ندوة بمعرض الكتاب: الحضارة المصرية القديمة تميزت بالعمارة الدينية الخالدة
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
أكد خبراء وأثريون أن العمارة المصرية القديمة دليل على عظمة الحضارة التي بناها المصري القديم على ضفاف النيل وخاصة العمارة الدينية.
جاء ذلك خلال ندوة "العمارة المصرية القديمة" ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ55.
وقال الدكتور حسان عامر أستاذ اللغة المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة، إن المعلومات المتوفرة عن العمارة المدنية للمصري القديم قليلة، إذ أن أغلبها كان من الطين النيء والمواد البسيطة والمتاحة في البيئة المحيطة، وهذا عكس الأمر مع العمارة الدينية.
وأضاف أن المصري القديم اهتم بالعمارة الدينية لاعتقاده في الحياة الأخرى، لذلك بنى المعابد بالحجارة لأنها تدوم أكثر من الطين.
وأشار إلى أن معتقدات المصري القديم انعكست على أسلوب حياته ورؤيته للحياة الدنيا، وكذلك الحياة الأخرى، الأمر الذي كان له تأثيرا على فنون العمارة والبناء من عصر مصر القديمة حتى العصر البطلمي واليوناني والروماني.
وأوضح أن أعظم المكتشفات الأثرية المعمارية في ممفيس وهليوبلس كانت من علامات العمارة، لافتا إلى أنه عندما نرصد العمارة في العصور الروماني واليوناني والبطلمي نجدها على درجة عالية من الحفظ في أغلبها، إذ قاموا ببناء معابد للآلهة المصرية القديمة بهدف التقرب للمصريين.
من جانبه، قال الدكتور طارق توفيق، أستاذ مساعد بكلية الآثار جامعة القاهرة ورئيس الرابطة العالمية لعلماء الآثار المصرية القديمة، إن العمارة عبارة عن فن وعلم وتصميم وتشييد الإنسان باستخدام مواد وأساليب إنشائية مختلفة.
وأضاف أن العمارة تعبر عن زمانها وموقعها بشرط أن تكون صالحة لكل زمان ومكان، مشيرا إلى أن خير نموذج لهذا التعريف هو العمارة المصرية القديمة المعروفة اصطلاحا بالعمارة الفرعونية.
وأوضح أن عبقرية العمارة المصرية القديمة تظهر في مخاطبتها للإنسان وهو ما يمزها عن أي عمارة أثرية أخرى.
وبين أن فنون العمارة المصرية القديمة بدأت منذ 5 آلاف عام قبل الميلاد حيث انتقل المصريون من الحياة في الصحراء إلى تأسيس المدنية على ضفاف النيل لتبدأ فصول الحضارة المصرية.
وتابع أنه قبل ذلك لم توجد عمارة مصرية ومثال على ذلك منطقة الجلف الكبير حيث نجد هناك كهف السباحين وصور للوحوش ولا أثر للعمارة والحضارة، مؤكدا أن المنشآت والمباني بدأت مع الحضارة والزراعة للحاجة إلى تحزين الحاصلات وحصرها وعمل الحصون.
ولفت إلى أنه منذ تكوين مملكتي الشمال والجنوب ظلت الحدود المصرية طبيعية وثابتة حتى اليوم ولها هوية ثابتة ومستقرة.
وألمح إلى أن فكرة عمل مقابر كانت خاصة بالملوك ورجال الدولة فقط وقبل ذلك كانت جماعية لعامة الناس، موضحا أنه تم العثور على 40 ألف مقبرة في حلوان في مرحلة ما قبل توحيد الدولة المصرية القديمة.
وذكر أنه في عصر الأسرة الأولى والثانية بدأ بناء المقابر لرجال الدولة والملوك أما في عصر ما قبل الأسرات كانت هناك الحصون فقط.
وتُختتم فعاليات الدورة الـ55 من معرض القاهرة الدولي للكتاب اليوم الثلاثاء، والتي أقيمت تحت شعار: "نصنع المعرفة.. نصون الكلمة".
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
بين النيل والسين.. العلاقات الثقافية المصرية الفرنسية وحوار الحضارات
في مشهد يجسد عمق التاريخ وتبادل الحضارات، اصطحب أمس الرئيس عبد الفتاح السيسي نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في جولة وسط أزقة خان الخليلي وساحة مسجد الحسين، لم تكن هذه الزيارة مجرد لحظة بروتوكولية، بل رمزية تذكرنا بجذور العلاقة الثقافية الطويلة بين مصر وفرنسا، وتلخص قرونًا من التبادل الثقافي والحضاري بين بلدين جمعت بينهما رغبة عميقة في المعرفة، واختلاف غني فتح أبواب الحوار لا الصدام.
البداية من الحملة… والثقافة من بين الرماد
منذ الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، بدأ فصل جديد من التبادل الثقافي والعلمي بين البلدين، وعلى الرغم من أن الحملة كانت غزوًا عسكريًا، لكنها حملت معها نخبة من العلماء والباحثين، وأدت إلى ميلاد أول مطبعة حديثة في مصر، وإصدار كتاب «وصف مصر» الذي وثق ملامح الحضارة المصرية بكل تفاصيلها، ثم جاءت الحملة الثقافية الأكبر مع بزوغ نجم محمد علي، الذي أرسل البعثات التعليمية إلى فرنسا، لتبدأ نهضة فكرية وعلمية غيّرت وجه مصر الحديث، ومن هناك، جاءت ترجمات الكتب، وولدت مدارس الفنون والآداب، وتشكلت ملامح حركة التنوير المصرية.
محمد علي وفرنسا.. بداية التنوير الحقيقي
بدأ التنوير مع عهد محمد علي باشا، المؤسس الحقيقي لمصر الحديثة، الذي أرسل البعثات العلمية إلى باريس، وأسس أول نواة لمؤسسات التعليم والفكر في مصر، على الطريقة الأوروبية ولكن بروح مصرية، ومن هذه اللحظة، بدأت تتشكل طبقة من المثقفين المصريين الذين يجيدون الفرنسية، ويتواصلون مع الفلسفة، والعلم، والآداب الفرنسية، ثم يعيدون إنتاجها بما يناسب الواقع المصري.
صالونات القاهرة... على خطى باريس
في النصف الأول من القرن العشرين، تشكّلت طبقة ثقافية مصرية متأثرة بباريس: صالونات أدبية، مجلات فكرية، ترجمات لأعمال فولتير وروسو وسارتر، وظهور فنانين وكتّاب مصريين حاوروا هذه الثقافة دون أن يفقدوا مصريتهم، حيث طه حسين درس في السوربون، وتجلّت النزعة العقلانية الفرنسية في مشروعه التنويري، بينما نجيب محفوظ حمل عن نثر الفرنسيين عمق التفاصيل، مع حفاظه على طابع الحارة المصرية.
الفن والعمارة.. لغة أخرى للتواصل
من وسط البلد في القاهرة بتصميمها الأوروبي، إلى مبنى دار الأوبرا الخديوية القديمة التي شُيدت خصيصًا لعرض أوبرا عايدة، ومن مباني الجامعة المصرية الأولى، إلى الطراز المعماري الذي يحمل روح باريس، يتجلى الحضور الفرنسي لا كمستعمر، بل كشريك في بناء الحداثة.
وجها لوجه في العصر الحديث
اليوم، العلاقات الثقافية لا تزال نابضة، حيث معاهد الثقافة الفرنسية في القاهرة والإسكندرية تدرس اللغة الفرنسية لآلاف المصريين، وتدعم المسرح والسينما والفنون البصرية، والمصريون، بدورهم، يشاركون في معارض باريسية ويدرسون في جامعات فرنسية، في علاقة أخذ وعطاء.
وجاءت جولة ماكرون في خان الخليلي، ومروره بجوار المشغولات النحاسية، والعطور الشرقية، والمقاهي الشعبية، تجسيد فعلي لأن الثقافة لا تعترف بالحدود السياسية، بل تتجاوزها إلى مساحة إنسانية أوسع.
نجيب محفوظ.. حاضر في لحظة تاريخية
في لفتة رمزية تعكس عمق البُعد الثقافي للزيارة، اختار الرئيسان عبد الفتاح السيسي وإيمانويل ماكرون أن يتشاركا العشاء في مطعم نجيب محفوظ بخان الخليلي، أحد أشهر معالم الحي العتيق، والمكان الذي يحمل اسم الأديب المصري العظيم صاحب نوبل.
داخل المطعم، الذي يجمع بين الطابع الشرقي الأصيل واللمسة الثقافية الراقية، جلس الرئيسان وسط أجواء تحاكي عبق القاهرة القديمة، وتذكر بزمن نجيب محفوظ الذي كتب عن شوارع الحسين، وأزقة الجمالية، ومقاهي القاهرة التي احتضنت شخصيات رواياته.
هذا العشاء لم يكن مجرد استراحة في جدول زيارة رسمية، بل لحظة حوار حضاري صامت، لقاء في حضرة نجيب محفوظ، الذي طالما كتب عن التلاقي بين الشرق والغرب، عن الإنسان حين يواجه نفسه وسط تحولات العصر، ولو كان بيننا اليوم، لربما كتب قصة جديدة بعنوان: «الرئيس في الحي القديم».