وكالة غوث اللاجئين وحق العودة!
تاريخ النشر: 7th, February 2024 GMT
وكالة غوث اللاجئين وحق العودة!
الدول التى أوقفت التمويل لم تفتح تحقيقًا فى تلك المزاعم ولا هى انتظرت تحقيق الوكالة، التى أقالت أولئك الموظفين الذين طالتهم المزاعم.
قرار الدول الغربية بوقف تمويل الوكالة يسهم فى التخلص العنصرى من الفلسطينيين فى غزة هكذا بالجملة والقضاء على «حق العودة» نهائيًا.
الدول الغربية قررت مشاركة إسرائيل فى عقابها الجماعى للمدنيين الفلسطينيين، لم تعتبر أن قرار محكمة العدل يستدعى فرض أى قيود على إسرائيل!
أتت مزاعم إسرائيل عقب صدور قرار محكمة العدل الدولية وبعد تصريحات مسؤولين إسرائيليين بأنه «لا تحقيق للنصر دون التخلص من الوكالة» وبضرورة تجويع الفلسطينيين لتهجيرهم من غزة.
* * *
كانت المفارقة فاضحة حين قامت أمريكا ودول أخرى بوقف تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين بناء على مزاعم إسرائيلية، ثم لم تحرك ساكنًا فى اليوم التالى حين أعلنت إسرائيل بكل فخر عن ارتكابها جريمة حرب جديدة باقتحام جيشها مستشفى بجنين وقتل ثلاثة فلسطينيين بينهم جريح كان طريح الفراش.
ومزاعم إسرائيل تلك التى تتهم 12، من أصل 30 ألفًا من العاملين بالوكالة، بالمشاركة فى عمليات طوفان الأقصى نشرتها، بالمناسبة، صحفية بـ«وول ستريت جورنال» خدمت فى جيش الاحتلال! والدول التى أوقفت التمويل لم تفتح تحقيقًا فى تلك المزاعم ولا هى انتظرت تحقيق الوكالة، التى أقالت أولئك الموظفين الذين طالتهم المزاعم.
بل توقف التمويل بعد أن غضت تلك الدول الطرف عن أن الوكالة ترسل لهم ولإسرائيل سنويًا قائمة كاملة بأسماء العاملين بها، وأن المزاعم الإسرائيلية تلك أتت فى اليوم التالى مباشرة لصدور قرار محكمة العدل الدولية بل وبعد تصريحات مسؤولين إسرائيليين بأنه «لا يمكن تحقيق النصر دون التخلص من الوكالة»، بل وبضرورة تجويع الفلسطينيين لإجبارهم على ترك غزة.
والمفارقة التى لا تقل فجاجة هى أن تلك الدول التى قررت مشاركة إسرائيل فى عقابها الجماعى للمدنيين الفلسطينيين، لم تعتبر أن قرار محكمة العدل يستدعى فرض أى قيود على إسرائيل أو حتى التلويح بها حال عدم التزام الأخيرة بما طلبته منها المحكمة. بل صارت هذه الدول طرفًا فى عدم الوفاء بمطلب المحكمة بضرورة عدم إعاقة وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين فى غزة.
والقرار الجماعى الذى اتخذته الدول الغربية بوقف تمويل الوكالة يذهب لما هو أبعد وأخطر من ذلك كله، إذ يسهم فى التخلص العنصرى من الفلسطينيين فى غزة هكذا بالجملة والقضاء على «حق العودة» نهائيًا. فوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين نشأت بقرار للجمعية العامة للأمم المتحدة بعد نشأة إسرائيل لإغاثة الفلسطينيين الذين هُجّروا من ديارهم.
وهى أنشئت آنذاك بمباركة إسرائيل لأن إنشاءها كان يعفى إسرائيل من المسؤولية المادية التى كانت ستقع على عاتقها تجاه اللاجئين. وقد استغلت إسرائيل، عبر العقود التالية، جهود الوكالة فى مساعدة اللاجئين لتمحو حق العودة من الذاكرة الدولية.
والجدير بالتأمل أن إسرائيل لم تبدأ فى مهاجمة الوكالة بانتظام إلا بعد أوسلو. إذ مع تسارع قطار التطبيع صار لزامًا إلغاء الوكالة التى يعنى مجرد وجودها أن هناك لاجئين لهم «حق العودة» بموجب القانون الدولى! وإسرائيل لا تُخفى أهدافها بالاستيلاء على كل الأرض الفلسطينية.
فحتى بعد قرار محكمة العدل الدولية شارك 11 وزيرًا إسرائيليًا فى مؤتمر قالوا فيه علنًا إنه لابد من الاستيطان فى غزة. أما الضفة الغربية، فالاستيطان فيها كان يجرى على قدم وساق حتى قبل طوفان الأقصى.
والاستيلاء على ما تبقى من الأرض يعنى طرد الفلسطينيين، كما أعلن مسؤولون إسرائيليون أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، أو قتلهم بدم بارد كما يحدث اليوم فى غزة.
وتزعم الولايات المتحدة أنها تبحث مع إسرائيل إيجاد «بدائل» للوكالة من أجل توصيل المساعدات الإنسانية لغزة. بعبارة أخرى، فإن إسرائيل، التى تبيد الفلسطينيين فى غزة، هى بنفسها التى تختار من ينقذهم من تلك الإبادة!
لذلك كله، ففى خضم حرب ضروس تشنها إسرائيل على المدنيين فى غزة ومخاطر حقيقية بمجاعة وتفشى الأمراض، فإن الدول التى أوقفت تمويل الوكالة الوحيدة التى تنقذ حياة أولئك المدنيين تدرك جيدًا أن قرارها معناه ألا يظل هؤلاء المدنيون على قيد الحياة.
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي
المصدر | المصري اليومالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين غزة إسرائيل أونروا الدول الغربية حق العودة وقف تمويل الوكالة قرار محکمة العدل غوث اللاجئین الدول التى حق العودة تحقیق ا فى غزة
إقرأ أيضاً:
وسط أزمة إنسانية عميقة.. «الأونروا» تخلى مقراتها فى القدس.. بعد سريان قرار إسرائيل بوقف التعامل مع الوكالة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
دخل القانون الذي يحظر أنشطة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) حيز التنفيذ يوم الخميس في "الأراضي ذات السيادة" من وجهة نظر الدولة اليهودية، بما فى ذلك القدس الشرقية المحتلة منذ ١٩٦٧ والتى ضمتها إسرائيل وتتعامل معها كأراضٍ إسرائيلية. وتأتي هذه الخطوة التى كانت متوقعة فى ظل الصلف الإسرائيلى، في أعقاب إقرار الكينست الإسرائيلي لقانون يحظر وجود الأونروا في إسرائيل، بما في ذلك القدس الشرقية التي تحتلها البلاد منذ عام ١٩٦٧.
ويخلق تنفيذ القرار قدرًا كبيرًا من عدم اليقين والقلق بين ملايين الفلسطينيين الذين يعتمدون على خدمات الوكالة كما يأتى في خضم أزمة اقتصادية وإنسانية عميقة في الأراضي الفلسطينية سواء في الضفة الغربية، أو في غزة أو في القدس الشرقية.
وفي القدس الشرقية، في المنطقة الاستيطانية التي يقع فيها أصبح المقر الرئيسي الضخم للأونروا بالفعل موضع حسد الكثيرين. وبدأت الصحافة الإسرائيلية تتحدث عن مشاريع عقارية تتضمن إنشاء مئات الشقق، مكان مقر الوكالة الأممية. وقال جوناثان فاولر، المتحدث باسم المنظمة في القدس "إن هذا انتهاك لاتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام ١٩٤٦ التى صادقت إسرائيل عليها في عام ١٩٤٩". وقدر المتحدث أن وقف أنشطة الوكالة وإغلاق مقراتها في القدس الشرقية من شأنه أن يلحق الضرر بنحو ٧٠ ألف مريض وأكثر من ألف طالب يتلقون الرعاية الصحية والخدمات التعليمية التي تقدمها الوكالة.
ولكن بالنسبة للسياسيين الإسرائيليين، فإن كل هذا لا قيمة له. فقد احتفلت مجموعة من الناشطين الإسرائيليين من أقصى اليمين يوم الخميس بـ"يوم تاريخي، بداية سريان قانون حظر الأونروا"، حسبما أعلن العنصرى أرييه كينج، نائب رئيس بلدية القدس، أحد قادة الحركة الاستيطانية في الجزء الشرقي من المدينة الذي ضمته إسرائيل. وقام بوضع طاولتين بلاستيكيتين، وأحضر بعض النبيذ وبعض الكعك للاحتفال بالحدث. وشاركه الاحتفال شاي جليك، مؤسس في جمعية تهدف إلى منع إقامة الفعاليات التي ينظمها اليسار المناهض للاحتلال، وكذلك بنياهو بن شبات، من منظمة "إم ترتسو"، وهي منظمة تعمل على مواجهة الخطابات التي تعتبر معادية للصهيونية في الجامعات. وبينما يعج النشطاء بالضجيج، فإن مبادرتهم تجري في ظل لا مبالاة تامة، من المجتمع الدولى.
مستقبل غامض
ومن أجل تجنب المخاطرة، فضلت إدارة الأونروا إخلاء المجمع الضخم للوكالة الذى تعرض للهجوم عدة مرات، بما في ذلك محاولة إشعال حريق متعمد في مايو. وقال جوناثان فاولر "عندما حاولنا إخماد الحريق، تعرضنا للرشق بالحجارة وهددنا بأسلحة وهمية".
وفي أجواء مثل "نهاية العالم"، تم نقل كافة أرشيفات المنظمة غير الحكومية تدريجياً إلى عمان بالأردن لأغراض الرقمنة. ومع ذلك، في البلدة القديمة من القدس، عند باب الساهرة، تواصل عيادة صغيرة تابعة للأونروا أنشطتها. واستقبلت الخميس ١٥٠ مريضاً. كما استقبلت الأربعاء ٢٢٠ مريضاً، بينهم هناء موسى السيدة الثمانينية التي تعاني من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، وهي قلقة بشأن صحتها بقدر قلقها بشأن مستقبل العيادة التي تتلقى فيها الرعاية. وبدون تأمين صحي، لا تستطيع المقيمة في حي وادي الجوز زيارة الطبيب في أي مكان آخر غير هنا، حيث تتلقى أدويتها، بما في ذلك الأنسولين، مجانًا. قالت السيدة العجوز وهى تتنهد "أتمنى أن يستمر هذا المكان موجودًا"، فيما لا يجرؤ أي عضو من الطاقم الطبي على طمأنتها.
بعد إغلاق مقر الأونروا، هناك حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل أنشطة الوكالة التابعة للأمم المتحدة، المسئولة عن إدارة ست مدارس ومركزين صحيين في القدس الشرقية، من بين عشرات المراكز الأخرى في الضفة الغربية وغزة. وقال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، الثلاثاء، أمام مجلس الأمن الدولي، إن الحظر من شأنه أن "يزيد من عدم الاستقرار ويعمق بؤس الفلسطينيين". وردت دوروثي شيا، القائمة بالأعمال الأمريكية لدى الأمم المتحدة، قائلة: "إن الأونروا تبالغ في تأثير هذه القوانين، والاقتراح بأنها ستجبر الاستجابة الإنسانية بأكملها على التوقف هو أمر غير مسئول وخطير".
تراجع النفوذ
واليوم يعيش موظفو المنظمة "ضغوطاً هائلة"، حسبما يقول حمزة الجبريني، وهو طبيب يبلغ من العمر ٣٨ عاماً، مسئول عن العيادة في البلدة القديمة، والذي يقارن آلاف المرضى في المركز بـ"الأسرة" التى يقوم برعايتها منذ عام ٢٠١٤. ولا يعرف مقدمو الرعاية الإثني عشر في فريقه ما إذا كانوا سيظلون قادرين على إرسال عينات الدم لتحليلها في المختبر في الجزء الغربي من القدس، أو استلام الأدوية من المستودع الموجود في رام الله بالضفة الغربية. ولا يحدد القانون ما إذا كان حظر الاتصال بين المسئولين الإسرائيليين وموظفي الأونروا يمتد إلى عبور نقاط التفتيش بين الدولة اليهودية والضفة الغربية المحتلة. تقول فداء نصار، فنية مختبر تعمل لدى الأونروا منذ عام ١٩٩٧، أمام الصيدلية عند مدخل المبنى التاريخي الذي تم تحويله إلى مستشفى في عام ١٩٤٩: "أخشى على المرضى مثلما أخشى أن أفقد وظيفتي".
وفي مخيم شعفاط للاجئين، وهو المخيم الوحيد داخل حدود بلدية القدس، لا يدرك العديد من السكان الإعلان عن نهاية عمل الأونروا. وقد تراجع نفوذ الوكالة التابعة للأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، على الرغم من وجود العيادة والمدرستين في وسط هذا الحي الكبير، الذي يجاور الجدار الفاصل الذي بنته إسرائيل بين الأحياء العربية في المدينة والضفة الغربية.
كما هو الحال في جميع المدارس في الضفة الغربية المحتلة، لا تزال العطلة الشتوية مستمرة لبضعة أيام، ولا أحد هنا يعرف ما إذا كانت الفصول الدراسية ستتمكن من استئناف عملها. وفي نهاية المطاف، سيتعين على ١١٠٠ طفل يذهبون إلى المدرسة هناك الانضمام إلى المدارس العربية في المدينة، أو حتى نظام التعليم الإسرائيلي، كما يقول شاهر علقم، عضو مجلس سكان مخيم الشويفات للاجئين وطالب سابق في مدارس الأونروا. ويرى أن الخيار الأخير سيكون بمثابة "خطوة أخرى نحو اختفاء التعلم عن تاريخهم الفلسطيني وأفكارهم وتقاليدهم بين أصغر اللاجئين".
في طريقها إلى نقطة التفتيش التي تفصل المخيم عن بقية القدس، تشعر هيا، وهي فلسطينية تبلغ من العمر ٢٨ عامًا، بالقلق بشأن الاختفاء المحتمل لهذا الدعم "الضروري" للأسر الأكثر فقراً في مخيم اللاجئين. ولكن ليس فقط في الضفة الغربية المحتلة، بل وأيضاً في غزة، حيث تقدم الأونروا اليوم جزءاً كبيراً من المساعدات الإنسانية في القطاع المدمر.
لكن الأمم المتحدة سارعت إلى التأكيد على أن الأونروا تواصل عملها في سائر أنحاء الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، رغم دخول القرار حيز التنفيذ، من دون أن توضح كيفية ذلك.
وقال المتحدث باسم المنظمة الأممية ستيفان دوجاريك إن الموظفين الفلسطينيين يعملون من أماكن أخرى، بينما اضطر الموظفون الأجانب إلى مغادرة إسرائيل. وأضاف "لقد اتخذنا احتياطات، وكل المعدات الموجودة داخل المقر، والملفات، وأجهزة الكمبيوتر، وكذلك المركبات، تم نقلها".
إدانة دولية
تقدم الأونروا الدعم للاجئين الفلسطينيين في كل أنحاء الشرق الأوسط منذ أكثر من ٧٠ عاماً، وتقوم مكاتب الأونروا وموظفوها بدور رئيسي في توفير الرعاية الصحية والتعليم للفلسطينيين عموماً، بما في ذلك قطاع غزة الذي دمرته ١٥ شهراً من الحرب مع إسرائيل.
وأنشئت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط في ديسمبر ١٩٤٩ بموجب قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عقب حرب ١٩٤٨.
ورفضت المحكمة العليا في إسرائيل الأربعاء التماساً تقدم به مركز "عدالة" الفلسطيني لحقوق الإنسان يطعن في حظر الوكالة. وقالت المحكمة "بعد النظر في حجج الطرفين، لم نعتبر أنه من المناسب إصدار أمر الإلغاء المطلوب"، ورداً على قرار المحكمة، قال مركز "عدالة" إن إسرائيل "تتجاهل التداعيات الإنسانية الكارثية". وقد أثارت هذه الخطوة الإسرائيلية إدانة من منظمات إغاثة وكذلك من حلفاء لواشنطن، فيما لقيت دعماً من الإدارة الأمريكية الحليف الأساسى لإسرائيل.