يتوقع محللون أن يؤدي الخفض المرتقب لسعر صرف الجنيه المصري (التعويم) إلى تفاقم ارتفاع الأسعار، في وقت تعاني فيه شريحة كبيرة من المصريين من الضغوط المالية.

ونقل موقع "ميدل إيست آي" عن شريف سعيد -وهو عامل مقهى من الجيزة- قوله إنه اعتاد في عام 2011 على شراء وجبة إفطار مكونة من فول مدمس وسلطة وخبز وبيضة من عربة تسوق محلية مقابل 6 جنيهات، لكن الطلب نفسه الآن صار يكلفه أكثر من 40 جنيها.

ويقول سعيد "تذكرة المترو التي كانت بجنيه واحد قبل عقد من الزمن أصبحت الآن بـ20 جنيها، أنا أعمل في الشارع طوال اليوم، وبدأت أرى الكثير من المشردين، إنهم أناس محترمون، لكنهم لا يستطيعون شراء منزل".

وهوت العملة المصرية هذا الأسبوع إلى مستوى غير مسبوق لتصل 72 جنيها للدولار في السوق الموازية، قبل أن تعاود التحسن إلى مستوى 55 جنيها مقابل الورقة الخضراء، لكن السعر في النظام المصرفي الرسمي يبقى عند 31 جنيها.

وتتوالى التقارير التي تشير إلى أن انخفاض قيمة العملة أصبح وشيكا من أجل تقريب السعر الرسمي من السعر الموازي، بحيث تدخل التحويلات المالية وغيرها من العملات الأجنبية إلى الاقتصاد.

ونقل الموقع عن دومينيك فروشتر الخبير الاقتصادي -الذي يركز على أفريقيا- في شركة التأمين الفرنسية "كوفاس" قوله "المستوى الحالي للجنيه المصري (الرسمي) غير قادر على المنافسة، يجب عليهم خفض قيمة العملة، وهو شرط وضعه صندوق النقد الدولي لبرنامجه المالي، طالما لم يكن هناك تخفيض لقيمة العملة فلن يكون هناك برنامج".

"مجرد ضمادة"

ويؤكد التقرير أن مصر على وشك الاتفاق على حزمة مالية جديدة مع صندوق النقد الدولي، وفقا لتقارير متعددة، إذ تمتلك القاهرة بالفعل حزمة بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد، لكنها لم تتلق سوى القليل منها، ويرجع ذلك إلى بطء التقدم في بيع أصول الدولة وفي مرونة سعر الصرف وفي الإصلاحات الاقتصادية الأخرى التي حددها الصندوق.

وأرجأت مصر خفض قيمة العملة -وهو مطلب رئيسي لصندوق النقد الدولي- في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الماضية، إذ كانت ستؤدي إلى تفاقم التضخم المرتفع بالفعل في البلاد، وفق الموقع.

وقال المدير السابق لقسم مصر في البنك الدولي خالد إكرام لـ"ميدل إيست آي" "سيأتي تخفيض قيمة العملة، لكنه لن يكون سوى ضمادة"، فالإجراء سيغير سعر الصرف الاسمي، لكن ليس سعر الصرف الحقيقي المعدل حسب التضخم، وحذر من احتمال حدوث دوامة من خفض قيمة العملة والتضخم.

وأضاف إكرام "ستنتقل التحويلات المالية -التي تأتي عبر القنوات غير الرسمية لأنها كانت أكثر ملاءمة- للقنوات الرسمية، لكن إذا استمر التضخم أعلى من المنافسين فسوف تعود السوق السوداء مرة أخرى".

وسجل التضخم مستوى قياسيا بلغ 38% في سبتمبر/أيلول، قبل أن ينخفض قليلا إلى 34% في نهاية العام الماضي، فيما ترك ارتفاع الأسعار المصريين يكافحون بشدة لتغطية نفقاتهم، وفق التقرير.

ونقل الموقع عن صفاء (58 عاما) -وهي عاملة نظافة في المستشفى الرئيسي بجزيرة الوراق في الجيزة- قولها إنها توقفت عن شراء اللحوم والدجاج، وأصبحت الآن تصنع كل طعامها من النشا والبطاطس والخبز، مضيفة أن الخضروات مثل البصل والطماطم يصعب شراؤها الآن.

وقال فروشتر "على الحكومة أن تعتني بالسكان، ولا يمكنها أن تكتفي بتطبيق علاجات صندوق النقد الدولي، وإلا فقد يكون هناك خطر كبير بوقوع أعمال شغب، عليها مساعدة الأشخاص الأكثر احتياجا من خلال البرامج الاجتماعية"، في إشارة إلى برنامج تكافل وكرامة، وهو برنامج للضمان الاجتماعي ترعاه الدولة.

"الخبز والمراقبة"

بدوره، يقول خالد إكرام -الذي حلل التنمية الاقتصادية في مصر لأكثر من 40 سنة- إنه في حين يتم تحديد إنفاق القاهرة من خلال العوامل المحلية فإن إيرادات البلاد تعتمد بشكل كبير على العوامل الخارجية المتقلبة، حسبما نقل عنه الموقع.

ويضيف إكرام أنه على المستوى الداخلي ثمة قضية اقتصادية سياسية أساسية، فقد قدمت الحكومات المتعاقبة الخدمات العامة الأساسية والإعانات الحكومية والضرائب المنخفضة مقابل البقاء في السلطة، قائلا "كان لدى الرومان الخبز والسيرك، فلسفة مصر هي الخبز والمراقبة لمنع (السكان) من إزعاج أنفسهم".

لكن عندما يتعلق الأمر بإضافة المزيد إلى خزائن الدولة فإن الاقتصاد يتعرض للعوامل الدولية، ويقول إكرام "تعتمد إيرادات قناة السويس على حالة الاقتصاد العالمي، ويتم اتخاذ قرارات المساعدات (المالية) في رؤوس الأموال الأجنبية، وتعتمد التحويلات المالية على الصحة الاقتصادية للمكان الذي يوجد فيه العمال".

وذكر الموقع أن العديد من العوامل الخارجية دمرت مصر في الأشهر والسنوات الأخيرة، وأدت الحرب في أوكرانيا عام 2022 إلى ارتفاع أسعار النفط والغذاء، خاصة القمح الذي تعد مصر أكبر مستورد له في العالم، وروسيا وأوكرانيا من أكبر الموردين.

وفي الآونة الأخيرة حدث انخفاض ملحوظ في السياحة -وهي أحد أكبر مصادر الدخل في مصر- بسبب الحرب على غزة.

وفي الوقت نفسه، شهدت قناة السويس -وهي مصدر مهم آخر للإيرادات- تباطؤا في حركة المرور بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالعام الماضي بسبب تجنب شركات الشحن البحر الأحمر على إثر مخاوف من تعرضها لهجوم من قبل الحوثيين، كما تراجعت تحويلات المصريين في الخارج 29% خلال الربع الأول من العام المالي الحالي مقارنة بالربع المقابل من العام الماضي.

"لا فائدة"

وبحسب الموقع، فإن التحايل على مثل هذه العوامل الخارجية المتقلبة سيتطلب من مصر أن تتخذ خطوات طويلة المدى في التصنيع والتصدير، وهو ما يعني معالجة القضايا المستمرة منذ عقود حول ضعف الإنتاجية والتعليم والبنية التحتية، لكن بالنسبة للمصريين الذين يعانون من ضائقة مالية فإن الاعتبارات الهيكلية بعيدة كل البعد عن اهتماماتهم المباشرة.

وقالت صفاء "لا فائدة من التعليم الآن، فثمة خريجون جامعيون يأتون إلى المستشفى ويريدون العمل حراس أمن أو بستانيين، وفي ظل هذا النظام سنظل دائما فقراء، ولن يُنظر إلينا أبدا على أننا مزدهرون ومحترمون، لذا فإن الحصول على درجة علمية أو عدمها لن يكون مهما".

ونقل الموقع عن أحمد حسنين (23 عاما) -وهو خريج الحقوق بالإسكندرية- أنه تخلى عن وظيفة كاتب براتب 2500 جنيه شهريا ليصبح حارس أمن في مجمع سكني فاخر، حيث يكسب الآن 4 آلاف جنيه شهريا ويحصل على طعام وإقامة مجانية.

وأضاف "هي وظيفة متعبة، لكن هذا هو ما هو متاح، أرسل ألفي جنيه إلى والدي وأحتفظ بمثلها، وأعمل 6 أيام في الأسبوع في نوبات مدتها 12 ساعة، يجب أن أعمل وأركض مثل الدجاجة لإطعام نفسي وعائلتي، وإلا فسنصبح جائعين في هذه الأيام المظلمة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی قیمة العملة

إقرأ أيضاً:

11 مليار دولار في مهب الريح.. النزاع النفطي يشلّ اقتصاد العراق

30 مارس، 2025

بغداد/المسلة: تعثرت مجدداً مفاوضات استئناف تصدير نفط إقليم كردستان عبر خط الأنابيب الرابط بين العراق وتركيا، وسط اتهامات متبادلة بين بغداد وأربيل، وأخرى من شركات نفطية غربية تتهم الطرفين بعرقلة العملية.

وبينما تتصاعد الضغوط الاقتصادية على العراق نتيجة استمرار الإغلاق، يرى باحثون أن العوامل السياسية أكثر تأثيراً من التقنية أو القانونية في هذا الملف.

رابطة صناعة النفط في إقليم كردستان (أبيكور)، التي تمثل ثماني شركات نفط غربية، انتقدت ما وصفته بـ”التقاعس” من قبل بغداد وأربيل عن تقديم حلول عملية لاستئناف الصادرات، مؤكدة أن غياب المقترحات الفعالة من الطرفين يزيد من حالة الغموض حول مستقبل القطاع النفطي في الإقليم.

القوى الكردية في أربيل تتهم قوى سياسية نافذة في بغداد تضغط لإفشال الاتفاقات المرتبطة بتصدير النفط من الإقليم، سعياً لإضعاف النظام الفيدرالي في العراق.

وتعود جذور الأزمة إلى قرار المحكمة الاتحادية في 2022، الذي أبطل قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، مما أدى إلى نزاع قانوني بين بغداد والشركات النفطية العاملة في الإقليم. وأدى ذلك إلى توقف الصادرات عبر خط الأنابيب الممتد إلى تركيا منذ مارس 2023، رغم أن أنقرة أكدت في أكتوبر الماضي جاهزية الخط لإعادة التشغيل.

في المقابل، تتهم وزارة النفط العراقية رابطة “أبيكور” بالتدخل في “شؤون داخلية وخارجية عراقية”، بينما تصر الرابطة على أن المشكلة الأساسية تتعلق بضمانات الدفع، مشيرة إلى أن مستحقات الشركات النفطية لا تزال متأخرة عن صادرات النفط السابقة.

ومع تواصل الأزمة، أبلغت الرابطة مسؤولين أميركيين بضرورة الضغط على بغداد خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى واشنطن منتصف أبريل المقبل، من أجل تسريع استئناف التصدير. وتؤكد أن استمرار الإغلاق تسبب بخسائر مالية تجاوزت 11 مليار دولار للعراق، إضافة إلى غرامات يومية تبلغ 800 ألف دولار بسبب عدم الالتزام بالاتفاقات التعاقدية المتعلقة بإنتاج النفط.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • أسواق آسيا تغرق في دوامة الخسائر والذهب يحلق لقمة جديدة
  • أزمة كروية بين العراق والأردن تلوح في الأفق والمنصات تتفاعل
  • «5 ملايين في 24 ساعة».. ضربة أمنية ضد تجار العملة الأجنبية
  • 11 مليار دولار في مهب الريح.. النزاع النفطي يشلّ اقتصاد العراق
  • صفقة كبرى تلوح في الأفق .. إسرائيل تقترح هدنة طويلة وحماس تضع شروطها
  • العملة الإيرانية تواصل تراجعها الحاد.. الدولار يجتاز 105 ألف تومان
  • الشرع: نعمل على بناء جيش وطني وتقوية العملة السورية
  • إغلاق مضيق هرمز.. إيران تلوح برد خطير إن تعرضت لهجوم أمريكي
  • ظاهرة أثارت الرعب.. سبب ظهور دوامة مضيئة في سماء أوروبا
  • اقتصاد كندا يتعثر في فبراير وسط تصاعد تهديدات الرسوم الجمركية