عُمان والكويت.. علاقات نموذجية راسخة
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
العلاقات العمانية الكويتية هي علاقات تاريخية راسخة ممتدة منذ عقود، حيث اتّسمت هذه العلاقات بالتعاون والمحبة على الصعيدين الرسمي والشعبي.. ومن هنا فإن تتويج هذه العلاقات العمانية الكويتية يأتي من خلال زيارة الدولة التي يقوم بها سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح إلى بلادنا سلطنة عمان ولقائه المثمر مع أخيه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- حيث بدأ أمس الثلاثاء زيارة «دولة» وسط حفاوة استقبال كبيرة من جلالته -حفظه الله ورعاه- والشعب العماني لضيف عمان الكبير، حيث تم عقد محادثات مثمرة بين زعيمي البلدين والوفدين الرسميين لكلا البلدين الشقيقين.
إن العلاقات العمانية الكويتية شهدت زخما كبيرا وتنسيقا سياسيا واقتصاديا وفي مجالات متعددة منذ سنوات طويلة، ولا شك أن المغفور لهما بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد والشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح -طيّب الله ثراهما- كان لهما دور محوري في إرساء المزيد من أواصر التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي والعلاقات الثقافية والاجتماعية والإعلامية من خلال دور اللجنة العمانية الكويتية المشتركة. ومن هنا فإن تلك العلاقات المتميزة ترسخت بشكل أكبر خلال سنوات النهضة المتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- حيث شهدت أرقام التعاون الاقتصادي والاستثمار المشترك قفزات نوعية، ولعل الحدث الأبرز الذي سوف تشهده اليوم المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم هو افتتاح مصفاة الدقم العملاقة ومجمع البتروكيماويات تحت الرعاية السامية لجلالة السلطان المعظم وصاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت وسط حضور رسمي رفيع، حيث تقدّر الاستثمارات المشتركة بين البلدين الشقيقين في هذا المشروع الحيوي بتسعة مليارات دولار، ويعد مشروع مصفاة الدقم من أكبر المشاريع الاستراتيجية المشتركة بين دولتين من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهذا المكسب الحقيقي للعلاقات العمانية الكويتية المميزة والتي تعد نموذجا يحتذى على صعيد العلاقات العربية العربية.
إن هذا الحدث الاقتصادي المهم الذي يدشن اليوم من قبل جلالة السلطان المعظم وأخيه سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح -حفظهما الله ورعاهما- في الدقم هو خطوة كبيرة في سبيل الشراكة الاقتصادية والاستثمار والتعاون البناء لما فيه خدمة مصالح البلدين والشعبين الشقيقين وسوف ينعكس على مجمل العلاقات النموذجية بين سلطنة عُمان ودولة الكويت الشقيقة. ومن هنا تسجل تلك العلاقات المميزة لبنة جديدة ومرحلة من التعاون الأخوي لمشاريع استثمارية كبرى خاصة أن منطقة مركز لتخزين النفط في الدقم بدأت بالعمل وهناك شحنات من النفط الكويتي بدأت بالتدفق إلى محطة التخزين حيث يتم شحنها بواسطة أنابيب إلى ميناء الدقم.
وعلى ضوء ذلك فإن منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة تدشن مرحلة مهمة من خلال تدشين المشاريع الاستراتيجية الكبرى على بحر العرب حيث الموقع الاستراتيجي الفريد لهذه المنطقة والتي تبتعد عن مناطق التوتر في المنطقة. ومن هنا فإن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية سوف تستفيد من تخزين النفط ومن إقامة المشاريع الاستراتيجية في هذه المنطقة وكذلك الحال ينطبق على ميناء صلالة للحاويات الذي سجل أرقاما مميزة على صعيد الموانئ العالمية، كما أن هناك ميناء صحار بموقعه المميز على بحر عُمان وكذلك بقية الموانئ على امتداد السواحل العمانية والتي يتخطى أطوالها أكثر من ٣٠٠٠ كيلومتر.
إن تدشين مصفاة الدقم اليوم تحت الرعاية السلطانية وأمير دولة الكويت هو تدشين لمزيد من التعاون الوثيق في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتجارية وعلى صعيد المجتمع المدني وفي مجال الإعلام والثقافة والفن وتبادل الخبرات، وهناك آفاق واسعة للتعاون والشراكة العمانية الكويتية في ظل المحبة بين البلدين والشعبين الشقيقين وقيادتهما، وهناك تبادل سياحي واجتماعي متواصل بين الشعبين الشقيقين.
إن الانسجام والتنسيق في العلاقات العمانية الكويتية سوف يكون له مردود إيجابي ويعزز الشراكة في ظل وجود فرص واعدة في مجال الاستثمار المشترك خاصة في مجال الطاقة المتجددة والتي توليها بلادنا سلطنة عمان أهمية كبيرة في ظل رؤية عمان ٢٠٤٠ وفي ظل الاهتمام السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بتنويع مجالات الاقتصاد وعدم الركون إلى مصدر وحيد كالنفط مثلا بل إن سلطنة عمان لديها من المقومات الاقتصادية والتجارية والموقع الاستراتيجي والممكنات ما يجعلها قاعدة اقتصادية متنوعة خاصة على الصعيد اللوجستي والسياحة والتعدين والخدمات وفي مجال الزراعة والأسماك. وقد حققت سلطنة عمان خلال السنوات الأربع الماضية من عهد النهضة المتجددة مؤشرات يشار لها بالبنان من منظمات التصنيف الدولية، كما أن الناتج المحلي الإجمالي يسجل تصاعدا واضحا. ومن هنا فإن تدشين مصفاة الدقم خطوة مهمة وحيوية في مجال التعاون المثمر بين البلدين والشعبين الشقيقين سلطنة عمان ودولة الكويت في ظل حرص قيادتي البلدين على تنمية تلك العلاقات المميزة والدفع بها إلى مزيد من تحقيق طموحات البلدين والشعبين الشقيقين، خاصة أن سلطنة عمان ودولة الكويت الشقيقة يربطهما تاريخ طويل من العلاقات الطيبة النموذجية في كل مراحلها التاريخية، فأهلا وسهلا بضيف سلطنة عمان الكبير وضيف جلالة السلطان المعظم -حفظه الله- سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في وطنه الثاني، وطن المحبة والسلام، وإلى مزيد من التعاون البنّاء الذي يخدم البلدين والشعبين الشقيقين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشیخ مشعل الأحمد الجابر الصباح البلدین والشعبین الشقیقین حفظه الله ورعاه جلالة السلطان مصفاة الدقم سلطنة عمان فی مجال
إقرأ أيضاً:
«الحماية الاجتماعية» سلطنة عمان .. فصاحة سياسية وجماليات المواطنة
فـي عام 1791م صدر «قانون لو شابيلييه» والذي يحظر عمل التجمعات المهنية النشطة من أجل توفـير الحقوق الاجتماعية للعمال، لكن رغم ذلك وبعيدا عن أعين السلطات نشأ ما يسمى بجمعيات المساعدة المتبادلة والتي كان غرضها مساندة من يفقدون وظائفهم أو يتعرضون لإصابة عمل، وهكذا ظل الأمر فـي توتر بين القوى المهنية والسلطات، ما اضطر عُمَّال فرنسا الانتظار حتى 1898م حيث صدر «ميثاق التعاونية». والجمهورية رائدة فـي مجال الحماية الاجتماعية وقد صاغت تصورا فلسفـيا فـي 1945م، تصورٌ يستجيب للخصائص الثقافـية، ما جعل مظلتها الاجتماعية مُشبعة بالكثير من الالتزامات الأخلاقية تجاه الشرائح الأضعف.
والواقع أن تعبير «حماية» يحمل دلالات واسعة تستند على مفهوم أنْسنَة أساليب الحكم والإدارة، كَوْن الحماية الاجتماعية شكلٌ من أشكال التَّضَامُن يبني قيما مشتركة فـي المجتمعات، ويكرس مفاهيم المساواة والحرية.
ويقف ضد مفهوم « السِّعْر» كمعنى اقتصادي متجذر فـي الدولة الحديثة يحدد علاقتها بمواطنيها، وهنا فالقيمة المركزية المُحَرِّكة للسلطة قيمة أخلاقية متعددة الجوانب، فـ «الخير والعدالة» بل حتى جماليات القانون، وهذه كلها سيعاد ترتيبها فـي سياق أكثر إنسانية يرتفع بفكرة الدولة من مجرد آلية تنفـيذية إلى فضاء سياسي يعتمد فـي أشغاله توفـير الحقوق وتسنيدها إلى جملة مظاهر التمثيلات الاجتماعية للفردي والجماعي فـي المجال العام. وفـي لغتنا تكتسب لفظة «حماية» معنى أكثر بلاغة، فالحماية هي «الوقاية» وحمَى الشَّيءَ من النَّاس: منعه عنهم، والحقيقة أنه جَرَتِ العادة أن تقوم الدول بصياغة قوانين لحماية مجالها الاقتصادي ما يدفعها أحيانا إلى التدخل فـي توجيهه لتحقيق أهداف ربحية من الأساس، ومن ذلك تشجيعها الصناعات المحلية وفرض رسوم جمركية على بعض الواردات، كل هذا مفهوم ومعلوم، لكن تتجلى إنسانية حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه، فـي رؤية عميقة للسياق الاجتماعي لشعبه فإصداره المرسوم السلطاني الخاص بالحماية الاجتماعية فـي عام 2023م، يكشف عن امتلاكه فلسفة اجتماعية متقدمة بمعايير وطننا العربي، فلسفة قِيَم أهمها قيِّم المواطنة والتَّضمين الإيجابي، وهو اعتراف بليغ بأن المجتمع يشكل مرجعية وأنه مرآة ترى فـيها السلطة نفسها أكثر. فالشرائح التي يخدمها هذا القانون هي: (كبار السن، الأطفال، ذوو الإعاقة، الأيتام والأرامل، الأسر المتعففة).
ويكشف هذا التقسيم استناده إلى نظرية اجتماعية مرتبطة بأبعاد أخلاقية، أما ومن هذه الشرائح كبار السِّن وهي فئة مهملة فـي منطقتنا العربية، ومن مظاهر هذا الإهمال أنهم وبعد حياة حافلة بالعطاء والنشاط يُحْتَبَسُونَ فـي فضاء محدود، ليعيشوا حالات من العزلة الشعورية بسبب تباين نشاطهم الاجتماعي وبقية الشرائح الأخرى، وما زلت أذكر جَدَّي وهو يُودّع حياته المهنية وكيف تبدلت أحواله النفسية وتغيرت طبائع سلوكه، فالرجل اختار مكانا خاصا فـي الدار كإعلان عن عزلة إجبارية مظهرها الأجلى فقدانه دوره القديم فـي رعاية الأسرة، ما انتهى إلى ابتعاده تدريجيا عن الجميع، والمُشرق فعلا فـي هذا القانون أنه يشمل النساء ممن بلغن الستين، والحق أنها التفاتة مشبعة بقيمة العدالة الاجتماعية، فهذه الشريحة من أمهاتنا وجدَّاتنَا يعيشون على الهامش الاجتماعي، ليأتي هذا القانون حماية لهن وبموجبه لن يكون من المحتمل أصلاً التفكير فـي مؤسسات لرعايتهن فـي حال تسربت مستقبلا فكرة دار للعجزة، فالتعبير السابق «عَجزة» يرتبط أكثر بعدم القدرة على الإنتاج فـي نواح عديدة، ولابد من إشارة أن هذا الفعل يضع سجال النسوية فـي مأزق، ويُغَيِّر فـي طبيعته بجعله نابعا من سياقه الخاص وليس مجرد صدى لما يبيعه لنا الوعي الغربي، وهنا تكمن صلاحية هذا الفعل بصورة لا مثيل لها، وبالتالي يعالج جملة مشكلات بطريقة استشرافـية متينة التركيب لأن إيلاء الاهتمام بهذه الفئة من المجتمع يعزز عمليات التضمين فـيها هذا خلاف أنه اعتراف وتكريم مستحق ويمدها بالقدرة على الإسهام فـي العطاء ويُحَسّن من سلامها النفسي، ومن المكاسب الخفـية أن ديمومة القدرة المالية لهذه الفئة يشكل حافزا لها للانخراط أكثر فـي المجال الأسري والعام ما يُقْوِي من عمليات التمثيل الاجتماعي المتوازن.
أما الأكثر بلاغة فـي هذا القانون اهتمامه بشريحة الأطفال، والواقع أن هذا أمر غير مسبوق، ولكن ما يلفت أكثر، ليس فقط الجانب المادي من المنفعة، بل الفصاحة السياسية المؤنسِنة لِقيم الحداثة، ويضيف هذا القانون بعدا جديدا فـي مفهوم المواطنة، ذلك أنه قد استقر مفهوم «الحقوق والواجبات» كثنائية جوهرية فـيها، لكن هذا القانون يخترق الإطار بحيث يقدم الحق على الواجب بهدف تمكين الأطفال من بناء هويتهم المالية، ولا يكفـي النظر إلى هذه المسألة كآلية من آليات تحسين دخل الأسرة فقط، بل إن الجانب الأقوى فـيها تعميره الرابطة التي ستنشأ بين أجيال من الأطفال ووطنهم الأم، فهذه المنفعة تقدم دعما ماليا شهريا لهم من الولادة وحتى سن 18 عاما، وهذه رؤية واعية بأهمية ربط السياسة بالاجتماعي قبل الإجرائي، وما تعالجه هذه المنفعة شيء آخر شديد الأهمية وهو زيادة الوعي بالسياسة المالية للطفل، فللأسف يتأخر أطفالنا فـي تقدير جهد معيليهم وتنمو حاستهم تجاه هذه الرعاية بصورة اعتمادية ما يكرس فـيهم أبوية خالدة تنتقل من الأسرة إلى الدولة، أما الآن فإنهم يزدادون وعيا بأهمية الثقافة الادخارية، وسبل كسب العيش ما يقف بقوة ضد أي تفلتات اجتماعية قد يتسبب فـيها الفقر، وفـي هذا وعي عظيم بضرورة ترابط البنى وأهمية الحفاظ على التوازن الخادم لفكرة السلام الاجتماعي، هذا من جانب، والجانب الآخر أن فكرة الوطن ستتعمق فـي وعيهم بقوة، ما يحفز فـيهم الانتماء الفَعَّال ليس فقط لحصولهم على المال بل الأمر يتعلق بتوطيد الصلة العقلية والوجدانية مع وطنٍ يَعتبر أطفاله مواطنين كاملي الأهلية حتى وإن لم ينخرطوا بَعْد فـي السياقات التقليدية لخدمة أوطانهم.
ينبغي الكشف أكثر عن الجوانب الاجتماعية فـي قانون الحماية الاجتماعية، وضرورة قياس الأثر والعمل على تأسيس «مختبر» يعمل على مراقبة هذه العلاقات التي تقوم بين عناصر التكوين الاجتماعي طمعا فـي تطويرها وتلافـي أي قصور قد يعتريها، وستظل الفائدة الأكبر هي الحفاظ على التماسك الجمعي للشعب، وحماية أفراده من أي توترات قد تتغذى على عناصر غير مراقبة فـي الظاهرة، وما يُسْتَخلص من قانون الحماية الاجتماعية فـي سلطنة عمان أنه يؤسس لمعنى جديد فـي الحكم والسلطة، معنى يستند على المواطنة الجمالية فـي أكثر تجلياتها إنسانية.
غسان علي عثمان كاتب سوداني