الذكرى 139 لفتح المهدي للخرطوم: الخليفة عبد الله أحب أمينة المصرية في حين أحبت أمينة موز الجنينة حسن! (2-2)
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
مرت هذه الذكرى لفتح الخرطوم في يومنا والمدينة في براثن واقع حرب لاحتلالها. فاختلط تاريخ فتح الخرطوم بواسطة المهدي بواقع الصراع حولها ليومنا بين القوات المسلحة و”الدعم السريع”. فتبنّى طرف “الدعم السريع” الفتح كسابقة لإهلاك “دولة 56” في السودان والتي رغب في وراثتها “كقرية بطرت معيشتها”، وهي الآية التي تلاها المهدي نفسه في أول خطبة جمعة له بعد نصره على الحكومة التركية.
سيرى من اطلع على مقايسة البعض لهجوم الدعم السريع على الخرطوم بفتحها على يد المهدي أنهم قبلوا بالسلطان المعرفي للكتابات الأوربية عن المهدية. فلم يخضعوها للنقد الذي يتعارف عليه ب”تفكيك المعرفة الاستعمارية” في مجال العلوم المعاصرة. وهي كتابات خرجت من مصنع تعبئة الرأي العام البريطاني للحماسة لفكرة “استعادة السودان”، وهي العبارة في صيغتها التاريخية والمقصود استعادته للخديوية المصرية، التي كانت وجدت معارضة مستقيمة من وليام قلادستون رئيس الوزراء بذاته. وصبت تلك التعبئة جام نيرانها على الخليفة عبدالله ودولته لتدخل في روع البريطانيين نبل مهمة استنقاذ السودانيين من مستبد شرقي كما يقال. وتولت كبر ذلك الأرزاء بدولة المهدية إدارة الاستخبارات بالجيش المصري التي كان عليها ريقنالد ونجت باشا الذي صار حاكماً عاماً على السودان بعد استعادته. وكانت أبرز إسهاماته في باب هذه التعبئة تحريره كتابات ردولف سلاطين، حاكم دارفور في الدولة التركية في السودان، والقس جوزيف أهروالدر ممن هربوا من محبسهم في أم درمان وكتبوا كشاهدي عيان في الألمانية عن استبداد الخليفة عبدالله وشروره. وزاد كتاباتهما ضغثاً على إبالة تحرير ونجت للكتابين في الإنجليزية كما سيرد.
وكانت تلك التعبئة للإمبراطورية في بريطانيا عامة. وتناولها بسداد الأكاديمي البريطاني جون مكنزي في كتابه “الدعاية والإمبراطورية: استغلال الرأي العام البريطاني، (1880-1960)” الصادر عام (1984)، فلم تكن الحكومة البريطانية، في قوله، طرفاً كبيراً في هذه الدعاية المحرضة لبناء الإمبراطورية البريطانية، ولكن تكفلت بها في آخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 وكالات دعائية تجارية سرّبت دعوتها إلى المجتمع في دوائر التعليم والجيش والكنائس وعامة الناس الذين توسلت لهم بالعروض المسرحية والترفيهية والمعارض، وسمّى مكنزي تعبئة عامة الناس لدعم بناء الإمبراطورية بـ “الإمبريالية الشعبية”.
ومن المستغرب خضوع صفوتنا للمعارف التي تلقتها عن أدب الدعاية الإمبريالية عن المهدية لا تزيد على إعادة إنتاجه كما رأينا في حين كان من انتقد هذا الأدب هو من أسس للتأرخة المهنية للمهدية. وهو الأكاديمي الإنجليزي ب م هولت الذي استأجرته الإدارة البريطانية خلال الخمسينيات لفهرسة وثائق الدولة المهدية التي كانت توافرت على جمعها بدأب خلال استعادة السودان وحفظتها طوال تلك الأعوام.
وإلى هولت يرجع فضل مؤسسية التوثيق عندنا التي هي الآن دار الوثائق القومية بالخرطوم، وكتب هولت الكتاب العمدة في تاريخ المهدية وهو “دولة المهدية في السودان” (1958) ليضع كتابي سلاطين وأهروالدر في خانة الدعاية الإمبريالية عن المهدية حيث استحقا، فقال إن الكتابين في الإنجليزية غير ما هما في الألمانية بفضل ترجمة ونجت، رئيس قلم الاستخبارات في الجيش المصري المكلف باستعادة السودان وتحريره لهما.
ونتيجة لتدخل ونجت لم يعد الكتابان مصدرين مستقلين للمعلومات عن المهدية كما ينبغي، بقدر ما هما تلميع تلفيقي لم يضف كثيراً لكتاب ونجت نفسه الذي عنوانه “المهدية والسودان المصري” (1891). فزج ونجت فيهما مواد إما عن سيرة بعض الناس، أو تعلقت بفترة سبقت المهدية، أو وقعت خارج نطاق خبرة أهروالدر وسلاطين الشخصية، علاوة على أنه تبنى في ترجمتهما أسلوباً إثارياً في لغة عاطفية للغاية ومبالغ فيها. ونحت عناوينه على صفحاتهما نحو قصص مغامرات الأطفال. واعتبر هولت كتب ونجت وسلاطين وأهروالدر الثلاثة دعاية للحرب بصورة رئيسة أبقت بعرضها البلاغي والعاطفي الإثاري للحوادث والأشخاص، على فحيح الإهانة والغضب الذي أحسه البريطانيون لمقتل غردون حتى جاء وقت استعادة السودان. وكان مركز الإثارة لاستعادة السودان الذي يعلف الناس بفظاعة حكم المهدية هو معاناة تشارلس غوردون، حكمدار السودان التركي، وآلامه في انتظار الفرج البريطاني من الحصار المضروب عليه من المهدي، ومصرعه أخيراً عند فتح المهدية للخرطوم.
ومما جاء به ماكينزي في معرض الإمبريالية الشعبية مسرحية “سقوط الخرطوم” التي عرضت في لندن عام 1885. وهي دراما عسكرية إثارية عن حملة ولسلي التي اتفق للحكومة البريطانية ابتعاثها لفك الحصار من حول غردون، إلا أن المدينة سقطت في يد المهدي فسبق السيف العذل. وفي المسرحية خائن فرنسي تحول إلى الإسلام عن المسيحية ليحظى بجاه من المهدي، وتجئ مربية هندية في خدمة الإنجليز للسودان لتثأر من الفرنسي الذي حاول اغتصابها في الهند. فحال دونه ضابط بريطاني تصادف أن كان في السودان وقت حضورها للانتقام من الفرنسي. ويظهر غردون نفسه في المسرحية فيطعم امرأة جائعة من بسكويته الخاص، ويحرر رقيقاً، ويرفض قبول فكرة أن بريطانيا قد خذلته. وجاء الجيش الإنجليزي متأخراً ولكن ليس قبل أن يهزم جيش المهدي ويقبض على الفرنسي ويلقى جزاءه على يد الضابط البريطاني.
ومن الطريف أن التأجيج للقضاء على الدولة المهدية لم يقتصر على البريطانيين بل شمل المصريين كالطرف الذي سيستعاد السودان لحظيرتهم بعد أن تمرد عليهم لنحو عقدين. فكتب الأكاديمي المصري سيد علي إسماعيل كتاباً قيماً هو “الثورة المهدية على المسرح المصري: 1896-1926” قدم له المرحوم الإمام الصادق المهدي، فمن المسرحيات عن المهدية في مصر نص “المهدي” من وضع المسرحي نجيب حداد عام 1896. وهو زمان بدء حملة استعادة السودان عن الحرب على المهدية. وتغير العنوان إلى “المهدي وفتح الخرطوم”. ومثّل سلامة حجازي في المسرحية. وفيها أحب الخليفة عبدالله أسيرة مصرية اسمها أمينة. بينما أحبت هي أسيراً مصرياً اسمه حسن. وكان السجان يأتي بها له خفية ولكن فاجأهما الخليفة مرة. فاختبأ حسن منه. ثم هجم عليه يريد قتله ولكن جنوده حالوا دونه وأعادوه للسجن. وتحايلت أمينة لفك أسره في وقت كان الجيش المصري قد وصل معسكر الخليفة. وللمرة الثانية يفاجئ الخليفة حسن وأمينة. فهمّا بالانتحار للخلاص من بطش الخليفة الذي أراد قتلهما ولكن حل الجيش المصري وأنقذهما من براثنه.
وقيل إن إقبال الأهالي على عروض المسرحية كان عظيماً. وصفق الناس كثيراً لما ورد فيها من بشائر فوز الجيش المصري. وفي حماستهم لتلك لحرب السودان إبطال لما أشيع من أن المصريين غير راضين عن حملة فتح السودان.
صار التاريخ فينا اجتراراً كيفما اتفق للنازع السياسي لأطراف الخصومة، بل صار انجراراً تسوقه الغرائز السياسة التي لا يلطفها نظر. ولم يعد معيناً لإنتاج معرفة تقيل عثرة الأمة لأنه مجرور بغرائزنا السياسية الفطرية. فكانت معارضة الإنقاذ تجر دولة المهدية لتماثل دولة الإنقاذ بقرينة الثيوقراطية في كل منهما. وهذا اجتراء في التاريخ يسمى بالحاضرويةpresentism) ) تستدعي به واقعة من الماضي لتطابق واقعة في الحاضر، لا لإنتاج معرفة مبتكرة بل كيداً أو غيظاً لتنتهي إلى الجهل بكليهما. ورأى كاتب منّا كيف تنعى هذه المعارضة على الإنقاذ هدمها لمشاريع مثل السكك الحديد ومشروع الجزيرة. فقال إن تلك المعارضة ربما نبحت الشجرة الخطأ. فهي تبكي مؤسسات تنتمي لرأس المال المادي مما بالوسع تداركه، في حين تهدم هي التاريخ الذي هو رأس المال الرمزي الذي إن صار خرائب بقي على حاله.
صفحة من نص مسرحية “المهدي وفتح الخرطوم” التي عرضت على المسرح المصري في 1896
عبد الله علي إبراهيم
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: استعادة السودان الدعم السریع الجیش المصری فتح الخرطوم فی السودان
إقرأ أيضاً:
هيئتا الأوقاف والزكاة تُحييان الذكرى السنوية للشهيد القائد
صنعاء ـ يمانيون
نظمت الهيئة العامة للأوقاف والهيئة العامة للزكاة اليوم الأربعاء بصنعاء ، فعالية خطابية وإنشادية أحياء للذكرى السنوية للشهيد القائد تحت شعار “الشهيد القائد عنوان قضية عادلة ورائد مشروع عظيم “.
وفي الفعالية، اعتبر رئيس الهيئة العامة للأوقاف العلامة عبدالمجيد الحوثي إحياء الذكرى السنوية للشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي مناسبة عظيمة يتجلى فيها صدق الوعد الإلهي بنصرة المؤمنين.
وأضاف أن البصيرة التي تحلى بها الشهيد القائد رضوان الله علية خاصة في تلك المرحلة التي كان يعم الأمة فيها الضلال والظلم والظلام لم تأت من فراغ بل كانت نتيجة ثقته بوعد الله وتمسكه بما جاء في كتاب الله من نور وهداية وتثقفه بالثقافة القرآنية التي انتصر ونصر بها المستضعفين.
وقال ” اليوم نرى ثمرة تلك التضحيات التي قدمها الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه والذي لم يخطر على بال أحد أن أتباعه سيقفون في مواجهة أئمة ورموز الكفر والاستكبار ويمرغون انوفهم في التراب ويعرونهم أمام العالم ويكشفون حقيقتهم بأنهم ضعفاء كما وصفهم الشهيد القائد “.
ولفت العلامة عبدالمجيد الحوثي إلى قوة الشعب اليمني اليوم تجسدت في موقفه مع غزة ونصرة القضية الفلسطينية رغم المسافات والاختلاف التي تجاوزهما المبدأ القرآني الذي أوجب نصرة المسلم في أي أرض كانت.
وأكد رئيس هيئة الأوقاف أن معرفة شخصية الشهيد القائد ومواصلة المشوار الذي بدأه في إيجاد دولة حقيقية دولة العدل والحق لتكون نموذج للدولة الإسلامية يتطلب معرفة الأسس التي بنى عليها مشروعه القرآني.
ونوه بأن الوفاء لدماء الشهداء وفي مقدمتهم الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه يتمثل في المضي على دربه لبناء الدولة التي تكون نموذجا للدولة الإسلامية.
بدوره استعرض رئيس الهيئة العامة للزكاة الشيخ شمسان أبو نشطان جانبا من سيرة ومناقب الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي وما جسده من قيم التضحية والنضال لتصحيح مسار الأمة من خلال المشروع التنويري المستمد من القرآن الكريم.
ولفت إلى أن المشروع القرآني الذي أطلقه الشهيد القائد أصبح اليوم يجوب العالم بصوت الحق والعدالة وأمل للمستضعفين والأحرار في هذه الأمة من خلال المواقف المشرفة للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي تجاه قضايا الأمة في زمن خنوع وتطبيع معظم الأنظمة العربية والإسلامية.
وقال: “دم الشهيد القائد يمثل اليوم بركانا على الظالمين”، مؤكداً أن ثمار تحرك الشهيد القائد ومشروعه القرآني، تجلت في التحرر والاستقلال وصمود الشعب اليمني في مواجهة قوى الاستكبار أمريكا وإسرائيل، ومساندة الشعب الفلسطيني وأبطال المقاومة في غزة خلال معركة “طوفان الأقصى”.
وأعتبر التصنيف الأمريكي وسام فخر بأن اليمن أصبح يرهب أمريكا وأعداء الله، مشيراً إلى أن العالم اليوم ينظر إلى صدق مواقف اليمن التي قدمها على الواقع العملي في إسناد أهل غزة بفخر واعتزاز والذي تجلى بالنصر العظيم.
ودعا الجميع إلى استلهام الدروس والعبر من هذه المواقف العظيمة والسير على هدي المشروع العظيم بكل صدق وإخلاص وخير من يجسد عظمة الإسلام.
كما القيت كلمة من قبل الناشط الإعلامي حميد رزق أكد فيها أن معركة طوفان الأقصى كانت من أهم العوامل التي جعلت من المشروع القرآني الذي تبناه الشهيد القائد مشروعا عالميا وصل صداه إلى كل بقاع الأرض.
ولفت إلى أن الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه هيأ للأمة بمشروعه القرآني و بدمه الطاهر كل عوامل العزة والرفعة والكرامة.
وأوضح رزق أن المتأمل لواقع الأمة الإسلامية يجد أن الشعب اليمني هو الشعب الوحيد الذي خرج من عباءة التبعية والانبطاح وحطم كل قيود الارتهان لدول الاستكبار والطغيان واستطاع بكل قوة وعزة أن ينصر الأشقاء في فلسطين وما كان له أن يحقق ذلك إلا بالسير على نهج الشهيد القائد رضوان الله عليه.
تخلل الفعالية، التي حضرها نائب رئيس الهيئة العامة للأوقاف عبدالله علاو ووكلاء الهيئة وقيادات ووكلاء الهيئة العامة للزكاة ، فقرات إنشادية عبرت عن عظمة المناسبة وتكريم أسرة الشهيد القائد بدرع الوفاء والمقدم من هيئتي الأوقاف والزكاة.