ماكرون ينعطف نحو اليمين للحيلولة دون فوز لوبان
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
اقتحم إيمانويل ماكرون المشهد الأوروبي في عام 2017 بوصفه السياسي المبتكر الذي أوقف موجةً شعبوية كانت تكتسح بريطانيا وأمريكا وإيطاليا وبلدان وسط أوروبا.
في الشهر الماضي وفي إقرار ضمني بفشله كشف عن خطة لإنقاذ فترته الرئاسية الثانية وتجنُّب أسوأ كوابيسه. أي تسليم مفاتيح قصر الإليزيه في عام 2027 إلى مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف والتي هزمها مرتين.
وفيما يخرج الألمان إلى الشوارع للاحتجاج ضد مؤامرات حزبهم اليميني المتطرف (البديل لألمانيا)، يناقش المعلقون الفرنسيون في برامج الصباح الإذاعية سيناريو مستقبلي يتصورون فيه لوبان رئيسة للدولة وجوردان بارديلا (28 عاما) الذي عينته لقيادة حزبها «التجمع الوطني» رئيسا للوزراء.
هذا إنجاز لافت لحزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقا- المترجم). فالحزب الذي جرت شيطنته قبل خمسة أعوام يزعم الآن أنه يمثل التيار الرئيسي السائد بفضل الإدارة الحصيفة لأعضائه الـ88 في الجمعية الوطنية الفرنسية. وهو أيضا يشكل تحديا لافتا للذين يرون في هذه المقبولية الجديدة التي حققها الحزب لنفسه خطرا كامنا على الديمقراطية. ويفاقم إحساسهم بالجزع الاحتمالُ القوي لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد انتخابات نوفمبر.
يريد ماكرون اتخاذ اتجاه جديد مع إظهار الاستطلاعات تقدما بحوالي 10 نقاط للتجمع الوطني على حزبه (حزب النهضة وكان اسمه سابقا الجمهورية). إذ يقول حوالي 30% تقريبا من الناخبين إنهم ينوون التصويت للتجمع الوطني.
من الواضح أن هذا الاتجاه (الماكروني الجديد) انعطافٌ نحو اليمين كما أظهر ذلك مشروع قانون الهجرة الإشكالي الذي دفع به وأجيز أخيرا في ديسمبر بعدما أوشك على شق صفوف أنصاره.
لقد مضى عهد شعار الرئيس الفرنسي ماكرون «أون ميم تان» خلال فترة رئاسته الأولى والذي مكَّنه من اقتراض الأجندة من اليمين واليسار معا.. (عبارة أون ميم تان بالفرنسية والتي كان ماكرون يكثر من ترديدها تعني «في الوقت نفسه». وقصد بها اتخاذ موقف وسط من خلال تطبيق سياسات متنوعة من اليمين والمسار في آن معا - المترجم).
ماكرون الآن يعتقد أن المواطنين الفرنسيين يريدون بسط النظام وحضور السلطة. وهذا بالضبط ما جعل رئيس وزرائه الجديد يحظى بالشعبية خلال فترته القصيرة التي قضاها وزيرا للتربية. فقد بدأها جابرييل أتال (34 عاما) بحظر ارتداء العباءة في المدارس العامة.
إنه اليوم يذهب بالأمور إلى أبعد من ذلك. ففي مؤتمر استغرق ساعتين ونصف الساعة في وقت الذروة على قناة التلفزيون الوطني أوضح ماكرون «بصرامة العاهل» الكيفية التي يجب أن تستعيد بها فرنسا السيطرة على شبابها.
فإعادة التسلح بالقيم والسلوكيات المدنية، حسب وصفه، ستجعل المجتمع المتشظي قويا مرة أخرى. وستكون المدارس ثكنات جديدة لهذه الاستراتيجية. إنه ما يمكن أن تطلق عليه تسليح التعليم. فالنشيد الوطني الفرنسي «لا ماغسييز» سيُدَرَّس في المدارس الابتدائية. وستُضاعف دروس التعليم المدني. وسيعمَّم الزي المدرسي بعد تجربته ونجاحه على النظام التعليمي بأكمله في عام 2026. وستستأنف مراسم التخرج لاستعادة تقدير الجدارة والفخر بالنجاح. كما اقترح ماكرون تنظيم مقدار الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات قائلا من الممكن إعطاء دروس في الدراما بدلا عن ذلك.
إضافة إلى كل هذا وفي وقت يشهد تدهورا ديموغرافيا (تناقصا في أعداد السكان) لدى ماكرون أيضا خطة لملء هذه المدارس بجنود جدد. إذ سيتم تدشين حملة وطنية لمحاربة عدم الإنجاب وستحل محل نظام إجازة الأمومة والأبوة الحالية إجازة لرعاية المواليد الجدد مدفوعة الأجر لمدة 6 أشهر لكل من الأم والأب.
سرعان ما تعرَّف الخبراء على «أثر» سياسات الرئيس السابق نيكولاس ساركوزي الذي ظل ماكرون قريبا منه. ففي عام 2007 تمكن ساركوزي من «سرقة» حوالي مليون صوت من جان ماري لوبان بشعاره «مزيد من العمل من أجل مزيد من الدخل».
شعار ماكرون الذي يماثله بشكل واضح «كسب معيشة أفضل من خلال العمل» وأيضا تركيزه على الطبقة الوسطى أحدث محاولتين من جانبه لاجتذاب الناخبين الساخطين من اليمين المتطرف إلى يمين الوسط. وكذلك أيضا اختياره ثمانية وزراء من جملة 14 وزيرا من صفوف المحافظين للحكومة التي أعيد تشكيلها بمن فيهم رشيدة داتي وهي من بين المفضلين لساركوزي.
إنها مهمة صعبة. أوروبا قلقة ولا يمكن لفرنسا أن تهدأ بالا. فبعد أقل من أسبوعين من توليه منصبه كأصغر رئيس وزراء لفرنسا مع أصغر رئيس فرنسي يواجه جابرييل أتال أول اختبار قاس له. إنه التعامل مع مزارعين غاضبين.
ظهور حركة «سترات خضر» آخر شيء يحتاجه ماكرون. ومارين لوبان تعلم ذلك. فسرعان ما اشترى جوردان بارديلا الشاب حذاء مطاطيا واعتلى قطارا متجها إلى ميدوك لحشد المزارعين المحتجين ضد الصفقة الخضراء التي أبرمتها بروكسل.
هذه أول معركة كبيرة في حملة الانتخابات الأوروبية. وماكرون لا يملك أن يخسرها إذا أراد تجنب المصير الذي لحق بباراك أوباما (أن يخلفه في الحكم مثيل لترامب) وإنقاذ أجندته الأوروبية الطموحة.
ماكرون يخشى من أن يتحول إلى بطة عرجاء (رئيس بلا حول ولا قوة- المترجم) لذلك ينشط في الساحة السياسية. هذا يربك مؤيديه في يسار الوسط والذين ليس لهم بديل آخر. كما يحاول تجاهل تناقض جذري بين اعتباره اليمين المتطرف العدوّ وفي الوقت ذاته إضفاء الشرعية على بعض أحلامه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی عام
إقرأ أيضاً:
بعد مقتل مصلًّ في المسجد .. ماكرون يستقبل عميد المسجد الكبير بباريس
إستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم عميد المسجد الكبير بباريس شمس الدين حافظ، رفقة نجاة بن علي، رئيسة تنسيق الجمعيات الإسلامية في باريس، وعميدة مسجد جافيل ومشاركة في فوريف، بقصر الإليزيه.
اللقاء الذي جاء بمبادرة من الرئيس ماكرون، بعد حادثة مقتل أحد المصلين الجمعة الماضي في مسجد بـ”لاغراند كومب” بالقرب من أليس، في مقاطعة جارد.
وأكد ماكرون على دعم بلاده وبقوة للمسلمين في فرنسا. وأن “العنصرية والكراهية القائمة على الدين لن يكون لها مكان أبدا في فرنسا” .. وأن “حرية العبادة لا يجوز المساس بها”.
وتابع ماكرون ان فرنسا لن تتسامح مطلقا مع استهداف المواطنين بسبب معتقداتهم، وأعلن أنه سيتم اتخاذ إجراءات لتعزيز حماية أماكن العبادة، وسيتم استخدام كل الوسائل لتحقيق هذا الهدف.
وخلال اللقاء نقل شمس الدين حافظ ونجاة بنعلي لماكرون صدى، ألم، وقلق الجالية المسلمة في فرنسا، خصوصا مع تصاعد موجات الكراهية والعنصرية التي تشهدها فرنسا.
وكما أشار شمس الدين حافظ ونجاة بنعلي إلى أن حادثة مقتل مصل لم تكن حادثة معزولة، بل هي النتيجة المأساوية لمناخ مستمر وضار، والذي تم إدانته منذ أشهر من قبل قادة المساجد والجمعيات والعاملين في الميدان، سواء للسلطات المحلية أو الوطنية.
وكان اللقاء فرصة للتحدث عن اغتيال أبوبكر سيسي، الشاب الذي يحظى بتقدير الجميع، والمتطوع الملتزم في المسجد، مؤكدين أن هذا العمل الوحشي يعيد فتح الجراح الغائرة.
وحذر عميد مسجد باريس الكبير وبن علي من المناخ السائد المعادي للإسلام، وتصاعد خطاب الرفض الذي يتم تناقله في كثير من الأحيان دون تحفظ من قبل بعض وسائل الإعلام والقادة السياسيين.
وكما تم تحذير ماكرون من ان الشعور بعدم الأمان الذي يؤثر حتى على أماكن العبادة، على الرغم من كونها مخصصة للصلاة والسلام.
وأعرب شمس الدين حافظ ونجاة بنعلي عن توقعاتهما المشروعة باتخاذ إجراءات ملموسة وقرارات شجاعة من قبل السلطات العامة.
وطالب شمس الدين حافظ ونجاة بنعلي بتعزيز مكافحة الكراهية ضد المسلمين، زيادة الدعم المقدم لجمعية الدفاع ضد التمييز والأعمال المعادية للمسلمين لتمكينها من تحديد وتجميع ودعم وتوجيه ضحايا التمييز والأعمال المعادية للمسلمين.
ضرورة الالتزام الواضح وغير المشروط بحرية العبادة والمساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن معتقداتهم.