ورقة “باريس” والتطبيع والصراع الدولي!!
تاريخ النشر: 7th, February 2024 GMT
التفاعل العام التلقائي مع ما أراها الجرائم الأشنع والأوسع التي تمارسها إسرائيل في غزة، هو من الإيجابيات كمخرجات لهذه الأحداث حتى لدى الشعوب التي تتقاطع مع رؤى وخيارات أنظمتها وهي واضحة في وضعنا وحالتنا العربية..
فالمؤكد أن الكثير من الشعوب ليست راضية عن خيارات أنظمتها وإن لم تستطع التعبير عن رؤاها بمظاهرات أو احتجاجات، لأنها تعيش مستوى من متراكم القمع كأمر واقع.
فنحن نشهد في الأردن مثلاً مظاهرات واحتجاجات تتقاطع مع سياسات وخيارات النظام كأمر واقع يختلف عن الحالة السعودية مثلاً، وفي مصر قد تخرج تظاهرة صغيرة ضد التهجير، لكنه لا يسمح بخروج جماهيري وكبير ضد الإبادة الجماعية..
من كل هذا قد نتساءل عن أداء ودور ما كنا نسميه الإعلام العربي كإعلام رسمي؟..
هذا الإعلام يهتم مثلاً بما تسمى ورقة باريس أكثر مما تعاطى واهتم بالإبادة الجماعية..
هذا الإعلام المعبر عن رأي وسياسة أنظمة يبحث لهذه الأنظمة عن تخريجات أو مخرج من إحراج أو مأزق من صياغة وصنع المقاومة ومعها محور المقاومة منذ السابع من أكتوبر 2023م..
أياً كانت أطراف التفاوض “السياسي” فإن ما تسمى “ورقة باريس” صاغتها أمريكا مثلما كانت تصيغ قرارات ومواقف للجامعة العربية ولقمم عربية منذ 1990م، وبالتالي يكفي أن تنظر المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة لورقة باريس على أنها “ورقة أمريكية” كاستيعاب ووعي أياً كانت القرارات التي تسير فيها أو يصار إليها، لأن السياسة الدولية وربطاً بها الأقليمية باتت ترتبط بالتغيير والمتغير كصراع دولي ولم يعد بمقدور أمريكا تجاوز استحقاق هذا المتغير والتغيير..
لفت نظري مسؤول ومحلل روسي حين قال: ” إن صفقة القرن لم تعد تعني الشرق الأوسط فقط وفق ما طرح ” ترامب”، وأضاف هذا المسؤول أن الصفقة تشمل “أوكرانيا”..
استشف من هذا الطرح الروسي ما طرحه الكاتب والمفكر العربي الراحل محمد حسنين هيكل بأن كل ما يجري سيدفع إلى ما أسماها هيكل” سايكس بيكو 2″، فهل ورقة باريس ستكون من أوراق وصول أو توصيل إلى ” سايكس بيكو 2 “؟..
هل من المحتمل مقايضة بين روسيا وأمريكا في مسألتي أوكرانيا وإسرائيل، وماذا عن الصين ولها قضية مع أمريكا والغرب اسمها تايوان؟..
مادام الغرب بات بقيادة أمريكا لا يطرح فقط حل الدولتين بل ويقدم التزاماً للعالم وما يسمى ” المجتمع الدولي ” بالاعتراف بدولة فلسطينية يشترطها منزوعة السلاح، فهو في ذلك ينطلق من المقايضة الدولية أو ” سايكس بيكو 2 “، ولنا هنا التوقف عند أن رئيس مصر ” السيسي ” استبق في إعلان مقترح ” منزوعة السلاح “ولهذا دلالاته وارتباطاته بالغرب قبل الشرق أو بالشرق قبل الغرب ” سيان “..
بغض النظر عن كل هذا بما في ذلك ورقة باريس، فإنه يعنينا كمقاومة ومحور مقاومة أن لا نتعامل باليومية ولا بالآنية بقدر ما يعنينا اللعب بالمتغيرات وبها لتعظيم مصالحنا ومكاسبنا، بحيث يكون التوافق أو التقاطع وفق معاييرنا وقياس مصالحنا، لأن روسيا والصين كطرف – افتراضا- هما بحاجة إلينا مثلما نحن نحتاج لهما في محور المقاومة بما يتطلب رؤية متوازنة في قياس الأولويات والمصالح..
أمريكا تريد استباقاً أي توافقاً دولياً أو مقايضة أو ” سايكس بيكو 2 ” بفرض التطبيع مع إسرائيل كأمر واقع في المنطقة، ولهذا تريد تطبيعاً إسرائيلياً سعودياً بسقف مطاطي أو مفتوح ” 5- 10 ” سنوات..
أمريكا تريد فرض التطبيع كأمر واقع في المنطقة من منظور التأسيس لنهج التطبيع، فثقل الثورة مصر دفع بها إلى المطبع الأول فيما ثقل الثروة ” السعودية ” سيكون الثقل الأهم لفرض التطبيع المناسب في الوقت المناسب..
فإذا تطبيع العلاقات – إن جاز التعبير – فرض على أمريكا بالوساطة الصينية فأمريكا تريد فرض التطبيع ” السعودي – الإسرائيلي ” خارج التفاوضات عربياً أو إقليمياً أو دولياً، والمسألة لم تعد تحتاج إلا إلى تخريجات لتخفيف إحراج النظام السعودي كما التخريجات الساداتية حين أول تطبيع، وأكثر ما طرح كتخريجة هو حل الدولتين والإعلان عن استعداد أمريكا وبريطانيا وفرنسا الاعتراف بدولة فلسطينية، وبالتالي جاء ” السيسي ” الدور سادتي ” منزوعة السلاح”..
أعتقد أنني بهذا الأفق وضعت المقاومة ومحور المقاومة أمام المهم والأهم، ولدى المقاومة ومحور المقاومة كفاءات وقدرات نوعية وواعية تستطيع التحليق و”تخليق” ما هو المناسب والأنسب للتعامل مع التطورات بأسقف الصراع الملونة والمتلونة والعديدة والمتعددة بما فيها الدولي ربطاً بالمتغير والتغيير.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
القيم الاستراتيجية للعمليات اليمنية الأخيرة ضد أمريكا و”إسرائيل”
في تطور جديد يعكس حجم التحديات التي تواجه القوات الأمريكية في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، واجهت القوات الأمريكية موقفاً محرجاً إثر إسقاط طائرة حربية في البحر. الرواية الأمريكية حول الحادثة أشارت إلى أن الطائرة أسقطت بسبب “نيران صديقة”، محاولة تقديم الحادثة معزولة عن سياقها، ولأنها رواية ركيكة ومضللة فقد قوبلت بتشكيك من مراقبين أمريكيين، ليظهر بيان القوات المسلحة اليمنية كاشفاً حقيقة جديدة ومؤكدة حول الواقعة.
التأكيد جاء على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع، الذي كشف أن العمليات العسكرية اليمنية الأخيرة، قد نجحت في إحباط عدوان أمريكي-بريطاني على اليمن، مبيّناً أن الهجوم اليمني تزامن مع عدوان جوي أمريكي-بريطاني على اليمن، ففيما كانت الطائرات تقصف صنعاء، كانت الصواريخ والمسيّرات اليمنية تقصف بالتزامن حاملة الطائرات الأمريكية “يو أس أس هاري أس ترومان” وعدداً من المدمرات الأمريكية، وذلك باستخدام ثمانية صواريخ مجنّحة و17 طائرة مسيرة.
وخلال العملية، نجحت القوات اليمنية في إسقاط طائرة أمريكية متطورة من طراز “أف 18” أمريكية، ونجحت كذلك في إجبار معظم الطائرات الحربية المعادية على الانسحاب من الأجواء اليمنية إلى المياه الدولية في البحر الأحمر، كما هي حال حاملة الطائرات الأمريكية “هاري أس ترومان” التي أجبرت هي الأخرى على الانسحاب إلى شمال البحر الأحمر بمحاذاة السعودية وربما أبعد. الرسالة كانت واضحة: اليمن لن يتهاون في الدفاع عن أراضيه ولن يسمح بالعدوان عليها، كما لن يتوقف عن عمليات إسناد غزة.
القيمة الاستراتيجية لعمليات الرد
قيمة ما حصل في العمليات الأخيرة مختلفة تماماً عن كل ما حصل في العمليات السابقة، على أهميتها، ذلك أن الأعداء أرسلوا طائراتهم إلى أجواء اليمن وضربوا أهدافاً مدنية، وبالتزامن، ولأول مرة، ردّ اليمن النار بالنار بعمليات مشتركة فعلت فعلها وأثرت تأثيراً كبيراً. وهذا ينسحب على العدو الإسرائيلي، إذ تصاعدت العمليات اليمنية إلى عمقه، كمّاً ونوعاً ودقة وفعالية في التأثير، وآخرها الصاروخ الذي ضرب قلب الكيان ” تل أبيب” من دون أن تتمكّن طبقات الدفاع من اعتراضه.
ومن أبرز القيم الاستراتيجية التي يمكن استنتاجها من العمليات الأخيرة الآتي:
أن القوة اليمنية لم تعد قوة رد، بل تحوّلت إلى قوة قادرة على ردع المعتدين.
– الهجوم المنظم الذي جمع بين الصواريخ والطائرات المسيرة جاء متزامناً وبوتيرة مؤثرة بشكل فاعل ضد القوات الأمريكية والبريطانية، وهو ما يعكس تطوراً لافتاً في الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية اليمنية.
– العمليات العسكرية ضد «هاري أس ترومان» تمثل تحوّلاً جذرياً في مفهوم الصراع البحري على المستوى الجيوسياسي.
– هذه العمليات تؤكد قدرة اليمن على مواجهة حاملات الطائرات الأمريكية، ما يضع هذه الأساطيل في مأزق استراتيجي، خصوصاً بعد انسحاب ثلاث حاملات طائرات أمريكية من منطقة العمليات وبعضها قبل أن تصل إليها.
هذا التراجع يحمل إشارات لا غبار عليها لنهاية زمن حاملات الطائرات، وربما عهد السيطرة الأمريكية على البحار، وتحديداً في تلك المنطقة المشتعلة منذ عام وأكثر.
العمليات العسكرية في اتجاه عمق كيان العدو: تطور استخباري وتقني لافت
لم تكن التطورات حصراً في ما حصل في البحر، بل سجلت القوات المسلحة نجاحاً لا يقل أهمية عنه، باستهداف قلب كيان العدو بصاروخين فرط صوتيين من دون اعتراض أو حتى استشعار، وخصوصاً مع الصاروخ الذي انطلق فجراً بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على منشآت مدنية في صنعاء والحُدَيْدة.
إن العمليات العسكرية اليمنية الأخيرة أثبتت بشكل قاطع تطوّراً ملحوظاً على مستوى الاستخبارات والتكنولوجيا العسكرية. من خلال استهداف صواريخ باليستية فرط صوتية قلب «إسرائيل» في «تل أبيب»، وتجاوزت الدفاعات الجوية الإسرائيلية، يظهر أن اليمن قد أصبح قوة إقليمية رادعة تسعى لتحدي الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة.
وفي هذا الصدد، أعرب بعض المسؤولين الإسرائيليين عن قلقهم من تطور هذه القدرات، إذ أكدت التقارير الصحفية أن اليمن قد طوّر صواريخ فرط صوتية تجاوزت سرعتها 12 ماخ، وهي تقنية لم تتوصل إليها حتى الولايات المتحدة.
رسائل استراتيجية واضحة
التصعيد الأخير في العمليات العسكرية اليمنية كان بمنزلة رسالة حاسمة للقوى الكبرى المعادية، مفادها أن اليمن قادر على الدفاع عن نفسه ضد أي عدوان وهو ما يترجم تأكيد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي الجهوزية لمواجهة أي عدوان أمريكي أو إسرائيلي. الرسالة التي وجّهتها القوات المسلحة اليمنية جاءت ترجمة لذلك الإعلان، وعكست ثقة كبيرة في القدرة العسكرية، وأثبتت أن اليمن ليس هدفاً سهلاً قابلاً للاستباحة متى شاء الأعداء، بل قوة عربية إسلامية قادرة على تدفيع الأعداء أثماناً باهظة مقابل عدوانهم واستمرارهم في استباحة غزة وسوريا وقبلها لبنان.
اليمن: قوة عربية رادعة
بعد عشرة أعوام من العدوان والحصار بأيدٍ عربية، خرج اليمن كالمارد أقوى من أي وقت مضى، متمسكاً بعزته وسيادته. النموذج الذي يقدمه اليمن يجب أن يكون مصدر فخر للعالم العربي، إذ لا يزال في قلب المعركة من أجل الشرف العربي في فلسطين وسوريا، متحدياً القوى الكبرى التي حاولت إخضاعه.
وقد أثبت اليمن أنه القوة الرادعة التي لا يمكن إيقافها، في وقت تراجعت بعض الدول العربية عن دعم قضايا المنطقة. ولا نبالغ إن قلنا إن اليمن بات يتربع على عرش القوة العسكرية العربية التي تحمي ولا تهدد مصالح الشعوب العربية ولا تستسلم لتهديدات الخارج.
الخلاصة التي يجب أن نصل إليها أن الولايات المتحدة و»إسرائيل» في مأزق استراتيجي كبير، فمع تطور قدرات اليمن العسكرية، بات من الواضح أن الخيارات أمامهما أصبحت محدودة. في هذا السياق، لا مفر من إعادة التفكير في السياسات العسكرية في المنطقة، سواء تجاه اليمن أو تجاه غزة، إذ لا يمكن الاستمرار في فرض الحصار والعدوان من دون دفع ثمن باهظ.