لجريدة عمان:
2025-02-23@02:02:52 GMT

عن الإيمان بوجود الله

تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT

منذ شهور قليلة التقيت صديقة مستشرقة أمريكية متخصصة في الأدب العربي، كانت متزوجة لأكثر من أربعين عامًا من صديق رحل عنا منذ أكثر من سنتين عن عمر مديد، وهو من أعلام النقد المعاصر عمومًا، وخاصة في مجال الأدب العربي، وهو أيضًا أمريكي من أصل أوكراني، يُدعى ستيتكفِتش. كم التقيتهما سويًّا مرات عديدة، كانت آخرها حضورهما ندوة عن كتابي «الخاطرات» ببيت الشعر بالقاهرة القديمة.

حينما التقيتها وحدها منذ شهور قليلة قالت: الحمد لله أنه قد توفيّ قبل أن يشهد ما يحدث من دمار في بلده أوكرانيا. قلت لها: لعله في الجنة إن شاء الله بما نفع الناس بعلمه. قالت لا أظن ذلك: ألا تعرفَ أنه كان مُلحِدًا؟ قلت: أنا لا أسأل أي صديق عن دينه، ولا يشغلني ذلك، أنا أفكر مثلكم في مثل هذه الأمور. سرحَتْ قليلًا، وتذكرت عشرته الطويلة، ثم انخرطَت في بكاء متواصل.

لا أذكر هذه الواقعة على سبيل الحكايات الدرامية، وإنما للتأكيد على أننا كبشر- على اختلاف أشكالنا وأدياننا وثقافاتنا- تستولي علينا التساؤلات المتعلقة بالإيمان والإلحاد والآخرة والجنة والنار أو الثواب والعقاب، وهي التساؤلات التي لا مهرب منها. هذه التساؤلات شغلت البشر منذ أن بدأ وعيهم بالوجود والعالم. تطور هذا الوعي مع بدء الفكر والتأمل الفلسفي في الحضارات القديمة، وظل مهيمنًا بعدئذٍ على الفكر والوعي الإنساني؛ ولذلك فإن هيجل قد اعتبر الإنسان «حيوانًا متعبدًا بطبيعته، إذا لم يجد ما يعبده، عَبد نفسه»! وهذا حال الإنسان الملك المعبود في الحضارات القديمة. ظلت مسألة وجود الله مهيمنة على الميتافيزيقا في العصرين الوسيط والحديث؛ ولكنها تراجعت في الفلسفة المعاصرة التي أصبحت تنشغل بالمشكلات العملية والحياتية للإنسان المعاصر، وأزاحت مسألة وجود الله إلى الهامش، وأحلت محلها مسائل الحياة والوجود العام نفسه.

لا تنشغل الميتافيزيقا- ولا ينبغي لها أن تنشغل- بمسائل الآخرة والجنة والنار، وإنما يمكن أن تنشغل بمسألة الوعي بالألوهية؛ لأن مسألة وجود الله تظل حاضرة في وعي الناس، وحضورها يتزايد وإن كان بشكل سلبي. وليس أدل على ذلك من أن مسألة الإلحاد ذاتها أصبحت شائعة في كثير من شعوب العالم المتحضر، بل إنها تسللت أيضًا إلى وعي الشباب في عالمنا العربي. وربما يدعونا هذا إلى التأمل في هذه الظاهرة المتنامية في العالم من خلال النقاط التالية المختصرة التي ربما تصلح لتأملات تالية أكثر إسهابًا وبحثًا وتدقيقًا:

*من الصحيح أن ظاهرة الإلحاد في عالمنا العربي مرتبطة بمسائل تتعلق بإحساس بعض الناس باليأس من الظلم الاجتماعي والمعاناة من القهر والشر في العالم؛ ومن ثم بالإحساس الخفي في غمرة اليأس بأن هذا العالم ظالم غير عادل، ليس له رب يحميه. أما في الغرب، فإن الإلحاد غالبًا ما يكون نتاجًا للتأمل في أحوال الكون والبشر على أساس فكري؛ ولكنه في النهاية ينتهي إلى النتيجة نفسها: الإلحاد الناجم عن الشعور باليأس من هذا العالم ومن جدوى الحياة، سواء كنا نعيش هذا اليأس أم نتأمله.

*لماذا ننكر وجود الله على أساس فكري؟! يمكننا أن نتفهم أن يأس بعض البشر من الحياة يمكن أن يجعلهم يكفرون بالله وبالإيمان بالآخرة، ولكننا لا يمكن أن نتفهم مواقف بعض المفكرين والفلاسفة حينما يصرون على إنكار وجود الله. لا أريد مسبقًا المصادرة على مواقف هؤلاء، ولكني لا أرى في إلحادهم حججًا قوية تبرر مواقفهم. من بين هؤلاء المعاصرين الفيلسوف الأمريكي من أصل أسترالي بيتر سينجر، الذي ترجَمتُ مؤخرًا كتابه ذائع الصيت في كثير من اللغات بعنوان «الحياة التي يمكنك إنقاذها»، وأعجبني في هذا الكتاب دعوته إلى البرهنة الفلسفية على ضرورة إعلاء قيمة الإحسان إلى البشر المساكين والفقراء حول العالم. عرفت مؤخرًا أن هذا الفيلسوف ملحد، ولم يشغلني هذا الأمر الشخصي، ولكن ما شغلني هو السؤال: كيف يمكن لفيلسوف أن يدعو إلى قيم إنسانية عليا من دون إيمان بوجود الله الذي هو نفسه- بحكم تصور ماهيته- أسمى صور هذه القيم في وعينا الإنساني المحدود؛ ولهذا فإننا نجد أن فضيلة الإحسان هي فضيلة عليا في كل الأديان التي تؤمن بوجود إله: السماوية منها وغير السماوية! ألا يمكن أن نعتبر هذا إنكارًا مجانيًّا من دون نقاش رصين: فإذا لم يكن الله موجودًا، فليست هناك ضرورة للالتزام بأية قيمة في هذا العالم، على الرغم من دعاوى القول بالدين الطبيعي لدى بعض الفلاسفة. أقول هذا رغم قناعتي بأن الأخلاق الإنسانية الحقيقية لا ينبغي أن تتوقف على الطمع في الجنة واجتناب النار، فهذا هو حال الصفوة، وليس حال العوام أو أكثر الناس؛ أعني أنه يعبر عن حال أولئك الذين يؤمنون بأن الله يجسد معنى الخير الذي به يؤمنون في أسمى صوره.

*ما مبررات إنكار وجود الله عند بعض المفكرين؟ لن تجد شيئًا مقنعًا يليق بحجة قوية. وكأن موقفهم هو مجرد مسألة مزاجية يبحثون لها عن مبررات واهية، وهو في أحسن الأحوال مجرد اعتقاد في أن شؤون هذا العالم تجري من دون حاجة إلى افتراض وجود الله! نعم يمكن لهؤلاء افتراض ذلك (وفي هذا مجادلات لا حصر لها، لا يمكن الخوض فيها في هذه العجالة). ولكن السؤال الذي يبقى هو: ما الحجة القوية التي يمكن أن نستند إليها في إنكار وجود الله؟! لا شيء. لا شيء سوى حالة مزاجية لا يمكن البرهنة عليها من خلال حجة علمية أو فلسفية قوية بحيث لا يمكن افتراض عكسها.

*السؤال عن وجود الله هو سؤال لا يمكن أن يخضع بحكم تصوره (باعتباره الموجود الأعظم اللامتناهي) إلى التساؤل عن أصل وجوده أو التشكيك فيه. مثل هذا السؤال يعكس حالة من التناقض العقلي: لأن افتراض وجود الله باعتباره الأصل والأول والخالق- على الأقل بحكم ماهيته الافتراضية- هو افتراض لا يمكن التساؤل عن أصله ومُنشئه ومبرراته؛ لأن الأصل (على الأقل في التصور) لا ينبغي أن نسأل عن أصله!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا العالم وجود الله یمکن أن لا یمکن

إقرأ أيضاً:

دراسة: كمية المياه التي تفقدها الأنهار الجليدية تعادل ما يستهلكه سكان العالم في 3 عقود

كشفت دراسة علمية حديثة أن الأنهار الجليدية حول العالم تذوب بمعدل أسرع من أي وقت مضى بسبب تغير المناخ، ما يؤدي إلى تداعيات بيئية خطيرة تهدد حياة الملايين من الأشخاص.

اعلان

منذ عام 2000، فقدت الأنهار الجليدية أكثر من 6,500 مليار طن من الجليد، ما يعادل حوالي 270 مليار طن سنويًا، وهو ما أدى إلى رفع مستوى سطح البحر بمقدار 2 سنتيمتر تقريبًا، وفقًا للدراسة المنشورة في مجلة "Nature".

ويقول المشرف على الدراسة مايكل زمب إن 270 طنا من الجليد يعادل كميات الماء الذي يستهلكه سكان الكرة الأرضية على مدى 30 عاما إذا افترضنا أن كل شخص يستهلك 3 لترات يوميا.

ما مدى سرعة ذوبان الأنهار الجليدية؟

وأشارت الدراسة إلى أن الأنهار الجليدية تذوب بمعدل تسارع أكبر فيالعقد الأخير. ففي الفترة بين عامي 2000 و2011، كانت الأنهار الجليدية تذوب بمعدل 231 مليار طن من الجليد سنويًا.

أما بين عامي 2012 و2023، فقد زادت هذه المعدلات إلى 314 مليار طن سنويًا، مما يمثل زيادة بنسبة تزيد عن ثلث المعدلات السابقة.

في عام 2023، سجلت الأنهار الجليديةأعلى نسبة فقدان للكتلة الجليدية، حيث تم ذوبان حوالي 548 مليار طن. وتشير البيانات إلى أن فقدان الكتلة الجليدية في المناطق الجبلية الأوروبية مثل جبال الألب يعد من الأعلى، حيث فقدت نحو 40% من الجليد الذي يكسوها منذ عام 2000.

كما تعرضت مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط ونيوزيلندا وغرب أمريكا الشمالية لانخفاضات في كمية الجليد تتجاوز 20%.

شخص يقف على بحيرة ميندنهال المتجمدة يوم الأحد 9 فبراير/شباط 2025 في جونو بألاسكاAPRelatedشاهد: لقطات صادمة لسرعة ذوبان الأنهار الجليدية في إيسلندا بسبب تغير المناخشاهد: ذوبان الأنهار الجليدية يهدد كوكب الأرض وارتفاع قياسي بحرارة القطب الجنوبيذوبان الأنهار الجليدية مؤشرٌ بارز لمخاطر الاحتباس الحراري.. نهر سان رافائيل التشيلي مثالاًما التغيرات التي تتعرض لها الطبيعة مع ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الألب؟كيف يساهم ذوبان الأنهار في تهديد الساحل ؟

يساهم الذوبان المستمر للأنهار الجليدية بشكل كبير في ارتفاع مستويات البحار، حيث يؤدي ذلك إلى تهديد المناطق الساحلية حول العالم بالفيضانات.

فقد رفعت المياه الذائبة من الأنهار الجليدية مستويات البحار بمقدار 2 سنتيمتر منذ عام 2000، ما يجعلها ثاني أكبر عامل في ارتفاع مستويات البحر بعد تمدد المياه بسبب حرارة المحيطات.

"كل سنتيمتر من ارتفاع مستوى البحر يعرض ملايين الأشخاص لمخاطر الفيضانات السنوية في مناطق مختلفة من العالم"، كما أشار البروفيسور آندي شيبرد، رئيس قسم الجغرافيا والبيئة في جامعة نورثومبريا بالمملكة المتحدة.

وجه نهر ميندنهال الجليدي من على طول مسار جبل ماكجينيس في جونو، ألاسكا، 20 أغسطس 2023AP Photo

وخلصت الدراسة إلى أنالأنهار الجليدية ستستمر في الذوبان في المستقبل القريب، حتى إذا تم اتخاذ تدابير أكبر للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وذلك بسبب أن الأنهار الجليدية تستجيب ببطءللتغيرات المناخية. وفي ظل هذه الحالة، فإن المستقبل سيشهد استمرار تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المحلية والموارد الطبيعية.

وبينما تتزايد العواقب، تحذر الدراسة من أن مستقبل الأنهار الجليدية يعتمد بشكل كبير على استجابة البشر لتغير المناخ. حيث يُتوقع أن يساهم الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية في إنقاذ جزء كبير من الأنهار الجليدية.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية النرويج: حمامات الجليد الجماعية في بيرغن فوائد صحية جمة ووجهة عشاق السباحة وإحساس استثنائي بالانتعاش هاربين تُدهش العالم بمسابقة النحت على الجليد: لوحات بيضاء ساحرة تخطف الأنفاس كرواتيا: كيف تكسر الجليد في العام الجديد؟ العشرات يسبحون في المياه المتجمدة احتفالا برأس السنة فيضانات - سيولالغازذوبان الجليدنيوزيلندادراسةالمناخاعلاناخترنا لكيعرض الآنNext نتنياهو يتوعد حماس بدفع الثمن والحركة تعلّق على الالتباس حول جثة شيري بيباس يعرض الآنNext في تطور مفاجئ: إسرائيل تتحدث عن "جثة مجهولة" ضمن صفقة تبادل مع حماس! يعرض الآنNext تصعيد دموي في السودان: أكثر من 200 قتيل في هجوم لقوات الدعم السريع خلال ثلاثة أيام يعرض الآنNext روبيو: لقاء بوتين وترامب مرهون بتقدم المحادثات حول أوكرانيا يعرض الآنNext "يوروبول" يحذر: تصاعد المجتمعات الإلكترونية العنيفة التي تستهدف الأطفال اعلانالاكثر قراءةعاجل. تفجير 3 حافلات بواسطة عبوات ناسفة قرب تل أبيب وإسرائيل تقول إن مصدر العبوات جاء من الضفة الغربية عاجل. مقتل امرأتين بعملية طعن في جمهورية التشيك نتنياهو أمام اختبار آخر.. ماذا لو ثبت أن الرهائن قد قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي كما تقول حماس؟ حب وجنس في فيلم" لوف" شاهد.. دونالد ترامب يحاول مجددا الإمساك بيد زوجته ولكنها ترفض اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات التشريعية الألمانية 2025دونالد ترامبغزةأسرىروسياأوكرانيابنيامين نتنياهوحركة حماسإسرائيلالاتحاد الأوروبيفولوديمير زيلينسكيقطاع غزةالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • هل يمكن أن يقول العرب لا؟!
  • تقديرات بوجود أكثر من 50 جثة .. الأمن العام بمحافظة درعا السورية يكتشف مقبرة جماعية
  • الركراكي: المغرب أصعب منتخب يمكن تدريبه
  • علي جمعة: يمكن أن يلغي الله النار في الآخرة.. وهذا ليس رأيا جديدا
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم
  • الشيخ علي جمعة يثير الجدل: يمكن أن يلغي الله النار في الآخرة (فيديو)
  • دراسة: كمية المياه التي تفقدها الأنهار الجليدية تعادل ما يستهلكه سكان العالم في 3 عقود
  • الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية: أزمة البحر الأحمر لا يمكن السيطرة عليها
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم (الحلقة 5)
  • خالد الجندي: الحج لا يمكن تعويضه بالصلاة في المسجد