ألقت حماس الكرة مجددا بملعب الاحتلال وحلفائه عقب ردها على مقترح اتفاق إطاري لوقف إطلاق النار في غزة، وتبادل الأسرى بهدف إنهاء الحرب المتواصلة على القطاع منذ أكثر من أربعة أشهر.

وقالت الحركة في بيان لها: "تعاملنا مع المقترح بما يضمن وقف إطلاق النار التام والإغاثة والإيواء والإعمار ورفع الحصار عن قطاع غزة وإنجاز عملية تبادل أسرى".



ويمثل رد الحركة بعد طول انتظار مناورة سياسة ناجحة تعيد مطرقة الضغط على نتنياهو الذي أسكت الشارع الإسرائيلي الغاضب بالموافقة على مقترح باريس ظنا منه أن المقاومة سترفضه.

من جانبها، أعلنت قطر التي تلعب دور الوساطة إلى جانب مصر، أنها متفائلة بالرد الذي تسلمته من حركة حماس.

وقال رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن بلاده تلقت رداً "إيجابياً" من حركة حماس بشأن اتفاق إطار ترعاه الولايات المتحدة يقضي بالإفراج عن الأسرى مقابل وقف لإطلاق النار في غزة.

ودعا رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، القيادتين السياسية والأمنية إلى اجتماع بعد ساعات لبحث رد حركة حماس على الصفقة المقترحة بشأن الحرب في قطاع غزة.



النجاة من الفخ
ويرى كثيرون أن رد حماس نابع من حنكة سياسية، أخرجتها من فح الاحتلال الذي كان يريدها أن ترفض المقترح ليستمر بعمليته العسكرية ملقيا عن كاهله ثقل قضية الأسرى.

إلا أن حماس قبلت المقترح وأضافت عليه تعديلات لتعيد الكرة مرة أخرى لملعب كابينت الحرب، الذي كان ينتظر عدم موافقة المقاومة لتحميلها مسؤولية بستمرار الحرب وسقوط المدنيين.

رد المقاومة كان جداً ذكي ونابع من حنكة سياسية ، وانقذها من فخ اسرائيلي برعاية غربية .
المقاومة لم تقل ، لا اريد تلك الصفقة لتلك الاسباب …..
المقاومة قالت نعم ولكن اريد تعديل على الصفقة بإضافة تلك المطالب حسب القناة 12 الاسرائيلية ( نعم ولكن)

-وقف لإطلاق النار بشكل كامل وشامل… pic.twitter.com/6cplZlOD5l — Tamer | تامر (@tamerqdh) February 6, 2024

وقف العدوان
وبدا رد حماس أكثر واقعية من ذي قبل ويزيد من مأزق وحرج الاحتلال في ذات الوقت، فهي تخلت عن شرط الوقف الكامل للعدوان، لكن اشتطرت عدم اتمام المرحلة الأولى من الاتقاق إلا بالوصول إليه.

وذكرت الحركة في مقترحها، أن المرحلة الأولى (45) يجب أن تتضمن البدء بمباحثات (غير مباشرة) بشأن المتطلبات اللازمة لإعادة الهدوء التام.

وأكدت على ان ضرورة، الانتهاء من المباحثات (غير المباشرة) بشأن المتطلبات اللازمة لاستمرار وقف العمليات العسكرية المتبادلة والعودة إلى حالة الهدوء التام والإعلان عنه، وذلك قبل تنفيذ المرحلة الثانية.

ورقة الأسرى
فتح رد الباب أمام احتمالات عديدة لملف تبادل الأسرى، فقد ضمنت تبادل الأسرى (من النساء والأطفال دون سن الـ19 عاما غير المجندين، والمسنين والمرضى)، مقابل مقابل جميع الأسرى في سجون الاحتلال من النساء والأطفال وكبار السن (فوق الـ50 عاما) والمرضى، الذين تم اعتقالهم حتى تاريخ توقيع هذا الاتفاق بلا استثناء.

لكنها أضافت في الملحق حول المرحلة الأولى، إطلاق سراح 1500 أسير فلسطيني تقوم "حماس" بتسمية 500 منهم من المؤبدات والأحكام العالية.

وتركت الحركة الحديث عن تفاصيل إطلاق سراح جنود الاحتلال لديها للمفاوضات المستقبلية، ما يعني أن خيار تبييض السجون ما زال مطروحا وقد يتم على مراحل.

وقطع مقترح حماس الطريق على الاحتلال فيما لو حاول الانتهاء من تبادل الأسرى على عجالة لاستئناف الحرب، كما منعته من إعادة اعتقال الأسرى المحررين، في بند يحتوي على ضمانات قانونية بهذا الخصوص.

حماس تلعب بشكل كبير جداً.

وإذا اضطرت إسرائيل إلى القبول بهذه الشروط، فإنها ستتعرض لهزيمة مخزية لا جدال فيها.

سيموت المئات، وربما الآلاف من جنودها، وسيتعرض اقتصادها لضربة لن يتعافى منها لسنوات، وسيغادر العديد من مواطنيها البلاد ولن يكون هناك احتمال لمجيء مواطنين جدد، وستكون قد… — M. Sıddık Yıldırım (محمد صديق يلدرم) ???????? (@SIDDIKYILDIRIMM) February 7, 2024

إعادة الإعمار
أوردت حماس في مقترحها ملحقا إضافية للمرحلة الأولى، أكدت أنه جزء لا يتجزأ من هذا الاتفاق، على أن يتم التفاوض بخصوص تفاصيل المرحلتين الثانية والثالثة أثناء تنفيذ المرحلة الأولى.

ويتضمن الملحق تفاصيل تجعل من الصعوبة بمكان معاودة الاحتلال عدوانه، وبمعنى أدق هو إعلان ضمني لنهاية الحرب وبدء مرحلة الإعمار.

حيث اشترطت الوقف الكامل للعمليات العسكرية من الجانبين، ووقف كل أشكال النشاط الجوي بما فيها الاستطلاع، طوال مدة هذه المرحلة.

بالإضافة لعدة نقاط أهمها:

إعادة تمركز القوات الإسرائيلية بعيدا خارج المناطق المأهولة في كل قطاع غزة، لتكون بمحاذاة الخط الفاصل شرقا وشمالا، وذلك لتمكين الأطراف من استكمال تبادل المحتجزين والمسجونين.

تكثيف إدخال الكميات الضرورية والكافية لحاجات السكان (بما لا تقل عن 500 شاحنة) من المساعدات الإنسانية والوقود وما يشبه ذلك، بشكل يومي، وكذلك إتاحة وصول كميات مناسبة من المساعدات الإنسانية إلى كل مناطق القطاع وبشكل خاص شمال القطاع.

عودة النازحين إلى أماكن سكنهم في جميع مناطق القطاع، وضمان حرية حركة السكان والمواطنين بكل وسائل النقل وعدم إعاقتها في جميع مناطق قطاع غزة وخاصة من الجنوب إلى الشمال.

توفير وإدخال المعدّات الثقيلة الكافية واللازمة لإزالة الركام والأنقاض، ومعدّات الدفاع المدني، ومتطلبات وزارة الصحة.

 إعادة إعمار المستشفيات والمخابز في كل القطاع وإدخال ما يلزم لإقامة مخيمات للسكان/ خيم لإيواء السكان.

إدخال ما لا يقل عن 60 ألفا من المساكن المؤقتة (كرفانات/ كونتينارات) بحيث يدخل كل أسبوع من بدء سريان هذه المرحلة 15 ألف مسكن إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى 200 ألف خيمة إيواء، بمعدل 50 ألف خيمة كل أسبوع، لإيواء من دمر الاحتلال بيوتهم خلال الحرب.

إقرار خطة إعمار البيوت والمنشآت الاقتصادية والمرافق العامة التي دمرت بسبب العدوان، وجدولة عملية الإعمار في مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات.

استئناف كل الخدمات الإنسانية المقدمة للسكان في كل مناطق القطاع، من قبل الأمم المتحدة ووكالاتها وخاصة "الأونروا" وجميع المنظمات الدولية العاملة لمباشرة عملها في جميع مناطق قطاع غزة كما كانت قبل 7-10-2023.

وأكدت أن عملية التبادل مرتبطة ارتباطا وثيقا بمدى تحقق الالتزام بدخول المساعدات الكافية والإغاثة والإيواء التي تمّ ذكرها والاتفاق عليها.

العالم لا يحترم إلا الأقوياء، عندما تملك القوة ستفرض على العالم ما تُريد..

لقد وصلنا إلى الزمن الذي يخرج فيه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ووزير خارجيته ليقولوا: "هناك رد من #حماس على اتفاق الإطار والمفاوضات بشأن الرهائن مستمرة ولا أريد الخوض في تفاصيلها الآن".

كان ينتظر رداً… pic.twitter.com/wCWrxlMIA6 — أدهم أبو سلمية ???????? Adham Abu Selmiya (@adham922) February 6, 2024



التوقيت "الحرج"
تزامن تسليم حماس ردها على المقترح مع جولة مكوكية يقوم بيها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للمنطقة، وسيضع أي موقف أسرائيلي سلبي من الصفقة العلاقة المتأزمة أصلا بين بايدن ونتنياهو في مهب الريح.

ووصل بلينكن اليوم الأربعاء، الأراضي المحتلة ومن المقرر أن يلتقي المسؤولين الإسرائيليين لبحث صفقة تبادل الأسرى المحتجزين في غزة، وسير العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع، والتصور الإسرائيلي للمرحلة المقبلة.

والتقى بلينكن الثلاثاء رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في العاصمة القاهرة، للبحث في مستجدات صفقة تبادل الأسرى بين الاحتلال وحركة حماس في غزة.

والاثنين تباحث الوزير الأمريكي والتقى، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لمدة ساعتين، تطورات الأوضاع الإقليمية والجهود المبذولة تجاهها بما يحقق الأمن والاستقرار.

وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن بلينكن وابن سلمان ناقشا التنسيق الإقليمي، بشأن إنهاء الحرب في غزة، وتوفير السلام والأمن الدائمين للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

 وتعد جولة بلينكن الخامسة في الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر الماضي، في ظل الدعم الكبير الذي يتلقاه الاحتلال الإسرائيلي من الولايات المتحدة، في حربه المدمرة على قطاع غزة.

فشل سياسة الضغط
مع احتدام المعارك في خانيونس وفشل الاحتلال بتحقيق أي من أهدافه، كان رد حماس والسقف العالي الذي تحدثت به الحركة، وغياب التنازلات خيبة أمل جديدة لحكومة نتنياهو التي راهنت على رضوخ حماس تحت الضغط العسكري.

وقال حرب الاحتلال يوآف غالانت، "إن العملية في غزة ستتواصل خلال الأشهر القادمة، من أجل تهيئة الظروف لإطلاق سراح الرهائن، وجنودنا يخوضون عملية برية هي الأعقد في تاريخ الحروب".

وأكد غالانت الاثنين الماضي، أن "الجيش الإسرائيلي يعتزم الوصول إلى رفح لكن لا يمكن القول متى وكيف".

ورغم ذلك فشل الاحتلال بتحقيق أهدافه المعلنة من الحرب، فهو لم ينجح بتحرير أي من أسراه بالقوة، كما لم يستطع قتل أي من قادة المقاومة ولاحتى تعطيل قدراتها أو وقف قصف الأراضي المحتلة بالصواريخ.

وعقب رد حماس دعا نتنياهو لعقد اجتماع حكومي لمناقشته، لتتركه حماس بين خيارين، إما مواصلة الحرب دون مكاسب مع احتمالة توسع كبيرة، أو الرضوخ للمقترح الذي يمثل ضمنيا انتهاء الحرب وفشل حرب الاحتلال الجنونية على غزة.

ملحوظات أساسية بخصوص رد #حماس على ما سمي "اتفاق إطار" في #غزة:
- تجنبت الحركة "رفض" المقترح. وادخلت عليه تعديلات اساسية وجوهرية جعلت منه مقترحاً آخر
- تطالب حماس بوقف دائم لإطلاق النار وترفض الهدن المؤقتة
- لا يبدو انها متلهفة "لأي اتفاق" وباي ثمن،ما يعني انها في وضع جيد ميدانياً — سعيدالحاج said elhaj (@saidelhaj) February 7, 2024

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية حماس الاحتلال غزة المقترح العدوان حماس غزة الاحتلال العدوان صفقة التبادل المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المرحلة الأولى تبادل الأسرى إطلاق النار حرکة حماس قطاع غزة رد حماس فی غزة

إقرأ أيضاً:

الأسرى والحرب.. لماذا يحرق نتنياهو كل الأوراق؟

في عهد إدارة دونالد ترامب الأولى، انسحبت الولايات المتحدة في عام 2018 من الاتفاق النووي مع إيران، مما أثار جدلا شارك فيه الرئيس الأسبق باراك أوباما حول تداعيات ذلك على موثوقية واشنطن في الالتزام بالاتفاقيات التي تعقدها.

وقبيل دخول ترامب مجددا للبيت الأبيض، رعى اتفاقا لوقف إطلاق النار في غزة يتكون من 3 مراحل، تبلغ مدة كل مرحلة منها 42 يوما، على أن تبدأ المرحلة الأولى في 19 يناير/كانون الثاني 2025 وتبدأ مفاوضات المرحلة الثانية في 3 فبراير/شباط 2025. وبالفعل نُفذت عمليات تبادل الأسرى في المرحلة الأولى رغم أزمات تخللتها، وشملت الإفراج عن 1755 أسيرا فلسطينيا مقابل الإفراج عن 25 أسيرا إسرائيليا و8 جثث لأسرى إسرائيليين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما هي بدائل خليفة حفتر بعد سقوط بشار الأسد؟list 2 of 2ابتلاع غزة ولبنان وسوريا.. ما تفاصيل حلم إسرائيل الإمبراطوري؟end of list

ولكن خلال المرحلة الأولى صرح ترامب بأنه سيدعم خيار الحكومة لإسرائيلية تجاه غزة أيا كان، سواء مضت في تنفيذ الاتفاق أو أرادت تعديله أو حتى التملص منه، مما أعطى ضوءا أخضر لنتنياهو الذي تعهد سابقا لحلفائه في الائتلاف الحكومي بعدم المضي في تنفيذ المرحلة الثانية التي تتضمن الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) ضمن انسحاب من كامل قطاع غزة وبالتزامن مع إطلاق سراح بقية الأسرى الأحياء، وتمهيدا لبدء عملية إعادة الإعمار لاحقا في المرحلة الثالثة.

إعلان

وفي خطوة متوقعة بعد تمهيد ترامب، أعلن مكتب رئاسة الحكومة الإسرائيلية مطلع مارس/آذار موافقته على مقترح أميركي جديد للتفاوض يختلف عن الاتفاق سالف الذكر، ويقوم على تمديد المرحلة الأولى في شكل هدنة مؤقتة خلال شهر رمضان وعيد الفصح مقابل الإفراج عن نصف الأسرى الإسرائيليين خلال اليوم الأول من الهدنة، مع تجاهل الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، وهو ما رفضته حركة المقاومة الإسلامي (حماس)، وعقب ذلك أعلن جيش الاحتلال في 2 مارس/آذار إغلاق المعابر مع قطاع غزة ووقف إدخال المساعدات الإنسانية مع انتهاء المرحلة الأولى، في انتهاك فاضح لاتفاق وقف إطلاق النار.

في خطوة متوقعة بعد تمهيد ترامب أعلن مكتب رئاسة الحكومة الإسرائيلية عن مقترح أميركي جديد للتفاوض يختلف عن الاتفاق السابق (رويترز) دعم ترامب

مثلت موافقة نتنياهو على اتفاق وقف إطلاق النار إنجازا للرئيس ترامب مع بداية استلامه رسميا مهام منصبه، ورغم ما ظهر من إكراه لنتنياهو بقبول الصفقة، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي استثمر ما جرى لاحقا. حيث منح ترامب نتنياهو دعما هائلا عبر طرحه خطة تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، وسيطرة الولايات المتحدة على القطاع لإقامة مشاريع عقارية على البحر خلال مدة تتراوح من 10 إلى 15 سنة، وهو ما استُقبل باندهاش واستغراب وإدانة في العواصم الغربية فضلا عن العربية.

إن نتنياهو الحائر في كيفية التعامل مع غزة وجد سندا في طرح ترامب الذي تجاوز خيار الاحتلال العسكري لغزة أو إقامة بعض المستوطنات بالقطاع أو حتى تهجير سكان شمال غزة، ليدعو إلى التهجير الكامل، وهنا التقط نتنياهو الفرصة، وشرع وزير دفاعه يسرائيل كاتس في حث جيش الاحتلال على وضع خطة تدفع سكان غزة للرحيل، وشكل ما سماها "مديرية الهجرة الطوعية" في تلاعب بالمصطلحات، فهي معنية بالتهجير لا الهجرة، وبشكل إجباري لا طوعي.

وبطبيعة الحال يصعب تنفيذ خطة التهجير في أجواء وقف إطلاق نار، إذ يصبح تنفيذها أكثر سهولة في أجواء الحرب والقتال التي يُجبر فيها السكان على النزوح قسرا بعيدا عن أماكن القصف، ومن ثم بدأت خطوات تفجير صفقة وقف إطلاق النار بالإعلان عن إغلاق المعابر ووقف دخول المساعدات.

يعني شهر مارس/آذار 2025 لنتنياهو الكثير ففي اليوم الخامس منه سيتولى سكرتيره العسكري السابق الجنرال إيال زامير منصب رئيس أركان الجيش (شترستوك) الحفاظ على الائتلاف الحاكم

إن شهر مارس/آذار 2025 يعني لنتنياهو الكثير، ففي اليوم الخامس منه سيتولى سكرتيره العسكري السابق الجنرال إيال زامير منصب رئيس أركان الجيش بدلا من الجنرال هرتسي هاليفي، مما سيعزز علاقة المستوى السياسي بالعسكري بعد توترات شهدتها علاقة نتنياهو بهاليفي وبوزير الدفاع الأسبق المقال غالانت، كما يُنتظر أن يعتمد الكنيست ميزانية العام الجديد، مما يتطلب تماسك الائتلاف الحكومي الذي شهد انسحاب وزير الأمن القومي بن غفير رفقة حزبه "القوة اليهودية" لرفضه توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، في حين ربط وزير المالية سموتريتش وحزبه "الصهيونية الدينية" استمراره في الحكومة بعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا أو الانخراط في المرحلة الثانية من الاتفاق.

إعلان

إن اعتماد الميزانية يعني استمرار حكومة نتنياهو بينما التعثر في تمريرها يعني حل الكنيست والدعوة لانتخابات جديدة، وهو ما يحرص نتنياهو على تلافيه، ولذا فعرقلة اتفاق وقف إطلاق النار تخدم استقرار ائتلافه الحاكم.

الحرج الميداني

إن أحداث طوفان الأقصى عصفت بأركان نظرية الأمن الإسرائيلية، مثل الردع والإنذار المبكر والحسم السريع للمعركة في أرض الخصم، كما قضت على نهج "المعركة بين الحروب" القائم على التعايش مع وجود حركات مقاومة في جوار إسرائيل مع توجيه ضربات لها كل فترة لإضعافها ومنعها من حيازة قدرات نوعية. فاليوم تتبنى تل أبيب نهجا هجوميا استباقيا يرفض تواجد أي قوى مسلحة معادية بالقرب منها.

وقد كشفت وقائع تسليم الأسرى الإسرائيليين خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، أن كتائب القسام التي قيل إسرائيليا إنها تفككت وفقدت منظومة القيادة والسيطرة وأصبحت شراذم ومجموعات صغيرة منفصلة، لا تزال فاعلة، حيث شارك المئات من عناصرها في عمليات تسليم الأسرى، وظهروا بكامل ملابسهم العسكرية رفقة سيارات وأسلحة سبق لهم اغتنامها من الجانب الإسرائيلي صبيحة الطوفان، كما ظهر عدد من قادة كتائب القسام ممن أعلن جيش الاحتلال والشاباك نجاحهما خلال الحرب في اغتيالهم مثل حسين فياض قائد كتيبة بيت حانون، وهيثم الحواجري قائد كتيبة مخيم الشاطئ، مما مثّل حرجا للمنظومة العسكرية والأمنية في إسرائيل، ودفعها لإصدار بيانات تعلن فيها أنها استندت في إعلان نجاح عمليات الاغتيال لمعلومات استخبارية تبين عدم صحتها.

إن مشاهد تسليم الأسرى، وظهور مقاتلي القسام وغيرها من الفصائل في كامل عدتهم، بدد مزاعم نتنياهو بالانتصار المطلق والقضاء على المقاومة في غزة، وأظهر أنه لا يوم تاليا للحرب بدون وجود حماس، وكل هذا بعد 15 شهرا من حرب طاحنة دمرت قطاع غزة عن بكرة أبيه، وقتلت نحو 49 ألف شهيد فلسطيني، وبالتالي وجد نتنياهو أن المضي في اتفاق وقف إطلاق النار يعني إقراره بالفشل في تحقيق أهدافه السياسية للحرب، ولذا قرر عرقلة الاتفاق.

إعلان خطوات التملص من الاتفاق

شرع نتنياهو تدريجيا في تفجير اتفاق وقف إطلاق النار عبر وضع ألغام وعقبات تستفز الطرف الفلسطيني، فبدأ أولا بمنع دخول البيوت الجاهزة "الكرفانات" إلى غزة، وكذلك سمح بدخول عدد محدود للغاية من الخيم بدلا من 60 ألف خيمة حسب الاتفاق، كما سمح بدخول أعداد محدودة من شاحنات الوقود، ودفعت تلك الانتهاكات كتائب القسام للإعلان على لسان متحدثها العسكري أبوعبيدة عن وقف إطلاق سراح الدفعة السادسة من الأسرى الإسرائيليين لحين دخول ما سبق الاتفاق عليه من متطلبات الإيواء والتوقف عن عرقلة عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة.

تدخل الوسطاء لحل الأزمة، واستجاب الاحتلال بإدخال عدد أكبر من شاحنات الوقود والمساعدات رغم أنها أقل من المتفق عليه، لكنه سرعان ما تذرع بحجة جديدة، وطلب إطلاق سراح 6 أسرى أحياء في يوم واحد بدلا من إطلاق سراح 3 أسرى في أسبوع و3 آخرين في الأسبوع التالي، وذلك مقابل تعهده بدخول مئات البيوت الجاهزة "الكرفانات" ومعدات الحفر الثقيلة إلى القطاع رفقة مزيد من المساعدات، وبالفعل استجابت المقاومة وأطلقت سراح 6 أسرى، لكن الاحتلال زعم أن مراسم إطلاق أسراه كانت مهينة، وقرر عدم إطلاق سراح الدفعة المقررة من الأسرى الفلسطينيين، والبالغ عددهم 600 أسير.

لاحقا بعد عدة أيام أطلق الاحتلال سراح الأسرى الـ600، مقابل تسلم جثث 4 أسرى إسرائيليين دون مراسم احتفالية وبعيدا عن الإعلام، وهو ما تجاوبت معه المقاومة، إلى أن وصلنا للمرحلة الأخيرة بالإعلان عن غلق المعابر ووقف دخول المساعدات، وطرح مخطط جديد لتمديد وقف إطلاق النار.

تغيير فريق التفاوض

لم يمتدح نتنياهو في مذكراته التي نشرها في عام 2022 شخصا من الساسة الإسرائيليين بقدر ما امتدح رون ديرمر السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، ووزير الشؤون الإستراتيجية الحالي. فهو مثل نتنياهو تجنس لفترة بالجنسية الأميركية، ووصفه نتنياهو بأنه حاز تعليما عميقا حيث تخرج في جامعة أكسفورد، وبأنه يفهم السياسة الأميركية بشكل حاذق. وذكر نتنياهو أنه يحب أن يخوض مع ديرمر نقاشات فلسفية وتاريخية، مضيفا (يمكنني دائمًا الاعتماد على كلمة رون والثقة في نزاهة نصيحته).

إعلان

خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، غير نتنياهو فريق التفاوض الذي قاده سابقا رئيس الموساد دادي برنياع ومدير الشاباك رونين بار، وأوكلو إدارة التفاوض لصديقه رون ديرمر، بحجة أن المفاوضات ستأخذ بعدا سياسيا أكثر منه أمنيا، وأشار تغيير مسؤول فريق التفاوض لرغبة نتنياهو في الابتعاد عن توصيات الأجهزة الأمنية التي تنصح باستكمال الصفقة لتحرير بقية الأسرى، لصالح المضي في تنفيذ أجندته السياسية.

سافر ديرمر إلى واشنطن في فبراير/شباط 2025 لبحث آفاق صفقة وقف إطلاق النار، واجتمع مع عدد من المسؤولين الأميركيين من بينهم ستيفن ويتكوف مبعوث الرئيس ترامب، وتوجت تلك اللقاءات بطرح ويتكوف لخطة جديدة تتضمن تمديد وقف إطلاق النار في غزة لمدة 50 يوما إضافيا دون الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، وهو ما يتماشى مع مخطط نتنياهو.

مستقبل التفاوض

استنادا إلى دعم الرئيس الأميركي ترامب الذي صرح بأنه (سيتعين على إسرائيل أن تقرر، والولايات المتحدة ستدعم القرار الذي تتخذه إسرائيل)، ضرب نتنياهو عرض الحائط باتفاق وقف إطلاق النار، وأعلن في 3 مارس/آذار أنه يدعم خطة ترامب بشأن غزة بشكل كامل، مما دفع الوسطاء، وبالتحديد وزارتي الخارجية في مصر وقطر لإصدار بيانين ينددان فيهما بوقف إدخال المساعدات لقطاع غزة، ويعدانه انتهاكا صارخا لاتفاق وقف إطلاق النار والقانون الدولي الإنساني.

إن خطوات نتنياهو تجاه غزة، وعملية الاحتلال العسكرية في مخيمات جنين وطولكرم وطوباس، والتي تضمنت تهجير ما يصل إلى نحو 40 ألف شخص مع تدمير البنية التحتية، وإقامة نقاط ثابتة لجيش الاحتلال داخلها، يتزامن مع وصول 1600 قنبلة ثقيلة بوزن طن لكل منها من طراز "إم كيه-84" (MK-84) من الولايات المتحدة بعد فك إدارة ترامب لتجميد تسليمها في عهد بايدن، كل ذلك يشير إلى نية نتنياهو مواصلة الحرب بهدف فرض واقع جديد يشمل الإعلان عن ضم الضفة، ويضغط على الدول العربية قبيل القمة المنتظرة في القاهرة، بقبول خطة تهدف لنزع سلاح حماس وخروج قياداتها من قطاع غزة مع الضغط والتلويح بتنفيذ خطة ترامب.

إعلان

وفي المقابل تدرك المقاومة أن ورقة الأسرى هي الورقة الأساسية بيدها، وأن الإفراج عنهم دون وقف الحرب وانسحاب الاحتلال من غزة يعني رهن مصير القطاع بيد نتنياهو وحكومته، ولذا ستحاول استخدمها لتفعيل الضغط الشعبي داخل إسرائيل على حكومة نتنياهو للالتزام بالاتفاق.

إن استخدام المساعدات الإنسانية سلاحا يهدف إلى الضغط على السكان وكذلك على مفاوضي المقاومة، فضلا عن إيجاد ذرائع لمواصلة الحرب مجددا لتحقيق الأهداف التي فشل الاحتلال في تحقيقها خلال الفترة السابقة من الحرب.

وبالتالي، فإن الموقف العربي سيسهم بشكل رئيس في تحديد مسار الأزمة، ففي حال اتخاذ موقف قوي وواضح رافض لمخططات نتنياهو بما يشمله ذلك من تأثير على اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، فسيجد الاحتلال نفسه أمام تحديات وأثمان كبيرة ستدفعه للتراجع، بينما في حال التكيف مع الضغوط الإسرائيلية والبحث عن مسارات لتنفيذها، فسيكون الوضع في غزة والضفة أمام تهديدات وجودية تتجاوز مآسي الحرب التي ناهزت عاما ونصفا.

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: نتنياهو يعلم أن انتهاء الحرب يجبرهم على الإجابة على إخفاقات كثيرة مضت
  • الأسرى والحرب.. لماذا يحرق نتنياهو كل الأوراق؟
  • ما خيارات حماس للتعامل مع إجراءات نتنياهو ضد غزة؟
  • حماس ترفض التمديد الصهيوني للمرحلة الأولى
  • محللون: نتنياهو يريد اتفاقا جديدا وهذه خيارات حماس للرد
  • محللون: المقاومة لن ترضخ لمحاولات نتنياهو ابتزاز الفلسطينيين
  • عائلات الأسرى تتهم نتنياهو بدفن أبنائها في أنفاق الموت من أجل حرب عبثية
  • نتنياهو يصدر قرارات عاجلة بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار
  • القناة 13: نتنياهو يميل لتمديد وقف إطلاق النار في غزة لأيام
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين: نتنياهو أخلّ بالاتفاق مع حماس ويفتعل الأزمات