بعد الهجمات الأمريكية.. هل يلوح شبح حروب الخليج من جديد في المنطقة؟
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
نشرت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن الهجمات الجوية الأمريكية في العراق وسوريا والتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن شبح حروب الخليج يلوح من جديد في الشرق الأوسط. شرعت إدارة بايدن في هجوم واسع النطاق بقصف ما يقارب مائة هدف مؤيد لإيران والقوات شبه العسكرية الإيرانية العاملة في العراق وسوريا، ما جعل الولايات المتحدة وإيران قاب قوسين أو أدنى من المواجهة المباشرة.
وبينت الصحيفة أن سلسلة التفجيرات التي وقعت من ليلة الجمعة إلى السبت مثّلت رد البيت الأبيض على الهجوم الذي تم تنفيذه يوم الأحد الماضي بطائرة دون طيار ضد موقع للجيش الأمريكي في الأردن، الذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة 40 آخرين. وكانت هذه أكبر خسارة في الأرواح البشرية تتكبدها الولايات المتحدة في المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية. لكن قبل كل شيء، شكل ذلك تحديا من جانب الميليشيات الموالية لإيران للدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل من خلال انتشارها البحري في الشرق الأوسط، بقدرة قتالية تفوق قدرة معظم دول المنطقة.
"رسالة ردع لإيران"
أوردت الصحيفة أن هذا الانتشار الأمريكي وقصف الحوثيين الموالين لإيران في اليمن، الذين يهددون الملاحة في البحر الأحمر، والهجمات التي وقعت يوم الجمعة ضد الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا، تهدف إلى إرسال رسالة ردع إلى طهران، الخصم الرئيسي لتل أبيب وواشنطن في المنطقة.
وذكرت أنه في الحرب الإسرائيلية ضد حماس، لم يقتصر قصف "إسرائيل" على قطاع غزة في محاولة للقضاء على حماس، فخلال الأشهر الأربعة الماضية تقريبا من الحرب، تعرضت مواقع حزب الله - أقوى ميليشيا موالية لإيران في الشرق الأوسط، وهي أيضا حليفة لحركة حماس الفلسطينية - للقصف في سوريا ولبنان.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وفقا للتقرير، ففي بيروت ودمشق، لجأت "إسرائيل" إلى إرهاب الدولة للقضاء على قادة حماس وحزب الله والحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وهي منظمة إيرانية شبه عسكرية تروّج لمذاهب طهران في جميع أنحاء الشرق الأوسط وتموّل الميليشيات التي تنضوي تحت ما يسمى محور المقاومة ضد تل أبيب وواشنطن. وشملت الأهداف الـ 85 التي قصفتها الولايات المتحدة يوم الجمعة في سوريا والعراق قواعد للحرس الثوري الإيراني في المناطق التي تسيطر عليها القوات الشيعية المتحالفة مع نظام طهران.
وفي بيان أصدره البيت الأبيض، أوضح الرئيس جو بايدن أن هذا الانتقام لم يبدأ للتو وأنه سيستمر "في الزمان والمكان" الذي تقرره الولايات المتحدة طالما كان ذلك ضروريا. وحسب مصادر عسكرية عراقية، قُتل ما لا يقل عن 16 من عناصر الميليشيات الموالية لإيران في العراق جراء تلك التفجيرات. وقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، مقتل 23 عنصرا من هذه الميليشيات المتحالفة مع طهران في سوريا، خاصة في محافظة دير الزور.
ومن جانبه، أشار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، إلى أنه تم تحذير الحكومة العراقية من وقوع الهجمات التي استهدفت مراكز القيادة وصوامع الصواريخ وغيرها من المنشآت اللوجستية. في المقابل، نفت السلطات العراقية حدوث مثل هذا التنسيق.
على حافة الهاوية
ذكرت الصحيفة أن الجيش العراقي حذر من أن مثل هذه الهجمات ستقود الشرق الأوسط إلى كارثة. وأعادت هذه الهجمات إلى الأذهان الحربين اللتين شنتهما الولايات المتحدة في العراق في 1990-1991 وفي 2003-2011. في ذلك الوقت، هاجمت واشنطن، متجاهلة القانون الدولي والسيادة العراقية، نظام صدام حسين حتى تمكنت من الإطاحة به وإعدام هذا الزعيم العربي، في حين دخل العراق في حالة من الفوضى منذ ما يقارب عقدين من الزمن.
وقال المتحدث باسم القوات المسلحة العراقية يحيى رسول، إن "هذه الهجمات تعد انتهاكا للسيادة العراقية وتقوّض جهود حكومتنا وتمثّل تهديدًا سيجر العراق والمنطقة إلى عواقب غير متوقعة ستكون تداعياتها كارثية".
وحسب المتحدث باسم الحكومة العراقية بسام العوادي، فإن العمل العسكري الأمريكي "يضع الأمن في العراق والمنطقة على حافة الهاوية". وانتقد العوادي المعايير الأمريكية المزدوجة التي تتحدث عن ضرورة "إرساء الاستقرار اللازم"، مع اللجوء إلى استخدام القوة وانتهاك أراضي الدول ذات السيادة لضمان هذا "الاستقرار".
وأشارت الصحيفة إلى أن الهجمات الأمريكية أتاحت لواشنطن إرسال رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لم تغادر أبدا الشرق الأوسط، وذلك رغم فشلها في تهدئة العراق وعجزها عن إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي دعمته روسيا حتى الآن. وقد أدانت موسكو الهجوم الأمريكي وطالبت بعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن جانبها، أدانت وزارة الخارجية السورية "انتهاك سيادة" سوريا بهذه الأعمال الحربية، التي أكدت أنها "ستغذي الصراع في الشرق الأوسط بطريقة خطيرة للغاية".
إيران ترد بهدوء
ردّت إيران، وإن كان باعتدال نسبي، معتبرة أن الهجمات كانت بمثابة تحذير مباشر لطهران. واتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني الولايات المتحدة بالسعي إلى "تصعيد التوتر" وتعزيز عدم الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال الدفاع عن أهداف إسرائيل. وأضاف أن الهجمات في العراق وسوريا، مع انتهاكها للسيادة الإقليمية لهذه الدول، "مثال آخر على المغامرة والخطأ الاستراتيجي" من قبل البيت الأبيض.
وقد أظهرت إيران قدرًا معينًا من ضبط النفس في أزمة الشرق الأوسط الجديدة هذه. ونفت طهران مشاركتها في هجوم حماس في الأراضي الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وأدانت المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين في غزة، كما رفضت ارتباطها بالهجمات التي شنها المتمردون اليمنيون ضد سفن الشحن في البحر الأحمر.
مع ذلك، لم يكن هناك أي تحرك عسكري إيراني ملموس لدعم ميليشياتها أو حلفائها في العراق أو سوريا أو لبنان. ولم يؤد اغتيال كبار قادة الحرس الثوري في سوريا ولبنان إلى رد فعل إيراني عنيف. ففي هذا الوقت، الأمر الأقل ملاءمة لنظام آية الله هو المواجهة المباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
وضع "متفجر" في الشرق الأوسط
يبدو أن التحذيرات بشأن تصعيد الحرب الإقليمية التي لا يمكن وقفها بالفعل، لم تأت فقط من الدول المعنية. قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، في بروكسل، إنه "على الجميع أن يحاولوا منع الوضع في المنطقة من أن يصبح متفجرا"، في إشارة إلى القصف الأمريكي في العراق وسوريا، وأيضا إلى الهجوم الذي شنته إسرائيل نهاية الأسبوع الماضي على مدينة رفح جنوب غزة وعلى الحدود مع مصر.
هناك، أطلق الجيش الإسرائيلي العنان لموجة من الهجمات، على الرغم من حقيقة أن رفح والمناطق المحيطة بها تستضيف مخيمات مكتظة بمئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين في ظروف غير إنسانية، ويحاصرهم التقدم الإسرائيلي.
وقال بوريل إن "الوضع خطير للغاية". وأوضح أن الجيش الإسرائيلي يواصل هجومه في جنوب غزة "ويدفع الناس نحو الحدود المصرية" حيث يتواجد نحو مليون شخص. ووعدت إسرائيل بإقامة "منطقة آمنة" في الطرف الجنوبي من غزة، "لكن ما نراه في الواقع هو أن القصف مستمر، مما يؤثر على السكان المدنيين".
إلى أي مدى ستدفع الولايات المتحدة؟
أشارت الصحيفة، إلى أن تدخل واشنطن المتجدد في الشرق الأوسط واحتمال نشوب حرب جديدة واسعة النطاق في المنطقة قد يكون له حدود تفرضها السياسة الأمريكية نفسها. في الولايات المتحدة، ترتفع حدة الأصوات المنتقدة لسياسة بايدن الخارجية وتورطه في حربين كانت لهما عواقب غير متوقعة في أقل من عامين. وها هي الانتخابات الرئاسية تلوح في الأفق في تشرين الثاني/نوفمبر.
مع ذلك، لا يبدو أن الكثيرين في الكونغرس يفضلون خيار الحرب المفتوحة مع إيران، لأن ذلك يعني يعني تخصيص الأسلحة، والمال، وقبل كل شيء مئات الآلاف من الجنود على الأرض. وإيران ليست دولة غير منظمة، حيث تنتشر ميليشيات المعارضة في كل مكان، كما حدث في العراق سنة 2003. كما أنها ليست دولة معزولة، حيث راهنت روسيا والصين بشكل كبير على تعزيز علاقاتهما مع طهران، وفقا للتقرير.
ونبهت الصحيفة، إلى أن خطر نشوب حرب شاملة في الشرق الأوسط في الوقت الحالي هو الأعلى منذ عقد من الزمن. وأي خطأ يمكن أن يكون الشرارة التي تشعل برميل البارود، وهذا ما تعرفه الميليشيات الإسلامية المتحالفة مع طهران، بنفس الطريقة التي عرفت بها حماس أن إسرائيل سترد بطريقة وحشية وغير متناسبة على هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وعندما تتزايد الضغوط من جانب الأصوليين، يكون الوقت قد حان لضبط النفس. ولكن تكمن المشكلة في أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تتمتعان بالمهارة الكافية لاحتواء هذا الخطر.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية العراق غزة سوريا العراق سوريا امريكا غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی العراق وسوریا فی الشرق الأوسط المتحدث باسم فی المنطقة لإیران فی فی سوریا إلى أن
إقرأ أيضاً:
الشرق الأوسط: ديناميكيات قديمة وآفاق جديدة
لقد تم استحضار مفهوم "الشرق الأوسط الجديد" مرارًا وتَكرارًا ردًا على الأحداث الإقليمية الهامة. ربطت كوندوليزا رايس – وزيرة الخارجية الأميركية ومستشارة الأمن القومي في ولاية جورج بوش الابن – الأمرَ بحرب لبنان عام 2006، في حين أن اتفاقيات التطبيع التي أُطلق عليها اتفاقيات أبراهام عام 2020 أعادت إحياء المفهوم.
وقبل ذلك، كان كتاب شيمون بيريز – رئيس الوزراء الإسرائيلي عام 1993 – وأخيرًا، وليس آخرًا، كان "طوفان الأقصى" عام 2023، وما نتج عنه من سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، ومأزق إيران الإستراتيجي بعد تراجع "محور المقاومة" عام 2024، ومجيء ترامب في ولايته الثانية عام 2025، قد دفع من جديد المناقشات حول حقبة جديدة للمنطقة.
المنطقة – وفق الوصف الجديد الذي يُعاد إطلاقه بشكل دائم – في حالة تحول دائم وتغير مستمر، يُرجعه البعض إلى تاريخ طويل من التدخل الخارجي، يعود على الأقل إلى أواخر القرن الثامن عشر مع غزو نابليون مصر عام 1798. كان هذا التدخل المستمر من قِبل القوى العالمية الكبرى عاملًا مهمًا في تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة.
شكّل الشرق الأوسط الحديث، ولا يزال، تفاعلًا معقدًا بين ديناميكيات القوة التاريخية، والتدخلات الخارجية المستمرة، والأوضاع الداخلية. وقد أثّرت هذه العوامل على صعود وسقوط القوى الإقليمية والعالمية، وساهمت في الصراعات المستمرة، وعززت مشهدًا يتميز بتحالفات معقدة، وتأثير كبير للجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية.
إعلانلقد شهدت المنطقة تدخلات مستمرة من قوى داخل حدودها وخارجها؛ لقد تدخلت القوى العظمى باستمرار في شؤون دول الشرق الأوسط في القرنين التاسع عشر والعشرين. ولا يزال هذا التدخل مستمرًا في هذا القرن.
مارس النظام الاقتصادي العالمي، الذي كان مدفوعًا في البداية بالرأسمالية التجارية والصناعية، ثم بالمالية، تأثيرًا كبيرًا على المنطقة. هذه التدخلات لا تنفي دور الهياكل الداخلية، لكنه تفاعل مركّب بين هذه العوامل جميعًا.
وعلى الرغم من تصاعد الحديث عن "شرق أوسط جديد"، لا تزال العديد من الديناميكيات الموروثة قائمة، مثل أوجه القصور في حقوق الإنسان، والمساءلة، والشفافية، وسيادة القانون في الدول العربية. لا يزال الاستبداد طافحًا، وسوء توزيع الدخول والفرص والثروات متفشيًا، والخُلْف البَيِّن بين تطلعات الشعوب وبين سياسات الحكام ظاهرًا.
لا يزال التدخل الخارجي المكثف من القوى العالمية والإقليمية يشكل سمة مميزة لـ"الشرق الأوسط الجديد". غالبًا ما تدعم هذه الجهات الخارجية مجموعات محلية مختلفة، مما يزيد من تعقيد الصراعات، حيث قد لا تتوافق مصالحها دائمًا مع مصالح عملائها.
لقد ساهم عدم الاستقرار الذي أعقب الانتفاضات العربية في نمو الدول الفاشلة، وصعود الجهات الفاعلة غير الحكومية المؤثرة. تعمل هذه الجهات الفاعلة بقيود أقل، وأصبحت لاعبًا مهمًا، مما أدى إلى تغيير الديناميكيات الإقليمية بسرعة.
يتميز الشرق الأوسط حاليًا بالعديد من السمات البارزة، بما في ذلك إعادةُ تنظيم إقليميةٌ كبيرة بعد فترة من الصراع المكثف كان عنوانه فلسطين، وسوريا. تتضمن إعادة التنظيم ظهور قوى محورية جديدة كالسعودية وتركيا، وتراجع أخرى كإيران.
لا تزال المنطقة تعاني من الصراعات الممتدة، والتأثير المستمر للجهات الفاعلة غير الحكومية، فضلًا عن إستراتيجيات القوى الخارجية المتغيرة. وفي حين أن هناك هيمنة عسكرية إسرائيلية واضحة؛ إلا أن هناك إجماعًا متزايدًا في المنطقة على ضرورة الحماية من التوسع والعدوان الإسرائيلي، في ظل استشعار كثير من الحكومات العربية خطرَه على الأمن القومي لبلدانهم.
إعلانطوفان الأقصى: أولويات إقليمية جديدة
لقد أعاد "طوفان الأقصى" تشكيل الأولويات الإقليمية في الشرق الأوسط بشكل كبير، حيث قدم ديناميكيات جديدة، وغيّر حسابات مختلف الجهات الفاعلة. في حين أنه قد لا يعكس الاتجاهات السابقة تمامًا، إلا أنه أدى بالتأكيد إلى إعادة معايرة المصالح والنُهُج.
قبل "طوفان الأقصى"، كان هناك توجه واضح نحو تهميش القضية الفلسطينية في سعي الأطراف الإقليمية لتحقيق المصالح الوطنية والتنمية الاقتصادية. إن التركيز على التقارب الاقتصادي، والسياسات الخارجية غير الصراعية، أدّى إلى تأجيل أو إعادة تعريف قضايا مثل الحقوق الفلسطينية.
على سبيل المثال، استمرت اتفاقيات التطبيع المعروفة باسم اتفاقيات أبراهام عام 2020 حتى دون حلّ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إن مفهوم الاستقرار الذي تمّ الترويج له في ذلك الوقت كان يتجاوز تطلعات الشعب الفلسطيني؛ إلا أن "طوفان الأقصى" أعاد التأكيد بشكل كبير على أهمية القضية الفلسطينية وترابطها بالمنطقة.
إن مستقبل التطبيع بين الحكومات العربية وإسرائيل أصبح الآن مرتبطًا بشكل أوثق بوقف العدوان على غزة، وإقامة مسار موثوق نحو الدولة الفلسطينية. لقد أدى الغضب الشعبي الشديد، والتركيز المتزايد على القضية الفلسطينية، إلى زيادة التكلفة الدبلوماسية للتطبيع.
أصبحت شرعية الأنظمة العربية الآن أكثر تأثرًا بموقفها من القضية الفلسطينية. لقد زاد الوعي العام، حيث أدرك المواطنون مسؤولية حكوماتهم ليس فقط عن سوء معيشتهم، بل أيضًا عن نتائج القضية الفلسطينية. وقد أدَّى هذا إلى وضع أصبحت فيه الحكومات العربية محاصرة بين مصالحِها الذاتية (بما في ذلك الحفاظ على السلطة)، ومشاعر شعوبها تجاه فلسطين.
علاوة على ذلك، أصبح هناك رأي عام عربي وإسلامي قوي يدعم فلسطين ويرفض التطبيع على حساب الحقوق الفلسطينية. في حين أن قدرة الرأي العام على إملاء السياسة بشكل مباشر تظل مقيدة بالمخاوف الاجتماعية والاقتصادية ونقص الحرية؛ ومع ذلك، فإنه يشكل عاملًا مهمًا يجب على الحكومات أن تأخذه في الاعتبار.
إعلانإن إمكانية تراكم الغضب الشعبي بشأن القضية الفلسطينية، على غرار الانتفاضات العربية، تشكل مصدر قلق للحكومات العربية.
خلاصة القول: سوف يتشكّل مستقبل التطبيع العربي الإسرائيلي من خلال التفاعل بين المصالح الإستراتيجية المستمرة للدول العربية في مجالات مثل الأمن، والاقتصاد، وعودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة كقضية مركزية، والديناميكيات المعقدة للعلاقات السعودية الإيرانية ومنظورهما المشترك بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والاستقرار الإقليمي الأوسع، وتأثير المشاعر العامة.
سلط الصراع الضوء على الترابط بين القضايا الإقليمية، مما يجعل من الصعب معالجتها بمعزل عن بعضها البعض. لقد أثرت الإبادة الجماعية في غزة بشكل مباشر على الأمن القومي المصري، وهددت اتفاقية السلام، مما يؤكد الحاجة إلى حل. لقد اكتسبت الأبعاد الإقليمية العربية والإسلامية أهمية كبيرة، مما يوفر غطاءً ودعمًا محتملين لمعالجة مثل هذه القضايا المترابطة.
في حين تظل المصالح الوطنية هي العامل الأساسي الذي يحدد السياسة الخارجية، فقد توسع تعريفها ليشمل موضوعات كانت مهمشة في السابق.
التركيز على التقارب والتكامل الاقتصادي كان اتجاهًا مهمًا في السنوات التي سبقت "طوفان الأقصى"، ولقد تم اختباره معه. كشف الصراع عن هشاشة مثل هذه التحالفات، إذ يمكن بسهولة تعطيلها من قبل جهات غير حكومية حتى لو كانت ضعيفة.
كما أبرز التناقضات المتأصلة في الأجندات السياسية. على سبيل المثال، التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل يخلق تناقضًا مع إيران التي تعارض وجود إسرائيل.
كما أدت الحرب في غزة إلى تعطيل خطط الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، مما سلط الضوء على كيفية تأثير عدم الاستقرار الإقليمي على تقويض الأهداف الاقتصادية.
وعلى الرغم من ضعف شبكة وكلاء إيران في المنطقة؛ فإن هذه الجماعات لا تزال تملك عناصر قوة وقدرات متعددة، مما قد يؤدي إلى زيادة نفوذها المحلي حتى في ظل تراجع دورها الإقليمي.
إعلانأكد هذا على ضرورة معالجة الصراعات والحروب الأهلية المستمرة في البلدان التي تعمل فيها هذه الجماعات لتحقيق الاستقرار الإقليمي الشامل.
في الختام، في حين أن القضية الفلسطينية ربما تكون قد تم تهميشها في حقبة ما قبل "طوفان الأقصى" من "الدبلوماسية الإقليمية الواقعية"، أعاد الصراع الأخير تأكيد أهميتها المحورية. هي الآن تمثل عدسةً حاسمة تُرى من خلالها الديناميكيات الإقليمية، بما في ذلك جهود التطبيع واستقرار الأنظمة العربية، والعلاقات الإقليمية.
إن ترابط القضية الفلسطينية مع الاستقرار الإقليمي الأوسع، والمشاعر القوية لدى الشعوب العربية والإسلامية، يضمنان بقاءها عاملًا حاسمًا في تشكيل "الشرق الأوسط الجديد".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline