مرت هذه الذكرى لفتح الخرطوم في يومنا والمدينة في براثن واقع حرب لاحتلالها. فاختلط تاريخ فتح الخرطوم بواسطة المهدي بواقع الصراع حولها ليومنا بين القوات المسلحة و”الدعم السريع”. فتبنّى طرف “الدعم السريع” الفتح كسابقة لإهلاك “دولة 56” في السودان والتي رغب في وراثتها “كقرية بطرت معيشتها”، وهي الآية التي تلاها المهدي نفسه في أول خطبة جمعة له بعد نصره على الحكومة التركية.

أما طرف القوات المسلحة فاسترجع في الذكرى، وقد رأى خراب المدينة على يد “الدعم السريع”، ما أذيع عن الدمار الذي لحق بالخرطوم خلال فتح المهدي لها. فضرست ذكرى الفتح نشر مادة معربة في المواقع عن “أوتاقو ديلي” النيوزيلندية (19 يناير 1899) شديدة الخصومة للخليفة عبدالله، القائم على أمر السودان يومها. فذكرت من فظائعه مثل قتل 15 ألف من سكان الخرطوم عند الفتح، وبطش بطشاً لم يرحم معه الدبلوماسيين ولا رجال الدين، فبتر يد القنصل الإغريقي وقطع جسده إرباً بالسواطير ورمى بأجزاء جسده على قارعة الطريق. كما علق راهبة أسترالية من معصميها على عارضة مرتفعة وجلدها بعصا سميكة على باطن قدميها وقلع أظافرها من قدميها.

سيرى من اطلع على مقايسة البعض لهجوم الدعم السريع على الخرطوم بفتحها على يد المهدي أنهم قبلوا بالسلطان المعرفي للكتابات الأوربية عن المهدية. فلم يخضعوها للنقد الذي يتعارف عليه ب”تفكيك المعرفة الاستعمارية” في مجال العلوم المعاصرة. وهي كتابات خرجت من مصنع تعبئة الرأي العام البريطاني للحماسة لفكرة “استعادة السودان”، وهي العبارة في صيغتها التاريخية والمقصود استعادته للخديوية المصرية، التي كانت وجدت معارضة مستقيمة من وليام قلادستون رئيس الوزراء بذاته. وصبت تلك التعبئة جام نيرانها على الخليفة عبدالله ودولته لتدخل في روع البريطانيين نبل مهمة استنقاذ السودانيين من مستبد شرقي كما يقال. وتولت كبر ذلك الأرزاء بدولة المهدية إدارة الاستخبارات بالجيش المصري التي كان عليها ريقنالد ونجت باشا الذي صار حاكماً عاماً على السودان بعد استعادته. وكانت أبرز إسهاماته في باب هذه التعبئة تحريره كتابات ردولف سلاطين، حاكم دارفور في الدولة التركية في السودان، والقس جوزيف أهروالدر ممن هربوا من محبسهم في أم درمان وكتبوا كشاهدي عيان في الألمانية عن استبداد الخليفة عبدالله وشروره. وزاد كتاباتهما ضغثاً على إبالة تحرير ونجت للكتابين في الإنجليزية كما سيرد.

وكانت تلك التعبئة للإمبراطورية في بريطانيا عامة. وتناولها بسداد الأكاديمي البريطاني جون مكنزي في كتابه “الدعاية والإمبراطورية: استغلال الرأي العام البريطاني، (1880-1960)” الصادر عام (1984)، فلم تكن الحكومة البريطانية، في قوله، طرفاً كبيراً في هذه الدعاية المحرضة لبناء الإمبراطورية البريطانية، ولكن تكفلت بها في آخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 وكالات دعائية تجارية سرّبت دعوتها إلى المجتمع في دوائر التعليم والجيش والكنائس وعامة الناس الذين توسلت لهم بالعروض المسرحية والترفيهية والمعارض، وسمّى مكنزي تعبئة عامة الناس لدعم بناء الإمبراطورية بـ “الإمبريالية الشعبية”.

ومن المستغرب خضوع صفوتنا للمعارف التي تلقتها عن أدب الدعاية الإمبريالية عن المهدية لا تزيد على إعادة إنتاجه كما رأينا في حين كان من انتقد هذا الأدب هو من أسس للتأرخة المهنية للمهدية. وهو الأكاديمي الإنجليزي ب م هولت الذي استأجرته الإدارة البريطانية خلال الخمسينيات لفهرسة وثائق الدولة المهدية التي كانت توافرت على جمعها بدأب خلال استعادة السودان وحفظتها طوال تلك الأعوام.

وإلى هولت يرجع فضل مؤسسية التوثيق عندنا التي هي الآن دار الوثائق القومية بالخرطوم، وكتب هولت الكتاب العمدة في تاريخ المهدية وهو “دولة المهدية في السودان” (1958) ليضع كتابي سلاطين وأهروالدر في خانة الدعاية الإمبريالية عن المهدية حيث استحقا، فقال إن الكتابين في الإنجليزية غير ما هما في الألمانية بفضل ترجمة ونجت، رئيس قلم الاستخبارات في الجيش المصري المكلف باستعادة السودان وتحريره لهما.

ونتيجة لتدخل ونجت لم يعد الكتابان مصدرين مستقلين للمعلومات عن المهدية كما ينبغي، بقدر ما هما تلميع تلفيقي لم يضف كثيراً لكتاب ونجت نفسه الذي عنوانه “المهدية والسودان المصري” (1891). فزج ونجت فيهما مواد إما عن سيرة بعض الناس، أو تعلقت بفترة سبقت المهدية، أو وقعت خارج نطاق خبرة أهروالدر وسلاطين الشخصية، علاوة على أنه تبنى في ترجمتهما أسلوباً إثارياً في لغة عاطفية للغاية ومبالغ فيها. ونحت عناوينه على صفحاتهما نحو قصص مغامرات الأطفال. واعتبر هولت كتب ونجت وسلاطين وأهروالدر الثلاثة دعاية للحرب بصورة رئيسة أبقت بعرضها البلاغي والعاطفي الإثاري للحوادث والأشخاص، على فحيح الإهانة والغضب الذي أحسه البريطانيون لمقتل غردون حتى جاء وقت استعادة السودان. وكان مركز الإثارة لاستعادة السودان الذي يعلف الناس بفظاعة حكم المهدية هو معاناة تشارلس غوردون، حكمدار السودان التركي، وآلامه في انتظار الفرج البريطاني من الحصار المضروب عليه من المهدي، ومصرعه أخيراً عند فتح المهدية للخرطوم.

ومما جاء به ماكينزي في معرض الإمبريالية الشعبية مسرحية “سقوط الخرطوم” التي عرضت في لندن عام 1885. وهي دراما عسكرية إثارية عن حملة ولسلي التي اتفق للحكومة البريطانية ابتعاثها لفك الحصار من حول غردون، إلا أن المدينة سقطت في يد المهدي فسبق السيف العذل. وفي المسرحية خائن فرنسي تحول إلى الإسلام عن المسيحية ليحظى بجاه من المهدي، وتجئ مربية هندية في خدمة الإنجليز للسودان لتثأر من الفرنسي الذي حاول اغتصابها في الهند. فحال دونه ضابط بريطاني تصادف أن كان في السودان وقت حضورها للانتقام من الفرنسي. ويظهر غردون نفسه في المسرحية فيطعم امرأة جائعة من بسكويته الخاص، ويحرر رقيقاً، ويرفض قبول فكرة أن بريطانيا قد خذلته. وجاء الجيش الإنجليزي متأخراً ولكن ليس قبل أن يهزم جيش المهدي ويقبض على الفرنسي ويلقى جزاءه على يد الضابط البريطاني.

ومن الطريف أن التأجيج للقضاء على الدولة المهدية لم يقتصر على البريطانيين بل شمل المصريين كالطرف الذي سيستعاد السودان لحظيرتهم بعد أن تمرد عليهم لنحو عقدين. فكتب الأكاديمي المصري سيد علي إسماعيل كتاباً قيماً هو “الثورة المهدية على المسرح المصري: 1896-1926” قدم له المرحوم الإمام الصادق المهدي، فمن المسرحيات عن المهدية في مصر نص “المهدي” من وضع المسرحي نجيب حداد عام 1896. وهو زمان بدء حملة استعادة السودان عن الحرب على المهدية. وتغير العنوان إلى “المهدي وفتح الخرطوم”. ومثّل سلامة حجازي في المسرحية. وفيها أحب الخليفة عبدالله أسيرة مصرية اسمها أمينة. بينما أحبت هي أسيراً مصرياً اسمه حسن. وكان السجان يأتي بها له خفية ولكن فاجأهما الخليفة مرة. فاختبأ حسن منه. ثم هجم عليه يريد قتله ولكن جنوده حالوا دونه وأعادوه للسجن. وتحايلت أمينة لفك أسره في وقت كان الجيش المصري قد وصل معسكر الخليفة. وللمرة الثانية يفاجئ الخليفة حسن وأمينة. فهمّا بالانتحار للخلاص من بطش الخليفة الذي أراد قتلهما ولكن حل الجيش المصري وأنقذهما من براثنه.

وقيل إن إقبال الأهالي على عروض المسرحية كان عظيماً. وصفق الناس كثيراً لما ورد فيها من بشائر فوز الجيش المصري. وفي حماستهم لتلك لحرب السودان إبطال لما أشيع من أن المصريين غير راضين عن حملة فتح السودان.

صار التاريخ فينا اجتراراً كيفما اتفق للنازع السياسي لأطراف الخصومة، بل صار انجراراً تسوقه الغرائز السياسة التي لا يلطفها نظر. ولم يعد معيناً لإنتاج معرفة تقيل عثرة الأمة لأنه مجرور بغرائزنا السياسية الفطرية. فكانت معارضة الإنقاذ تجر دولة المهدية لتماثل دولة الإنقاذ بقرينة الثيوقراطية في كل منهما. وهذا اجتراء في التاريخ يسمى بالحاضرويةpresentism) ) تستدعي به واقعة من الماضي لتطابق واقعة في الحاضر، لا لإنتاج معرفة مبتكرة بل كيداً أو غيظاً لتنتهي إلى الجهل بكليهما. ورأى كاتب منّا كيف تنعى هذه المعارضة على الإنقاذ هدمها لمشاريع مثل السكك الحديد ومشروع الجزيرة. فقال إن تلك المعارضة ربما نبحت الشجرة الخطأ. فهي تبكي مؤسسات تنتمي لرأس المال المادي مما بالوسع تداركه، في حين تهدم هي التاريخ الذي هو رأس المال الرمزي الذي إن صار خرائب بقي على حاله.

صفحة من نص مسرحية “المهدي وفتح الخرطوم” التي عرضت على المسرح المصري في 1896
عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: استعادة السودان الدعم السریع الجیش المصری فتح الخرطوم فی السودان

إقرأ أيضاً:

(Africa Confidential) رفضًا للمحادثات، برهان يعود إلى قصره وعاصمته المحطمة

في 15 أبريل/نيسان 2025، سيُحيي الفريق أول عبد الفتاح البرهان ذكرى مرور عامين على الحرب ضد قوات الدعم السريع من القصر الرئاسي بالخرطوم. وبينما تُجبر فلول مقاتلي قوات الدعم السريع على الفرار من المدينة عبر جبل أولياء أو القتال حتى الموت، لا تزال القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان والميليشيات المتحالفة معها تُحاصرهم.

تقرير : Africa Confidential

4 أبريل 2025

*_إن القوميين المتطرفين والإسلاميين الذين ساعدوا الجيش في هزيمة قوات الدعم السريع في الخرطوم سيظلون يطاردون النظام الجديد._*

في 15 أبريل/نيسان 2025، سيُحيي الفريق أول عبد الفتاح البرهان ذكرى مرور عامين على الحرب ضد قوات الدعم السريع من القصر الرئاسي بالخرطوم. وبينما تُجبر فلول مقاتلي قوات الدعم السريع على الفرار من المدينة عبر جبل أولياء أو القتال حتى الموت، لا تزال القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان والميليشيات المتحالفة معها تُحاصرهم.

تُمثّل استعادة القوات المسلحة السودانية للعاصمة انتصارًا رمزيًا واستراتيجيًا. فهي تُعزّز سلطة البرهان كسلطة شرعية، باعتراف الأمم المتحدة. كما تُوجّه ضربةً حاسمةً لمحاولة لجنرال محمد حمدان دقلو حميدتي إقامة حكومة منافسة مدعومة من الإمارات العربية المتحدة (AC المجلد 66 رقم 4، يختار الجنرالات التقسيم على السلام وDispatches 24/3/25، تسيطر قوات البرهان على القصر الرئاسي، وتشدد قبضتها على الخرطوم ).

عندما عقدت قوات الدعم السريع اجتماعها العام في نيروبي في 22 فبراير/شباط، قدمت دستورًا جديدًا يعلن السودان "دولة علمانية ديمقراطية لامركزية تقوم على فصل الدين عن الدولة، والمواطنة المتساوية كأساس للحقوق والواجبات".

وتريد الحركة الحصول على الدعم الإقليمي والدولي لمعارضة عودة الإسلاميين إلى السلطة في السودان تحت قيادة برهان، وتشن هجوما على إحياء نظام الجبهة الإسلامية القومية في الخرطوم الذي حكم من عام 1989 حتى الإطاحة به في عام 2019 (المجلد 66 رقم 5، حميدتي يكافح من أجل الانطلاق في نيروبي، مرة أخرى ).

بعد استعادة القوات المسلحة السودانية للخرطوم الشهر الماضي، يُجري قادة الأعمال والمسؤولون الإقليميون محادثات مع البرهان بشأن تمويل إعادة إعمار العاصمة. إلا أن عملية الانتقال المُتوخاة بعد التعديلات الدستورية في 20 فبراير تواجه العديد من العقبات. تمنح هذه التعديلات القوات المسلحة السودانية السيطرة لمدة 39 شهرًا قبل الانتخابات التي تُنقل فيها السلطة إلى المدنيين. وتشمل القضايا الرئيسية إدارة المناطق المُحررة شرق النيل، ومواصلة الهجوم لاستعادة دارفور، والتواصل مع الشركاء الدوليين.

اعتمد انتصار القوات المسلحة
السودانية في الخرطوم بشكل كبير على دعم الميليشيات المرتبطة بالنظام السابق، والإسلاميين، والجبهة الإسلامية القومية الحاكمة سابقًا، وحزب المؤتمر الوطني. في أواخر عام 2024، غيّرت كتيبة البراء بن مالك اسمها إلى لواء، مما يعكس توسعها ليتجاوز ١٥ ألف عضو. تسد هذه المجموعة نقص المشاة الذي عانت منه القوات المسلحة السودانية منذ فترة طويلة، وهي مجهزة لنشر الطائرات المسيرة والمدفعية.

لا أحد يعلم ما إذا كان من الممكن احتواء الخلافات السياسية بين القوات المسلحة السودانية والميليشيات. فبرهان، على عكس البشير، ليس إسلاميًا متشددًا، وقد يخشى أن تحد الفصائل الإسلامية في الخرطوم من طموحاته السياسية. قد يستهدف البعض برهان لإصداره أمر اعتقال البشير في أعقاب ثورة أبريل 2019. غالبًا ما تكون العلاقة بين ضباط القوات المسلحة السودانية والمقاتلين الإسلاميين غامضة عمدًا.

ليس من الواضح ما إذا كانت الميليشيات الإسلامية ستعطي الأولوية لدورها العسكري إلى جانب القوات المسلحة السودانية في استعادة غرب السودان ودارفور، أم ستركز على دور سياسي أكثر وضوحًا في إعادة بناء وتوطيد جهاز الدولة في الخرطوم. حتى الآن، ركز الإسلاميون على السيطرة على التعيينات القضائية والإدارية والدبلوماسية، في الوقت الذي يستعدون فيه للانتقال السياسي. وقد أعطوا الأولوية لإطلاق سراح كوادر حزب المؤتمر الوطني المسجونين، وفك تجميد أصول الشركات الإسلامية الواجهة المحظورة، والتي تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات الأمريكية.

قد يستغرق ظهور التوترات المُنهكة بين الإسلاميين والضباط بعض الوقت. فمع تدفق أموال طائلة إلى الخرطوم، وتقييد موسم الأمطار للعمليات العسكرية، سيتحول الاهتمام إلى اتفاقيات تقاسم السلطة غير الرسمية في الخرطوم.

كانت الميليشيات الإسلامية الأكثر استهدافًا للمشتبه بتعاونهم مع قوات الدعم السريع. وقد اعتُقل واحتُجز أكثر من 900 شخص في ولاية الجزيرة. ويخشى الكثيرون في الخرطوم من أن يُصنّف مواطنو جبال النوبة وجنوب السودان على أنهم من مؤيدي قوات الدعم السريع، ويُقتلوا رميًا بالرصاص فورًا. وينطبق هذا أيضًا على النشطاء المشاركين في ثورة 2019 ضد الإسلاميين ونظام البشير. كما يُحتمل استهداف الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني.

يُخطط كبار ضباط القوات المسلحة السودانية
للمرحلة التالية من الحرب. ويهدفون إلى تطهير الخرطوم وولايات أخرى على الضفة الشرقية لنهر النيل من فلول قوات الدعم السريع. ثم يخططون للتقدم نحو غرب السودان لتعزيز سيطرتهم على الأبيض ومعظم كردفان، وشن عمليات عسكرية في جنوب دارفور، مع تعزيز الفرقة السادسة للمشاة والقوات المشتركة في شمال دارفور.

قد تواجه هذه الخطط عقباتٍ جسيمة. فالأمن في "المناطق المحررة" أضعف مما كان متوقعًا، مما يتطلب نشر المزيد من القوات والميليشيات لتسهيل عودة النازحين وتأمين خطوط الإمداد.

يُبرز هذا التباين الجغرافي في المواقف تجاه القوات المسلحة السودانية. فالأراضي التي انتُزعت من قوات الدعم السريع إما داعمة للجيش، أو، وهو الأرجح، معادية لها أساسًا لأسباب عدة، منها التحيز العرقي ضد مقاتلي قوات الدعم السريع من دارفور.

لكن هذا العداء يتراجع مع تقدم القوات المسلحة السودانية والميليشيات المتحالفة معها غربًا نحو دارفور. فالولاءات المجتمعية مستقطبة بشدة، مما يُصعّب على القوات المسلحة السودانية تحديد حلفائها. كل هذا قد يُبطئ أو يُعرقل العمليات العسكرية للقوات المسلحة السودانية.

في الأسابيع القليلة الماضية، أعادت القوات المسلحة السودانية تنظيم الوحدات التي فرت إلى جنوب السودان من جنوب دارفور وبقيت بالقرب من الحدود في عام 2024. وقد ترى الآن فرصة لإعادة تنظيم هذه الوحدات وتحويلها إلى قوة عسكرية قادرة على استهداف مناجم الذهب التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وحلفاؤها - مما قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات بين المجتمعات أو القادة الذين لديهم وجهات نظر مختلفة بشأن قوات الدعم السريع وحميدتي.

على مدار العام الماضي، تكررت اشتباكات قبيلتي البقارة والرزيقات. وتتجسد التوترات بين قبيلتي المحاميد والماهرية، مدفوعةً بطموحات قبلية وسياسية، بين قبيلتي الرزيقات في العداء طويل الأمد بين موسى هلال ، أحد قادة المحاميد والقائد السابق لميليشيا الجنجويد ، وحميدتي، المنتمي إلى الماهرية (AC المجلد 63 العدد 19، ازدواجية خطاب المجلس العسكري بشأن المرحلة الانتقالية ).

يتطلب التوصل إلى حل سياسي وقتًا ورؤيةً ثاقبة. وكلاهما نادرٌ بعد عامين من الحرب المدمرة. ولا يزال الدفاع عن شمال دارفور أكثر صعوبة. ويبدو تعزيز القوات المشتركة، ولا سيما جماعات الزغاوة المسلحة، أمرًا منطقيًا وضروريًا.

ومع ذلك، لا تزال قوات الدعم السريع تُظهر قدرتها على الاستيلاء على مواقع رئيسية مثل مليحة والاحتفاظ بها. تُعدّ المدينة، معقلًا للقوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة، ملتقى طرق استراتيجيًا يربط الدبة شمالًا، وحمرة الشيخ في شمال كردفان شرقًا، والفاشر جنوبًا. وقد وصلت قوات الدعم السريع مع نحو 700 مركبة قتالية، وسيطرت على المدينة واحتفظت بالسيطرة عليها. هذا على الرغم من تعزيز القوات المشتركة من الخارج.

وأفادت قبيلة الميدوب بمقتل العشرات من أعضائها على يد قوات الدعم السريع.

إذا منحت القوات المسلحة السودانية مزيدًا من المصداقية لميني أركو مناوي ، زعيم فصيل من حركة تحرير السودان، وقادة آخرين من قبيلة الزغاوة، فقد يدفع ذلك إلى مطالبات بتقاسم السلطة خارج دارفور. كما قد يُفاقم ذلك من توتر العلاقات مع تشاد ورئيسها محمد إدريس ديبي إتنو "كاكا .

---------------------------------------------

*خاطبو ود الخرطوم يتنافسون على الصدارة*

تقرير : Africa Confidential

على قائد القوات المسلحة السودانية، الفريق أول البرهان، توضيح موقفه من العلاقات الإقليمية والدولية. فقد أعاد هجومه على مناطق عديدة، بما فيها العاصمة، إلى سيطرة القوات المسلحة السودانية، إلا أنه اعتمد بشكل كبير على الأسلحة واللوجستيات من روسيا وإيران ومصر وتركيا وقطر . إن إدارة قاعدة دعم متباينة كهذه مع الحفاظ على الوصول إلى التمويل الغربي تتطلب براعة دبلوماسية، وهذه ليس أقوى نقاط قوته (المجلد 66، العدد 1، مجلة السياسة الخارجية، المنطقة ستكون أساسية في مساعي إنهاء الحرب ).

زار وفد سعودي السودان في 27 مارس/آذار، مُرسلاً رسالة قوية، وقد أخذه ضباط الجيش السوداني على محمل الجد. وتعهد الوفد، بقيادة السفير السعودي علي بن حسن جعفر ، بتقديم مساعدات إنسانية، وخطط لإعادة بناء العاصمة، ودعم الاقتصاد الكلي للعملة التي أضعفتها الحرب بشدة.

تُميّز الرياض نفسها عن معارضة أبوظبي للإسلاميين ودعمها لقوات الدعم السريع. فهي تريد منع نظام الخرطوم من أن يصبح إما ديمقراطية مدنية أو دميةً في يد الإمارات. وهذه أولوياتٌ مشتركةٌ بين البرهان وحاشيته.

لتعزيز مكانتها، قد تقترح السعودية مبادرة دبلوماسية قد تُثير غضب رئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان . كما قد تعرض على الولايات المتحدة دورًا يُحافظ على مكانتها دون التزامات مباشرة.

تعثرت محاولات تشكيل فريق معني بأفريقيا في إدارة الرئيس دونالد ترامب بالولايات المتحدة. ورفض العقيد جان فيليب بيلتييه، من القوات الجوية الأمريكية، تولي منصب مدير أفريقيا في مجلس الأمن القومي، ظاهريًا، وإن كان مستبعدًا، بسبب خلاف على التعيين.

قد يُتيح المؤتمر حول السودان، الذي تُنظمه بريطانيا في منتصف أبريل/نيسان، منصةً لمبادرة سعودية أمريكية أوروبية. تُدرك الرياض اهتمام عدد من المُشرّعين الأمريكيين، بمن فيهم النائبة سارة جاكوبس ، والسيناتور كريس فان هولن ، والنائب غريغوري ميكس ، الذين انتقدوا علنًا تسليح الإمارات العربية المتحدة لقوات الدعم السريع. وقد يتعاون المسؤولون السعوديون معهم للتصدي لزيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي ونائب حاكم أبوظبي.طحنون بن زايد آل نهيان ، الذي أثارت خططه الاستثمارية السريالية بقيمة 1.4 تريليون دولار أميركي على مدى العقد المقبل الدهشة، حتى بالمعايير الإماراتية.

يتشارك محمد بن زايد نهج ترامب السياسي القائم على الصفقات، والذي لا يحقق أي مكاسب. ويُعد تأييده لاتفاقيات إبراهيم إنجازًا رئيسيًا لترامب في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، مدعومًا بشبكة ضغط فعالة وممولة جيدًا في واشنطن. ومع ذلك، فإن طموح محمد بن زايد في السودان أصبح عبئًا ثقيلًا. خططه أُجهضت مساعي محمد حمدان دقلو "حميدتي" ، المقرب من أبو ظبي، لقيادة السودان، مما يُمثل فشلاً ذريعاً في أفريقيا، من حيث الخسائر البشرية والمالية. يكشف الخطاب العام ووسائل التواصل الاجتماعي أن الدعم الإماراتي المكثف لعمليات حميدتي العسكرية وتهريب الذهب قد أضرّ بسمعة أبوظبي، التي تُعتبر بشكل متزايد في المنطقة أداةً لكسب المال، وخطها الدبلوماسي لا يُعتمد عليه كأي قوة غربية .

حقوق الطبع والنشر © Africa Confidential 2025

   

مقالات مشابهة

  • (Africa Confidential) رفضًا للمحادثات، برهان يعود إلى قصره وعاصمته المحطمة
  • يونيسف تحذر من معاناة 3 ملايين طفل سوداني من سوء تغذية حاد في 2025
  • كيف تضرر قطاع النقل في السودان خلال الحرب الحالية؟
  • رسالة اعتراض من وزير الخارجية السوداني إلى نظيره البريطاني
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • قرقاش يؤكد التزام الإمارات بمستقبل السودان ويهاجم حكومة الخرطوم
  • «الهجرة الدولية» تصف الأوضاع في الخرطوم بـ «المأساوية»
  • عيد محور المقاومة الذي لا يشبه الأعياد
  • الحرب العالمية التجارية التي أعلنها ترمب لا تخصنا في الوقت الراهن
  • إنكسار المليشيا في وسط السودان والعاصمة هو إنتصار كبير ما زلنا بحوجة إلى (..)