البحر الأحمر وأهداف التصعيد
تاريخ النشر: 7th, February 2024 GMT
البحر الأحمر وأهداف التصعيد
السؤال الأهم هو: ما هي تأثيرات استهداف الحوثيين للتجارة العالمية؟ هل ستتوسع الحرب لتصبح حرباً إقليمية؟
هل هي حربٍ اقتصادية من نوعٌ آخر، تتمثل في المواجهة المتأخرة بين الدول الغربية والعملاق الاقتصادي الصيني ومبادرته (الحزام والحرير) وعلى حليفته روسيا أيضاً؟
ضخمت أميركا هجمات الحوثيين في اليمن على الملاحة في البحر الأحمر سعيا لشـرعية دولية تهدف لعسكرة المنطقة، والسيطرة على أحد أهم الممرات المائية في العالم.
استمرار الهجمات تسهم في تردي التجارة العالمية، وتضعها بمأزقٍ كبير، وتربك شـركات الشحن على المدى القصير والمدى الطويل، ما سيوثر سلبا على الاقتصاد العالمي.
أمريكا تدرك أهمية البحر الأحمر منذ حرب أكتوبر 1973 ومن ثم تستخدم هذه الهجمات ذريعةً لعسكرة البحر الأحمر، وجعله منطقة نفوذٍ لها، والسيطرة على باب المندب.
* * *
يتساءل كثيرٌ من الخبراء الدوليين والمحللين السياسيين هل ستتوسع الحرب لتصبح حرباً إقليمية؟ أم أننا أمام حربٍ اقتصادية من نوعٌ آخر، تتمثل في المواجهة المتأخرة بين الدول الغربية والعملاق الاقتصادي الصيني ومبادرته (الحزام والحرير) وعلى حليفته روسيا أيضاً؟ والسؤال الأهم هو: ما هي تأثيرات استهداف الحوثيين للتجارة العالمية؟
استهداف السفن الإسرائيلية
في البداية، تُصـرِّح قيادات الحوثيين بأن الملاحة في البحر الأحمر آمنٌة للسفن التجارية العالمية ما عدا السفن المتجهة إلى فلسطين المحتلة، وأن استهدافهم للسفن الإسـرائيلية مشـروعٌ ونابعٌ من واجبهم الإنساني والعروبي والإسلامي تجاه ما يحدث لإخوانهم الفلسطينيين في قطاع غزة من حربٍ شاملة تجاوزت أربعة أشهر.
وأن الأمر لن يتوقف على استهداف السفن فقط، إذ سبق للحركة أن تبنَّت الدخول في الحرب إلى جوار قطاع غزة وبدأت باستهداف ميناء إيلات الإسـرائيلي بالعديد من الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيرة، بدءاً من يوم 19 أكتوبر الماضـي، حين أعلن البنتاغون اعتراض المدمرة كارني شمال البحر الأحمر، وإعلان سقوط أو إسقاط صواريخ فوق أراضـي بعض دول الجوار منها السعودية ومصـر.
لم يتوقف استهداف السفن على الإسـرائيلية فقط. فقد قامت الحركة بالاستيلاء واحتجاز السفينة (جالاكسـي ليدر) يوم 19 نوفمبر الماضـي، ومهاجمة سفنٍ إسـرائيليةٍ أخرى، بل وأعلنت في التاسع من ديسمبر منع مرور جميع السفن من جميع الجنسيات المتوجهة من وإلى الموانئ الإسـرائيلية إذا لم يسمح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة.
تعرض اليمن في يوم 12 يناير/كانون الثاني للعدد من الضـربات الجوية الأمريكية والبريطانية، استهدفت مواقع عسكرية يمنية، ويأتي الرد الحوثي بإعلانه أن جميع المصالح الأمريكية والبريطانية أصبحت أهدافاً مشـروعة؛ الأمر الذي يذهب لتفسيرات مختلفة بشأن نية استهداف تلك المصالح في دول الخليج العربية أيضاً وليس فقط تلك التي تـمر عبر البحر الأحمر.
هذا بشأن الأهداف المعلنة للحوثيين أم تلك غير المعلنة فتتعلق بالسياسات الداخلية للحركة، فقد تعرَّض الحوثيون لاتهامات سياسية سواءً في الداخل أو الخارج بأنهم يسعون من وراء استهداف السفن لكسب تعاطف شعبيٍّ عربي وإسلامي، ومن أجل الهروب من التزاماتها تجاه الشعب اليمني، المتمثلة في تحقيق السلام الدائم بين اليمنيين، ودفع مرتبات الموظفين، وتشكيل حكومةٍ وطنية.
أهداف التحالف الدولي
أعلنت واشنطن عن تشكيل تحالفٍ دولي يضم عشـر دول لحماية أمن البحر الأحمر، يهدف إلى مواجهة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وهذا هو الهدف المعلن من هذا التحالف؛ ولكن هناك أهداف غير معلنة.
يرى خبراء بأن أمريكا تدرك أهمية البحر الأحمر منذ حرب أكتوبر 1973. ومن ثم فإنها تستخدم هذه الهجمات ذريعةً من أجل عسكرة البحر الأحمر، وجعله منطقة نفوذٍ لها، وللسيطرة على باب المندب، وإدخال أكبر قدرٍ من القوات الأمريكية إلى المنطقة، لتسمح لها بالمناورة السياسية وحماية أمن إسـرائيل.
وذلك عن طريق خلق عدوٍّ وهمي والاستفادة منه كما حدث في أفغانستان والعراق، ليصبح البحر الأحمر محل تنافسٍ دوليٍّ كبير نظراً لوجود 11 قاعدة عسكرية في منطقة القرن الأفريقي القريبة من مدخله، تتبع العديد من الدول المتنافسة إقليمياً ودولياً، الأمر الذي يؤدي إذا ما تفاقمت حدة المواجهات إلى اندلاع حربٍ دولية، وفرض شـروطٍ جديدة على منطقة البحر الأحمر والملاحة الدولية فيه والتي تعده واشنطن ذا أولويةٍ استراتيجية.
ولهذا يرى خبراء استراتيجيين بأن واشنطن حاولت تضخيم الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وركزت عليها إعلامياً، وسعت لاستصدار قرارٍ من مجلس الأمن، وهو القرار (2722) لكي يُعطي لها شـرعية عسكرة المنطقة والسيطرة على واحدٍ من أهم الممرات المائية في العالم.
وليعكس هذا رغبةً أمريكيةً وبريطانية للتواجد في باب المندب، ورغبتهما في إضعاف النفوذ الصيني وتهديد تواجده، وعدم السماح بعبور تجارته عبر هذا المضيق، وبالتالي عدم السماح أيضاً لروسيا، ومحاصـرة نفوذها السابق في هذه المنطقة.
البحر الأحمر.. إلى أين؟
يعد البحر الأحمر ممرا مائيا استراتيجيا مهم تتصارع عليه القوى الإقليمية، له أهميةً بارزةً اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، وهو أكثر طرق الملاحة البحرية الدولية حيويةً في العالم؛ الأمر الذي يجعل أي صـراعٍ فيه مثل فتيل حربٍ سيجعل الأمن والسلم الدوليين في حالة تهديدٍ مستمر، وقد تكون المنطقة تشهد حاليا توسعٍا لرقعة الصـراع.
يذهب اقتصاديون إلى أن استمرار الهجمات ستسهم في تردي التجارة العالمية، بل وستضعها في مأزقٍ كبير، كما أنها ستربك شـركات الشحن ليس على المدى القصير بل على المدى الطويل، ما سيوثر سلباً على الاقتصاد العالمي، بل وسيحدث صدمةً جديدة وشيكة على شاكلة الصدمة التي شهدها هذا القطاع الحيوي إبان وباء كوفيد-19.
*محمـد علـي ثـامـر، كاتب وباحث وصحفي من اليمن.
المصدر | مؤسسة كارنيغيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الصين اليمن أمريكا الحوثي البحر الأحمر التحالف الدولي عسكرة المنطقة حرب اقتصادية التجارة العالمية فی البحر الأحمر استهداف السفن
إقرأ أيضاً:
الإعلام العربي ومعركة البحر الأحمر التاريخية
محمد الموشكي
معركة تاريخية غمرتَ أنفَ الأمريكيين في البحر الأحمر، ما دفع الإعلام العالمي، وبالتحديد الإعلام الصيني والروسي، للحديث عن هذه المعركة الشرسة عن كثب؛ بسَببِ الأهميّة الكبيرة لهذا الحدث الذي يشكل خطرًا حقيقيًّا يؤثر على سمعة البحرية الأكثر قوة في العالم.
وفي المقابل، يُلاحظ تجاهل غريب ومخيف من قبل الإعلام العربي للحديث عن هذا الحدث التاريخي والمعركة الفارقة في البحر الأحمر.
نعم، الإعلام العالمي يدور حديثه الرئيسي حول أحداث هذه المعركة ومعطياتها ونتائجها الوخيمة على البحرية الأمريكية، وحول كيفية استطاعة اليمنيين والبحرية اليمنية إجبار حاملات الطائرات الأمريكية ترومان والبوارج المرافقة لها على الانسحاب من المياه اليمنية في البحر الأحمر نحو المياه الإقليمية شمال البحر الأحمر قبالة السواحل السودانية، وذلك بعد استهدافها من قبل القوات المسلحة اليمنية بعدد من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيَّرة؛ مما أَدَّى إلى إرباك شديد لهذه القوات التي كانت في صدد تنفيذ عدوان كبير على صنعاء؛ مما أسفر هذا الإرباك الذي أوجدته الخطط العسكرية اليمنية عن إسقاط إحدى الطائرات الحربية الأمريكية المعادية من نوع F-18.
في حين انشغل الإعلام العربي بتغطية خبر لقاء جنبلاط، الذي تعتبر (بلاط) موقع مقاوم في جنوب لبنان، أغلى من مكانته السياسية في لبنان مع أدَاة الأتراك الأرخص، أحمد الجولاني.
والسؤال هنا، لماذا هذا التجاهل من قبل الإعلام العربي؟ هل هو تغافل متعمد؟ أم أن إعلام هؤلاء العربان لم يستوعب بعد ماذا يعني هزيمة أمريكا على يد بلد عربي حر؟ أم أن عقدة النقص التي يحملونها تحول دون استيعابهم لمثل هذه المعركة الكبرى الذي يخوضها اليمنيون مع أعظم قوة بحرية في العالم؟