المعتمد بن عباد، متخليا عن لقبه الأول: المؤيد بأمر الله.

وظلت تلك الزوجة الوفية إلى جانبه في مأساته وأسره حتى توفيت قبيله بفترة قليلة، فضاقت عليه الأرض بما رحبت، وسرعان ما لحق بها في 488هـ/1095م.

مدخل ضريح بن تاشفين (الجزيرة- أرشيف) سؤال بلا جواب

وبينما تغرق في الأحداث والتفاصيل وأنت تنظر إلى قبر هذا المسجى هنا وحبيبته هناك وقبر ابنهما أبي هاشم يتوسطهما، يوقظك من ذلك الغرق نقاش سرعان ما حمي وطيسه بين العجوز قيّم الضريح ومرافق لوفد سياحي جاء لزيارة الملك الشاعر، حول أسلوب تعامل يوسف بن تاشفين مع المعتمد فلم يرحم عزيز قوم ذل.

المرافق أكد أن الأسلوب الذي عامل به ابن تاشفين الملك الأسير كان قاسيا ولا يليق بسمعته وتاريخه، بينما انبرى القيّم للدفاع عن أمير المسلمين، مؤكدا أن التفاصيل السياسية المعقدة المحيطة بالقرار تحتاج إلى أبحاث ودراسات لتفكيكها والبحث عن تفسيرات علمية تشرح ما جرى للمعتمد بن عباد في أسره، خاصة أن ملوك طوائف آخرين كانوا بأغمات لم يعانوا المصير نفسه، وبينهم الأمير عبد الله الذي وجد وقتا لتأليف مذكراته!

علما أن ضياع الأندلس بسبب ممارسات ملوك الطائف لخير دليل على أهمية قرار تدخل المرابطين، الذي لولاه لما امتد الوجود الإسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية إلى 8 قرون، كما يؤكد المؤرخون.

غادرنا ضريح ملك إشبيلية بقراءة الفاتحة مجددا، وانتقلنا إلى مراكش لزيارة ضريح زعيم الإمبراطورية المرابطية يوسف بن تاشفين، لعلنا نجد جوابا لأسلوب تعامله مع الملك الأسير، لكن يبدو أن أمير المسلمين كان "غاضبا" منا لزيارتنا غريمه من دون إذنه، حيث وجدنا باب الضريح مغلقا، فطرقنا الباب أكثر من مرة، لكن أحدا لم يرد علينا، أو يسمع لنا ركزا.

مقالات مشابهة

  • أمير قطر وولي عهد أبوظبي يبحثان سُبل تعزيز التعاون المشترك
  • أمير الباحة يرعى افتتاح مهرجان الرمان الوطني الـ13 كنافذة تسويقية لأجود أنواع الرمان الفاخر
  • افتتاح فرع جديد لبنك ظفار في المعبيلة الثامنة بمسقط
  • ولي عهد أبوظبي يبحث مع أمير قطر بحث تعزيز التعاون المشترك
  • ممثل سمو أمير البلاد سمو ولي العهد يتوجه غدا إلى قطر لترؤس وفد دولة الكويت في القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي
  • الأمير مولاي رشيد يترأس افتتاح الدورة الـ 15 لمعرض الفرس للجديدة
  • الثلاثاء. بدء موسم صيد ثروة الشارخة في السواحل العمانية
  • سمو أمير البلاد يجري اتصالا بالرئيس الجزائري للتهنئة بإعادة انتخابه رئيسا للجمهوريه
  • في حضرة الملك الأسير المعتمد بن عباد بأغمات المغربية
  • سمو أمير البلاد يستقبل سمو ولي العهد وسمو رئيس مجلس الوزراء