أحاديث الغلا والحوجة تقطع القلب وتزلزل الكيان، والفقر على وشوش الناس وريحة الجوع والبطون الفارغة تخرج من أفواههم وتبين مدى المعاناة وضيق اليد والخوف والفزع من بكرة، والقلق على مستقبل ولادهم ومصير الأجيال.
حكاية الشرق مع الفقر قديمة مش جديدة، لكن المختلف فيها عن زمان أنه طال كل الناس والشكوى جماعية، بعدما كانت من الغلابة وسكان «الترسو» وسعت الدايرة وطالت كل الفئات، الموظف والعامل والفلاح، الكل بيشتكى.
عمنا بيرم التونسى صرخ بعلو صوته من زمان وقال إن الفقر موجود فى كل مكان، وأن المواطن المصرى بيصرخ طول عمره وبيشتكى من ارتفاع الأسعار وجشع التجار، ورصد فى قصيدته «أعوذ بالله» حال التدهور فى رغيف الخبز وعيش الفقراء.
«يادى الغلاء ياللى ورانا بالخرزانة.. والمقرعة لما هرانا وبقينا حمير».
وقال فى قصيدته «الغش والغلا»
«الأكل والشرب فى إيد اللومنجية.. والطماعين اللى غلوا الملح والمية
والغشاشين اللى فاقوا على الحرمية.. الشاى بالمفتشر مخلوط ملوخية
والبن فيه الشعير تسعين فى الميه.. والميه والعيش برمله وطينه يا ملوخيه
واللحم معروض بدون أختام رسمية.. والميه هيه اللبن ولا اللبن هيه
أفاعى متسيبة من غير رفاعية.. ودنيا مترتبة ترتيب فلاتيه».
المصريون والغلاء صراع مستمر لا ينفك أبدا وبات بين أغلبهم وبين الفقر عشرة، ولأن الشعب بطبعه عشرى فقد تكيف مع الوضع منذ عشرات السنين وتغلب عليه فى كل العصور حتى بالعيش الحاف منذ تسويته على الشمس مرورا بالفرن البلدى حتى الأفرنجى، لكن وزنه كان يسد الجوع ويسد عين الشمس، أما حاله الآن فإنه يحتاج إلى نظارة معظمة بعدما صار لقيمات فى كف اليد لا تكفى لتسليك الزور.
الناس قلقانة رمضان على الأبواب، وطبعا سوف تختفى للمرة الأولى موائد «المحمر والمشمر» والعزومات ويبقى كرم رمضان وبركته فى الحسنات والصيام كفريضة يؤديها فى الأساس صائمون ويبقى صيام جوه صيام زيادة فى التأكيد والأمان.
إنما حكاية افطر معانا ورمضان كريم ولمة الأهل والعيلة والأصدقاء، فهذه حكايات نقدر نحكيها لولادنا من باب حكايات عن خير زمان وكان يما كان واهى فرصة ينام على سردها الأطفال وعجبى على غدر الزمان.
زمان كان الجنيه عنصر أمان وله قيمته الكبيرة بين الأوطان، كان وزنه ذهب وبيعدل الحال الميلان، لكنه مال وجارت عليه الأيام وضاعت قيمته وهيبته وبقى غلبان، كل البضايع اتمردت عليه ومن الآخر بقى كحيان يا دوب يجيب قرص طعمية حجمها عقلة صباع.
عموما رب ضارة نافعة، الغلا له فوائد وقلة الأكل كمان ياما ناس بتشتكى من السمنة وزيادة الأوزان وفشل معاهم الأطبا فى الخسسان، جت لهم فرصة يتمناها كل تعبان من غير قرص دوا ولا وصفة بلدى كمان، محرومين بالعافية من اللحوم والأسماك والألبان وإذا جالك الغصب خليه بجميلة وأنت الكسبان.
المشكلة فى الهياكل البشرية اللى رجليها بتدى للأرض تمام خطر عليهم الخسسان، لأنهم هياكل عظمية بتتسند على الجدران وبعد شوية البطن والضهر هيبقوا سيان وعجبى عليك يا زمان.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: باختصار
إقرأ أيضاً:
قرادة محذراً: الاقتصاد الليبي سيواصل التدهور نحو شيوع الفقر العام
قال إبراهيم قرادة، سفير ليبيا الأسبق لدى السويد والدنمارك، إن “ما لم يتعامل أصحاب السلطة مع اقتصاديات الدولة كـاقتصاد سياسي (اقتصاد كلي ببعد اجتماعي)، وليس كصندوق ورقة أو دفتر محاسبة أو كراسة التاجر أو دعاية تسويق؛ فالوضع الاقتصادي الليبي سيواصل الانحدار والتدهور نحو شيوع الفقر العام”.
أضاف في تدوينة بفيسبوك قائلًا إن “الوضع الاقتصادي الليبي الراهن والقريب منذر؛ من حيث: التعريفات الجمركية الأولمبية سترفع أسعار السلع المستوردة وسلاسل توريدها- والاقتصاد الليبي استيرادي الاعتماد”.
وتابع أن “هذا سيخفض سعر الدولار التبادلي في السوق العالمي، مما سيرفع كلفة الاستيراد. وسيخفض أسعار النفط الدولية- مصدر الدخل الليبي الوحيد”.
وأردف أن “التبرير وحدة دون الاتعاظ وتعلم الدرس، ومنه كبت جماح الهدر والتبذير، والتوقف عن النفاق أو المسايرة السياسية. وهذا الدرس مطلوب منا جمعياً بدون استثناء، وفي المقدمة منا، النخب ذات الضمير المسئول”.
وأكمل؛ “وإلا فإنه الاقتصاد يا غبي (وباللغة الإنجليزية: It’s the economy, stupid)، شعار سياسي رفعه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون خلال الحملة الانتخابية التي هزم فيها منافسه جورج بوش الأب عام 1992”.
وختم موضحًا، أن “حكمة هذا الشعار القوي الصادم، أن الناس تهتم أولاً بالاقتصاد ليس فقط لتلبية احتياجاتها المعيشية، وبل (تحتها خطين أحمرين عريضين) حفاظاً على كرامتها الإنسانية، التي تنتهكها وتذلها الحاجة”.
الوسومقرادة