أين ذهبت دورات المياه العمومية؟
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
ربما ينظر إلى البعض بنظره قاصره للتحدث فى هذا الأمر، وهناك أمور جسام تتصدر المشهد وتنغص حياتنا وتقلق مضاجعنا مثل الحرب على غزه والغلاء والبطالة والتربص بنا من جميع الاتجاهات، ولكن عندما نرى شوارع المدن الكبرى خالية من دورات المياه العمومية فأعلم أننا فى أزمة حقيقية، وعندما تهدم مراحيض عمومية ويقام على أنقاضها انشطه تدر ربحًا على الدولة أو على الأفراد فاعلم اننا نخسر ولا يعرف الربح لنا طريقًا.
وإذا نجحنا فى تشييد طرق وكبارى وانفاق عملاقة دون أن نخطط لإنشاء دورات مياه عصرية نظيفة تتماشى مع الجمهورية الجديدة، فأعلم أنك لن تستطيع السير بجوارها دون أن تضع إحدى اليدين فوق أنفك، وتغطى الأخرى عينيك من هول ما ترى وتسمع وتشم من الروائح الكريهة اسفل وعلى جوانب هذه الطرق والكبارى، وأعلم أيضاً أن حضارات الأمم تقاس بعدد دورات المياه العمومية بشوارعها وميادينها وأذقتها، ولا تنسى الصفر الكبير الذى حصلنا عليه فى مونديال، عام 2004، عند منافستنا لدول المغرب وجنوب أفريقيا لاستضافة كأس العالم لعام 2010، كانت بسبب خلو الميادين العامة من هذه الدورات، حيث لم تحصل مصر على أى أصوات من قِبل الاتحاد الدولى لكرة القدم «الفيفا».، واعلم تمام العلم أن هذا الأمر لا تقتصر خطورته على الجانب المحلى كما يظن البعض، لأن العالم أصبح قرية صغيرة فى ظل هذا التقدم الهائل فى الاتصالات والتنقل، ويكفى أن هناك يومًا عالميًا تحتفل به الأمم المتحدة والعالم أجمع يسمى باليوم العالمى للحمامات، World Toilet Day، والذى تستمر احتفالاته ثلاثة أيام متتالية، وان مؤتمرات المناخ العالمية حددت أن من أهم أهداف التنمية المستدامة هو توفير دورات مياه آمنة ومياه آمنة للجميع بحلول عام 2030.
وتتحمل الحكومات والمؤسسات مسئولية الوفاء بوعودها، والإحصائيات الدولية تشير إلى أن 4.5 مليار شخص فى العالم ليست لديهم دورة مياه فى منازلهم، و892 مليونًا يقضون حاجاتهم فى العراء.
ولك أن تتخيل أن تخرج هاتفك وتضغط على زر البحث عن موقع لدورة مياه عمومية بالقاهرة، فلا تجد إلا اليسير الذى يجعلك تصرف النظر عن أن «تعملها» داخل دورات عفا عليها الزمن والأحواض والحمامات تعج بالفضلات الادمية وتبحث لك عن «خرابه» أو أسفل كوبرى أو خلف جدار، من تعرض جميع حواسك لتقزز وقشعريره، بداية من الشخص صاحب الهيئة الرثة الذى يقف امام دورة المياه يطالبك بالبقشيش وانت تتلوى من «الحسرة» وحتى السير وسط المياه والفضلات والروائح الكريهة لقضاء حاجتك.
وقد شد انتباهى مقترحات البعض من تولى وزارة الأوقاف لهذه المهمة الصعبة فى إضافة دورات مياه عمومية ملاصقة للمساجد يقف على نظافتها وإدارتها عمال يتقاضون رواتب من خلال رسوم تسدد لخزينة الوزارة لمن يستخدم هذه الدورات، ويكفى أننا لن لسنا فى حاجة لتخصيص أراض أو مبان جديدة لتفى بهذا الغرض، وأن المساجد قائمة وبها المرافق العامة ولن تكلف الدولة كثيرًا، ولن يبخل مريض سكر رجل أو امرأة من سداد هذه الرسوم إذا وجد هذه الخدمة حين تعرضه لهذا الموقف الصعب، الذى غالبًا ما يواجهنا جميعا دون استثناء، وأتمنى أن تسعى الدولة فى إحياء هذا المشروع الحضارى الذى كانت محافظات مصر جميعها فى الماضى الجميل تشتهر به ونفتخر أن القاهرة فى الثلاثينيات من القرن الماضى كانت تغسل شوارعها بالماء والصابون صباحًا ومساء وللحديث بقية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: هموم وطن طارق يوسف غزة وزارة الأوقاف
إقرأ أيضاً:
بيئـة عمـل لا تنصـف البعـض !
عندما تحاصرك الظروف ويشطر قلبك اليأس، تتحول من شخصية إلى أخرى بشكل تلقائي، كذلك هو الموظف المجيد في عمله المخلص في أداء واجباته لكنه ليس من اهتمامات الآخرين، فبيئة العمل غير الصحية، هي التي تجلب المرض والعقم في الأداء وتحقيق النتائج، فمثلا عندما يضيق عليك الخناق من هو أعلى منك في مراتب العمل، تصبح شخصا آخر غير الذي كنت تعرفه في زمن العطاء والتفاهم والتعاون والإنجاز.
بعد سنوات طويلة من العمل سوف تصل إلى حقيقة مزعجة وهي أن العمل لن يخسرك إذا أصابتك سهام الإحباط من عدم الإنصاف والعدالة، فإن أول الخاسرين ستكون ذاتك، في مقعد العمل سيأتي غيرك من إعلان بسيط، أما أنت فستصبح شخصا من الماضي كان يعتقد بأنه مميز ومعطاء ومجتهد.
لكن ضعفك وألمك الذي يحيط بك بعدما وجدت نوعا من التهميش أو عدم الإنصاف لن يشعر به غيرك، العمر سينتهي لا محالة، والأعمال ستبقى مناطة بالذين سيأتون بعدك لتستمر دورة الحياة دون توقف.
استوقفتني قاعدة إدارية قرأتها في منصة تفاعلية تقول:«أيها المديرون عندما يخطئ موظف مجيد في العمل، ينبغي أن تكون هناك مراعاة لتاريخه العملي الذي يشهد له بالإجادة عن غيره من الموظفين، هذا ليس محاباة له، وإنما ذلك تقدير لجهوده المتميزة، لا تخسروا الموظفين المجيدين بتصرفاتكم الحمقاء».
من الضروريات التي يجب أن توجد في مكان العمل هو التحفيز حتى ولو بالكلمة الطيبة، أيضا من المهمة جدا مراعاة الظروف والقدرات المتفاوتة، فعندما يتعرض بعض الموظفين لإخفاقات أو صعوبات في العمل، فإن أكثر ما يحتاجون إليه عبارات تشد من أزرهم وتشعل داخلهم الحماس مرة أخرى، فالإخفاقات ليست نهاية المطاف، وليست شيئا يدعو للخجل، بل من خلالها يتعلم الموظف كيف يبدأ من جديد أقوى من السابق.
هناك نماذج من الموظفين ارتأت أن تخرج طواعية من موقع عملها بعد أن ضاق بها الحال، فأحد الذين أعرفهم اختار الخروج قبل أن يبلغ سن التقاعد، اشتكى لي من الضغوطات النفسية والإساءة المتعمدة لشخصه التي لم تكن تقتصر على اللفظ الجارح أمام زملائه، وإنما كانت تأتي من خلال طرق غير مباشرة تتمثل في التهميش والتقليل من عمله، وعدم إعطائه المساحة الكافية لتقديم الأفضل، واعتباره كأنه غير موجود رغم أنه شخص قديم وأمضى سنوات طويلة من عمره في هذا العمل، التجاهل كان واضحا من خلال إلغاء مهاراته ومواهبه ومنحه الشعور الدائم بأنه شخص غير مرحب به في المكان، أو أنه لا قيمة له في إنجاز بما ينبغي إنجازه، كل ذلك التهميش المتواصل ولد لديه مع الوقت سلسلة من التراكمات والضغوطات النفسية رغم أنه في سابق العهد يعد من الموظفين المتميزين، إلا أن الوضع قد تغير وأصبح يشعر بعدم الراحة والانتماء إلى بيئة العمل، في بادئ الأمر اضطر إلى الاستغناء عن الوظيفة التي يتقنها من خلال طلب نقله إلى إدارة أخرى وتم رفض طلبه، الأمر الذي جعله يتأزم نفسيا وجسديا ويلجأ إلى أخذ الإجازات المرضية المتكررة بسبب حالته الصحية والنفسية السيئة، وفي بعض الوقت يقتطع من رصيد الإجازات السنوية التي كان من المفترض أن تكون للراحة وتغير روتين العمل والاستجمام لا الهروب من بيئة العمل التي أصبحت تلفظه إلى الخارج.
هذه النقطة تم الحديث عنها في الكثير من الكتب والدوريات والمقالات الصحفية، وبحسب ما تم نشره في إحدى المواقع المتخصصة في المقالات الإدارية يؤكد كاتب المقال محمد خالد سعيد «إن ظاهرة التهميش الوظيفي تعكس إساءة استخدام السلطة، والأمانة المهنية، وهدر المال العام والكفاءات الإدارية عبر ممارسة الضغوط النفسية والإدارية على المرؤوسين، أو من خلال دعم وترقية وتقريب الأشخاص الذين لا يستحقون ومنحهم المكافآت والمحفزات والدورات التدريبية ما يعد بمثابة إهانة وتقليل من الآخرين الذين يكدون في عملهم، وعدم تقدير العمل الجيد والاهتمام به بالشكل الكافي، فالكثير من الرؤساء تصعب عليه كلمة «شكرا» -وهم لا يعلمون ما مقدار الشحنة المعنوية الإيجابية لها- ما يزيد من الواقع السلبي ويشعرون أنهم معاقبون على عملهم الجيد».
إذن الإدارة فن لا يجيده كل الذين يتولون مناصب الإدارة العليا، فعدد منهم يرى أن الموظف يجب أن يكون مثاليا في كل الأشياء، وأن الخطأ لا يحتمل التصحيح وإنما يجب أن يترك المجال لغيره حتى لو كان مجيدا في أدائه الوظيفي.
لذا تحاول الحكومات والمؤسسات المتخصصة الدفع بمن يتولى المسؤولية نحو تبصيرهم بمبادئ العمل الذي يضمن الحقوق ويرصد الواجبات ويصحح المسارات ويحقق أعلى نسبة إنجاز خلال عام كامل، ومنح الموظفين الاستقرار الوظيفي الذي من شأنه أن ينمي بداخلهم الانتماء والسعي لتحقيق النجاح المطلوب دون أي عوامل للتنفير أو التهميش.