كعب بن زهير بن أبي سُلمى.. لماذا منعه والده من قول الشعر؟ ولماذا أهدر الرسول دمه؟
تاريخ النشر: 19th, July 2023 GMT
منعه والده من قول الشعر قبل أن يشتدّ عُوده، وأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه، لكنه أعلن إسلامه لاحقا وأنشد قصيدة "البردة" التي مدح فيها الرسول الكريم وطلب منه العفو، وتعد رائدة المديح النبوي.
هو الشاعر كعب بن زهير بن أبي سُلمى، نجل الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سُلْمى الذي كان مشهورا، وأحد أصحاب المعلقات، وربى أبناءه على الشعر.
ورغم أنه كان أنبغ أولاده، فإن زهيرا بن أبي سُلْمى منع كعبا من قول الشعر قبل أن يشتدَّ عوده، وظل يضربه ويحبسه ويحرمه كلما قال بيتا أو بيتين من الشعر.
وفي يوم، ركب زهيرٌ جملا وأردف ابنَه كعبا وراءه، وأخذ الجملُ يُهَملِجُ ويعدو، وراح زهير يقول الشطر من الشعر فيسمع من ولده الشطر الثاني الذي يتمُّ به البيت، وانتهت الرحلة بأن سمح زهير لولده بقول الشعر.
وعندما بلغ كعبٌ مبالغ الرجال كان الإسلام قد اشتدّ، وكان الرسولُ صلى الله عليه وسلم قد أسس الدولة الإسلامية في المدينة، فأما زهير فكان قد مات وكان أول من أسلم من أبنائه بُجَير.
لكن كعبا تلكَّأ، لا بل كتب إلى أخيه أبياتا يلومُه فيها على الدخول في الإسلام. فأهدر النبيُّ صلى الله عليه وسلم دم كعب. فاختفى وضاقت الدنيا في وجهه، ثم إن أخاهُ بجير بعث إليه ينصحُه بأن يَفد على النبي ويُسلِم.
فورد كعبٌ المدينة سرا وقصد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم متخفيًا متلثما، وبعد صلاة الصبح أسفر عن وجهه وأشهر إسلامَه، فأمنه النبي عليه الصلاة والسلام، فأنشده قصيدته في مدحه، وهي تبدأ على عادتهم بالنسيب أي الغزل الرقيق:
بانتْ سعادُ فقلبيِ اليومَ مَتبُولُ متيَّمٌ إِثرَها، لم يُفْدَ، مكبولُ
وما سعادُ غَداةَ البينِ إذ رحلوا إلَّا أغنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مكحولُ
ويصف كعبُ بنُ زهيرٍ سعادَ.. فهي هيفاءُ لا بطنَ لها، وهي عجزاءُ ممتلئةٌ إذا أدبرت:
هيفاءُ مقبلةً عجزاءُ مدبِرةً لا يُشتكى قِصَرٌ منها ولا طولُ
ولا تَمسَّكُ بالوصلِ الذي زَعمتْ إلَّا كما تُمسِكُ الماءَ الغرابيلُ
ومن أبيات القصيدة التي مدح فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منه العفو:
أُنبئتُ أنَّ رسولَ اللهِ أَوْعَدَني والعفوُ عند رسولِ اللهِ مأمولُ
مهلا هداكَ الذي أعطاكَ نافلةَ القرآنِ فيها مواعيظ وتفصيلُ
لا تأخُذَنِّيِ بأقوالِ الوُشاةِ ولم أُذنبْ ولو كثُرتْ عَنِّيِ الأَقاويلُ
إنَّ الرسولَ لَنورٌ يُستضاءُ بهِ مهندٌ من سيوفِ اللهِ مسلولُ
في عُصبةٍ من قريشٍ قال قائلُهُمْ ببطنِ مكةَ لما أسلَموا زُولوا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
لكُل أُمَّـة عَلَمٌ وقائد وأمتنا ابن البدر قائدها
كوثر العزي
أمم سابقة، طوائف متعددة، مناهج متضاربة، وديانات مختلفة، أعلام تُضل وإلهة لا تسمن ولا تغني من جوع، بشرية تعيش بعمق الفساد والضلال، لا أمر بالمعروف ولا نهي عن منكر، لا عطاء لا تعاون، ما قبل دين محمد أديان كثيرة سماوية، لكن لم يكن من تلك الجماعات إلا العصيان والنُكران وقتل الأنبياء وتحريف الكُتب والادِّعاء بأنهم أبناء الله، يعادل ذلك نعتهم بأن يد الله مغلولة، تطاول وتعال، ظلم وتجبر، تساؤلات كثيرة، فما كان من الله إلا أن نكس الكبرة وبدل القوم كرد على تحدياتهم، جعل من العرب آخر الأنبياء وخاتمهم وعززه بالمعجزة الخالدة، فما بعد الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- ليس استقامة البشرية ولا استقامة الطريق، ليست العبودية لله وحده دون غيره، بل كان هنالك الكثير من الجموع البشرية ما زالت في كفرها وشقائها وتيهها وضلالها، فبعد؛ ما أَدَّى الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- أمانته وبلغ دين ربه وعلم الكتاب والحكمة، وجاهد في الله حق الجهاد ورفع رايات الإسلام عالية دون انكسار أَو انهزام، كبقية الرسل ممن أدوا أمانتهم وبلغوا دين الله كاملاً دون نقص، كذب بهم البعض وآمن البعض وهكذا هي سنة الله في خلقه، تمحيص لفئة وثبات للفئة الأُخرى، على مر الأزمان وفي مختلف حقب التاريخ ترى جمعان جمع الحق وجمع الباطل.
بعد ما بعث الله محمد بن عبدالله كخاتم للرسل وختام للأنبياء، لم يترك الأُمَّــة بلا أعلام أَو قيادات تهديهم وتعلمهم، ليتركهم حينها يموجون في بعض بالعقائد الباطلة والثقافات المغلوطة من قبل الأعلام المنصبة من قبل الشرك، بل جعل لكُل أُمَّـة علم ولكل أُمَّـة قائد ومعلم، منذر، مرشد، أتاه الله الحكمة وألبسه لباس التقوى، رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- في غدير خم رفع يد الإمام علي مبايعًا إياه قائلًا فيه: “أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أن لا نبي بعدي” وقائلًا في أحد الأحاديث: “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدًا كتاب الله وعترتي أهل بيتي”، الحديث النبوي يشير ويؤكّـد على ضرورية العلم؛ لأَنَّنا بطبيعتنا البشرية والمجتمع البشري ينسى أَو يتناسى، والله سبحان وتعالى أكّـد ذلك في عدة آيات قرآنية “وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْـمُؤْمِنِينَ” وقال تعالى: “أَو يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى” وقال تعالى: “إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِـمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَو أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ”
التذكير مسألة مهمة جِـدًّا في الواقع البشري، شريحة يجب أن تتفعل بشكل مُستمرّ، يجب أن نستمد من آل بيت الرسول ونسعى بها في مناكب الأرض، فمن عدل الله ورحمته بالبشرية جعل لكُل أُمَّـة قائد، لكُل عصر علم من آل بيت النبوة يرشدهم يعلمهم الكتاب والحكمة يزكيهم ويعلمهم، ها نحن أبناء اليوم نعيش في واقع مأساوي، واقع كما قال فيه الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- “أشد من الجاهلية الأولى” علماء سوء تحكم الأُمَّــة وقيادات دنيوية، بشر أشبه بالأنعام بل أضل، نرى الباطل يتوسع بشكل مخيف والحق يكمم، شعوب دول حكام عظموا وألّهوا دولًا عظمى، ذُات نفوذ كبير وقوات عسكرية ضخمة، خوف منهم ورهبة، إلا أن مشيئة الله اختصت لهذه المرحلة الحساسة قائد من آل محمد، قائد، فذ، صلب، قوي بقوة الدين، رحيم على المؤمنين، شديد على الكافرين، لا يخاف في الله لومة لائم، يهيئ الله له الساحة، بعراقيلها وتهيئاتها ليزعزع الذي في قلوبهم مرض، ويثبت الله الذين قالوا الله ربنا ثم استقاموا، ليمحص الله ما بين المتبعين حق الاتباع وما بين نفاق القلب.
عندما تحَرّك الشهيد القائد ويليه السيد القائد لم يكتفيا بحدود محافظة صعدة وضواحيها، تحَرّكوا بمنظور عالمي شامل، تحرير شبه الجزيرة العربية من الهيمنة والاستعمار، لم ينصاعوا كبقية الأُمَّــة، تحَرّكوا من واقع المسؤولية التي ألقيت على عاتقهما رغم الحروب التي شنت والعداء الذي فرض عليهم من بقية الشعوب، تسابقت الأيّام والليالي واتسعت دائرة المسيرة القرآنية وأطلقت كشرارة تحرق الأعادي ولا تذر، بقيادة القائد الرباني والسيد الأغر، وحينما استقرت المسيرة القرآنية على مؤسّسات ووزارات الدولة، أخذ السيد القائد بتغييرها جذريًّا بما في ذلك مصالح الشعب وتقليص حجم الوزارات، تحدى الدول ووقف بصف غزة وناصر لبنان، جعل من الجيش اليمني جيشاً قويًّا، بنى بالثقافة القرآنية، أعد منهم جندًا ذوي خبرات في التصنيع الحربي والتطوير.
لم يكن للسيد القائد جانب واحد فقط “العسكري” بل احتضن جميع الجوانب؛ فترى تنوع الخطابات، تهذيب النفس وتعليمها، التناصح فيما بيننا، أهميّة تقوى الله، للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان زاداً ودواء للروح، خطورة الحرب الناعمة، وتجنب الكذب والغيبة، آداب الأكل، آداب الكلام، تطرق للأشياء الصغيرة التي قد تنساها الأم في تعليم صغيرها، أغلب محاضراته كانت تعيد ترميم الروح، تماسك المجتمع والرأفة والرحمة ببعضنا البعض، تحدث عن التكافل الاجتماعي وعن الوعي، تطرق لكُل ما قد يجعله يقف أمام الله قائلًا اللهم إني أديت الأمانة كما ينبغي، فلكل أُمَّـة علم وقائد وأمتنا ابن البدر قائدها..
اللهم ثبّتنا على دين نبيك تحت راية وليك ابن وليك، وتقبلنا يا رب معه، وثبتنا وأطل في عمره وابقه للعالم أجمع، أنت تعلم ما لا يعلمون يا الله.