يتخطّى اسم أوراسيا الكلمة المركبة، التي تجمع أوروبا وآسيا، ليصل إلى جمع الجغرافيا بالسياسة (جيوبوليتيك)، في إطار استراتيجية دولية، تتصارع فيها وحولها قوى كبرى من داخلها ومن خارجها. وقديماً قيل من يمتلك أوراسيا يهيمن على العالم.
تبلغ مساحة أوراسيا 55 مليون كيلو متر مربع، أي ما يعادل 37% من مساحة اليابسة على سطح كوكب الأرض، ويسكنها 70% من سكان العالم (نحو 5 مليارات وثلث المليار نسمة)، وكان بريجينسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر (1977 – 1981)، يُدرك أهمية البعد الجيوستراتيجي لهذه المنطقة، لاسيّما نفوذ الولايات المتحدة فيها، خصوصاً صراعها الأيديولوجي مع الدب الروسي في فترة الحرب الباردة، وهو ما تناوله بعمق في كتابه «رقعة الشطرنج الكبرى».
ويُعتبر المنظّر البريطاني هالفورد ماكيندر، المتخصص بالجغرافيا السياسية، من أبرز دعاة فكرة الأوراسيا، منذ مطلع القرن العشرين، وهي الفكرة التي عاد وطرحها المفكر الروسي ألكسندر دوغين، إثر انهيار الاتحاد السوفييتي، وهو ما تبناه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ العام 2000.
قدّم دوغين «الأوراسية» باعتبارها النظرية الرابعة بديلاً للنظريات التي سادت في القرن العشرين (الاشتراكية والفاشية والليبرالية) بدعوته إلى تعزيز القوة الجيوبولوتيكية لروسيا، والتكامل مع المحاور البرية التابعة في «الحزام الأوراسي» و«الحزام الباسيفيكي»، و«الحزام الأورو أفريقي»، والشرق الأوسط (وبضمنه العالم العربي)، الذي أصبح ساحة اشتباك جيوبوليتيكي مع الولايات المتحدة.
وحسب دوغين فإن هدف روسيا هو تكوين قطب عالمي منافس للقطب الأمريكي. وقد أثارت أطروحاته اهتماماً من لدن نخبة من الأكاديميين والمعنيين العرب، وكنت قد التقيته واستمعت إليه في محاضرة تفصيلية بهذا الخصوص.
أما بريجينسكي فتحليله يرتكز على ضرورة هيمنة الولايات المتحدة على البر الأوراسي، الذي يوجد فيه الجزء الأكبر من سكان العالم، وأيضاً الموارد الطبيعية والنشاط الاقتصادي، ويمتد من البرتغال إلى مضيق بيرينغ (يفصل بين قارة آسيا وقارة أمريكا الشمالية)، ومن لابلاند (أقصى الجزء الشمالي من فنلندا) إلى ماليزيا، وهي التي تمثّل رقعة الشطرنج الكبرى، والذي يسيطر عليها، سيتم الاعتراف له بالقوّة والتفوّق.
وبالعودة إلى ماكيندر، فإن «المنطقة المحورية» الأوراسية هي تلك التي تضمّ سيبيريا والجزء الأكبر من آسيا الوسطى، إضافة إلى الأرض المركزية، التي تشمل وسط أوروبا وشرقها بوصفها تشكّل نقاط الانطلاق الحيوية لتحقيق السيطرة على القارة، وبالتالي على العالم، في حين أن بريجينسكي حدّد 5 قوى جيواستراتيجية في أوراسيا هي: فرنسا وألمانيا وروسيا والصين والهند، مستبعداً دولاً مثل بريطانيا واليابان وإندونيسيا على أهميتها، أما الدول مثل أوكرانيا وأذربيجان وكوريا الجنوبية وتركيا وإيران، فيمكن أن تؤدي دور المحاور الجيوبوليتكية الثابتة المهمة.
وانطلاقاً من هذا المفهوم، نلحظ أن التوجّه الأمريكي نحو دول آسيا الوسطى وأفغانستان والعراق خصوصاً، والعالم العربي عموماً، وأوروبا الشرقية والقوقاز وجورجيا، ازداد كثافةً وتأثيراً، بما فيه الصراعات الدائرة اليوم مع إيران وفي وسوريا ولبنان واليمن، وهو جزء من المواجهة مع روسيا وحليفتها الصين، سواء كان الأمر على نحو مباشر أو غير مباشر.
وإذا كان هذا هو الفهم الأمريكي لأوراسيا، فإن الفهم الروسي الأوراسي يعاكسه بشدّة، بما فيه تبريره للحرب في أوكرانيا باعتبارها «دفاعاً عن النفس»، في حرب مفتوحة اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً، لاسيّما في ما يتعلّق باستيراد بعض دول أوروبا الغاز الروسي (ألمانيا وفرنسا).
وكان بريجينسكي يُدرك أنه «من دون أوكرانيا، لا يمكن لروسيا أن تصبح قطباً سيادياً لعالم متعدد الأقطاب»، والتعددية القطبية التي نظّر لها، منذ مطلع السبعينات في كتابه «بين عصرين – أمريكا والعصر التكنوتروني»، هي التي أخذت تتبلور بعد صعود التنّين الصيني وبداية معافاة روسيا لتشكيل محور مواز للمحور الغربي.
وإذا كانت الحروب في أوراسيا قديمة ومعتّقة، فهي تتجدّد باستمرار تحت عناوين إثنية أو عرقية أو دينية، وهي حروب موروثة من الماضي السحيق، حتى وإن كانت تختفي وتظهر، فإن الجديد فيها هو الدور غير الأوراسي، بدخول الولايات المتحدة طرفًا أساسيًا بمحاولة نصب صواريخ بالستية لحلف الناتو على الحدود الأوكرانية – الروسية، بهدف إضعاف روسيا المتحالفة مع الصين، منافسها الاقتصادي والتكنولوجي الأول.
صحيح أن الروس والأوكرانيين ينتمون إلى العرق السلافي، ويدينون بالديانة المسيحية وفقًا للمذهب الأرثوذكسي، ويرتبطون تاريخياً بعلاقات عميقة ومتشابكة، إلّا أن الحساسيات القومية القديمة، خصوصاً في الحقبة السوفييتية، تركت ندوباً عميقةً في الذاكرة الجمعية الأوكرانية. وقد يكون من باب ردّ الفعل ميلها إلى الغرب وتطلّعها لتكون جزءاً منه، بعد انفصالها عن الاتحاد السوفييتي في العام 1991.
في الصراعات الأوراسية الجديدة – القديمة (الصين – تايوان)، لا يمكن إغفال دور واشنطن، إضافة إلى تأجيج الصراع الياباني – الصيني، مثلما هو بين كوريا الجنوبية والفلبين، وذلك بإيقاظ روح الكراهية والحقد، بما يعيق الرغبة في وصول هذا الجزء الأوراسي إلى الاستقرار والتعاون. وعلى حافة أوراسيا، تتعرّض غزّة إلى حرب إبادة جماعية من أكثر الحروب بشاعةً وتوحشاً من جانب «إسرائيل»، وبدعم ومساندة مادية ومعنوية من واشنطن، ولعلّ هذه الحروب وغيرها هي امتداد لتلك الحروب المعتقة.
عبدالحسين شعبان – جريدة الخليج
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
مواجهة عسكرية محتملة.. الحلف النووي الروسي الصيني يهدد هيمنة واشنطن دولياً
يمثل الصعود العسكري للصين وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خاصة في ظل التقارب المتزايد بين بكين وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.
وفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأمريكية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في العديد من مراكز الأبحاث والجامعات الأمريكية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.
Read @BalzerKyle and @DAlexBlumenthal on China’s nuclear geopolitics—and what the United States can do to maintain the status quo in the Asia-Pacific: https://t.co/dkaQzEFeYP
— Foreign Affairs (@ForeignAffairs) November 24, 2024 3 قوى نوويةويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم ثلاث قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحالي وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأمريكية بأكلمها.
وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر(تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأمريكية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035، وبحسب اللجنة فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يتزايد وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.
ولمواجهة هذه التحديات الأمنية أوصت اللجنة الأمريكية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأمريكية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأمريكية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة.
ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقةً للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها لمواجهة صعود الصين كقوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأمريكية وبنيتها التحتية بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.
首尔。地面满载的导弹车,空中黑压压的战斗机。朝鲜领导人金正恩,举行罕见的安全会议后,朝鲜摧毁了连接朝韩的北部道路。世界正面临三大核战争爆发点:俄罗斯、伊朗和朝鲜的行动,正将我们推向第三次世界大战和世界末日的边缘。不过,美国股市的飞涨,间接印证了韩国及其盟友,有能力定点清除金正恩。… pic.twitter.com/rdBJ6zsLPE
— 亚洲金融 Asia Finance (@AsiaFinance) October 15, 2024 الاستراتيجية الأمريكيةفي الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأمريكية والفهم الأمريكي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.
في الوقت نفسه يرى كل من سيمبالا صاحب العديد من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني، فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى.
وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعتبرانه هيمنة أمريكية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما مازال غامضاً.
ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة ستارت الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً.
في الوقت نفسه يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.
وحاول الخبيران الاستراتيجيان في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي ثلاث قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأمريكية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية.
????Update: “US Nuclear War Doctrine!! Biden signs new Directive on conditions for U.S. use of nuclear weapons!” - White House
The White House says the U.S. is making changes with an emphasis on competition with Russia and China and will increase its nuclear arsenal in the… pic.twitter.com/OJNhRwc5GU
ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث مازالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.
ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رأساً نووياً استراتيجياً، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.
ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة لهذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة. على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولابد أن نتخيل سيناريو متطرفاً حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف الناتو، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.
وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع الناتو. بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي.
والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق. وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك فإن الرد النووي للولايات المتحدة والناتو على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.
هل يمكن وقف الحرب في أوكرانيا؟ - موقع 24جاء قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأمريكية لضرب الأراضي الروسية بعد أن نقلت روسيا بالفعل العديد من الأهداف الرئيسية خارج النطاق؛ بعد أن أنفقت أوكرانيا إمداداتها القليلة من الصواريخ الأمريكية على استهداف مواقع أقل أهمية سُمح بها سابقاً.وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأمريكية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة. وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى باعتبارها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأمريكية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا.
ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر "الفجوة" بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.
أخيراً، يضيف ظهور الصين كقوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا.
في الوقت نفسه فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقتاً وليس وجودياً فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأمريكية والغربية على النظام العالمي.