المشروع الذي نمثله هو الخلاص من التبعية للهيمنة الأمريكية والصهيونية اوقفوا العدوان والحصار على غزة وإلا سنصعّد أكثر

أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، أن الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، تحرك بالمشروع القرآني لمواجهة الهجمة الأمريكية الإسرائيلية اليهودية، من منطلق قرآني إيماني يجسد الموقف الصحيح والرؤية الحكيمة لمصلحة الأمة وإنقاذها.

وأوضح قائد الثورة في كلمته اليوم بالذكرى السنوية للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، أنه في مثل هذا اليوم السادس والعشرين من شهر رجب قبل عشرين عاما خلت ارتقى شهيد القرآن السيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه شهيدا فائزا في عدوان ظالم جائر استهدفته به السلطة الظالمة آنذاك استرضاء لأمريكا وتقربا إليها، واستمر ذلك العدوان قرابة ثلاثة أشهر وبإشرف وتحريض أمريكي، وكانت تلك هي الحرب الأولى التي تلتها حروب عدة ضد المشروع القرآن الذي تحرك به.
وفيما يلي نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في الذكرى السنوية للشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي وآخر التطورات والمستجدات في معركة طوفان الأقصى وإسناد غزة 26-07-1445هـ 06-02-2024م:
أرحب بكم جميعاً، وفي المقدم الآباء العلماء الأجلاء، أرحب بكل الحاضرين، وعظَّم الله أجورنا وأجوركم في هذه الذكرى المؤلمة والحزينة.
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ الحَاضِرُون:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر: 51-52]، صَدَقَ اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيمُ.
في مثل هذا اليوم من الشهر، في السادس والعشرين من شهر رجب، لعشرين عاماً خلت، ارتقى شهيد القرآن السيد القائد/ حسين بن بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” شهيداً، سعيداً، فائزاً، في عدوانٍ ظالمٍ جائرٍ استهدفته به السلطة الظالمة آنذاك؛ استرضاء منها لأمريكا، وتقرباً إلى أمريكا، استمر ذلك العدوان قريباً من الثلاثة أشهر باستثناء أربعة أيام، وبإشرافٍ وتحريضٍ أمريكي، وكانت تلك هي الحرب الأولى التي تلتها حروبٌ مستمرة ومتتالية ضد المشروع القرآني الذي تحرك به الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه”، كانت الحرب الأولى مطبوعةً بالطابع العدواني، والإجرامي، والوحشي، وبالتكبر، والطغيان، والظلم، عدوان بكل ما تعنيه الكلمة، لا مبرر له، ولا مشروعية له، فما الذي فعله الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه”، ليشنّوا عليه تلك الحرب، وليستهدفوه بذلك العدوان، وليعملوا على قتله؟
قضيته: أنه تحرك بمشروعٍ قرآني، يُذَكِّر الناس بكتاب الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، ويقدم رؤيةً قرآنيةً تُرشد الأمة وتهدي الأمة لكيفية التصدي للخطر الداهم عليها، إثر الهجمة الأمريكية والإسرائيلية والغربية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي هي بنفسها صناعة صهيونية؛ لتكون ذريعةً كبيرةً من أجل تنفيذ مرحلة جديدة من مؤامراتهم، للسيطرة المباشرة على المسلمين، ومسخ هويتهم، واحتلال بلدانهم، ونهب ثرواتهم ومقدراتهم.
تَحَرَّك بمشروعٍ قرآني، وبخطواتٍ عمليةٍ على ضوء ذلك المشروع القرآني:
– في بدايتها الشعار: هتاف البراءة من أمريكا وإسرائيل (الصرخة في وجه المستكبرين)، الذي هو من عبارات واضحة، هو:
الله أكـــــــــــبر
الـموت لأمريكـــا
الـموت لإسرائيــل
اللعنة على اليهود
النصــــر للإســلام
هذا الهتاف، وهذه الصرخة في وجه المستكبرين: لكسر حاجز الصمت، ولمنع تكميم الأفواه، وللانتقال بالناس من حالة الاستسلام إلى الموقف، ولتحصينهم من التطويع والولاء لأعدائهم، وللارتقاء بهم نفسياً وذهنياً، وتهيئتهم للمواقف الأكبر التي يفرضها عليهم دينهم، وانتماؤهم للإسلام والقرآن.
– ومع الهتاف بالشعار، المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية: التي هي ذات أهمية كبيرة في المواجهة الاقتصادية؛ نظراً لما يستفيده الأعداء من بضائعهم التي تغزو الأسواق في بلداننا العربية والإسلامية، ويجنون من ورائها مليارات الدولارات، التي توظَّف كلها في العدوان على أمتنا، والاستهداف لشعوبنا.
– ويترافق مع ذلك النشر للوعي القرآني.
– والفضح والكشف للمؤامرات الأمريكية والإسرائيلية والغربية.
– والتحصين لمجتمعنا الإسلامي من الخداع والتضليل والتدجين.
– والتقديم للحلول العملية القرآنية، التي ترتقي بالأمة إلى مستوى التصدي لأعدائها والوقوف بوجه مؤامراتهم.
آنذاك كان الموقف السائد لمعظم الأنظمة والزعماء والحكومات العربية وغيرها في العالم الإسلامي، كان الموقف السائد أمام تلك الهجمة الخطيرة هو: الاستسلام، والتجنُّد مع أمريكا، والقبول بما تفرضه في كل المجالات، وانعدام التحرك المضاد والمناهض للهجمة الأمريكية الإسرائيلية والغربية، والتي أيضاً تزامن معها آنذاك وتصاعد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، والذي كان يقدمه العرب فقط وما يسمونه بمبادرات السلام، التي هي استسلام بكل ما تعنيه الكلمة.
التوجهات والسياسات التي تبنتها الحكومات والأنظمة، التي كانت تتمثل بالخنوع لأمريكا، وفتح المجال لها؛ لإحكام سيطرتها على شعوب الأمة:
– عسكرياً: بالقواعد العسكرية، والسيطرة على الجيوش.
– واقتصادياً: بالالتزام بإملاءات الأمريكيين، التي تعيق أي نهضة اقتصادية، بل تصنع الأزمات الاقتصادية، وفي نفس الوقت تعيق أي توجهٍ جادٍ نحو الإنتاج، وتنهب ثروات الشعوب وتستأثر بها.
– وأمنياً: بتسليط التكفيريين على الشعوب، ونشر الجرائم بكل أشكالها وأنواعها، وتغذية الفتن بين أبناء المجتمع.
– وسياسياً: بالاستثمار في المشاكل السياسية، وصنع واقعٍ مأزوم، وبعثرة المجتمع بإنتاج المزيد والمزيد من الانقسامات السياسية، والتباينات، وتغذية الصراعات تحت كل العناوين: المناطقية، والعرقية، والمذهبية، وغيرها، بما يحول دون أي استقرارٍ سياسي.
– وثقافياً وفكرياً: باستهداف الأمة في ذلك لإضلالها، وتزييف وعيها، وطمس هويتها؛ عبر سيطرتهم على المناهج التعليمية، بل على العملية التعليمية بكلها والتربوية، حتى في كل مراحلها، وعلى الكادر الإداري والتعليمي، ومنع ما يريدون منعه من الأنشطة التعليمية، التي لا تنسجم مع توجهاتهم، وسعو أيضاً للسيطرة على الخطاب الديني وعلى المساجد، والسيطرة على الإعلام، وعلى مختلف الأنشطة التثقيفية، كل هذا بهدف احتلال الفكر، والسيطرة التامة على الإنسان بالسيطرة على تفكيره، وثقافته، وقناعته؛ وبالتالي على توجهاته.
– وأخلاقياً: في حربهم الضروس على الأخلاق والقيم، واستهدافهم بشراسة للعفة والشرف والنزاهة، ونشرهم للفساد الأخلاقي والرذيلة، والجرائم، والمفاسد، وكل ما يساعد على ذلك ويهيئ له من مقدماته، ومنها: التبرج، والفوضى في الاختلاط، والفوضى في العلاقات والروابط المحرمة خارج العلاقة الزوجية، وشرب الخمور، وتعاطي المخدرات، وغير ذلك؛ بهدف تفكيك البنية الاجتماعية ولبنتها الأولى الأسرة، وبهدف نشر الإيدز والأمراض الفتاكة.
– والسيطرة على القضاء، وإفراغه من الدور الأساسي في تحقيق العدالة، وتحويله فقط إلى أداة من أدوات أمريكا، وتحويل الأجهزة الأمنية إلى أداة قمع فقط بيد أمريكا، والسجون إلى معتقلات بيدها.
ذلك كان برنامج أمريكا، الذي تحركت به في بلدنا، وتتحرك به في الساحة الإسلامية بشكلٍ عام، والهجمة الأمريكية هي شرٌ مطلق، شرٌ مطلق بكل ما تعنيه الكلمة، ليس فيها أي خيرٍ لشعوبنا، ولا أي مصلحة لأمتنا؛ ولذلك فسياسة الأنظمة والحكام في التمكين لها بدلاً من إعاقتها ليست حاميةً للشعوب، ولا في مصلحة الشعوب؛ إنما هي إغراء وتمكين وإطماع، وأن تقف الشعوب جامدةً مستسلمةً لذلك، فهو ما ليس في مصلحتها، ولا ينسجم مع هويتها وانتمائها، والنتيجة: ذلك الخسران المحقق في الدنيا والآخرة؛ ولذلك كان المشروع القرآني ضرورة بكل ما تعنيه الكلمة، وهو لمصلحة الأمة.
فتحرك السيد حسين بدر الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” بالمشروع القرآني، في مواجهة تلك الهجمة الأمريكية الإسرائيلية اليهودية، وهو تحركٌ منطلقٌ من منطلقٍ قرآنيٍ إيمانيٍ، تحركٌ يُجَسِّد الموقف الصحيح، والرؤية الحكيمة، تحركٌ لمصلحة الأمة وإنقاذها، وكان موجهاً بكل وضوح ضد أعدائها، ومع ذلك راعى في الخطوات العملية:
– ألَّا يكون هناك مبررٌ للأعداء، لا للأمريكيين، ولا لعملائهم.
– وأن تكون الخطوات العملية تلك- في نفس الوقت- فاضحةً لهم، في العناوين التي كانوا يتشدقون بها، مثل: عنوان الحُريَّة، والديمقراطية، وداخل عنوان الحرية: حُريَّة التعبير، وحُريَّة الكلمة، وكذلك عنوان الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وغير ذلك من العناوين.
وكانت تلك الخطوات العملية أيضاً هادفة:
– في تحصين المجتمع من اختراقهم؛ لأنهم يريدون أن يكسبوا ولاء المجتمع، أن يكون المجتمع متقبلاً لهم ولسيطرتهم، ومتقبلاً لكل برامجهم ومخططاتهم التي يستهدفونه بها بكل الأشكال.
– وأن تكون تلك الخطوات العملية أيضاً مبسطة، وغير معقدة، وأن تكون متاحةً للناس.
وكانت كذلك. الشعار كان كذلك، فضح الأمريكيين، وفضح عملاءهم، فيما يتشدقون به من حُريَّة تعبير، لم يتحملوا هذا التعبير، خمس كلمات يهتف بها، ويردد بها؛ بينما كان من العناوين التي يركز، عنوان الحريَّة كان من العناوين التي يركِّز الأمريكيون بشكل كبير على خداع شعوبنا بها، فافتضحوا، أسقط عليهم الشعار عناوين أساسية، كانوا يستخدمونها بهدف التضليل لمجتمعاتنا في العالم العربي وغيره من العالم الإسلامي، أين كانت تلك الحُريَّة؟ أين كانت تلك الديمقراطية؟ أين كانت قائمة الحقوق الطويلة والعريضة؟ أمام خمس كلمات واجهوها بكل أشكال الاعتداءات، كما سيأتي المزيد من التفصيل.
فضحتهم أيضاً خطوة المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، العمل التوعوي لنشر الثقافة القرآنية، كلها خطوات مكفولة آنذاك في الحق القانوني والدستوري، وليس هناك ما يبرر أن تواجه بكل أشكال الاعتداءات.
فكان ذلك فضحاً للأمريكيين ومن وراءهم، فضحاً للأمريكيين واللوبي اليهودي الصهيوني الذي يحركهم، وفضحاً لعملائهم أيضاً، وفي نفس الوقت تحصين للمجتمع؛ لأنه يجعل المجتمع في حالة معادية ومباينة للأمريكيين، ومحصناً من التقبُّل لما يأتي من جانبهم، وعلى درجة عالية من اليقظة والانتباه والتركيز، وتصويب الأنظار تجاه مؤامراتهم ومخططاتهم، والتنبُّه لها، والحذر منها، والوقوف ضدها، وهو في نفس الوقت يحمي الأمة من الولاء لهم، ومن التطويع لهم، والذي يعتمد عليها الأعداء كوسائل أساسية للسيطرة على الأمة، هم يريدون أمتنا الإسلامية بشكلٍ عام أن تكون مدجنةً لهم، خاضعةً لهم، مطيعةً لهم، متقبلةً لسيطرتهم، خاضعةً لهم خضوعاً تاماً حتى على حساب دينها، وقيمها، ومبادئها، وأن تفرِّط في تعليمات الله، وفي القرآن الكريم، وفي كل شيء من أجلهم.
كان للشعار ولهذه الخطوات الثلاث أثر حقيقي، ملموس في كل الذين انطلقوا هذه الانطلاقة، كيف كانوا متميزين في وعيهم، في انتباههم، في موقفهم الجاد ضد الهيمنة الأمريكية، في جرأتهم، وفي نفس الوقت في خروجهم عن حالة الجمود، والاستسلام، والخضوع، والصمت، والحالة التي كانت مؤثرةً، أو مستحكمةً على البعض: بسبب الرهبة، والخوف، واليأس، والعجز، والضعف، وفقدان الأمل، وعلى البعض الآخر: نتيجةً للأطماع، والأهواء، والمرض في القلوب الذي يتجه بالبعض نحو الولاء لأعداء الأمة.
كانت الخطوات التي كانت بإشرافٍ أمريكي ضد المشروع القرآني، وضد خطواته العملية، كانت خطوات الاستهداف: بدءاً بالاعتقالات، وكان هناك اعتقالات في محافظة صعدة، في جامع الإمام الهادي “عَلَيْهِ السَّلَام” وفي أماكن أخرى، وفي الجامع الكبير استمرت إلى حين بدأت الحرب الأولى، فكانت الاعتقالات هي من إحدى الوسائل التي حورب بها المشروع القرآني، للمنتمين إلى هذا المشروع، والمتحركين في إطار هذا الموقف. الاعتقالات التعسفية، الفصل من الوظائف، الحرب الدعائية الإعلامية، إغلاق بعض المدارس التي فشلوا في إسكات هذا الصوت فيها، التشويه بين أوساط المجتمع بالدعايات الكاذبة، والافتراءات الشنيعة والرهيبة، ولكن فشلوا، بالرغم من أنهم ملأوا السجون، في مقدمتها سجون الأمن السياسي آنذاك، امتلأت بالمكبرين، هكذا عُرِفَ الذين يهتفون بالشعار، وينطلقون في إطار هذا الموقف القرآني، كان يقال عنهم آنذاك هذا التوصيف (المكبرين)، مُلِئَت سجون الأمن السياسي بهم؛ لأنهم هتفوا بهذا الشعار، وخرجوا عن السياق الذي أرادته أمريكا، في أن تكون الساحة أمامها بدون أي تحرك مضاد لمؤامراتها، ولكل برنامجها المدمر والكارثي، الذي تستهدف به شعوب أمتنا.
بعد أن فشلوا في إيقاف هذا الصوت، وكان يتنامى وينتشر إلى مناطق ومحافظات أخرى، اتجهوا إلى عدوانٍ عسكري، استهدفوا به الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” إلى منزله في مران (في منطقة مران – في مديرية حيدان – محافظة صعدة)، فاتجهوا بحملة عسكرية كبيرة وجيشٍ جرار، إلى مران، لاستهداف مران والمناطق المجاورة لها كهدف أساسي للعملية، وأيضاً لاستهداف المناطق الأخرى، التي كان فيها تحرك جيد وواسع في إطار هذا المشروع القرآني، مثل: منطقة نشور في همدان، ومناطق أخرى في همدان، وفي آل الصيفي، وفي عدة مناطق في خولان عامر، ومناطق أخرى.
آنذاك، وإزاء تلك الحرب وذلك الهجوم الكبير لم يكن لدى الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” أي تشكيل عسكري، ولم يكن لديه جيش منظم، ولا إمكانيات عسكرية، ولا ترتيب عسكري، لم يكن هناك أي ترتيبات لوضع عسكري، وكان الهجوم الذي شنته السلطة يستهدف الأهالي أصلاً، يستهدف المواطنين إلى منازلهم، إلى قراهم، يعني: لم يكن هجوماً لأن هناك جيش، أو هناك كما يرددون عبارة (ميليشيات)، لم يكن هناك ميليشيات، ولا جيش منظم، ولا شيء من هذا، الحرب كانت تستهدف القرى، المنازل، البيوت، الأهداف العسكرية هي البيوت بنفسها، منزل الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” هدف عسكري، منزل فلان، ومنزل فلان، والمسجد في تلك القرية، والمدرسة في تلك القرية، وتلك القرية بما فيها من المساكن هي الأهداف العسكرية لتلك الهجمة، ولذلك الحرب، ولذلك العدوان.
فكان الهجوم الذي تشنه السلطة هو فعلاً يستهدف الأهالي والمواطنين إلى منازلهم، وإلى قراهم، وبكل جبروت، وباستخدام كل أنواع الأسلحة: الجوية: كل أنواع الطيران الحربي والمروحي شارك منذ اليوم الأول في ذلك الاعتداء الظالم. والأسلحة البرية: الصواريخ، الدبابات، المدفعية، كل أنواع السلاح، وبتدميرٍ شامل، وزحفٍ بالآلاف من الجنود، وحصارٍ تام لمنع الغذاء، ولمنع الدواء ولمنع حتى دخول حبة قمح، أو حبة دواء إلى مران.
إلى حين استشهاد الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” مع أكثر من مئتي شهيد، وحينها تصور الأمريكي وعملاؤه أنهم بعدوانهم ذلك، وبقتلهم للشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” ومن معه من الشهداء، وبزجهم بالمئات في السجون، قد حققوا هدفهم في القضاء على المشروع القرآني.
ولكنَّ المشروع القرآني استمر، بالرغم من استمرار الحروب، فبعد الحرب الأولى تلتها حروب أخرى متوالية، في مقدمتها الحرب الثانية، استهدفوا بها فقيه القرآن، السيد العالم الكبير/ بدر الدين بن أمير الدين الحوثي “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه”؛ نظراً لدوره، وثقله، وتأثيره في التحرك بهذا المشروع القرآني، وهو المربي والمعلم، فشلوا في قتله، كانوا يريدون قتله بشكلٍ واضح، بالرغم من أنه من كبار علماء البلد المعروفين، بل من كبار علماء العالم الإسلامي، بالرغم من كبره في السن، لم يحترموا له لا منزلته ومكانته العلمية على مستوى العالم الإسلامي، ولا شيخوخته، ومرضه، وظروفه الصحية، وهو أيضاً في سياق ووضعية مستقرة، مستقر في منطقة نشور، ليس في حالة حرب عليهم، كان هناك هدنة بعد الحرب الأولى في نشور، فشلوا في قتله آنذاك، واستمرت الحروب بعد ذلك.
واستمرت الممارسات العدوانية لستة حروب شاملة، بإشراف وغطاء أمريكي، ودعم إقليمي معلن، وتعتيم إعلامي كبير، بل وتزييف للصورة الحقيقية عن أسباب تلك الحروب، وكانت بكلها أيضاً مطبوعة بالطابع الإجرامي، ما شاهده شعبنا في فترة العدوان الأمريكي السعودي على بلدنا على مدى تسعة أعوام من جرائم: قتل للأطفال والنساء، استهداف للناس المواطنين في منازلهم، تدمير للمساجد والمنازل، حصار، كل أنواع الإجرام كانت سلوكاً يستخدمها آنذاك المعتدون في عدوانهم في الحروب الست، ولا زالت هناك الكثير من مشاهد الفيديو التي وثقت نماذج من تلك الجرائم، ومن تلك المآسي التي كانت المعاناة منها كبيرة في كل تلك المراحل.
ولكن مع كل ذلك، مع الحروب المتوالية، مع النهج الإجرامي في استهداف المشروع القرآني، والمحاربة له، بالقتل، والتدمير، والتعذيب، والاضطهاد، والسجن، والتشويه الإعلامي، والدعايات الكاذبة، والافتراءات الرهيبة، الحرب بكل الأشكال، الحصار التام، كل أشكال الحرمان، كانت المفارقات العجيبة، والتي هي آية من آيات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ودلالة واضحة على عظمة المشروع القرآني: أنه كلما حورب ازداد قوةً وتمكيناً، وكانت النقلات الواضحة بين كل حربٍ وأخرى، منذ الحرب الثالثة إلى الحرب السادسة، ومن بعدها إلى اليوم، نقلات كبيرة، نقلات بانتصارات عظيمة، وانتصارات أيضاً ووضوح وتجلٍ للحقائق؛ لأن الحرب بالدعايات، والافتراءات، والتشويه ضد المشروع القرآني، كانت حرباً كبيرةً جدّاً ولا تزال، ولا تزال إلى اليوم، تعتيم على حقائق، ونشر صورة مزيفة، وتشويه وافتراءات على المستوى الإعلامي، وبكل وسائل الدعاية، لكن النقلات، في تحقيق الانتصارات والتمكين الإلهي، وأيضاً التجلي الواضح للحقائق كانت مستمرة، ومن مصادق الآية المباركة: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الأنفال: الآية26]، ومن يذهب في هذه الفترة لزيارة مران، لزيارة المناطق التي شهدت الأحداث الكبيرة، مثل: ضحيان، وبني معاذ، وهمدان، ومناطق كثيرة، وكذلك في سفيان، في مناطق خولان عامر بشكلٍ عام، معظم المناطق في محافظة صعدة، في آل سالم، كذلك بقية المناطق التي شهدت أحداثاً ساخنة- لسنا في سياق الحصر- ويتأمل طبيعة الأحداث وما جرى، وحجم ما عاناه المنطلقون في هذا المشروع القرآني، وما واجهوه من تحديات، ثم ما تحقق بالرغم من كل ذلك من انتصارات عظيمة، يلمس المصاديق الواضحة لهذه الآية المباركة: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ}.
في كل الحروب الست كان التحرك بالمشروع القرآني بدون أي دعمٍ خارجي، وكان المنطلقون في هذا المشروع القرآني أكثرهم من أضعف الناس إمكانيات، من أبناء مجتمعنا اليمني، الذين يعانون من الفقر والبؤس والظروف الصعبة جدّاً، ولم يكن أيضاً هناك أي أجندة خارجية لهذا المشروع القرآني، ليس لتحقيق أجندة لصالح دولة هنا، أو دولة هناك، أو لصالح أي طرف خارجي، بل هو تَحَرُّكٌ أصيلٌ بأصالة انتماء شعبنا اليمني للإيمان، وللهوية الإيمانية، وانتمائه الإسلامي، هو تَحَرُّكٌ أصيلٌ مشروعٌ، ليس تحركاً بالباطل، ليس تحركاً بما فيه فساد، بما فيه ضر بهذا البلد، بهذا الشعب، هو تَحَرُّكٌ بالحق؛ لأنه على أساس القرآن الكريم، وتعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وضرورةٌ حتمية، هناك حاجة لهذا التحرك، هناك ضرورة لهذا التحرك، ليس تحركاً عبثياً لإثارة مشاكل، أو مجرد ضجيج في الهواء، ليس له داعٍ، ليس له قيمة، هناك هجمة كبيرة جدّاً من أعداء هذه الأمة، على أمتنا بشكلٍ عام وعلى شعبنا العزيز، وواجبنا الديني والإنساني والأخلاقي أن نتحرك؛ لأنها هجمة تستهدفنا جميعاً، بكل هذه الأمة، وتستهدف شعبنا بكله، ولم يكن هذا التحرك القرآني موجهاً ضد أحدٍ من أبناء هذه الأمة، كان واضحاً في تحديد من هو العدو: أمريكا وإسرائيل، اليهود والنصارى، اللوبي اليهودي ومن يتحرك في فلكه، ولم يكن أيضا مشروعاً عنصرياً، ولا فئوياً، ولا مناطقياً، ولم يكن هناك أبداً ما يبرر الاستهداف له.
هذا المشروع القرآني ينطلق من القرآن الكريم، من الكلمة السواء التي يؤمن بها كل المسلمين، ولا يمكن لإنسان أن يعبِّر أو يقر على نفسه بالانتماء للإسلام، إلَّا وهو يقرُّ بإيمانه بالقرآن الكريم، وهذه الرؤية مستندة إلى مبادئ هذه الأمة، المبادئ الإسلامية، مبادئ الإسلام، قيمه، وتتحرك لتبني قضايا هذه الأمة، فيما يعنيها، وفي مقدِّمتها: القضية الفلسطينية.
بالرغم من كل التشويه ضد هذا المشروع القرآني، ما بين الحرب عليه بكل الأشكال: عسكرياً، وأمنياً، وتشويهاً بالدعاية وبالإعلام، وثقافياً… كل أشكال المحاربة، وما بين محاولة الاستخفاف به، والسخرية منه، والاستهزاء به، والتقليل من قيمته، والتثبيط عنه، والازدراء له، والتشويش على النوايا والأهداف، إلَّا أنَّ هذا المشروع القرآني- بتوفيق الله تعالى، بنصره، بمعونته- أثبت أنَّه مشروعٌ ناجح، ثبت في الواقع- بتأييد الله، بمعونته- أنَّه مشروعٌ ناجحٌ، ومهمٌ، وضروريٌ ولمصلحة الأمة، وتحققت النجاحات الواضحة بشكل كبير.
هذا المشروع بكل وضوح هو ينطلق من انتماء هذا الشعب وهويته، ليس هناك ما يريب تجاه هذا المشروع أو يقلق، أو أن يرى فيه الإنسان أنَّه مغاير لانتماء هذا الشعب، لهوية هذا الشعب، ليس مشروعاً دخيلاً على هذه الأمة، القرآن، وموقف من أعداء هذه الأمة، وبراءة من أعدائها، وعداء للأعداء الواضحين الحقيقيين، وتَحَرُّك عملي يبني هذه الأمة في وعيها، وثقافتها، وواقعها السياسي والاقتصادي، وفي واقعها العسكري، وفي واقعها في كل المجالات، لتكون بمستوى مواجهة أعدائها؛ ولذلك هو مشروع ينسجم انسجاماً تاماً مع هوية هذا الشعب؛ لأنه منبثقٌ من انتمائه الإيماني، وليس نكرةً عليه، وليس دخيلاً عليه، كما أتت مشاريع أخرى استُهدف بها شعبنا كانت واضحة في كم هي نكرة على هذا الشعب، لا تنسجم مع هويته، مع قيمه، مع مبادئه، وهي دخيلة بكل وضوح على هذا الشعب؛ أمَّا هذا فهو مشروع أصيل؛ ولذلك انطلق فيه أبناء شعبنا العزيز انطلاقةً فاعلة، يتَّخذون الموقف الواضح من الأعداء الواضحين والحقيقيين للأمة، ويتبنى أبناء شعبنا في انطلاقتهم هذه قضايا الأمة الكبرى، وفي مقدِّمتها: القضية الفلسطينية بوعي، وبصيرة، وشعورٍ عالٍ بالمسؤولية.
عندما نتأمل منذ ذلك اليوم وإلى اليوم، يعني: الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” تحرَّك لثلاث سنوات لم تكتمل منذ بداية المشروع، استعجل الأعداء، وتحركوا لمواجهته، وحاولوا إنهاء هذا المشروع باستهدافهم له، وسعيهم لقتله، لم تكتمل له ثلاث سنوات كاملة للتحرك بهذا المشروع، ثم تلا ذلك الحروب الشرسة، الجهود العجيبة جداً، الأمريكي كان يحرِّكهم، وهم بغبائهم، وضلالهم، وظلمهم، كانوا يتَّجهون بجديَّة عجيبة، في محاولة لإنهاء هذا المشروع، ومحاولة لإنهاء هذا الصوت، ولكن مع ذلك نجح هذا المشروع وإلى اليوم.
عندما نتأمل في الخيارات الأخرى، نجد أهمية هذا المشروع، وإيجابيته الكبيرة، ونجاحه العظيم، الأعداء (الأمريكيون، والإسرائيليون، والبريطانيون) الذين هم أذرع أخطبوط الشر، والظلم، والطغيان، اللوبي اليهودي، الذي يحمل راية الشيطان، وتحركه امتدادٌ لأجندة الشيطان نفسه، في الاستهداف للمجتمع البشري، والمعاداة للإسلام والمسلمين، هم يتحركون بمشاريع عمل، وليس بمواقف لحظية وعادية، حتى تكون المواجهة معهم مجرد مواجهة عارضة، وأمتنا كانت مستهدفة على مدى قرون من أعدائها، من اليهود والنصارى، من الكافرين، من غيرهم، وتطوَّر واقع اللوبي اليهودي وهو يحمل راية الشيطان، وتمكَّن من السيطرة على المجتمعات الغربية، وتوظيف قدرات الدول هناك، وفي المقدِّمة: أمريكا، توظيف كل قدراتها وإمكاناتها لخدمته، واتَّجه ليزرع في خاصرة أمتنا الإسلامية، في العالم العربي نفسه، ليزرع إسرائيل، عدواً خطيراً، وعدواً سيئاً، وعدواً مجرماً، وبأهداف كبيرة، ولم تكن المسألة مقتصرة بحسب ما يتصوره البعض؛ أمَّا البعض فهم لا ينظرون إلى هذه الأمور أصلاً، لا يكادون يعون أصلاً ما يفعله الأعداء، لكن البعض ينظر إلى أجندة ومؤامرات ومشاريع الأعداء وكأنها أحداث عارضة، يحصل في مرحلة معينة على حسب تعبيرنا المحلي: [تشعوبة] أمريكية لاستهداف ذلك البلد، أو لاحتلال ذلك البلد، أو مشكلة وكأنها مشكلة استجدت هنا أو هناك. هناك خطط استراتيجية للأعداء، وهذه مسألة معروفة، معروفة في التاريخ الحديث؛ وإنما تغيَّب أصلاً، تغيَّب من المناهج الدراسية، تغيَّب من وسائل الإعلام، هناك اتفاقيات، وخطط، وبرامج، وأنشطة، وقرارات، وسياسات، ودراسات، ويتحرك الأعداء على ضوئها في مراحل متتالية، وخطوات متتابعة؛ لتصل إلى تنفيذ هدفٍ أساسيٍ لهم: في السيطرة التامة على أمتنا الإسلامية، والتخلص بشكلٍ نهائي من الإسلام؛ حتى لا تتحرك به الأمة، وتنهض الأمة على أساس تعليماته ومشروعه العظيم في الحياة.
اللوبي اليهودي الصهيوني لا يرى عائقاً حقيقياً أمامه تجاه أهدافه الشيطانية والإجرامية، وهو ينشر الفساد في الأرض، وهو يظلم، وهو يفسد، وهو يستعبد الشعوب، ويقهرها، ويرتكب الجرائم، لا يرى عائقاً حقيقياً أمامه إلَّا الإسلام، كل المشاريع الأخرى، والعناوين الأخرى يستطيع أن يتغلَّب عليها، والإسلام في واقعه الحقيقي، الإسلام الحقيقي القرآني، وليس المزيف، الذي يخضع للتحريف والتزييف من خلال عملاء الأعداء، وهو يخشى العالم الإسلامي، يخشى المسلمين؛ لأنه يدرك أنهم إن عادوا إلى دينهم، إلى قرآنهم، إلى هدي ربهم؛ سيحظون برعاية الله، بتأييد الله، بنصر الله، وسيتحركون بمبادئ هذا الإسلام، بقيمه العظيمة، برسالته، التي هي رسالة عظيمة، رسالة أخلاق، وقيم، وحق، وعدل، وهي التي ستتصدى لظلم وطغيان وإجرام وفساد أولياء الشيطان، وعلى رأسهم اللوبي الصهيوني اليهودي؛ ولذلك هو يسعى لاستهداف هذه الأمة، وصولاً إلى ضمان السيطرة التامة عليها في كل شيء: فكرياً، وثقافياً، وسياسياً، وإلى أن يصنع لها واقعاً يبعدها كل البعد عن أي نهضة من جديد، واقعاً ضعيفاً، يكون فيه أبناء هذه الأمة قد وصلوا إلى مرحلة رهيبة من الضياع، من ضياع المبادئ والقيم والأخلاق، من التفرق والتمزق والتشرذم، من الضعف، من الشتات، بل أن يتحركوا كغنيمةٍ له، يستغلهم في مؤامراته وأهدافه، حتى إذا أراد أن يتحركوا تحت عنوان ديني كالجهاد، فيكون في خدمته، مثل ما عملوا في أفغانستان سابقاً، من أجل أمريكا ضد الاتحاد السوفيتي وهكذا.
فالأمريكي يشتغل بمشاريع، والإسرائيلي كذلك، البريطاني، اللوبي اليهودي يتحرك وهو يحمل راية الشيطان بمشاريع، وبأهداف، وبخطط طويلة المدى، وليست المسألة مسألة احتكاكات عارضة، [حصل مشكلة مع العراق واحتلوه، وسيصلحون بينهم وتنتهي المشكلة، حصل مشكلة مع الفلسطيني وعقدوا مؤتمر سلام وانتهى الأمر، حصل اختلاف مع تلك الدولة أو ذلك البلد، وكان عبارة عن سوء تفاهم سيتم حله]، لا، هناك أجندة كبيرة للأعداء، مؤامرات كبيرة، خطط بعيدة المدى يشتغل عليها الأعداء وبشكل مزمَّن، ومنظَّم، ومتتابع، ويحقق نتائج إثر نتائج، ليصلوا إلى مستوى معين، وأهداف معينة، لترى في الأخير العالم الإسلامي- وهو إمَّا مليار وثمانمائة مليون، وإلا اثنين مليار، وإلا أكثر- لتراه عالماً ضعيفاً، ليس له وزن وثقل، حفنة من اليهود الصهاينة احتلوا أرض فلسطين، ويعذِّبون الشعب الفلسطيني، الذي هو جزء من هذه الأمة، أمامك خمسين دولة، وأكثر من خمسين دولة، لها إمكانات مادية هائلة، لها مقدرات هائلة، من بينها الدول الأكثر إنتاجاً للنفط، مقدِّرات وإمكانات هذه البلدان، هذه الأمة، بشكل هائل جداً، وعدد كبير جداً، ثم تكون المعادلة: أن يكون مقابل كل يهودي واحد في فلسطين، أكثر من مائة وخمسين ألف مسلم، وعاجزون عن فعل أي شيء، يتفرَّجون على جزءٍ منهم، ممن ينتمي إلى دينهم، ممن هم منهم، يتفرَّجون عليهم وهم يقتلون بكل وحشية وإجرام، هذا الشكل الذي تراه لأمتنا اليوم، أمة كبيرة جداً، لها أهم مواقع جغرافية، لديها موارد اقتصادية هائلة جداً، ومع ذلك أمة مكبَّلة، ضعيفة، عاجزة، غير فاعلة، يرهب الأمريكي أكثر بلدانها، وأكثر زعمائها، وأكثر جيوشها بكلمة تهديد، أو وعيد، يُحذِّر الإسرائيلي زعماءها؛ فيرتعدون، وترتعد فرائصهم من الخوف، والجبن، والفشل، تخضع جيوشها وأنظمتها وشعوبها، وتتحير، وتتكبل، وتتجمد أمام ما يستهدفها أعداؤها به، هذا الشكل هو الذي يسعى له الأعداء وأكثر منه سوءاً، وأكثر منه سوءاً، ولتكون أمة تنجح أي مؤامرة يستهدفها بها الأعداء، يستهدفونها بعنوان الإرهاب وما الإرهاب، وكم يحدث من مآسٍ في داخل هذه الأمة نتيجةً لهذه المؤامرة، يستهدفونها بأداة من أدواتهم: التكفيريين والقاعدة، فتعاني هذه الأمة الويلات والويلات، كلما تنزل من مؤامرة، تجد بيئة مختلة، بيئة ضعيفة، بيئة مشتتة، بيئة غير محصَّنة، بيئة ليست في واقع منعة، فتنجح فيها المؤامرات، وتصل بالأمة إلى معاناة كبيرة جداً، حتى يحصل الوعي في مستوى متدنٍ أيضاً، هذا هو ما يسعى له الأعداء.
إذاً فليست المسألة في مواجهة اللوبي اليهودي الصهيوني، وأذرعه، أذرع الشر والإجرام، ثلاثي الشر والإجرام: (أمريكا، وإسرائيل، وبريطانيا)، ليست المسألة مجرد موقف لحظي، حصل اجتماع وصدر بيان وعاد الناس إلى بيوتهم وانتهى الأمر، لابدَّ من مشروع عملي مستمر، يبني الأمة، يرتقي بها، يغيِّر واقعها، يعالج نقاط ضعفها، يحصِّنها، يرتقي بها في كل المجالات، ولهذا كان المشروع القرآني بهذه الميزة العظيمة؛ لأنه يقابل مشاريع من جهة الأعداء، ومؤامرات واسعة، ولهذا على مدى ثلاث سنوات قدَّم شهيد القرآن “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” مئات المحاضرات، والكلمات، واللقاءات، والجلسات، وهو يتحدث بشكلٍ تفصيلي؛ لفضح مؤامرات وخطط الأعداء، وتقييمهم، وكشفهم، وتعريتهم من خلال القرآن الكريم، والوقائع والأحداث، وأيضاً لتقديم الحلول والرؤى التي تغيِّر واقع هذه الأمة، وترتقي بهذه الأمة لتكون في مستوى الوعي العالي جداً تجاه مؤامرات الأعداء، ولتكون في إطار الموقف والفعل والعمل في التحرك ضد أعدائها، لتدفع الشر عن نفسها، لتدفع الخسران في دنياها وآخرتها عن نفسها، وهذه ميزة عظيمة للمشروع القرآني.
ولذلك عندما نجد الفارق اليوم بشكلٍ كبير بين موقف شعبنا العزيز تجاه ما يجري على غزة من عدوان همجي، إجرامي، شنيع جداً، عدوان إجرامي بشكل رهيب للغاية، يراه كل العالم، والعالم بكله يعترف أنَّ ذلك عدوان همجي رهيب جداً، ولكن أين الموقف؟! شعوب أمتنا الإسلامية في العالم العربي وغيره هم مئات الملايين، مئات الملايين، أمتنا ليست قليلة العدد، ولا ضعيفة الإمكانات والعدة، الجيوش لوحدها لو تُجمع الأرقام لجيوش المسلمين في كل البلدان الإسلامية، في المنطقة العربية وغيرها، كم سيصل الرقم؟! لو تجمع أرقام إمكاناتهم، كم يمتلكون من طائرات، من دبابات، من مختلف الأسلحة والعتاد؟ إمكانات هذه الأمة ومواردها كشعوب وأنظمة وحكومات بشكل رسمي وبشكل شعبي، كم ستكون؟ لكن أين هو الموقف العملي؟ شعبنا العزيز وبالرغم من أنه بعد عدوان استمر عليه لتسع سنوات، ولم ينتهِ حتى اليوم، وتحت حصار، وقف موقفاً مميزاً، تحرَّك تحركاً شاملاً.
لماذا شعبنا العزيز لم يرهب من أمريكا؟ كثير من البلدان، كثير من الأنظمة، هم خافوا من أمريكا، هددتهم أمريكا؛ فخافوا، وكان خوفهم إلى درجة ألَّا يقفوا أي موقف مشرِّف، أو أن تكون مواقف هزيلة، ضعيفة، محدودة، لا ترقى إلى مستوى المسؤولية، ولا تصل إلى ما ينبغي تجاه تلك المأساة في فلسطين في غزة، لماذا ذهب هذا الخوف الذي كبَّل شعوباً أكبر عدداً من شعبنا، أكثر إمكانات من بلدنا؟! لماذا غاب هذا الخوف من شعبنا؟! لماذا يخرج أطفال شعبنا وهم حتى هم أطفال شعبنا لا يخافون من أمريكا، ولا يخافون من إسرائيل، ولا يخافون من بريطانيا، الملايين من أطفال شعبنا عندما يخرج الرئيس الأمريكي بنفسه، أو قادة الجيش الأمريكي بأنفسهم، يهددون، ويتوعَّدون، ويحذِّرون، لا يؤثِّر عليهم شيئاً، الملايين من أطفال شعبنا، يعني: قل له قل لهذا الطفل: [الرئيس الأمريكي هدد وتوعَّد، وقال كذا، قادة الجيش الأمريكي يقولون كذا]، لا يرعبه شيء، ولا يكترث لذلك أصلاً، فما بالك بالملايين من رجال هذا البلد، الذين يتحرَّكون من منطلقٍ إيمانيٍ قرآني.
الحالة السائدة في بلدنا لدى الرجال والنساء: وعي عالٍ، تفاعل حقيقي مع الأحداث من داخل قلوبهم، بكل وجدانهم ومشاعرهم، هذا الضمير الحي، هذه المشاعر الإنسانية والإيمانية الراقية التي تأبى لهذا الشعب أن يتفرَّج على مأساة الشعب الفلسطيني في غزة، تأبى عليه أن يسكت، أن يصمت، أن يتخذ المواقف الهزيلة الضعيفة، كما يفعله البعض بالاكتفاء بمجرد بيان بارد تافه، لم يصل موقف بعض الأنظمة العربية الكبرى، من أكبر الأنظمة العربية، إلى مستوى الإدانة الصريحة الواضحة لما تفعله إسرائيل، كانوا سابقاً يصدرون بيان إدانات، لحد الآن لا يصدرون بيان إدانات، حتى في هذا المستوى، وهو مستوى تافه، لا يفعل شيئاً للفلسطينيين.
النقلة الكبيرة التي تحققت في واقع شعبنا: أنَّ هذا الشعب وثق بالله، توكل على الله، اطمأن إلى الوعد الإلهي، عندما يقرأ المنطلقون الانطلاقة الإيمانية من أبناء شعبنا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: الآية7]، فإنهم ينظرون إلى أمريكا كما قال الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه” باعتبارها قشة، وليست عصاً غليظة.
الثقافة القرآنية التي كان من أول وأكبر أهدافها أن ترسِّخ الثقة بالله، هذه الثقة بالله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، والاعتزاز به، والاطمئنان إلى وعده بالنصر، والاستصغار لكل أعدائه، هي التي جعلت شعبنا في هذا المستوى المتقدِّم، والموقف العظيم، والجرأة التي تميَّز بها في مواجهة أمريكا وإسرائيل، ونحن فعلاً بهذه الروح الإيمانية، بهذه الثقافة القرآنية، بهذه الانطلاقة الإيمانية القرآنية، تحركنا في مواجهة أمريكا وإسرائيل وبريطانيا، ثلاثي الشر، اخطبوط اللوبي اليهودي الصهيوني، ونحن نثق بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بل أرجى ما نكون لنصره، وعونه، وتأييده، كلما نظرنا إلى مستوى شرهم، وإجرامهم، وطغيانهم، وإفسادهم في الأرض، وجبروتهم، وفظيع جرائمهم؛ كلما كان أملنا، وكلما كانت ثقتنا بنصر الله أكبر وأكبر.
الحالة الإيمانية التي ينطلق بها الإنسان وهو حاسمٌ لخياره، ومتخذٌ لقراره في الموقف الحق الصادق، الذي يرضي به الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، حاضرٌ للتضحية، لبذل النفس والمال والروح في سبيل الله تعالى، مستشعرٌ لمسؤوليته، يعي أهمية هذه المسؤولية، قدسية هذه المسؤولية، إيجابية هذه المسؤولية، مع الاستعداد العالي للتضحية، ولتقديم الشهداء، ونحن في معركة مقدَّسة: (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، إلَّا أننا نثق كل الثقة بنصر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، حاضرون للتضحية واثقون بالنصر؛ لأن هذا هو وعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ندرك قيمة الموقف، وأهمية الموقف لمصلحتنا الحقيقية في الدنيا والآخرة؛ لأن المؤمن له هذين الحسابين: يحسب حساب الدنيا والآخرة، ولا يحسب فقط حساب الدنيا، حسابات المؤمن يحسب فيها الآخرة، وليس فقط تتجه آماله إلى ما يتحقق له في هذه الدنيا.
الفارق اليوم كبير ويثبت نجاح المشروع القرآني وإيجابيته، أنَّه مشروعٌ عظيم، فعَّال، رأينا أثره في حماية أبناء شعبنا العزيز من الولاء لأمريكا، بدلاً من الولاء لأمريكا هم يهتفون بـ (الموت لأمريكا)، هم يعرفون قبح أمريكا، مكائدها، عدوانيتها، إجرامها، ينظرون إليها بعين القرآن، ينظرون إليها النظرة الحقيقية الصحيحة، ولا ينخدعون لها، ولا يكترثون لها، وليسوا أبداً قابلين بأن تهيمن عليهم، وأن تتحكم بهم، وأن تسيطر عليهم.
سابقاً وعلى مدى عقود من الزمن تعاقب السفراء الأمريكيون في صنعاء على التحكم بالمسؤولين، بدءاً من الرئيس، عادةً ما يخضع ويخنع للسفير الأمريكي، وصولاً إلى مرحلة أعلنت فيها الوصاية رسمياً على بلدنا، وبفضل هذا المشروع القرآني لا وصاية لأمريكا علينا، لا هيمنة لها علينا، لا تحكم لها في قراراتنا ومواقفنا، نحن أحرار بكل ما تعنيه الكلمة، نحن نجسِّد الحُريَّة الحقيقية، نحن نجسِّد الحُريَّة الحقيقية بعبوديتنا لله تعالى، وتحررنا الكامل من هيمنة أمريكا، وتدخل أمريكا فينا، وانظر إلى واقع كثيرٍ من البلدان الإسلامية، هل هم في حُريَّة من أمريكا، من نفوذها، من هيمنتها، من تدخلها في شؤونهم، من تحكمها بهم؟ نحن أحرار أمام أمريكا، وأمام إسرائيل، وأمام بريطانيا، وأمام غيرهم، الفارق كبير جداً.
وهتاف الصرخة في وجه المستكبرين، من المرحلة الأولى التي انطلقت فيها هذه الصرخة، بالرغم من حجم الاستضعاف، والظروف الصعبة، والمحاربة الشديدة، لكن هذه الصرخة اليوم يهتف بها الملايين، ووصل صداها وسمعها ووصلت هي إلى مختلف أرجاء الدنيا، في مواقف متحررة لهذا الشعب، مواقف عزة، مواقف كرامة، مواقف تنسجم مع الهوية الإيمانية، بل تنطلق من الانتماء الإيماني لشعبنا العزيز.
الصرخة هذه التي كان يسجن من يهتف بها، أو يحمل لاصقها، وقد يقتل، وكثيرٌ قتلوا واستشهدوا نتيجة لذلك، اليوم يُصرَخ بها عند إطلاق الصواريخ الباليستية والمجنحة؛ لأنها نتاج لثمرة هذه الرؤية القرآنية.
ويُصرَخ بها أيضاً في الاستهداف بالمسيَّرات، في مختلف الأسلحة والعتاد الحربي المتميز، في القوة التي وصل إليها شعبنا العزيز، والفاعلية التي أعطاه الله تعالى إياها، هُتِف بها فوق دبابات الإبرامز الأمريكية، هُتِف بها في ميادين الشرف، في ميادين التضحية والفداء، واليوم يعي كل العالم ماذا تعني هذه الصرخة، ماذا يعني هذا المشروع، أنَّه مشروعٌ تحرريٌ بكل ما تعنيه الكلمة، بل إنَّه الذي يحقق الحُريَّة الكاملة، والخلاص من التبعية والهيمنة الأمريكية واليهودية والإسرائيلية والبريطانية بشكلٍ تام، يفصلك عن التبعية لأعدائك على كل المستويات: ثقافياً، وفكرياً، وسياسياً… وفي كل المجالات، ويجعلك في الموقف المشرف، وأنت تواجههم ولا تخنع لهم، ولا تستسلم لهم.
لو نأتي إلى الخيارات والتوجهات الأخرى، ماذا لو كانت هي السائدة في البلد؟ خيار السكوت والجمود والاستسلام، ألن يكون موقف شعبنا أمام ما يجري الآن في غزة، كحال بعض البلدان التي لا نسمع لهم صوتاً، ولا تحس لهم ركزاً، ولا يكاد يكون لهم وجود، كأنهم ليسوا بأحياء، كأنهم ليسوا على الخارطة، كأنهم غير موجودين في هذه الدنيا؟
بالتأكيد كان سيكون الموقف لولا هذا التحرك القرآني، والمشروع القرآني، وهذه الثقافة، وهذه الانطلاقة الإيمانية لشعبنا العزيز، لكان الكل ساكتاً يتابع الأحداث بتهيب، لا يجرؤ على أن يقول كلمة، الموقف في الحد الأعلى بيان ركيك ضعيف، بدون أي تحرك ولا خطوات عملية، بل لكان هناك من يتجنَّد، كما يتجنَّد البعض من المرتزقة مع الأعداء، مع الإسرائيلي، مع الأمريكي، مع التبرير لجرائمهم، مع خدمتهم، مع التحرك كبوق إعلامي لهم، أو حتى التحرك العسكري.
كيف أصبح البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، ولأول مرة بهذا المستوى من الفاعلية والضغط على الأعداء؟ ما الذي وصل بالأمريكي والبريطاني أن يدخلوا في العدوان على بلدنا، وأن يتورَّطوا في الحرب ضد بلدنا، مع أنَّ ذلك ليس لمصلحة شعوبهم، ولا بلدانهم، لكنهم أدوات بيد اللوبي اليهودي الصهيوني، والانزعاج شديد جداً لفاعلية وتأثير موقف بلدنا فيما يتعلق بالبحر الأحمر.
لو أنَّ الخيارات الأخرى: خيار العمالة والخيانة، الذي كان يسيطر على بلدنا، هل سيكون هناك موقف مثل هذا الموقف؟ لا، أبداً، ولا أي موقف مشرِّف، ولا مظاهرات، ولا مسيرات… ولا أي شيء من هذا؛ لأن الأمريكي لو مشى برنامجه الذي اشتغل به، لكان قد وصل بهذا البلد وبهذا الشعب إلى مستويات خطيرة للغاية، كان يشتغل بوتيرة عالية، واهتمام كبير، وله أدواته، وله عملاؤه، لكن أفشله هذا المشروع القرآني فشلاً تاماً على مستوى هذا البلد، وهو الآن يقارعه على مستوى الساحة العالمية في المواقف المشرِّفة، والتوجهات الصحيحة.
فإذاً شعبنا اليمني المسلم العزيز يقف اليوم موقفاً متميزاً، ويساند الشعب الفلسطيني المظلوم بفاعلية، وتحرك شامل على كل المستويات، ويقف بوجه ثلاثي الشر (أمريكا، وإسرائيل، وبريطانيا) بكل جرأة، وشجاعة، وثبات، من هذا المنطلق في الانتماء الإيماني، والثقافة القرآنية، يقدِّم الشهداء، ويحقق الانتصارات، ويضرب الأعداء بكل جرأة.
في فجر اليوم كان هناك ضربات لسفن أمريكية وبريطانية بكل جرأة، وشعبنا لا يتردد عن فعل ما يجب أن يفعل.
هكذا هي الانطلاقة القرآنية الإيمانية، انطلاقة قائمة على الثقة بالله تعالى، والتوكل عليه، والتمسك بهديه، والجهاد في سبيله، انطلاقة واعية، وعملية، ومبدئية، نعتمد فيها على الله تعالى، ووعده الصادق بالنصر، وثمرتها ونتيجتها ملموسة وواضحة، في التحرر الحقيقي، والعزة، والكرامة، والاستقلال، والفاعلية، والتأثير، وفي الوعي والبناء، وهي سرُّ صمود شعبنا وثباته واستعداده العالي للتضحية.
ولذلك فنحن في هذه الذكرى نرى مع هذه النقلة والمتغيِّرات المصداق الكبير، وأحد المصاديق للوعد الإلهي في قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر: 51-52]، جهود الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ”، وصرخته، ومعاناته، وتضحيته شهيداً في سبيل الله، معاناته الكبيرة، ما واجهه من كل أشكال الحرب والاستهداف، ما واجهه مشروعه القرآني والمنتمون إليه من كل أشكال الاستهداف، نرى أنَّ هذا المشروع انتصر، وهذه ثمرته ملموسة وواضحة في الموقف، والمستوى، والفاعلية التي عليها شعبنا العزيز هذا اليوم، في هذه المرحلة، أمام هذه الأحداث.
ولذلك نؤكِّد في هذه الذكرى، نؤكِّد على ثباتنا على موقفنا المبدئي القرآني في مساندة الشعب الفلسطيني، والتصدي للعدوان على بلدنا، ومهما فعله ثلاثي الشر؛ لن يؤثِّر على موقفنا، ولن يحدَّ من قدراتنا وعملياتنا بإذن الله، ولن يكسر إرادة شعبنا.
اليوم- كما قلنا- بتوفيق الله تم ضرب سفن أمريكية وبريطانية، والشيء الظريف الذي نبشركم به، أنَّ الأمريكي يتجه حالياً للتمويه، مثل ما يفعله الإسرائيلي، الأمريكي يحاول أن يموِّه حركته في البحر، الأمريكي وضع على بعض سفنه علم مارشال، دولة مغمورة في آخر الدنيا، وأصبح يتهرب في البحر، هذا هو واقعه أمام الانطلاقة القرآنية الإيمانية الواثقة بالله، المتوكلة على الله، المستندة إلى نصره وتأييده.
إنني أحذرهم وأقول: أنَّ عليهم أن يوقفوا أولاً عدوانهم الهمجي الوحشي الإجرامي على غزة، وأن يكفوا عن حصارهم للشعب الفلسطيني، الذي يمنعون عنه الدواء والغذاء في قطاع غزة؛ وإلَّا فسوف نسعى إلى التصعيد أكثر فأكثر، معتمدين على الله تعالى، واثقين به، وواثقين بنصره، وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا.
سيواصل شعبنا العزيز كل أنشطته في إطار موقفه الحق والمشرِّف، من تعبئة عسكرية وعامة، والنشاط في مجال التعبئة هو من أهمِّ الأنشطة، ومن مظاهرات وفعاليات وفي كل المجالات، وفي مقدِّمتها: التوعية القرآنية، ونشر الثقافة القرآنية.
إن شاء الله أيضاً سيكون لنا كلمة في يوم الخميس الآتي.
السَّلَامُ عَلَى شَهِيْدِ القُرْآن وَالشُّهَدَاء الأَبْرَار.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ- أَيُّهَا الإِخْوَةُ- وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: اللوبی الیهودی الصهیونی الأمریکیة والإسرائیلیة الأمریکیة الإسرائیلیة بکل ما تعنیه الکلمة أمریکا وإسرائیل أمتنا الإسلامیة الخطوات العملیة الشعب الفلسطینی العالم الإسلامی فی کل المجالات الشهید القائد القرآن الکریم شعبنا العزیز الحرب الأولى فی نفس الوقت قائد الثورة أبناء شعبنا ذلک العدوان الله تعالى هذا التحرک ة الحقیقیة فی العالم بالرغم من إلى مستوى هذا البلد هذه الأمة على بلدنا إلى الیوم ا الإسلام هذا الشعب من أمریکا فی مواجهة التی کانت س ب ح ان ه ت ع ال ى على الله کل أشکال کان هناک کل أنواع التی کان فشلوا فی کانت تلک ولم یکن ه مشروع ر ض و ان على مدى أن تکون أکثر من الشعب ا فی واقع فی إطار التی هی الله ت فی هذا فی هذه مع ذلک لم یکن

إقرأ أيضاً:

في محاضرته الرمضانية السادسة والعشرين قائد الثورة: طموح الإنسان المؤمن يجب أن يكون في مرتبة الصالحين

الثورة /

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

استكمالاً للآيات المباركة من (سورة الشعراء)، في قصة نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، كُنَّا قد وصلنا إلى قوله:

{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[الشعراء:82].

تحدثنا عن أهمية يوم الدين، يوم الجزاء على الأعمال، الذي هو بداية الحياة الأخرى، فيما فيها من مصيرٍ محتومٍ:

• إمَّا إلى الجنة، في خيرها العظيم، ونعيمها الخالص والراقي والأبدي.

• وإمَّا إلى النار، في عذابها الشديد، والعذاب المخزي المهين للإنسان، والذي هو عذابٌ وشقاءٌ للأبد والعياذ بالله.

في اهتمامات الإنسان المؤمن، يحسب حساب هذا المستقبل، لا يتَّجه اهتمامه في هذه الحياة نحو متطلباتها العاجلة، بل يجعل سعيه في هذه الدنيا مرتبطاً أيضاً باهتمامه بمستقبله في الآخرة؛ ولـذلك هناك مساحة واسعة- كما شرحنا في المحاضرة الماضية- في رسالة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، من خلال رسله، وأنبيائه، وكتبه، مساحة واسعة تُذكِّرنا بمستقبلنا في الآخرة، وأهمية هذا المستقبل:

• أهميته في أن تستقيم لنا حياتنا هنا.

• وأهميته كذلك حينما تستقيم حياتنا هنا؛ ليستقيم لنا هناك.

فهناك ارتباط ما بين الأولى والأخرى (الحياة الأولى، والحياة في الآخرة)؛ فاهتمام الإنسان المؤمن هو اهتمامٌ يجمع بين اهتماماته في هذه الدنيا، شؤونه في هذه الدنيا، مع ربطٍ لها بمستقبله في الآخرة.

يوم الجزاء على الأعمال يومٌ عظيم، يومٌ مهم، يوم الحساب، يوم القيامة، لا يمكن للإنسان أن يغيب عن ذلك المشهد، أو أن يتهرَّب عن الحضور، أو أن يمتنع عن أن يبعث في يوم القيامة ويحاسب ويجازى، لا يمكنه ذلك، والله لا ينسى أحداً، ولا يغفل عن أحد «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والإنسان المؤمن هو يحمل تجاه يوم القيامة ويوم الجزاء حالة الخوف، وحالة الرجاء، وهما متلازمان في الجانب الإيماني:

• الخوف من التفريط، من التقصير، من المعصية، من التهاون بالذنوب، الخوف من تبعات الأعمال وآثارها، حينما تكون أعمالاً سيئة.

• وفي نفس الوقت الرجاء لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في مغفرته، في عفوه، في فضله، في رحمته.

ولـذلك فالإنسان مع خوفه لا يصل به خوفه إلى اليأس، أو إلى أن يتصور حينما بدرت منه، أو حصلت منه زلَّات في هذه الدنيا، أو تقصير في مسؤوليات، أو أعمال، أنه مهما رجع إلى الله، مهما تاب وأناب، مهما عمل لتلافي تقصيره؛ فهو لن يحظى بمغفرة الله، ولا بعفو الله، هي حالةٌ خطيرة؛ لأن الشيطان هو يشتغل في الاتِّجاهين:

• يشتغل في اتِّجاه: أن يؤمِّنك من عذاب الله، ويصل بك إلى درجة الاستهتار؛ حتى لا تبالي فيما تعمل، تُمَنِّي نفسك، تُمَنِّي نفسك بالمغفرة، تُمَنِّي نفسك بأنك ستتوب في يومٍ من الأيام، أو حتى لو لم تتب، فسيغفر لك، وهذه حالة خطيرة جداً حالة الأماني، حذَّر الله منها في القرآن الكريم، وحالة التسويف، حالة الاستهتار بالأعمال، والجرأة على المعاصي، والشيطان يشتغل عليها.

• وقد يشتغل في اتِّجاه آخر: إذا كان لديه احتراز من هذا الجانب، وانتباه، وتذكُّر بآيات الله، وإدراك لمخاطر المعاصي، ومساوي التفريط في طاعة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وما يترتب على ذلك، قد يأتيك من جهة أخرى؛ في محاولةٍ لأن يزرع اليأس في قلبك، بأنك لن تحظى بمغفرة الله، أنت مُقَصِّر، أنت مذنب، أنت مخطئ؛ وبالتالي مهما توبت، مهما رجعت إلى الله، مهما عملت؛ فأنت لن تصل إلى أن تحظى بمغفرة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وعفوه، وهذه الحالة من التيئيس حالة خطيرة جداً، {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف:87].

فلـذلك الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يُعَلِّمنا أن نجمع بين الأمرين: بين حالة الخوف، والرجاء، ويبيِّن لنا ما عليه أولياؤه من أنبيائه والهداة من عباده، وحتى ملائكته، أنهم يجمعون بين الخوف والرجاء: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء:57]، فهم يخافون العذاب، وفي نفس الوقت يرجون رحمة الله، ويرجون المغفرة.

والرجاء هو حافزٌ على العمل، ليس دافعاً إلى الاستهتار، الرجاء الصادق هو يدفع الإنسان إلى العمل؛ ولهـذا يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21]، فالرجاء الصادق هو حافزٌ على العمل؛ لأنك تعمل ولديك أملٌ بالله: أنه سيقبل عملك، سيضاعف لك الأجر، سَيَمُنُّ عليك بالرعاية، والرحمة، والمغفرة، فيما شاب عملك من تقصير، أو نقص، أو قصور؛ فهو حافز على العمل، ومشجعٌ على العمل.

ومعه حسن الظن بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، برحمته الواسعة، بغفرانه العظيم، وفي نفس الوقت تشجيعٌ كبيرٌ على العمل؛ لأن الإنسان يحمل، إذا كان مؤمناً واعياً، هو دائماً يحمل روحية الشعور بالتقصير، وهو بعيدٌ عن مشاعر الغرور، والعجب بالنفس، مثلما عليه أنبياء الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يتَّجهون الاتِّجاه الإيماني في أرقى مستويات الإيمان، وأرقى درجات الإيمان، يتَّجهون لأداء مهامهم المُقدَّسة العظيمة، في التبليغ لرسالة الله، والسعي لإقامة دين الله، ولهداية عباد الله، وفي نفس الوقت يعتبرون أنفسهم مُقَصِّرِين، يطلبون من الله المغفرة، بالرغم مما هم عليه، لكنهم يدركون عظيم حق الله، عظيم حق الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» عليهم، عظيم حق الله على الإنسان، مهما عمل الإنسان، فلا يساوي عمله شيئاً في مقابل عظمة الله، وعِظَم حق الله عليه، ولكن الله يقبل مِنَّا القليل، ويجازي عليه الكثير، ولـذلك يبقى الإنسان بعيداً عن مشاعر الغرور، مشاعر العُجْب، ومشاعر الاستهتار، وجامعاً بين الخوف والرجاء مع بعض، كُلٌّ منهما يدفع الإنسان، ويُمَثِّل له دفعةً عمليةً في طاعة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

مخاطر الذنوب على الإنسان هي مخاطر كبيرة جداً، على علاقته بالله، وعلى رعاية الله له، تأثيرها على:

• علاقتك بالله من جهة، ومنزلتك عند الله، وواقعك الإيماني، وحالتك الإيمانية.

• تأثير حتى على المستوى النفسي.

• وتأثير في مدى رعاية الله.

لـذلك فالإنسان يبقى دائماُ يسعى إلى طلب المغفرة، والخلاص من الذنوب وتأثيراتها على نفسه، واتِّجاهه العملي يبقى اتِّجاهاً إيمانياً بأقصى ما يتمكن، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يصف عباده المؤمنين بمواصفاتهم الراقية العظيمة (المتقين)، فيقول عنهم: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}[آل عمران:17]، فهم يطلبون من الله المغفرة، وهم يحاولون أن يغتنموا حتى وقتاً من أهم الأوقات للدعاء، واستجابة الدعاء: وقت الأسحار، ما قبل الفجر، في آخر الليل، في الثلث الأخير من الليل؛ بينما هم يتَّصفون بتلك المواصفات الراقية العظيمة، فهم:

• أهل صبر، والتزام عملي نتيجةً لهذا الصبر: الصبر في إطار العمل بطاعة الله، في القيام بما أمر الله، في الانتهاء عن مناهي الله، النهوض بالمسؤوليات الإيمانية المهمة، التي تتطلب الصبر، كـ: الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة القسط.

• أهل صدق: في أقوالهم، في أفعالهم، في انتمائهم، في معتقداتهم، في تَوَجُّهاتهم… كلها قائمة على الصدق: الصدق مع الله، الصدق مع أنفسهم، الصدق مع الناس، الصدق في الانتماء، الصدق في الموقف.

• وهم أهل قنوت: خضوع لله، والتزام بطاعة الله، وانقياد لأمر الله، ليسوا متعنتين، ولا منحرفين.

• وهم مع ذلك أهل إنفاق وعطاء: ليسوا بخلاء، ينفقون في سبيل الله، ينفقون في سُبل الخير والبر، يحملون روحية الإحسان، وروحية العطاء.

• ومع ذلك هم مستغفرون بالأسحار: فلديهم اهتمام بطلب المغفرة، يستشعرون التقصير، بالرغم مما هم عليه من التزام وطاعة، لكنهم يستشعرون حالة التقصير؛ فلم يصبهم الغرور، ولا العجب بالنفس، ولم يتَّجهوا إلى حالة التكبر، أو يتأثروا بحالة التكبر والعياذ بالله.

{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[الشعراء:82]، فأنا أحمل الرجاء في أن يغفر لي، وغيره لن يغفر لأحد، غير الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لا يتمكن من أن يُخَلِّصك من ذنوبك، {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}[آل عمران:135]، لابدَّ من التَّوَجُّه إلى الله، والطاعة لله، والإنابة إلى الله؛ حتى لا تأتي يوم القيامة مُحَمَّلاً بأوزارك وذنوبك؛ لأنه لا خلاص هناك، إذا قدمت على الله يوم القيامة، وأنت محملٌ بالذنوب والأوزار، لم تتخلص منها في الدنيا؛ فحينها لا يمكن لأحد أن ينقذك، ولا أن يُخَلِّصك مما أنت مُحَمَّلٌ به من الذنوب والأوزار، ولا توبةٌ تُقبل، ليس هناك مجال للتوبة والاعتذار والخلاص من ذلك، {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}[فصلت:23-24]، ليس هناك قبول لِلعُتْبَة، والرجوع، والتوبة، والإنابة، وتقول: [أنا الآن تائبٌ من هذا الذنب]، بل في حالة الموت نفسها، في الدنيا نفسها حينما تأتيك حالة الموت وأنت مسوِّفٌ للتوبة، لم تتب إلى الله، ثم تتوب عندما يأتي الموت؛ حينها لا تُقْبَل منك توبتك في تلك اللحظة، {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}[النساء:18]، (تُبْتُ الْآنَ) عندما شاهد الموت، أيقن برحيله من هذه الدنيا، ليس هناك مجال لذلك؛ فلـذلك يحمل الإنسان الرجاء في الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وأنه وحده هو من يغفر الذنوب، ويتَّجه إليه.

بعد هذا العرض، الذي يُبَيِّن أن الذي يستحق العبادة وحده هو الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ لأن بيده حياتنا، ورزقنا، وموتنا، ومستقبلنا إليه، ومصيرنا في الآخرة إليه، ولا يتمكن من أن ينقذنا من ذنوبنا إلا هو، وهو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» الذي يطعمنا، ويسقينا، وإذا مرضنا فهو الذي يَمُنُّ علينا بالشفاء… وغير ذلك من نعمه، نعمة الهداية في مُقَدِّمة النعم، ومفتاح لكل النعم، بعد هذا العرض، الذي هو كله يدل على أن الجدير بالعبادة هو الله وحده، اتَّجه بشكل دعاء:

{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[الشعراء:83].

وهذا العرض فيما يتعلق بالدعاء، أولاً: هو يبيِّن أن الذي هو جديرٌ بالعبادة، ومن أهم ما في العبادة هو الدعاء، ويملك لنا حينما ندعوه النفع، ودفع الضر، والخير المعنوي والمادي، والخير في الدنيا والآخرة، الذي يملك لنا كل ذلك هو الله، وهو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» من يسمعنا حينما ندعوه، ويعلم بنا، ويعلم بأحوالنا، وهو الذي يستجيب الدعاء، إذا كان الإنسان مستجيباً لله، وسائراً في طريق هديه، هو الذي يستجيب الدعاء «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ فهو إذاً وحده من هو جديرٌ بالعبادة، يستحق العبادة؛ لأن من أهم ما في العبادة هو: الالتجاء بالرجاء، والرغبة، والآمال، فيما يملكه الله ولا يملكه غيره، وما لا يقدر عليه غيره، هو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» على كل شيءٍ قدير، بيده الخير كله، فهو اتَّجه بالدعاء؛ ليبين لهم ذلك، فنفس الاتِّجاه بالدعاء هو أيضاً في هذا السياق: في سياق عرض أن المستحِق للعبادة وحده هو الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومن أهم ما في العبادة: الدعاء.

في مُقَدِّمة دعائه هذا: اتَّجه إلى الله يطلب منه ومن فضله هذا الطلب: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[الشعراء:83].

فيما نطلبه من الله، وفيما ندعوه، عادةً ما تغلب على ذلك- على مضمون الدعاء نفسه- اهتماماتنا، ما الذي هو مهمٌ بالنسبة لدينا نحن، في تقديراتنا، في تصوراتنا، في التفاعل النفسي مع الأمور؛ ولـذلك في العادة في واقع الناس، قد تكون أكثر أدعيتهم مُتَّجهةً إلى الله في أمورهم المعيشية والحياتية؛ لأنها ضاغطةٌ عليهم، قد يكون من أكثر ما يدعو الناس، يدعون الله به، ويرجونه من الله، ويكثرون من الدعاء فيه، هو:

• مطالبهم في هذه الحياة المطالب المادية: الرزق، أمور المعيشة… وغير ذلك من المتطلبات هذه الحياة.

• أو ما هم يعيشون حالة الضغط منه في واقعهم النفسي: هموم مُعَيَّنة، مشاكل مُعَيَّنة.

هذا للإنسان الذي يُقبل عادةً على الدعاء.

ولكن نتعلم من الأنبياء «عَلَيْهِمُ السَّلَامُ»، نتعلم من الأدعية القرآنية: كيف نعيد ترتيب أولوياتنا واهتماماتنا، بحيث تشمل ما قد نغفل عنه من الأمور ذات الأهمية الكبيرة لنا في حياتنا؛ لأن اهتمامنا وتفاعلنا قد يكون- وفق قصور رؤيتنا ونظرتنا- منحصراً في هموم مُعَيَّنة، مطالب مادية، أمور معيشية ضغطة، ولا نقصد أن الإنسان يترك الدعاء بشأنها، الإنسان يتَّجه إلى الله لخير الدنيا والآخرة، يتَّجه إلى الله تجاه همومه، ومشاكله، والأمور الضغطة عليه؛ لكن لا يغفل عن الأمور المهمة، التي ينبغي أن تكون ضمن اهتماماته؛ وإنما مع قصور نظره، وقلة معرفته ووعيه، لا يدرك أهميتها له، في كل شؤون حياته، وفي مسار حياته بكلها.

ولـذلك نجد هنا في مُقَدِّمة أدعيته (أدعية نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ») هذا الدعاء: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[الشعراء:83]، ما هو الحكم؟ الحكم له تعريفات واسعة، وعادةً ما يُرَكِّز المفسرون على جوانب منها، ويربطون بينه وبين الحكمة، ويتَّضح أنه يجمع عِدَّة أمور، يعني: يجمع بين أن يهبك الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: هدايةً، وملكةً، وزكاء نفس؛ بحيث:

• تتعامل مع مختلف الأمور بمقتضى الحكمة؛ فتكون صائب الفكر، راشداً في فكرك، مهتدياً للخير.

• وتكون- في نفس الوقت- زاكي نفس.

• وتملك أيضاً التوازن النفسي، الذي يساعدك على أن تتصرف مع الأمور بحكمة.

وبمجموع هذه الأمور، حينما يَمُنُّ الله عليك بالهداية، والرشد، والإصابة في الفكر، في النظرة إلى الأمور، في الحكم عليها، في التقييم لها، والتوازن النفسي، وفي نفس الوقت زكاء النفس، في الخلاص من المؤثرات السلبية على نفسيتك؛ فأنت ستتصرف مع الأمور بشكل صحيح؛ لأنك تملك الرؤية الصحيحة تجاه الأمور، ولديك أيضاً الملكة النفسية في التعامل الصحيح، والتصرف الصحيح مع الأمور.

لأنه في موضوع الحكمة لا تكفي المعرفة، الإنسان أحياناً يعرف تجاه موضوع مُعَيَّن، أو قضية مُعَيَّنة، قد يعرف ما هو التصرف الحكيم، أو الموقف الحكيم، ولكنه قد لا يعمل بمقتضى ذلك، ولا يتصرف على أساس ذلك، بل قد يتعامل بطريقة أخرى ليست حكيمةٍ، أو يتبنى موقفاً ليس حكيما، لماذا؟

• بسبب العامل النفسي: حالة الانفعال، أو الغضب، أو الخوف، أو المؤثرات النفسية الأخرى.

• أو جانب- مثلاً- متعلق بالجانب الأخلاقي: لم يمتلك على مستوى زكاء النفس والأخلاق ما يُمَثِّل حافزاً نفسياً، ودافعاً نفسياً له، ليعمل ذلك العمل الحكيم، أو يتصرف ذلك التصرف الحكيم، أو يقف ذلك الموقف الحكيم.

ولـذلك فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» حينما يهبك: هدايةً، وزكاء نفس، وملكةً نفسيةً، وتوازناً نفسياً؛ فأنت تتعامل مع الأمور برؤية صحيحة، وتتصرف على أساسها، وبمقتضى الحكمة، وبرشدٍ وصواب؛ فتجمع بين الفكرة الصحيحة، الرؤية الصحيحة، والالتزام بها في مقام العمل.

وهذا ما يحتاجه الإنسان جداً:

• في مسيرة حياته بشكلٍ عام، كإنسانٍ مؤمن في هذه الحياة.

• وتجاه المواقف، ولاسيَّما فيما يتعلق أيضاً بالمسؤوليات، حينما يكون الإنسان في مقام مسؤولية، وقد يتعامل مع ظروف مُعَقَّدة، وأوضاع صعبة، ويواجه تحديات كبيرة، ومشاكل متنوعة؛ يحتاج إلى أن يتعامل معها برشد، وحكمة، وهداية، وأن يتصرف بتصرفٍ صحيح، هذا ممن نحصل عليه؟ من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

هذا العطاء المهم، في زكاء نفوسنا، واستقامة نفوسنا؛ وفي ما يهبنا الله من هداية، ورشد، ومعرفة صحيحة، وفهم صحيح، ونظرة صحيحة إلى الأمور، ونظرة صائبة إلى الأمور، نحتاج فيه إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

والإنسان بحاجة إلى ذلك كشخص، والمجتمع كمجتمع، لربما من أكبر ما تعاني منه أمتنا الإسلامية، التي تؤمن بالله، وكتابه (القرآن الكريم) كتاب الهداية، وبكتب الله ورسله، أنها تفقد هذا الحكم، وتتصرف في معظم الأمور، وتقف في معظم المواقف، بغير رشد، بغير هداية، بغير إصابة، بغير رؤيةٍ صحيحة، بغير تصرفٍ صحيح؛ فصلتنا الإيمانية بالله، وصلتنا بهداية الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هي تبنينا في رشدنا، في فكرنا، في فهمنا، في وعينا، في زكاء أنفسنا، في صلاح أنفسنا والاتِّزان النفسي، بما يؤهلنا لأن ننطلق في مسيرة هذه الحياة هكذا: برؤية صحيحة، بتصرفٍ صحيح، بعملٍ صحيح، بمواقف صحيحة.

{وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[الشعراء:83]، لأكون صالحاً في نفسي، ومع الصالحين في زمرتهم، وهذا أيضاً من أهم الأمور.

بل الشيء العجيب عندما نتأمل في دعاء الأنبياء، حتى في قصة نبي الله سليمان، وفي قصة نبي الله يوسف «عَلَيْهِمَا السَّلَامُ»، ونجد أيضاً فيما يتعلق بالمواصفات الراقية للمؤمنين، نجد أنهم بالرغم من كل ما قد وهبهم الله، على المستوى المعنوي، والمستوى المادي: ما وهبهم من هداية، من توفيق، من رشد، من معرفة، من نور، من بصيرة، وارتقاء إيماني، وزكاء نفوس… وغير ذلك، وما وهبهم من تمكين، وما وهبهم أيضاً في هذه الحياة من نعمٍ متنوعة؛ تبقى آمالهم، واهتمامهم، ويبقى تطلُّعهم فيما يتعلق بالمقام الذي يطمحون للوصول إليه، هو هذا العنوان: الصلاح، وأن يكونوا من الصالحين:

• {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}[النمل:19]، هكذا دعا نبي الله سليمان «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، بالرغم مما قد منحه الله من نبوَّة، وملك، وإمكانات، وهداية… [أريد أن أكون من الصالحين].

• في دعاء نبي الله يوسف «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، بعدما وهبه الله به من النعم، والتمكين، والمقام العظيم، يدعو أيضاً بأن يدخله الله في عباده الصالحين، ويلحقه بعباده الصالحين.

• وهذا نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، في مقامه العظيم، يطلب هذا الطلب.

الإنسان المؤمن، آماله، وتطلعاته، وتَوَجُّهاته، إلى المرتبة التي هي مرضيةٌ لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يعني: عندما نتأمل في واقع الناس، ونلحظ ماهي اهتماماتهم على مستوى المقامات: البعض يريد وظيفة، منصباً مُعَيَّناً، لقباً مُعَيَّناً في إطار منصب مُعَيَّن، مثلاً: رتبة عسكرية مُعَيَّنة، طموحه في هذه الحياة أن يصل إلى رتبة مشير، أو رتبة عقيد، أو رتبة لواء، طموحه في مستوى مُعَيَّن، مثلاً: في المستوى الأكاديمي، أن يصل إلى عنوان بروفيسور مثلاً… وهكذا في اتِّجاهات مختلفة من شؤون الحياة.

الطموح الذي يطمح فيه الإنسان المؤمن مهما بلغ إيمانه: أن يكون في مرتبة الصالحين، هو يدرك أهمية هذا في المنزلة عند الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويدرك أهمية ذلك في القيمة الإنسانية والأخلاقية. قيمة لك كإنسان، المكانة العالية لك كإنسان، التسامي لك كإنسان، أن تكون من الصالحين.

يكون الإنسان صالحاً بخلوصه من الفساد، ومن كل آفات الفساد، وأن يستمر له ذلك الحال، وهذا مما يحرص عليه أنبياء الله حينما يدعون بهذا الدعاء (مِنَ الصَّالِحِينَ)؛ ليبقى صالحاً، ليستمر في طريق الصلاح، وليرتقي في مراتب الصلاح؛ لأن مراتب الصلاح- أيضاً- مراتب متفاوتة، متفاوتة.

فالإنسان في اتِّجاهه ليكون إنساناً صالحاً، بالعمل على أن يَخْلُص من كل آفات الفساد، يكون خالصاً من حالة الفساد: في نفسه، في أعماله، في تصرفاته، وهذا ما يتَحَقَّق للإنسان باستقامته على منهج الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، حيث تزكو النفس، ويَصْلُح العمل؛ فيتخلص الإنسان من شوائب الفساد:

• على المستوى النفسي، وعلى مستوى تَوَجُّهاته، وقلبه، ومشاعره.

• وعلى مستوى العمل، على مستوى الموقف، على مستوى التصرف.

وهذا يسمو بالإنسان، يسمو به كإنسان في درجات الكمال، وفي المنزلة عند الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[الشعراء:83].

ثم أيضاً في هذا الجانب، الإنسان مرتبطٌ بالصالحين من أنبياء الله، والهداة من عباد الله، وأولياء الله، له بهم هذه الصلة والعلاقة الإيمانية: يُحِبُّهم، يتولاهم، يقتدي بهم، يتأسى بهم؛ لأن هذا أيضاً مما يحقِّق له الصلاح، وفي نفس الوقت هو مرتبطٌ بهم، هو في زمرتهم، في اتِّجاههم؛ لأنه اتِّجاه ممتد، مسيرةٌ عملية فيها الهداة من أولياء الله، من أنبياءه، والصالحين من عباده من ورثة كتابه.

الإنسان لا يتَّجه الاتِّجاه الإيماني ويحمل الشعور الانفرادي: أنه لوحده، صالحٌ لوحده، اتِّجاهه لوحده؛ هناك الأسوة في طريق الصلاح، هناك القدوة، لا يمكنك أن يتَحَقَّق لك الصلاح وتنفصل عن مسارهم، عن الاقتداء بهم، حتى عن المحبة لهم والتولِّي لهم؛ لأن هذا مما يساعدك على أن يتَحَقَّق لك الصلاح، وهو جزءٌ من الصلاح بنفسه. الكلام عن هذا الموضوع يطول، ونحن نسعى على الاختصار.

{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}[الشعراء:84].

وذلك ليمتد تأثيري في الهداية للناس إلى طريق الحق، وإلى طريق الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وفي العمل لإصلاحهم وإنقاذهم، ليمتد ويتجاوز زماني ومكاني، وهذا شيء عجيب في طموح نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وفي تَعَلُّقِه بالحق والهدى.

تَعَلُّق الإنسان بالحق والهدى، وانتماؤه الأصيل له، يجعله حريصاً على نصرة هذا الحق، وهذا الهدى، وأن يَعُمَّ في أرجاء الناس، في أرجاء المعمورة، في أوساط المجتمع، وفي نفس الوقت حرصه على هداية الآخرين، يجعله حريصاً على أن يهدي أكبر قدرٍ ممكنٍ من الناس؛ فلـذلك هو يرغب في أن يكون في طريقته، ونهجه، وما هو عليه، مذكوراً بالخير وبالصدق، وأن يمتد هذا الذكر في الآخِرِين، بما يتجاوز زمانه ومكانه، ليمتد مع ذلك هذا التأثير في هداية الناس، حينما ينظرون إلى تلك الطريقة أنها طريقة عظيمة، مُقَدَّسة، ناجحة، صالحة؛ فيها الفوز، فيها الفلاح، فيها الخير؛ فينجذبون إلى ذلك؛ فيمتد هذا التأثير في هدايتهم، وفي خدمة طريق الحق والهدى، متجاوزاً لزمانه ومكانه.

{وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}[الشعراء:85].

الجنــــة، التي هي من وعد الله العظيم، وهي الجزاء العظيم الأوفى، بما فيها من النعيم المادي والمعنوي؛ لأن جزءاً مهماً من نعيم الجنة هو: التكريم المعنوي، ومعه النعيم المادي، الذي هو راقٍ جداً.

الله علَّمنا فيما يتعلق بما وعدنا به، من الجزاء العظيم على الأعمال الصالحة والتقوى، وعدنا بالجنة، قدَّم لنا في كتبه: أوصافها، أنواع النعيم فيها، الأحوال للإنسان فيها، على نحوٍ واسع، في القرآن الكريم بشكلٍ عجيب جداً، يتحدث عن الجنة:

• عن سعتها: عالم عظيم ووسيع، وشاسع جداً، {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}[آل عمران:133]، وفي نفس الوقت مع سعتها الهائلة جداً هي بكلها جنة، ليست صحاري، ليست قِفَاراً خالية غير صالحة للحياة، بل هي بكلها جنة.

• يذكر ما فيها من النعيم بكل أنواعه: ما فيها من المزارع، من البساتين، من الأشجار، من الثمار، من الفواكه، التي هي بأعداد هائلة جداً: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ}[الرحمن:52].

• يذكر ما فيها من الأنهار المتنوعة، بما في ذلك الأنهار من اللبن، والعسل… وغير ذلك، مع أنهار الماء، الذي هو صافٍ ونقي، ولا يشوبه شائبة، ولا يتغير، ولا يَأسَن… ولا أي شيءٍ من ذلك، من العلل والآفات التي تؤثِّر عليه.

• يذكر ما فيها من المساكن الطَّيِّبَة.

• ما فيها أيضاً من الحياة الأبدية، بسلامةٍ من الموت، والهرم، والمرض، والغم، والضَّجَر، والنصب، والتعب.

• الحياة فيها بطريقة محترمة جداً وراقية، ليس هناك ما يجرح مشاعرك حتى بكلمة مسيئة، أو تجرح مشاعرك: {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً}[الغاشية:11]، تعيش فيها محترماً، في النعيم الواسع العظيم: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[ق:35]، {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ}[الزخرف:71]، أرقى النعيم فوق حتى تقديرات الإنسان: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}[السجدة:17]، أرقى النعيم المادي، بأصناف كثيرة وهائلة جداً، وحياة سعيدة.

• يصف ما فيها من: الحور العين، والمساكن، ومجاورة الأنبياء وأولياء الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والرفقة مع الصالحين… أنواع النعيم العظيم جداً.

كل ما يُمَثِّل رغبةً وحاجةً حقيقيةً للإنسان، هو متوفرٌ فيها بأرقى مستوى، وخالصاً من كل شوائب تُنَغِّص على الإنسان حياته ومعيشته؛ فهي بالشكل الذي يرغب فيها الإنسان، يعني: الله لا يعرض لنا نعيماً عادياً نرى في الدنيا أحسن منه، أو يُقَدِّم لنا أحدٌ عروضاً أكبر، بين كل العروض المغرية، التي تؤثِّر على الكثير من الناس، لو يُقَدِّم الإنسان مقارنة، يقارن- هو بنفسه- قبل أن ينجذب إلى طريق الباطل، أو خط الباطل، أو طريق الشهوات العمياء بطريقة منفلتة: بين كل رغباتك، وشهواتك، وآمالك، وطموحاتك المادية والمعنوية، استعرض لنفسك أنت، ما هو الذي قد تتَّجه به فيبعدك عن الجنة، ما هو؟ هل هو مثل ما في الجنة، أو أرقى من ذلك؟ فلا بأس تفضل؛ ستجده ليس شيئاً، لا يساوي شيئاً في مقابل الجنة، فلماذا إذا كان ما يغويك، أو يغريك، أو يُضِلُّك، أو يفسدك، أو يوقعك في العصيان: رغبات، وطموحات، وشهوات، لماذا لا تنظر إلى ما هو أرقى منها، أعظم منها، أفضل منها، وللأبد، في حياة هنيئة، وتنجذب إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؟!

غفلة الإنسان عن مثل هذه المقارنة، وعن التأمُّل فيما عرضه الله من النعيم، هي حالة خطيرة على الإنسان؛ تجعله يُهْلِك نفسه، يوبق نفسه، من أجل شهوةٍ زائلةٍ فانية، يعقبها الندم، ويعقبها العذاب، ومُنَغَّصة؛ ولـذلك هذا مما يَشُدُّنا إلى الله، تتحوَّل نفس شهواتنا، رغباتنا، آمالنا، طموحاتنا المادية، طموحاتنا المعنوية، تتحوَّل بكلها إلى عامل يَشُدُّنا إلى الله؛ لأن لدى الله أعظم ما نرغب به، وأرقى حتى مما نتصوره، في هذا نفسه: في مجال الشهوات، والرغبات، والأطماع المادية، والأطماع المعنوية، ومقام التكريم، والأهمية… وغير ذلك؛ المساكن، الحور العين، أنواع الطعام، أنواع الشراب، أنواع الملابس، أنواع الأثاث، المزارع، البساتين، المُلك العظيم، والتكريم المعنوي، تكريم حتى من جهة ملائكة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

ولهـذا استعراض ذلك يَشُدُّ الإنسان إلى الله، وهذا مما يفيدنا عندما نتلو القرآن الكريم، وفي التذكير أيضاً؛ ليكون ذلك حافزاً لنا على الابتعاد عن المغريات، والأطماع، والأهواء، التي تبعدنا عن طريق الله ونهجه «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

{وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ}[الشعراء:86].

دعاؤه بالمغفرة لأبيه هو: دعاءٌ بأن يوفِّقه الله للتوبة، ولا يعاجله بالعقوبة قبلها، يعني: ليس معناه أنه يطلب من الله أن يسامح أباه، ويبقى أبوه على شركه، يبقى على حالة الشركة، ليس المقصود ذلك، لا، هذا لكان إغراءً على المعصية لكنه يطلب من الله هذه المغفرة، التي فيها الإمهال، وعدم المعاجلة بالعقوبة، والتوفيق للتوبة، من مثل قول الله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ}[النحل:61]، من مثل قوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}[الرعد:6]، يعني: يُمْهِل، يُوَفِّق البعض للتوبة، يترك لهم المجال ليتوبوا.

وكان هذا الاستغفار عن موعدةٍ وعدها إياك، كما في الآية المباركة الأخرى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}[التوبة:114]، حينما لاحظ إصراره وعناده.

{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ}[الشعراء:87].

يوم البعث: يوم القيامة، يوم القيامة. من أهم ما في يوم القيامة في مقام الحساب والجزاء، هو: انكشاف الناس على حقيقتهم، والتعامل معهم على أساس ذلك.

في الدنيـــا، قد يكون البعض حتى من كبار الطغاة والمجرمين، يُقَدِّم نفسه، ويمتلك من وسائل الإعلام ومن الأعوان من يُمَجِّدُونه، من يُعَظِّمونه، من يُقَدِّمونه رمزاً للناس، من يَشُدُّون الناس إليه، من يحاولون أن يُغَطُّوا على جرائمه وقبائحه وسيء أعماله، ويكون في مقامٍ معنويٍ مُعَيَّن، في نفوذه، في تأثيره، في شعبيته؛ ولـذلك نجد في هذه الدنيا الكثير من الطغاة والمجرمين ولهم شعبية واسعة في المجتمع، البعض حتى من كبار الطغاة، من أسوأ المجرمين في الأرض، وكان له شعبية مُعَيَّنة، ومقام معنوي عند الناس، يعني: عندما تشاهد- مثلاً- في التلفاز مشاهد تشييع جثمان (إستالين)، واحد من أكبر المجرمين في العالم، في (الاتحاد السوفيتي)، وترى كم التف من الجماهير، والبعض من عامة الناس يبكون عليه بكاءً شديداً.

ففي هذه الدنيا، قد يكون الإنسان استند إلى ماله، إلى- أيضاً- التأثير على المجتمع فيما يتعلق باعتبارات مُعَيَّنة، تصبح ذات أهمية لدى الناس، وفي منظورهم، ويكون الإنسان من خلالها مهماً عندهم، وَمُعَظَّماً وَمُرَمَّزاً لديهم بسببها.

لكن في مقام القيامة، يظهر الناس على حقيقتهم، بمعيار الأعمال الصالحة والأخلاق، القيمة الحقيقية للإنسان؛ وبالتـالي يظهر البعض ممن كانوا في الدنيا إِمَّا يُغَطُّون على جرائمهم، ويُرَمِّزُون أنفسهم، ويُرَمِّزوهم أتباعهم والضالُّون معهم، يظهرون على حقيقتهم، وهي حقيقة مخزية، تظهر مساوئ أعمالهم، قبائح أعمالهم، وآثارها في الحياة، كم كانت تأثيراتها سيئة، ويظهرون في حقيقتهم، فيما كانوا عليه من السوء، من القُبْح، من الإجرام، من الدناءة.

ومع ذلك هناك التوبيخ لهم، الإهانة، والفضيحة لهم في مشهد القيامة، على مرأى الخلائق، ومسمع الخلائق، بمحضر ملائكة الله، وأنبياء الله؛ فهو مشهد رهيب جداً لحالة الفضيحة، والإهانة، والإخزاء، وحتى في المعاملة لهم، فيما يتعلق بالحساب، وما بعد الحساب، في تجهيزهم للنقل إلى جهنم، تعاملهم ملائكة الله بالإهانة والإذلال، حالة رهيبة جداً من التبكيت، من الإهانة بكل أشكالها.

فهو من أهم الحالات التي يحذر الإنسان منها، عليه أن يحذر منها، الإنسان في هذه الدنيا إذا افتضح في قضية تُمَثِّل فضيحةً له، وخزياً له، ونقيصةً له، على مستوى قيمته الإنسانية، وكرامته الشخصية، كم يؤثِّر عليه ذلك؟ أحياناً قد يتمنى الإنسان الموت في بعض الأمور، أو يتمنى أنه لا وجود له في هذه الحياة، فما بالك في مشهد القيامة! ولذلك في اهتمامات الإنسان المؤمن، هو أنَّه يرجو الله ألَّا يُخْزِيَّه يوم البعث، ويسعى للخلاص من الأمور المخزية، والحذر من الأمور المخزية، ومن الفضائح، ومن الهوان في الآخرة والعياذ بالله.

{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:87-89].

في يوم القيامة لا ينفع المال، الناس ينظرون إلى المال هنا في الدنيا على أن منافعه كثيرة، وأنَّه يفيدهم حتى في هذه الأمور:

• في الأمور المعنوية: يعني: البعض من الطغاة والمجرمين يستندون في نفوذهم وتأثيرهم في المجتمع، وأن يحظوا بمكانة اجتماعية، على المال، الإغراء بالمال، يصبح لهم أشياع، وأتباع، وأعوان، بماذا؟ بالدافع المادي، الارتباط بهم ارتباط مادي.

• مكاسب وأطماع الحياة: يرون فيها أنها تتَحَقَّق عن طريق الإمكانات المادية، وتتوفر عن طريق الإمكانات المادية.

• التأثير في الموقف: بالإمكانات المادية…

أشياء كثيرة يربطها الناس بالإمكانات المادية، إلى درجة أنَّ البعض من الناس يعبد المال، يعني: يتصوَّر المال كل شيء، وأنَّه بإمكانه أن يحقِّق لنفسه أي شيءٍ يريده عن طريق المال، وأنَّ يقي عن نفسه ما يريد وقايته عن طريق المال؛ فيرى في المال والإمكانات المادية أنَّها الأساس لكل شيء، وهذا تَوَجُّه مادي لدى الكثير من البشر، يعني: أصبحت نظرتهم- فعلاً- هكذا، وعلاقتهم بالإمكانات المادية والمال هي هذه العلاقة: أنه الأساس في كل شيء، والحل لكل شيء؛ ولـذلك يتَّجهون إليه كلياً في حياتهم؛ لأنهم يعتبرونه مصدر النفع، والوقاية من الضر.

بينما يعلِّمنا الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» كيف ننظر إلى المال أنه وسيلة وليس غاية، وسيلة وليس غاية، وليس هو كل شيء، حتى على مستوى الوسائل ذات الأهمية للإنسان والتأثير في دنياه وفي آخرته، هناك أمور مهمة جداً؛ ولـذلك لا تكون علاقتنا بالمال بالشكل الذي يؤثِّر على اهتماماتنا الأخرى، على حساب التزامنا الإيماني، القيمة الإنسانية، القيمة الأخلاقية.

الإنسان إذا عبد المال؛ يبيع كل شيءٍ من أجل المال: يبيع الحق، يبيع الدين، يبيع العرض، يبيع الشرف، يبيع كل شيءٍ نفيسٍ غالٍ مما لا يباع بالمال، يبيعه بالمال، يبيع قيمته الإنسانية، يبيع المواقف بالمال، الولاءات تتحول عنده على أساس المال، العداوات تتحول على أساس المال، كل شيء يتحول عنده على أساس المال، يتحول المال إلى معيار له؛ لكن قد تكون النتيجة: أنَّ يتحمَّل الآثام والأوزار، ولو امتلك ما امتلك من المال بهذه الطريقة، فهو سيأتي يوم القيامة وهو محملٌ بالأوزار، وحينها لا يمثل المال أي أهمية، أو قيمة، لإنقاذه مما هو فيه، يأتي يوم القيامة محمَّل بالذنوب، بالمعاصي، بالأوزار، في أعماله السيئة، في مواقفه السيئة، في اتِّجاهاته السيئة، في ظلمه، في سوء تصرفاته، وحينها هل يمكن أن يعمل له المال شيئاً؟ لا، سيقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة:28]، لم يعد يُمَثِّل أي أهمية، مع أنَّه لو أمكن للإنسان في تلك اللحظة أن يقتني الأرض بكلها، ويفتدي بها؛ لافتدى بها، {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الزمر:47]، لكن لا مجال أبداً.

القيمة التي ستنفعك، وتوصلك إلى أرقى نعيم مادي، إلى أرقى نعيم مادي، والسلامة من العذاب، وتوصلك إلى أرقى تكريم، هي: الأعمال الصالحة، والإيمان، والتقوى، هي التي كنت ستتحرَّك من خلالها حتى مع المال بطريقة صحيحة، تجعل منه وسيلةً في إطار القربة إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وليس سبباً لتحمُّل الأوزار والذنوب.

كذلك الثروة البشرية: البنون، البنون على مستوى أولادك أنت، أو على مستوى أعوانك، لا يمكن أن ينفعوك بشيءٍ يوم القيامة، إن لم تكون في هذه الدنيا اتَّجهت اتِّجاه الإيمان والتقوى، حتى الأبناء عندما تربيهم على التقوى، تصبح هذه التربية، وهذا الجهد في إصلاحهم، محسوبةً لك، نافعةً لك يوم القيامة؛ أمَّا أن يكونوا هم سنداً لك، ولو كانوا في اتِّجاه الباطل، أو كنت أنت في اتِّجاه الباطل، فذلك يومٌ {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا}[لقمان:33].

بل يخبر الله أنَّ المجرم يود يوم القيامة {لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ}[المعارج:11]، ولكن لا يمكن أن يكونوا فداءً لك، أو وقايةً لك من العذاب، أو سلامةً لك.

البعض من الناس من أجل أسرته قد يتَّجه في طريق الباطل، يريد أن يوفر لهم ظروفاً معيشية كبيرة، راقية… إلى غير ذلك؛ فيسبب لنفسه الهلاك، ولا ينفعونه يوم القيامة بشيء.

{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:89]، الذي ينفعك في يوم القيامة: أن تُقْبِل على الله {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، لماذا القلب السليم؟ لأنه مع القلب السليم تكون أعمالك صالحة، ويكون اتِّجاهك في هذه الحياة اتِّجاهاً إيمانياً؛ لأن القلب هو معدن التقوى، هو موطن الإيمان، القلب بنفسه.

وسلامـــة القلـب هـي تعنـي:

• سلامته على المستوى العقائدي: لا تحمل عقائد باطلة، عقائد سيئة، سواءً في دينك؛ فتسيء إلى الله وإلى دينه، أو في مختلف أمورك الفكرية، لا تحمل العقائد الباطلة.

• على مستوى السَّلامة من العلل والآفات في مساوئ الأخلاق، كـ:

• الكبر: الكبر أين يستوطن من الإنسان، قبل أن يتجسَّد بشكل تصرفات، وأعمال، وسلوكيات، ومواقف؟ في الحالة النفسية، في مشاعر الإنسان وقلبه.

• الحسد كذلك: أين يستوطن قبل أن يترجم إلى مواقف، وتصرفات، وسلوكيات، ومعاملات؟ في مشاعر الإنسان وقلبه، في قلبه.

• الشُح: أين موطن الشح؟ في القلب، ثم يتجسَّد في تصرفات الإنسان طمعاً وبخلاً، وتصرفاتٍ ظالمة في هذه الحياة مبنيةً على ذلك… وهكذا بقية العلل.

• الميول الفاسدة: الميول الفاسدة نحو الفساد اللاأخلاقي، أين منبعها، وموقعها؟ في داخل القلب، وهكذا.

فسلامة القلب أيضاً من هذه العلل.

• من الشك أيضاً: الشك تجاه هدى الله، تجاه حقائق الإيمان، حقائق الهدى، أين يعرض هذا الشك؟ موطنه في قلب الإنسان، في داخل قلب الإنسان.

• العداوات والولاءات: البغض لأولياء الله، عندما يكون في قلبك، هذا من العلل الخطير جداً عليك؛ أو الحب والولاء لأعداء الله، كذلك يشكِّل خطورةً عليك.

فسلامة القلب هي سلامة كاملة: على مستوى العقائد، على مستوى العلل، والسلامة من العلل والآفات، في مساوئ الأخلاق؛ لأنها جذور للمعاصي، ينتج عنها في تصرفات الإنسان، الإنسان يتَّجه في الأعمال السيئة بدوافع من قلبه، ويتَّجه في الأعمال الصالحة بدوافع من قلبه؛ فالقلب مؤثِّر، هو مضغة إذا صلحت، صلح الجسد بكله؛ وإذا فسدت، فسدت الجسد بكله؛ فالإنسان يحرص على صلاح سريرته، وصلاح باطنه؛ ليكون مع ذلك صلاح ظاهره، وصلاح علانيته.

{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الشعراء:90].

يعني: تُقرَّب الجنة في مشهد عجيب جداً، على سعتها، وكبرها، وعظمها، تقرَّب قريباً من ساحة المحشر؛ حتى يكون سفر المؤمنين إليها، وانتقالهم من ساحة المحشر إليها بدون جهد، بدون عناء، لا يحتاجون إلى سفر طويل جداً، وهو مشهد عظيم من مشاهد القيامة، وحتى مشهد انتقال المتقين من ساحة المحشر إلى الجنة، وبقاء غيرهم هناك لينتقلوا إلى النار، هو من أكبر المشاهد يوم القيامة، ومن المشاهد التي فيها حسرة كبيرة جداً على المنافقين، حينما ينادون المؤمنين: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}[الحديد:13]،.

كم هي حسرة الإنسان حينما يرى المتقين- وقد يكون البعض منهم من رفاقه، أو أقربائه، أو مجتمعه- يراهم وهم يذهبون إلى الجنة، في موكبٍ نوراني، مكرَّمين معززين، {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}[مريم:85]، ويرى نفسه مطروداً، مُنِع من الذهاب معهم، حتى لو طلب منهم أن يأخذوه معهم لا يمكنهم ذلك، وهو يُطرد، وهم لن يتعاطفوا معه، ولن يتفاعلوا معه، هذا أمرٌ لا يعنيهم أصلاً، فهي حالة خطيرة على الإنسان، المشهد مشهد عجيب، من أكبر وأهم مشاهد القيامة، التي فيها حديثٌ واسعٌ عنها، حديثٌ واسعٌ في القرآن الكريم.

وهنا يتبين لنا لمن الجنة؟ الجنة للمتقين، كم تكرر هذا في القرآن الكريم، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، لابدَّ من التقوى.

نحن في شهر رمضان في شهر التزوُّد بالتقوى، نتربى على التقوى، نتزوَّد التقوى، نهتدي بهدى الله بما يدفعنا أيضاً إلى الالتزام بتقوى الله، والتقوى تأتي في الالتزام الإيماني في أعمالنا، في معاملاتنا، في تصرفاتنا، في مسؤولياتنا الكبيرة:

• مسؤوليتنا في إقامة دين الله.

• مسؤوليتنا في إقامة القسط.

• مسؤوليتنا في الجهاد في سبيل الله.

• في الإنفاق في سبيل الله.

• مسؤوليتنا في التصدِّي لأعداء الله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عمران:102]، في مواجهة خطر اليهود والنصارى.

وهكذا، الالتزام بالتقوى هو الأساس، الجنة ثمنها هو التقوى، والطريق إليها عن طريق التقوى.

{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ}[الشعراء:91].

البديل عن التقوى هو طريق الغواية، طريقٌ مِعْوَجَّة، ليست في إطار الصراط المستقيم، ليست طريق الرشد، طريق غواية، مِعْوَجَّة، ومؤدَّاها إلى نار جهنم، إذا سار الإنسان فيها، لا يمكن أن توصله إلى الجنة، لا يمكن أن يوصلك إلى الجنة إلَّا طريق التقوى، هو طريق الجنة.

• التقوى: هي طريق الجنة.

• الغواية والخروج عن التقوى: هي طريق من ذهب فيها مؤدَّاها إلى نار جهنم.

نلحظ في الدنيا مثلاً، عندما يكون هناك منطقة معينة، في مكان معين، وأنت تذهب باتِّجاه معاكس لها، هل ستصل إليها؟ لا يمكن أن تصل إليها، فمؤدَّى طريق الغواية، التي هي بديلٌ عن طريق التقوى، مؤدَّاها إلى جحيم جهنم، وهي- كذلك- تظهر لأهلها، قبل أن ينقلوا إليها من ساحة المحشر، في مشهدٍ رهيب، {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}[الفرقان:12]، مشهد رهيب يمتلئون منه خوفاً ورعباً، وحالة الندم فيهم تصل إلى أعلى مستوى، يتمنون أن لو يموتون على الفور في تلك اللحظة، وأنهم لم يبعثوا.

{وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ}[الشعراء:92-93].

وجهتكم في هذه الدنيا بديلاً عن الله، سواءً كان ما تعبدونه أصناماً، أو شيطاناً، أو مضلين، أو كان مادةً، أو أهواءً، أو رغبات… هل يمكن أن يشكِّل لكم وقاية، أن ينصركم، أن يغيثكم، أن ينقذكم؟

{فَكُبْكِبُوا فِيهَا}[الشعراء:94].

نُقلوا إلى جهنم، بعد المشهد الرهيب وهم يشاهدونها، يحشرون إليها، دفعاً، رغماً عنهم، {يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}[الطور:13]، وبطريقة مخزية، مُذِلَّة، مهينة، تدفعهم ملائكة العذاب، وتسحبهم إلى نار جهنم.

وحينما تصل بهم إلى عالم النار، عالم: مكان كبير جداً وشاسع، تلقي بهم ملائكة العذاب إلى نار جهنم إلقاءً؛ لأنهم لا يدخلون رغبةً، وطواعيةً؛ فَيُدْخَلُون إجبارياً، وقسراً، بالإلقاء لهم مُنَكَّسِين على رؤوسهم، يلقى إلى نار جهنم وهو منتكسٌ على رأسه، فيصل على رأسه وجهه إلى نار جهنم والعياذ بالله، مشهد رهيب جداً! وهذه حالة الدخول إلى نار جهنم.

• حالة الذهاب إلى الجنة بتكريم، واستقبال من الملائكة على أبوابها: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}[الزمر:73]، ودخول بفرحٍ عظيمٍ وسرورٍ لا يوصف، وفي نفس الوقت شعورٌ بالفوز والسعادة، وإلى عالم الجنة العظيم الهنيء.

• أمَّا إلى نار جهنم، فالدخول بطريقة مهينة، مُذِلَّة، وبذلك الإلقاء إليها، مُنَكَّسين على رؤوسهم، يصلون على وجوههم، ويسحبون في النار على وجوههم، {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}[القمر:48]، {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}[النمل:90]، نعوذ بالله، أمر رهيب جداً!

{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ}[الشعراء:94].

كل الغاوين، كل الذين خرجوا عن طريق التقوى، وساروا في طريق الغواية، هي طريق أوصلتهم إلى نار جهنم.

{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ}[الشعراء:95].

جنود إبليس، من هم جنود إبليس؟ كل الذين تجنَّدوا في هذه الدنيا لخدمة الباطل، ونصرة الباطل:

• سواءً التجنُّد عسكرياً. وما أكثرهم، جيوش كثيرة!

• أو التجنُّد إعلامياً.

• أو التجنُّد في ميدان الثقافة والفكر…

أو التجنُّد في أي مجال من المجالات، حينما تكون المهمة الرئيسية للإنسان في هذه الحياة نصرة الباطل، ودعم الباطل، والصدّ عن الحق، والمحاربة للحق والهدى؛ يصبح متجنِّداً مع إبليس؛ لأن أولياء الشيطان بكل فئاتهم، هم تشكيلات تعمل في نفس الاتِّجاه الشيطاني:

• في الإضلال.

• في الإفساد.

• في الصدّ عن طريق الله، عن الحق، عن نهج الله.

• في صرف الناس عن الالتزام بدين الله.

• في إغوائهم.

• في إفسادهم.

وبالتالي يكون مجنَّداً مع الشيطان.

فجنود إبليس هم من مختلف البلدان، ومن مختلف الأوطان، ومن مختلف الأديان، ومن مختلف الأزمان، بكلهم يحشرون إلى جهنم، ويكبُّون في نار جهنم على وجوههم، ويلقون إليها بتلك الطريقة المخزية.

حينما يصلون إلى ذلك العذاب، والخزي، والخسران الأبدي، تغيَّرت أحوالهم، كانوا في الدنيا تتظافر جهودهم، يتعصَّبون، يتعاونون معاً في نصرة الباطل، وخدمة الباطل، الذي هو خدمة للشيطان، وصدّ عن سبيل الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويقاتلون مع بعضهم جنباً إلى جنب، ويقفون مع بعضهم صفاً واحداً، وهذا كان من أكبر العوامل لتخليد الباطل، ونشره في الأرض: أن له أنصار، يقاتلون في سبيله، يعملون من أجله على كل المستويات، وكان من أهمِّ ما يؤثِّر على الكثير من الناس في صرفهم عن طريق الحق: أنهم يرون ما عليه أهل الباطل من قوة عسكرية، من تجنُّد، من تظافر جهود، من تحرك لخدمة الباطل بكل الوسائل؛ الكثير من الناس يتهيَّب، ويتَّجه في صف الباطل.

ففي نار جهنم، بعدما كانوا في الدنيا كتلة، تتعاون، تتَّجه في المواقف بشكلٍ واحد، تغيَّرت الأحوال، وتقطَّعت الأسباب، ما بين القادة والمتبوعين، وما بينهم هم ككتلة واحدة في الدنيا، كانوا يتَّجهون، يقاتلون، يتعاونون، تتظافر جهودهم؛ تحوَّلت حالتهم في النار إلى حالة خصام:

{قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:97-98].

يحلفون (تَاللَّهِ)، ومتعجِّبين من أنفسهم، كيف تاهوا إلى هذا الحد، أن يسووهم في الطاعة لهم بربِّ العالمين؛ فجعلوا طاعتهم فوق طاعة الله، وأطاعوهم بدلاً عن طاعة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، واتَّبعوهم بدلاً من اتِّباع نهج الله الحق؛ فهم يأسفون، ويتحسرون، يدركون أنَّ تلك كانت ورطة رهيبة، وحمق كبير، وضلال مبين، وغباء بكل ما تعنيه الكلمة.

{وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ}[الشعراء:99].

المجرمون هم مصدر ضلال، المجرمون يعملون على إضلال الناس كوسيلة للتحكم بهم، والتأثير عليهم، والتأقلم معهم، كيف يتأقلم الناس معهم؟ كيف يتقبلهم الناس؟ كيف يطيعهم الناس؟ ترى مجرماً بكل ما تعنيه الكلمة، مصدر للجرائم، يرتكب أنواع الجرائم، والناس يطيعونه، وهو بصفة رئيس، أو ملك، أو قائد، أو شخصية اجتماعية لها طاعة في المجتمع، ونفوذ وتأثير، والناس يعرفونه أنه مجرم، كيف تحولوا إلى متقبِّلين له، مطيعين له؟ وجزءٌ من إجرامه يعتمد على نفوذه، يعني: نسبة كبيرة من الجرائم تحتاج إلى نفوذ، إلى سلطة، إلى تأثير، إلى قابلية في المجتمع، إلى أعوان، بعض الجرائم ترتكب بأعوان.

نلاحظ مثلاً مجرمي العصر: أمريكا وإسرائيل، جرائمهم الكبرى هي جرائم قائمة على أساس أعوان، جرائم جماعية، جرائم: عدوان، احتلال شعوب، إبادة مجتمعات، نهب ثروات، سيطرة، وكذلك نشر واسع للباطل والضلال؛ فهم يعتمدون على الإضلال، بل الإضلال واحدٌ من جرائمهم، يضلُّون الناس، عملية الإضلال خطيرة؛ لأنها تجعل الناس يتقبَّلونهم، يتقبَّلونهم، ينخدعون لعناوينهم، لتبريراتهم، لفلسفتهم؛ فيتَّجهون معهم، ولديهم فلسفة وتبريرات لذلك، ولديهم ما يقدِّمونه كمفاهيم خاطئة، دعايات باطلة، زُخرُف القول، شُبَه تصرف الناس عن الحق، وتصدهم عنه؛ حتى يؤثِّروا على الكثير من الناس، فيترك طريق الحق، ويتَّجه معهم.

{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}[الشعراء:100-101].

لم يبقَ هناك أي شيءٍ ينقذهم، لا شفاعة، ولا وساطات، ولا تدخلات، ولا صداقة تنفعهم، صديق حميم، [الصديق عند الضيق]؛ من أجل أن يخفف عنهم، ويواسيهم، ويعمل لهم شيئاً، ليس هناك مجال لذلك.

{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء:102].

لأنها كانت في الدنيا وساطات تعتمد كوسيلة، صديق حميم يكون له دورٌ في مساندة الإنسان وقت الشدائد، والمضائق، والمعاناة؛ هناك لا مجال، {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء:102]: رجعه إلى الدنيا؛ فنتَّجه الاتِّجاه الوحيد الذي فيه النجاة: اتِّجاه الإيمان، والإيمان ثمرته التقوى.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الشعراء:121-122].

استكملناها مع استكمال شهر رمضان المبارك، هناك أيضاً قصص لنبي الله إبراهيم في سور أخرى، قد نكمل البعض منها- إن شاء الله- في شهر ذي الحجة، إذا أمد الله في العمر.

نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • في محاضرته الرمضانية السادسة والعشرين قائد الثورة: طموح الإنسان المؤمن يجب أن يكون في مرتبة الصالحين
  • محمد علي الحوثي يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بعيد الفطر المبارك
  • قائد الثورة يبارك الشعب اليمني والشعب الفلسطيني بعيد الفطر
  • مستشار المجلس السياسي الأعلى القيسي يهنئ السيد القائد والرئيس المشاط بعيد الفطر
  • مدير مكتب الرئاسة يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بحلول عيد الفطر المبارك
  • السيد القائد : لا يوجد اي نجاح للأمريكي .. وقصفنا للاراضي المحتلة مستمر!
  • قائد الثورة يبارك الحضور الجماهيري الكبير بالعاصمة صنعاء والمحافظات في مسيرات يوم القدس العالمي
  • الشهيد أبو حمزة يوجه التحية لليمن وللسيد القائد
  • توافد جماهيري كبير الى الساحات للمشاركة في مسيرات يوم القدس
  • نص كلمة قائد الثورة بمناسبة يوم القدس العالمي 1446هـ