ما الذي يفكر فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي؟
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
لقد تمسكت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية التابعة للبنك الاحتياطي الفيدرالي بموقفها بشأن أسعار الفائدة وذلك خلال اجتماعها الشهري الذي انعقد في الحادي والثلاثين من يناير الماضي. لقد أوضحت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في بيانها الصحفي أن «اللجنة ترى أن المخاطر التي تواجه تحقيق أهداف التوظيف والتضخم تتحرك نحو توازن أفضل»، لكن «التوقعات الاقتصادية غير مؤكدة، وتظل اللجنة منتبهة للغاية لمخاطر التضخم»، ونتيجة لهذا فإن اللجنة لا تتوقع أن يكون من المناسب خفض النطاق المستهدف قبل أن تكتسب قدرًا أكبر من الثقة في أن التضخم يتحرك بشكل مستدام نحو 2%.
يجب أن أعترف بأن هذا الإعلان قد جعلني أشعر ببعض بالقلق وخاصة الأجزاء المتعلقة بالحفاظ على النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية عند 5.25-5.5%. ففي واقع الأمر يتحرك الاقتصاد الكلي في الولايات المتحدة بالفعل إلى الأمام بسرعة مستدامة وبشكل متوازن حيث يبلغ معدل البطالة 3.7%، وهو ما يعني ضمنًا «التشغيل الكامل للعمالة».
يُظهر مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (باستثناء الغذاء والطاقة) على مدى الأشهر الستة الماضية أن التضخم انخفض بشكل مطّرد باتجاه تحقيق هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي. علاوة على ذلك، لا أرى أي قوى كبيرة في القطاع الخاص قادرة على تعزيز الطلب بشكل عاجل وبالقدر الكافي لتعزيز التضخم، أو لدفع الاقتصاد نحو الركود علمًا أن الآخرين لديهم نفس الرأي. صحيح أن بعض المعلقين ما زالوا يشعرون بالقلق من أن الارتفاع النسبي لمنحنى بيفريدج (الذي يعكس العلاقة بين الوظائف الشاغرة ومعدل البطالة) يشير إلى احتمال تزايد الضغوط المرتبطة بتضخم الأجور، ولكن حتى تكون لدى المرء مثل هذه المخاوف، يتعين عليه أن يتظاهر بأن إعلانات الوظائف الشاغرة في العصر الرقمي تعني نفس الشيء الذي كانت تعنيه في الماضي، فقبل استخدام الإنترنت على نطاق واسع، كان على أصحاب العمل إنفاق الأموال للإعلان عن الوظائف الشاغرة ثم إجراء مقابلات مع أولئك الذين استجابوا للإعلان.
الآن، يمكن للشركات الإعلان عن الوظائف الشاغرة مجانًا ورفض المتقدمين بسهولة، وبما أن طلبات العمل تُرسل عادة إلى جمهور كبير، فإن الرفض اليوم لا يرقى لأن يكون إشارة سلبية من شأنها أن تعيق ربط الشركة بالعامل مستقبلًا. مع هذه التغييرات، سيكون من المدهش أن تكون العلاقة الحالية بين التوظيف والوظائف الشاغرة حسب منحنى بيفريدج تشبه الدورات السابقة. إن أولئك الذين توقعوا انحدارا معينا لمنحنى بيفريدج قد أخطأوا بشكل كبير. وربما يكون هناك أيضًا بعض المعلقين الذين يخشون أن يؤدي ارتفاع الأجور الحقيقية (المعدلة تبعًا للتضخم) إلى تعريض استقرار الاقتصاد الكلي للخطر، ولكن كما أن من غير الممكن توسيع الهوامش إلى الأبد، فإن حصة العمالة من الدخل من غير الممكن أن تنخفض إلى الأبد، وبعد جيل من ارتفاع حصة رأس المال في الدخل على حساب العمالة، ينبغي لنا أن نتوقع تحولًا في الاتجاه الآخر، وخاصة مع انحسار بعض العوامل التي عززت قدرة رأس المال على المساومة.
وعلاوة على ذلك، يتعين على المرء أن يضع في الاعتبار نمو الإنتاجية وهو النمو الذي يقاوم التأثيرات التضخمية المترتبة على نمو الأجور، ويميل الاقتصاد القوي مع التوظيف الكامل إلى تحقيق نمو أعلى في الإنتاجية؛ لأن الشركات تجد أن تدريب العمال والاستثمار في إنتاجيتهم يشكل خيارًا جذابًا مقارنة باختيار مجموعة أقل كفاءة من الموظفين المحتملين. لقد كان هذا التأثير واضحًا في أحدث تقرير لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي حيث نمت إنتاجية الأعمال غير الزراعية السنوية بنسبة 3.2% في الربع الرابع من عام 2023، متوجة زيادة بنسبة 2.7% على أساس سنوي.
وبالتالي فإن منحنى بيفريدج والزيادات في الأجور الحقيقية لا تقدم أساسًا موثوقًا للتنبؤ بعودة التضخم، ومع ذلك فإن الحد الأدنى من الصفر يلوح في الأفق في مداولات بنك الاحتياطي الفيدرالي، فبوسع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يرفع أسعار الفائدة دائمًا، ولكنه لا يستطيع خفضها إلى ما دون الصفر، وبالتالي فإن هذا التباين يفرض قيدًا استراتيجيًا على السياسة النقدية علمًا أن آخر شيء يريده بنك الاحتياطي الفيدرالي هو أن يجد نفسه في موقف قد يضطر فيه إلى خفض سعر الفائدة الخاص بالبنك إلى الصفر. ولكن هذه المخاطرة يجب تقييمها ومقارنتها بالافتراض القائل بأن السياسة النقدية أيضًا لابد أن تكون محايدة في ظل اقتصاد متوازن ومحايد مثل الاقتصاد الحالي، وهذا يعني تحديد أسعار الفائدة عند مستواها المحايد على المدى الطويل: المتغير الغامض «r*» بحيث لا تكون السياسة تحفيزية أو مقيدة.
أنا عندي شكوك قوية في أنه حتى مجموعة صغيرة من أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة يعتقدون أن «r*» اليوم يتوافق مع سعر فائدة يتراوح بين 5.25% إلى 5.5%. وإذا كنت على حق، فهذا يعني أن أغلب الأعضاء يدركون أن السياسة الحالية ليست محايدة، ولكنها مقيدة. ومع ذلك، فإن الإعلان الأخير يبعث برسالة قوية مفادها أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة ليست في عجلة من أمرها لمواءمة أسعار الفائدة مع القيمة المفترضة لسعر الفائدة المحايد «*r». وهذا يهمني، وينبغي أن يهمنا جميعا. ما هو التفكير ــ بشأن ضغوط التضخم الحالية و «r*» والتوزيع المحتمل لصدمات العرض والطلب في المستقبل ــ الذي يبرر مثل هذا التردد في تحريك أسعار الفائدة مرة أخرى نحو مستوى محايد؟ عندما يكون القارب موجهًا بالفعل إلى وجهته، يجب أن تكون دفة القارب في وضع مستقيم وليس في وضع مخالف.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بنک الاحتیاطی الفیدرالی الوظائف الشاغرة أسعار الفائدة
إقرأ أيضاً:
في خطوة تتماشى مع التوقعات.. المركزي المصري يثبت الفائدة
الاقتصاد نيوز - متابعة
أبقت لجنة السياسة النقدية لدى البنك المركزي المصري على معدلات الفائدة دون تغيير، في خطوة تتماشى مع التوقعات.
وقرر البنك المركزي المصري، الخميس، الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25 بالمئة و28.25 بالمئة و27.75 بالمئة على الترتيب.
كما قررت اللجنة أيضا الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 27.75 بالمئة.
وبحسب بيان للمركزي المصري، فإن هذا القرار يأتي انعكاسا لآخر المستجدات والتوقعات على المستويين العالمي والمحلي منذ الاجتماع السابق للجنة السياسة النقدية.
وقالت اللجنة إنه على الصعيد العالمي، فقد ساهمت السياسات النقدية التقييدية التي انتهجتها اقتصادات الأسواق المتقدمة والناشئة في انخفاض التضخم عالميا، وعليه اتجهت بعض البنوك المركزية إلى خفض أسعار العائد تدريجيا، مع الإبقاء على المسار النزولي للتضخم للوصول به إلى مستوياته المستهدفة.
وأكدت أنه على الرغم من زيادة التوقعات بانخفاض الأسعار العالمية للسلع الأساسية، خاصة الطاقة، فإن المخاطر الصعودية المحيطة بالتضخم لا تزال قائمة، حيث تظل أسعار السلع الأساسية عُرضة لصدمات العرض مثل الاضطرابات العالمية وسوء أحوال الطقس.
وقال البنك: "على الجانب المحلي، توضح المؤشرات الأولية للربع الثالث من عام 2024 نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بوتيرة أسرع من 2.4 بالمئة المسجلة خلال الربع الثاني من العام نفسه".
وأضاف: "تشير توقعات النشاط الاقتصادي للربع الرابع من عام 2024 إلى استمرار اتجاهه الصعودي، وإن لم يحقق طاقته القصوى بعد، مما يدعم المسار النزولي للتضخم على المدى القصير، ومن المتوقع أن يتعافى بحلول السنة المالية 2024/2025".
وحول معدلات التضخم، قال المركزي المصري إن التضخم السنوي العام ظل مستقرا إلى حد كبير للشهر الثالث على التوالي، عند 26.5 بالمئة في أكتوبر 2024، مدفوعا بشكل أساسي بارتفاع أسعار السلع غير الغذائية المحددة إداريا مثل غاز البترول المُسال (أسطوانات البوتاجاز) والأدوية.
وتشير التوقعات، بحسب البنك، إلى استقرار التضخم عند مستوياته الحالية حتى نهاية عام 2024 وإن كانت تحيط به بعض المخاطر الصعودية.
"ومع ذلك، من المتوقع أن ينخفض معدل التضخم على نحو ملحوظ بدءا من الربع الأول من عام 2025 مع تحقق التأثير التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس"، وفق البيان.
وأشارت اللجنة إلى أنها ستواصل اتباع نهج قائم على البيانات لتحديد مدة التشديد النقدي المناسبة، وذلك بناء على تقديرها لتوقعات التضخم وتطور معدلات التضخم الشهرية وفعالية آلية انتقال السياسة النقدية.
كما ستواصل متابعة التطورات الاقتصادية والمالية عن كثب وتقييم آثارها على التوقعات الاقتصادية، ولن تتردد في استخدام جميع الأدوات المتاحة لديها لكبح جماح التضخم.