قال الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، إننا في عصر عجزت فيه المشاريع الفلسفية العربية عن إحداث تأثير حقيقي؛ واستنفدت جهودها في البحث عن فلسفة نظرية ترى شروقا من الغرب أحيانا أو ظلاما من الغرب أحيانا أخرى أو توفيقا بين غرب وشرق أحيانا ثالثة، واحتارت بين التراث والمعاصرة، فلم تستعد التراث، ولم تعش المعاصرة، وأصبحت الحاجة ماسة إلى فلسفة للفعل، فلسفة للأخلاق، ومن ثم فلسفة للتقدم، لكنها ليست أخلاق النظريات الفلسفية المجردة، وإنما أخلاقيات قابلة للتنفيذ بين الناس.

 وتابع الدكتور الخشت، خلال كلمته الافتتاحية بالمؤتمر الدولي "الفلسفة ورهان التقدم النظري والاجتماعي" بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بالإمارات، وبمشاركة الشيخ عبدالله بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، والدكتور خليفة مبارك الظاهري مدير جامعة محمد بن زايد، إننا بحاجة إلى مدونة سلوكية يتوفر فيها "الحد الأدنى الأخلاقي المشترك" أو "نواة الأخلاق التقدمية" بدلا من الأخلاق التي تقوم على الالتزام الشكلي الصوري، وعلى الطقوس والشعائر التي لا تتجاوز دائرة الحركة الجسمية إلى دائرة ارتقاء الروح.
وأكد الدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة، أن المتحدثون باسم الدين انحرفوا عن طبيعته الأخلاقية النقية وغيبوا مقصده الكلي فحولوا الدين إلى سلطة ومؤسسة وكهانة، وحولوا الشرائع الأخلاقية للعمران إلى شرائع للنصف الأسفل من الجسد، مما أدى إلى انعكاس الأولويات في التعامل مع الدين، وظهر ما يسمي بالعبادة الزائفة التي تسعى لنوال اللطف الإلهي بطرق لا علاقة لها بالفضيلة الأخلاقية.

وشدد الدكتور الخشت، على أن المجتمعات المتقدمة لم تقدمت إلا بفضل التزامها النسبي ببعض المبادئ الأخلاقية، مثل الشفافية، والاستحقاق، والمساواة، والعدالة، وإتقان العمل، والبيئة التنافسية العادلة، ومبدأ الجهد والنشاط، ومبدأ لكل حسب عمله، مشيراً إلى أن جوهر أخلاق التقدم، بل كل الأخلاق، مبدأ بسيط إذا طبقناه سوف يتقدم مجتمعنا بلا شك، لأن هذا المبدأ البسيط سوف يقضي على الغش والتدليس والاستهتار والرعونة والإهمال. كما تطرق الدكتور الخشت إلى منهج تحديد أخلاقيات التقدم، والشروط الأولية لها، وحدد مبادئ أخلاق التقدم في 19 مبدأ، وتناول طبيعة الحد الأدنى المشترك لأخلاقيات التقدم.

وتابع الدكتور الخشت، أن فلسفات الأخلاق لم تقدم حتى الآن توضيحا للوسائل والآليات العملية التي يمكن أن توصل لتحقيق الخير، والتي تساعد الإنسان العربي على صناعة مجتمع متقدم، ولم توضح فلسفات الأخلاق حتى الآن الشروط الأولية لأخلاق التقدم، أي الشروط التي لابد من توافرها والتي بدونها لا يمكن ممارسة أخلاقيات التقدم، فمثلما لا يمكن الزراعة الجيدة بدون مناخ وأرض خصبة فكذلك لا يمكن ممارسة أخلاقيات التقدم بدون الشروط القبلية فبدون الشروط القبلية لا يمكن أن تكون هناك إمكانية لأن تكون فاضلا، وبدون هذه الشروط لن تكون هناك إمكانية لممارسة أخلاق التقدم إلى جانب أن فلسفات الأخلاق التقليدية لم تقدم الضمانات الدنيوية التي تكفل تطابق الفضيلة والسعادة، أي أن يكون الفضلاء سعداء، والأشرار تعساء، في هذه الحياة الدنيا فهذه الفلسفات تركت مهمة إحداث التطابق إلى قوى غيبية أحيانا، ولم تعبأ بها أو تلتفت إليها أحيانا أخرى، مضيفا : إذا كانت الفلسفات القديمة استغرقت في بيان كيفية التمييز بين الخير والشر؛ فهذه مشكلة شكلية أكثر من اللازم، فالخير واضح بذاته والشر واضح بذاته، ويمكن معرفتهما بالعقل المنطقي.

وأضاف الدكتور الخشت، أنه لا شك أن الأخلاق تعارض الدين المزيف، لكنها لا تعارض الدين النقي؛ حيث أن الخلاص في الدين المزيف يتم من خلال الطقوس والشعائر، وليس من خلال الالتزام الخلقي، حيث يكون سبيل الخلاص في الالتزام الصوري المظهري بالعبادات فقط، وليس في ممارسة الأخلاق والفضيلة، وتكمن أهمية الدين النقي في أنه يقدم لنا "الأمل" في أن جهودنا النازعة إلى إقامة ملكوت الأخلاق والعدالة والسعادة لن تضيع عبثاً، وتكمن أهمية علم الأخلاق الفلسفي بالنسبة إلى الدين في أنه يساهم في تنقية الدين من التفسيرات المشبوهة التي يقدمها له أهل الكهنوت، كما يساهم في إعادة التأكيد على الوظيفة الأخلاقية للدين، وأن العبادة الحق تكمن في السلوك الأخلاقي؛ فالدين الحق فى جوهره عمل بالقانون الأخلاقي، والسلوك الأخلاقي النابع من أداء الواجب هو العبادة الحقيقة.

وأوضح الدكتور الخشت، أنه ليس بصحيح الزعم بأن أمم الشرق المتخلفة أكثر أخلاقية من الأمم المتقدمة، ولا يقول بهذا إلا منافق أو مرائي أو مغالط أو مخدوع؛ مؤكدًا أن الوساطة والاستثناءات، وعدم تكافؤ الفرص، وعدم ثبات سلم الترقي، والانتهازية، وغيرها من الأخلاقيات المضادة للتقدم، أكثر انتشارا بين الأمم المتخلفة، مشيرًا إلى أنه يجب "أن تكون الإرادة متسقة مع نفسها" و هي القاعدة الذهبية التي اتفقت عليها كل الأديان والفلسفات رغم الاختلافات الكبيرة بينها عقائديا وتشريعيا.

كما أوضح رئيس جامعة القاهرة، أن معنى أن تكون الإرادة متسقة مع نفسها -ببساطة- ألا تتناقض مع نفسها، والإرادة المتناقضة هي التي تعطي لنفسها حقا بينما تمنعه من الآخرين، وتسوغ لنفسها فعلا بينما تحرمه على سائر الناس، أي أن تبيح الإرادة لنفسها الغش –مثلا- بينما تحرمه على الآخرين! أن تبرر لنفسها الإهمال بينما تنقده في الآخرين!، أن تمتنع من مساعدة المحتاج، بينما تطلب المساعدة عندما يكون صاحبها نفسه محتاجا! أن تستغل الآخرين بينما تحرم عليهم استغلالها! أو بعبارة بسيطة أن ترضى لنفسها ما لا ترضى للآخرين، متسائلا: أليست هذه الإرادة المتناقضة هي كلمة السر في كل قصة تخلفنا؟.

IMG-20240207-WA0010 IMG-20240207-WA0011 IMG-20240207-WA0009 IMG-20240207-WA0004 IMG-20240207-WA0005

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الدكتور محمد عثمان الخشت المؤتمر الدولي جامعة القاهرة الدکتور الخشت لا یمکن أن تکون IMG 20240207

إقرأ أيضاً:

الإدمان على تيك توك.. تهديد حقيقي لصحة الشباب النفسية

في السنوات الأخيرة، أصبح تطبيق "تيك توك" واحدًا من أكثر منصات التواصل الاجتماعي شهرة بين الشباب في جميع أنحاء العالم، ومنذ إطلاقه، شهد التطبيق نموًا هائلًا وتحول إلى أداة رئيسية للتسلية، التعبير عن الذات، والتواصل الاجتماعي. 

ورغم فوائده في تعزيز الإبداع والتفاعل الاجتماعي، إلا أن هناك جانبًا مظلمًا للتطبيق الذي يترك آثارًا نفسية وسلوكية معقدة على فئة الشباب، مما دفع العديد من الخبراء للتحذير من تأثيراته السلبية.

شعبية "تيك توك" بين الشباب

وفقًا للإحصائيات الحديثة، يُعتبر "تيك توك" من أكثر التطبيقات جذبًا للمراهقين والشباب، حيث تجاوز عدد مستخدميه النشطين مليار شخص حول العالم،  ويتميز التطبيق بواجهة تفاعلية وسهلة الاستخدام، ويتيح للمستخدمين إنتاج محتوى مبتكر وجذاب، مما يعزز انتشاره بين المستخدمين الذين يسعون لتحقيق الشهرة عبر الفيديوهات القصيرة التي لا تتجاوز دقيقة واحدة. 

ويُتيح "تيك توك" للمستخدمين الوصول إلى جمهور عالمي، مما يجعله منصة مثالية للتعبير عن أنفسهم من خلال الرقص، الغناء، التحديات، أو حتى المحتوى الفكاهي،  ولكن على الرغم من هذه الفوائد، فإن الاستخدام المفرط للتطبيق أثار مخاوف بشأن تأثيراته السلبية على الصحة النفسية والجسدية للشباب.

مليار مستخدم لكن الجدل يتصاعد حول تيك توك

الإدمان على "تيك توك"

من أبرز المخاطر التي يواجهها الشباب نتيجة الاستخدام المفرط لـ "تيك توك" هو الإدمان على المحتوى، و يعتمد التطبيق على خوارزميات ذكية تضمن للمستخدمين تجربة ممتعة، إذ تقترح لهم مقاطع فيديو متوافقة مع اهتماماتهم، مما يجعلهم عالقين في دوامة من التمرير المستمر عبر الفيديوهات، و هذه الخوارزميات تجعل من الصعب على المستخدمين التحكم في الوقت الذي يقضونه على التطبيق، مما يرفع من احتمالية الإدمان.

جريمة قتل إثر خلاف على "تيك توك"

في حادثة مروعة هزت المجتمع الألباني، تحول خلاف بين مراهقين على منصة "تيك توك" إلى جريمة قتل، مما دفع الحكومة الألبانية إلى اتخاذ قرار غير مسبوق بحظر التطبيق لمدة عام على الأطفال والمراهقين، وقعت الجريمة بعد تصاعد نزاع بين مراهقين على المنصة، انتهى بمقتل أحدهما على يد الآخر.

 وانتشرت مقاطع فيديو عبر "تيك توك" تؤيد الفعل العنيف، ما أثار قلقًا واسعًا في المجتمع. في أعقاب الحادثة، قررت الحكومة الألبانية اتخاذ خطوة جريئة بحظر التطبيق على الأطفال والمراهقين لمدة عام كامل، بهدف تحسين أمان المدارس في البلاد، و القرار جاء بناء على مشاورات مع الآباء والمعلمين الذين أعربوا عن قلقهم من العنف والمحتويات السلبية التي تنتشر على المنصة.

المخاطر النفسية والجسدية لاستخدام "تيك توك"

إلى جانب التأثيرات السلوكية، يؤدي الاستخدام المستمر لـ "تيك توك" إلى ضعف التركيز لدى المراهقين. مشاهدة الفيديوهات السريعة والمحتويات القصيرة تؤثر سلبًا على قدرة المراهقين على التركيز، مما ينعكس على تحصيلهم الدراسي.

 كما أن الأطفال قد يعانون من مشاكل في التركيز العصبي وضعف الخلايا العصبية للعين، مما يؤثر على أدائهم الأكاديمي وصحتهم العامة، و قرار الحكومة الألبانية بحظر التطبيق يعكس تزايد الوعي بمخاطر منصات التواصل الاجتماعي على سلوكيات الشباب، لكن يبقى السؤال: هل هذا الحظر كافٍ؟ في ظل التأثيرات العميقة التي تتركها هذه المنصات على عقلية الأطفال والمراهقين، فإن من الضروري اتخاذ خطوات أكبر لتنظيم استخدام هذه التطبيقات وتعليم الأجيال القادمة كيفية التعامل معها بحذر ووعي.

الاستعداد لنهاية "تيك توك"

التأثيرات السلوكية لاستخدام "تيك توك"

من جانبه، قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن الاستخدام المفرط للتطبيقات الاجتماعية، وخاصة "تيك توك"، يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات سلوكية واضحة لدى الأطفال والمراهقين، مشيرا إلى أن "تيك توك" يوفر بيئة خصبة لتقليد سلوكيات غير أخلاقية ومحتويات تهدف إلى جني المشاهدات والمال، ما يعرض الشباب لمحتوى يمجد العنف، والتحديات الخطيرة، والسلوكيات المدمرة،  وتؤدي هذه الأنشطة إلى تقليد تصرفات غير صحية، مما يشكل خطرًا على صحتهم النفسية والبدنية.

وأشار الدكتور فرويز إلى أن الأطفال والمراهقين الذين يقضون وقتًا طويلاً على "تيك توك" قد يعانون من اضطرابات نفسية وسلوكية واضحة، حيث تؤثر مقاطع الفيديو السريعة على قدرتهم على التركيز، مما يؤدي إلى تراجع تحصيلهم الدراسي وسلوكياتهم في الحياة اليومية،  كما يتأثر المراهقون بشدة بمفهوم الشهرة على هذه التطبيقات، مما يدفعهم إلى تقليد سلوكيات قد تكون غير صحية أو حتى خطيرة للحصول على الانتباه.

المحكمة العليا الأمريكية توافق على الاستماع إلى استئناف حظر تيك توك

المحتوى غير الأخلاقي وتأثيره على المراهقين

أوضح الدكتور فرويز أن من أخطر التأثيرات التي تسبّبها منصات مثل "تيك توك" هي تعرض المراهقين لمحتوى غير أخلاقي، وفي إطار السعي لزيادة التفاعل وجذب المشاهدات، تنتشر مقاطع فيديو تحتوي على مشاهد تمجد العنف، والعلاقات غير الصحية، وبعض السلوكيات الجنسية، وهذه المشاهدات تؤثر على تشكيل الوعي الاجتماعي للمراهقين، مما يجعلهم أكثر تقبلاً للسلوكيات الضارة.

وأكد الدكتور فرويز أن التأثيرات الاجتماعية والعاطفية لـ "تيك توك" على المراهقين كبيرة. إذ يميل المراهقون إلى مقارنة أنفسهم مع الآخرين بناءً على ما يرونه على المنصة، مما يؤدي إلى شعور بالاكتئاب أو القلق بسبب الصورة غير الواقعية التي يروج لها العديد من المستخدمين، وهذه المقارنات ترفع من مستويات التوتر والضغط النفسي، مما يؤثر سلبًا على صحة المراهقين النفسية.

مقالات مشابهة

  • بينما نعيش عصر التكنولوجيا المتطورة يبقى الإنسان سيد هذا العالم بفضل روحه وعقله وإبداعه.
  • قبل مناقشته بـ"النواب".. ننشر فلسفة قانون الإجراءات الجنائية الجديد
  • اللغة العربيَّة بوصفها حصناً ثقافيًّا وجوهراً معرفياً
  • «معاً» تدعو الجمهور للمساهمة في إحداث 4 تأثيرات إيجابيه مستدامة
  • عماد الدين حسين: إسرائيل العدو الأساسي للمنطقة العربية
  • الإدمان على تيك توك.. تهديد حقيقي لصحة الشباب النفسية
  • وزير الصحة يبحث مع البرنامج السعودي المشاريع التي يمولها وينفذها في اليمن
  • الغرف العربية: البحث العلمي مفتاح التنمية المستدامة في العالم العربي
  • دار الإفتاء تطلق حملة "خلق يبني" لتعزيز القيم الأخلاقية
  • تواضع العلماء.. خُلق سامٍ ودعوة للأخلاق الجميلة