السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي: الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي استهدفته السلطة الظالمة آنذاك استرضاء منها لأمريكا
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
يمانيون/ خاص
أكد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، أن شهيد القرآن السيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي، رضوان الله عليه استهدفته السلطة الظالمة آنذاك استرضاء منها لأمريكا في عدوان ظالم استمر قرابة 3 أشهر
وقال السيد عبدالملك عبدالملك بدرالدين الحوثي في كلمة له اليوم، بمناسبة إحياء الذكرى السنوية للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، أنه في الـ26 من شهر رجب لـ20 عاماً خلت ارتقى شهيد القرآن السيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه
وأشار السيد عبدالملك أن هذا الاستهداف للشهيد القائد تم بإشراف وتحريض أمريكي في الحرب الأولى وما تلاها من حروب متتالية ضد المشروع القرآني، وأن الحرب الأولى وبقية الحروب مطبوعة بالطابع العدواني والاجرامي والوحشي وبالتكبر والطغيان والظلم.
وأكد السيد القائد أنه لا مبرر ولا مشروعية لاستهداف الشهيد القائد وقضيته أنه تحرك بمشروع قرآني يرشد الأمة للتصدي للهجمة الأمريكية والإسرائيلية والغربية، مضيفاً أن أحداث 11 من سبتمبر صناعة صهيونية لتكون ذريعة للسيطرة المباشرة على المسلمين ومسخ هويتهم واحتلال بلدانهم.
# الذكرى السنوية للشهيد القائد#السيد القائد عبدالملك بدالدين الحوثي#الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثيالمصدر: يمانيون
كلمات دلالية: بدر الدین الحوثی السید القائد القائد حسین
إقرأ أيضاً:
اقتلاع الكيزان: الوهم والحقيقة (2 من 2)
بقلم: الريح عبد القادر
بطلان أسس الفكر الإخواني
منذ البداية، لن نقع في استدراج نقد تجربة حكم الإخوان وممارساتهم. سيكون ذلك عملاً مُضلِّلاً. ينطوي نقد التجربة على الاعتراف الضمني بشرعيتها. لكن ما نريد إثباته هو أن هذه التجربة ما كان لها أن تقوم أصلاً. لا يصح مطلقاً في الإسلام أن يسعى الفرد أو الجماعة إلى الحكم. إذن فالخطأ ليس في التطبيق فحسب، بل قبل ذلك في المبدأ نفسه الذي قامت عليه تلك التجربة المريرة.
من الأوهام الكبرى التي تفشّت بين الناس بسبب الفكر الإخواني اعتقاد الكثيرين أن طلب السلطة والحكم، أو الملك، أو الرئاسة، بل حتى إمامة المسلمين، أمر جيد للشخص يجوز له أن يتمناه، وأن يطلبه، ويسعى إليه، بل أن يقاتل، فيقتُل أو يُقتل، للظفر به. يشكل هذا الوهم حاجزاً يحول دون الفهم الصحيح للدين، وتترتب عنه آثار كارثية على الفرد والجماعة. وطلب الحكم هو السبب الكامن وراء الصراعات والنزاعات السابقة والقائمة واللاحقة. وما طلب الحكم إلا مرحلة من مراحل مرضٍ خفي، كامن في النفوس، هو حب التميز، والظهور على الآخرين. وحين يستبد ذلك المرض بالشخص تسول له نفسه طلب الحكم، تحقيقاً لذلك التوق إلى العلو. ويرتبط العلو ارتباطاً عضوياً بالفساد: "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يبغون علواً في الأرض ولا فسادا".
وللوصول إلى السلطة يجد الشخص أنه مستعد لتجاوز ثلاث عتبات تفضي إلى الشر المطلق. العتبة الأولى هي العتبة الأخلاقية (الكذب، الخيانة، الغدر...)؛ فإذا انخرط الشخص في عملية تحقيق الوصول إلى الحكم يصبح مستعداً لتجاوز عتبة الشر الثانية، وهي العتبة الجنائية (الأذى الجسيم، السرقة،... قتل ثلث الشعب)؛ ثُمّ ما إن يتذوق الشخص طعم السلطة المُسْكِر حتى يصبح على الفور مدمناً لا فكاك له من ادمانه، فيكون مستعداً لتجاوز العتبة الأخيرة، وهي العتبة الكفرية (مبارزة الله، والرضا بالدنيا بديلاً عن الآخرة، اختياراً).
ومع الإقرار بعظم أمر الحكم في حياة كل أمة، فإنّ هناك مبدأ ثابتاً كان ينبغي أن يكون من المسلمات ومما هو معلوم من الدين بالضرورة لدى جميع الناس. ذلك المبدأ هو أن الحكم ليس أمراً جيداً على المستوى الشخصي لمن يُكلف به. بمعنى أنه كان ينبغي أن يكون معلوماً لكل واحد منا أنه ليس من الخير له أن يحظى بأي منصب من مناصب الحكم. ومثلما أن العافية خير لك من المرض، والسلامة خير لك البلاء، فكذلك أن تكون عاطلاً من مناصب الحكم خير لك من أن تكون مبتلىً بواحدٍ منها. ومثلما أنّ من الحمق أنْ يقول شخص "اللهم أمرضني فأصبر فتدخلني الجنة"، فكذلك حال من يسعى إلى الحكم ويحرص عليه متوهماً أنه سيتقرب إلى الله بالقيام بالانقلابات، أو بإنشاء الحركات المسلحة، أو تكوين الأحزاب الطامحة إلى السلطة. إذن فإن مجئ الحكم إليك إنما هو مثل نزول المصيبة عليك: أنت لا تريد المصيبة ولا المرض، لكن إن وقع لك شيء من ذلك رضيتَ بقدرك، ولكنك لم تزل تلتمس العافية. وخير ما يؤتي المرء في دنياه العافية، ومن العافية أن تكون عاطلاً من أي منصب من مناصب الحكم. ذلك لأن الحكم تكليف، وأمانة ثقيلة، ومسؤولية كبيرة، وليس تعظيماً، ولا تشريفاً، ولا تنعيماً. وخروجك من الحكم معافىً، لم تظلمْ ولم تُقَصِّر، مطلبٌ عزيزٌ لم يقدر عليه معظم الحكام قديماً وحديثا. ولذلك فإن من الحُمق أن يختار شخص، بمحض إرادته، أن يصل إلى كرسي الحكم لكي يحقق به "حلم والده"، أو لينال مقام الإمام العادل، الذي يظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله. إن ترك حب الحكم يترعرع في القلب يفسده ويملؤه بالنيات الخبيثة.
وهكذا نقرر منذ البداية، استنادا إلى جملة من الأدلة في القرآن والسنة، أنّ استحلال طلب الحكم خطلٌ ووهم كبير وخطير، مفندين افتراء الإخوان على سيدنا يوسف وسيدنا سليمان عليهما السلام بأنهما طلب الحكم، وتفسيرهم السيء للآيات الكريمة "الذين إن مكناهم في الأرض"، و"قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين"، وتجاهلهما لعشرات الأحاديث النبوية التي تنهي عن طلب الحكم والسعي إليه.
طلب الحكم – براءة يوسف من طلب الحكم أكبر من براءة الذئب من دمه
عندما اختبر الملك علم يوسف عليه السلام، أُعجب به، وقرر أن يوظفه عنده ليستفيد من ذلك العلم، فقال له "إنك اليوم لدينا لمكين أمين" (يوسف/54)، أي: إنك آمن ونريد أن نمكّن لك في الأرض، أي بالدارجة الحالية "نريد أن نعينك وزيراً"، مثلاً. عند ذلك شهد سيدنا يوسف بالحق لنفسه، وتكلم بكل موضوعية عن المجال الذي يناسب مهاراته فقال: "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" (يوسف/55)، أي بالدارجة: "إن كنت تريدني وزيراً فإن مؤهلاتي تناسب وزارة التموين". زعم طلاب السلطة أن سيدنا يوسف لما قال للملك: "اجعلني على خزائن الأرض" دلَّ ذلك على جواز طلب الحكم. ولكنهم لو انتبهوا للآية السابقة لعلموا أن المَلِك هو الذي عرض التمكين على سيدنا يوسف عليه، عندما قال له "إنك اليوم لدينا مكين آمين"؛ وعندها آثر سيدنا يوسف، عليه السلام، أن يختار الموقع الذي يوافق ما حباه الله من قدرات وعلم، فقال: "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم". لكنه حتماً لم يبادر إلى طلب الحكم أو التمكين في الأرض. فلا يجوز الافتراء على نبي من أنبياء الله لتحقيق الأهواء والأطماع.
لقد كانت براءة يوسف، عليه السلام، كاملة غير منقوصة. أما الذئب فإنْ كان بَريئاً من دم يوسف، فهو ليس بريئاً من دم غيره.
سليمان والملك الذي لا ينبغي
سبق أن بيّنا في دراسة منفصلة أن قول سيدنا سليمان "ربِ اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي" يتضمن إشارة واضحة إلى أن سليمان كان يعلم أنه لا ينبغي له أن يتوجه إلى المولى عز وجل بذلك الطلب، وأنّ ما لا ينبغي هو طلب الملك، ولذلك استغفر سليمان ربه حين فعل. وكما طلب موسى أن يرى ربه، وطلب إبراهيم أن يريه ربه إحياء الموتى، فقد طلب سليمان الملك. وكل ذلك مما لا ينبغي. وعبارة "لا ينبغي" في سياق طلب سليمانَ الملكَ تعني: لا يليق، ولا يجوز، ولا يصح.
"إن مكنّاهم" وفساد التفسير الإخواني
من أهم ما يجب ملاحظته في الآية الكريمة "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" أنّ الله هو الذي يمكّن، كما مكّن ليوسف، بدون سعي ولا حرص، وأن أداة الشرط "إنْ" تفيد الاحتمال: "إن مكناهم" أي يمكن أن نمكنهم أو لا نمكنهم، بعكس "إذا مكناهم". وعلى كلا الوجهين ليس في الآية ما يجعل جماعة من الناس تسعى إلى الحكم بتكوين حركة إسلامة أو جبهة قومية أو مؤتمر وطني. دعوا الله يمكِنكم بدون سعى منكم، وبدون أن تظلموا الناس بإحالتهم للصالح العام لتحلوا محلهم.
"قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين"
يرى الطامعون في السلطة والتسلط أن هذه الآية الكريمة، التي ينبغي أن تجعل الإنسان ملاكاً وليس كوزاً، تدل على أن الإسلام دين ودولة، وإن من واجبهم الوصول إلى السلطة لتكوين الدولة ولو بالانقلابات والحركات المسلحة. يمكنك أن تقيم الدين في نفسك بأن تكون صلاتك ونسكك وحياتك وموتك من أجل الله رب العالمين. أما الدولة فإن أقامها الله فكن لبنة صالحة من لبنات بنائها. أما التآمر والتدابر بزعم إقامة الدولة فإثم كبير. يقول الخليفة عمر بن العزيز "إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم بشيء دون العامة فاعلم أنهم عاكفون على تأسيس ضلالة". ولذلك فإن المؤتمر الوطني عاكف على تأسيس ضلالة، والحركة الإسلامية عاكفة على ضلالة، وجميع الأحزاب الساعية إلى السلطة عاكفة على ضلالة.
كراهية الربدة – مثال أبي ذر الغفاري
من أهم المواقف في مسألة عدم جواز طلب الحكم والسعي إليه في الإسلام حديث الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري. فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أبا ذرٍ نهياً صريحاً ليس فقط عن طلب السلطة، بل حتى عن قبولها إنْ أعطيت له، واصفاً أبا ذر بالضعف. وأهم ما نستفيده من حديث أبي ذر شيئان: أولهما أن ذم طلب السلطة؛ وثانيهما أن القبول بمنصب الحكم يمكن أن يكون مذموماً في حالتين: إنْ جاء المنصب عن سعي ومَطْلَبة، أو كان في نفسِ الشخص حبٌّ وتوقٌ إلى المناصب. فهل تُصدقون أن هناك أشخاصاً لا حصر لهم بيننا يعتقدون أنهم "أقوى" من سيدنا أبي ذرٍ الغفاري! فتراهم يسعون إلى المناصب نهاراً جهاراً. وإذا جاءتهم المناصب، وهم تواقون مشرئبّو الأعناق إليها، فرحوا بها وأقاموا الولائم والمآدب، وتلقوا برقيات التهاني والتبريكات. هؤلاء هم "الشَبَقِيّون"، كما يسميم الدكتور عصام صديق، أي الذين لديهم "شَبَق" للسلطة، وينبغي ألا يُعْطوا السلطةَ، والخيرُ كل الخير لهم أن يجاهدوا أنفسهم، جهاداً أكبرَ، فيكبحوا فيها تلك الشهوة، فيرفضوا تبّوء أي منصب؛ فإنْ لم يرفضوا من تلقاء أنفسهم، مُنِعوا.
من أهم الصفات في شخصية أبي ذرٍ أنه كان قوياً، بكل معاني القوة التي نفهمها: فقد كان، رضي الله عنه، قوي البنية، قوي القلب شجاعاً مقداماً، وكان قوياً بقبيلته. ولما أسلم أصبح قوياً أيضاً بإيمانه. وعُرف أبو ذر بأنه لا يخشى في قول الحق لومة لائم، حتى قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم الحديث المشهور: "ما أقلّت الغبراء ولا أظلت الخضراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر." ويذكر أن أبا ذر حين أسلم فعل مثل ما فعل عمر بن الخطاب من إعلان إسلامه على الملأ. ومن دلائل قوته وشجاعته أن مهنته التي كان يعيش منها في الجاهلية كانت السلب والنهب. وكان يُغير في وضح النهار على فرسه شاهراً سيفه.
إذن فإن أبا ذر كان قويا بكل معاني القوة التي نفهمها.
لماذا نذكر كل ذلك؟
لأن هذا الرجل القوي، بكل معاني القوة التي نعرفها، وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أشرنا، بالضعف فقال له: إنك لضعيف!!
لكن الضعف الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم ليس هو ضعف القوة البدنية، ولا ضعف الإيمان، ولا ضعف القبيلة والعشيرة، ولا ضعف الشخصية، بل ذلك الضعف هو حب السلطة الكامن في النفس!
تقول الروايات إن أبا ذر قال للرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا تستعملني يا رسول الله؟"، أي ألا توليني ولايةً؟ فكان أنْ ربّت الرسول صلى الله عليه وسلم على منكبه، وقال له "إني أحب لك ما أحب لنفسي"، وذلك لكي يخفف عليه وقعَ ما سيقوله له:
"يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإنها لأمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة". وأضاف (ص): "لا تأمّرن على اثنين"، أي لا تكن أنت الأمير ولو كنت ثاني اثنين.
"إني أراك ضعيفا"، أي أنك قد تعتقد أنك قوى، وقد تبدو للناس قوياً، ولكني أراك ضعيفاً بمقياس آخر، هو الضعف الناجم عن حب الرئاسة الكامن في قلبك.
وقول الرسول (ص) لأبي ذر "إني أحب لك ما أحب لنفسي"، يشير إشارة باهرة إلى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يحب السلطة ولا يريدها لنفسه.
إذن فإن حب السلطة والزعامة والرئاسة صفةٌ تجعل الشخص ضعيفاً وتنزع عنه الأهلية للرئاسة. وهنا يجب أن ننتبه إلى أن عدم الأهلية للرئاسة ليس شراً ولا عيباً، بل هو خير عظيم يُجنّبك الفتنة، ويجنبك تحمّل أمانة قد تورثك الحسرة والندامة.
فماذا فعل سيدنا أبو ذر بنصيحة الرسول (ص)؟
هل بعد وفاة النبي (ص) طلب الولاية من سيدنا أبي أبكر؟ أو عمر؟ أو عثمان؟
كلا، بل نأي بنفسه عن طلب الولاية، فابتعد عن عاصمة الحكم، منتبذا مكاناً قصياً عن السلطة. فعاش في الربدة وحيداً حتى مات وحيداً.
فما بال الربدة في بلادي مهجورة غير معمورة؟
وما بال رجالٍ كثيرٍ ونساء كثيرات يحبون ويحببن الرئاسة والزعامة والوجاهة حباً جماً؟
هل يرى هؤلاء أنهم أقوى من سيدنا أبي ذر؟ أم أنهم يريدون أن ينالوا بها خيراً لم ينله أبو ذر؟
فمن يقول للإخوان وأمثالهم إنكم ضعاف بحبكم السلطة، وإنا نحب لكم الخير، فقوموا إلى "الربدة"، أم أنكم أقوى من أبي ذر أو لا تريد صحبته؟
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن طلب الحكم وعدم إعطائه لمن طلبه
لا يجوز السعي لنيل الحكم، بعكس المال. نعم، لا يبارك الله في السعي لنيل المال إن كنت تقصد به العلو والفساد والسمعة، إما إن كان طلب الغنى لفائدة النفس ونفع الآخرين، فلا تثريب عليك. أما الحكم فلا يحل لك أن تسعى إليه حتى وإن كانت نيتك أن تصلح الدنيا والدين وأن تسقي الناس لبناً وعسلاً وخمراً في جنات النعيم. وأمضي إلى القول غير هيّاب إن نفس الشخص الذي يطلب الحكم فاسدةً من الداخل فساداً لا يرجى معه خيرٌ ولا إصلاح. فبمجرد أن تنوي الحصول على الحكم تكون قد انتويت شراً. وبنص حديث نبوي، من سعى إلى الحكم تخلّى عنه الله، ومن تخلّى عنه الله، استلمه الشيطان. وعجيب ألا ترى الناس يحفظون حديث عبد الرحمن بن سمرة! فقد قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أُعِنت عليها". وتعنى عبارة "وُكِلتَ إليها" أي تُركت بدون عون من الله. وليتَ الناس يعلمون أن من لم يكن الله معه، كان الشيطان قرينه. ولذلك ينبغي ألا تحدثك نفسك أبداً بالوصول إلى مناصب الحكم؛ ولعلّها تحدّثك، فإن فعلَتْ فعليك أن تقمع فيها تلك الرغبة. يقول الله عز وجل في سورة القصص: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (83)، ومن أراد العلو أراد معه الفساد ضربة لازب.
وهناك كم كبير من الأحاديث المتواترة التي تثبت عدم جواز طلب الحكم، ويدور فحوى معظمها حول مبدأ "نحن لا نعطي هذا الأمر لمن طلبه ولا من حرص عليه". وبرّر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله، في حديث ابن سمرة آنف الذكر، إنّ من نال الحكم بدون سعيٍ ومطلبة بورك له فيه وأعين عليه، وأما من ناله عن سعي وحرص فإنه يوكل إلى نفسه.
ويا ويل حاكم أُوكله الله إلى نفسه! ويا ويل قومه به!
تجاهل الإخوان المسلمين لحديث الذئبين الجائعين
من أهم الأحاديث في النهي عن طلب الحكم التي يجلها الناس حديث الذئبين الجائعين. يجب أن يعلم الجميع منذ الصغر أن حب السلطة، جنباً إلى جنب مع حب المال من أجل المال، يقضيان على الدين تماماً، مثلما يفعل ذئبان جائعان أطلقا في غنم. رُوى عن النبي صلى الله عليه وسلـم أنه قال: "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ، بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ". والشرف هنا يعني الجاه والسلطة.
فهل يا ترى يجب أن نقرر حديث الذئبين الجائعين هذا في جميع مناهجنا الدراسية، أم نكتبه بالخط العريض في شوارع مدننا، أم نخطه بمداد البصيرة في قلوبنا؟
الفرق الكبير بين طلب المال وطلب الحكم
يُعرف عن النقابي البريطاني توماس داننغ (1799-1873) أنه قال في رأس المال "ما لم يقله مالك في الخمر"، حتى أن كارل ماركس اقتبس في كتابه الشهير "رأس المال" شذرات مضيئة من كتابات داننغ. يقول هذا الأخير إنّ رأس المال جبانٌ خوّار بطبعه، يتحاشى الخسارة، ويعاف الربح القليل؛ ولكن ما إنْ يشتم نسبة كافية من الربح، حتى تركبه جرأةٌ عجيبة. فإذا ضمن تحقيق نسبة 10 في المائة من الأرباح تنحنح ونهض إليها. أما نسبة 20 في المائة فتجعله يُهبُّ واقفاً. فإذا ارتفعت النسبة إلى50 في المائة، تحوّلت الجرأةُ إلى إقدام وتوثّب. حتى إذا أتمّت النسبة 100 في المائة، أصبح رأس المال جاهزاً للدوس بقدميه على جميع القوانين والأعراف البشرية. ثم إذا تضاعفت النسبة إلى 200 أو 300 في المائة، يصبح رأس المال، حيئنذٍ، مستعداً لسفك الدماء، قاتلاً أو مقتولاً.
نفهم من كلام داننغ أن الطامع في المال يحتاج إلى أن تتضاعف نسبة ربحه المتوقع أضعافاً مضاعفة لكي يصبح مستعداً للقتال. وهنا يظهر لنا الفرق الكبير بين حب المال وحب السلطة. لا يحتاج الطامع في السلطة، أو من يريد المحافظة عليها، إلى كل ذلك الوقت الطويل، ولا إلى كل ذلك التدرج، بل يغدو مستعداً لسفك الدماء، قاتلاً أو مقتولاً، منذ الوهلة الأولى، منذ عشية الانقلاب، ويستمر ذلك الاستعداد للقتل حاضراً لديه طوال سيرورة طلب الحكم، وطوال الحاجة إلى المحافظة على الحكم، وطوال الوقت اللازم لاستعادة الحكم عند ضياعه.
هذا هو الفرق العظيم بين من يطلب مالاً ومن يطلب حكماً.
وهذا هو الفرق العظيم الذي يجعل طلب المال مباحاً وطلبَ الحكم مأثمة.
الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة
هناك أشخاص كثيرون يرون أن السعي إلى المناصب مثله مثل السعي إلى الرزق، وهذا خلط شنيع. الثابت أنه إن كنت تسعى إلى الحكم لإرضاء طموحك وغرورك، لأنك ترى أنك "تستحق"، فهذه كارثة على مستوى علاقتك بربك وكارثة على مجتمعك، الذي سيصبح معرضاً لفساد كبير. وإذا كنت واثقاً من "صلاح نيتك"، وأنك لا تريد بالحكم علواً في الأرض ولا فساداً، بل تريد الإصلاح ما استطعت، فإنك تكون قد زكيتَ نفسك، وأحسنت الظن بها، وهي الإمارة بالسوء، التي يجري الشيطان منها جري الدم في العروق، وتكون قد ألقيت بها في الفتنة والتهلكة، ولا يفعل ذلك عاقل. وهكذا يتضح أن طلب الحكم لا يجوز حتى ولو كانت نيتك أن تكون الخليفة عمر بن الخطاب.
الطريقة الوحيدة التي تجعل وصولك إلى الحكم جائزاً ومباركاً هو أن يأتي الحكم إليك معروضاً عليك، أو مفروضاً عليك، وأنت لا تريده ولم تسع إليه، ولم تكن حريصاً عليه ولا فرحاً به. يعني ذلك أن يتولى الآخرون تزكيتك لمناصب الحكم، وترشيحك، والدفاع عن أهليتك. أما من يفرح بنيل الحكم، ويبتهج، ويقيم الولائم، ويجلس للناس لتهنئته، فهذا سفيه أحمق ما كان ينبغي أصلاً أن يُسمح له بالاقتراب من كرسي الحكم.
الخلاصة
نحن بحاجة إلى إصلاح تربوي يقوم على توصيف الحكم على حقيقته: ابتلاء، ومسؤولية، وأمانة، يمكن أن تؤول إلى خزي وندامة يوم القيامة، وأنه ليس تشريفاً، ولا تكريماً، ولا مكافأة، ولا تنعيماً.
ويجب أن يكون عدم جواز طلب الحكم والسعي إليه محل إجماع بين الخاصة والعامة.
في مجتمعنا اليوم إذا أحبّك الناس رشحوك للوزارة!
وكأن مناصب الحكم قد أصبحت جوائز!
وهذا جهل عظيم ينذر بفساد كبير!
يجب أن يعلم كبارنا، منذ الصغر، أن السلطة ابتلاء، مثلها مثل المرض، وينبغي ألا يطلبها شخص عاقل؛ ولكن إنْ جاءت بدون سعي، وباتفاق المحكومين، فلا يجوز رفضها ما دام الشخص المختار قادراً على الاضطلاع بأعبائها. وهذا ما فعله سيدنا يوسف الصديق عليه السلام، الذي لم يطلب الإمارة، وإنما عرضها عليه عزيز مصر حين قال له كما أخبر القرآن: "إنك اليوم لدينا مكين أمين".
ويجب أن نعلم أن إسناد مسؤوليات السلطة يحتاج إلى استعداد نفسي وأخلاقي كبير لكي يصبر الشخص علي تحمل أمانتها، وأداء حقها، وإلا فسيكون معرضاً لإغواء الشيطان فيحس بالخيلاء، ويفرح بالشهرة، ويغتر بالسمع والطاعة، ويحس أن السلطة جعلته فوق الناس في الدنيا وفي الآخرة.
وينبغي أن يقوم الإصلاح التربوي المنشود على إعلاء فضائل الزهد، والتواضع، وألا يكون السعي إلى الإنجاز وسيلة للحصول على الشهرة والسمعة.
وعلى سبيل الأسوة والاقتداء، يجب أن نعرف أن الخلفاء الراشدين كانوا يرون أنهم قد أصبحوا بسلطة الخلافة في ابتلاء عظيم، ولم يكونوا يرون لأنفسهم فضلاً على غيرهم، بل على العكس، كانوا يغبطون إخوتهم الذين عافاهم الله من ابتلاء الحكم. كان أبو بكر الصديق يقول "ليت أمي لم تلدني"، وكان عمر الفاروق يخشى أن يكون في عداد المنافقين الذين نزلت في شأنهم آيات النفاق في القرآن الكريم. وما ذلك إلا لأنهم كانوا يخشون من أن يكون تكليفهم بأعباء سلطة الخلافة استدراج لهم.
أما الساعون إلى السلطة في زماننا هذا فيرون أنهم أصبحوا بالحكم من المصطفين الأخيار! يعتقدون أنهم صحابة هذا الزمان.
ومن المهم جداً أن نعلم أن السلطة لا ترفع قدر من تُسند إليه، ولا تنقص قدر من لم ينالها؛ وهي لا تُعطى لصاحب الشرف مكافأة له على شرفه، ولا تُمنع عن المسكين ازدراءً لأصله؛ فهي ليست حقاً لأحدٍ من الناس دون الناس، وليست مغنماً فيتقاتل الناس عليه، وليستَ كنزاً فيُوَرَّث، بل تظل دوماً أمانةً قد تتحول إلى حسرة وندامة.
كل الدنيا بزخرفها لا تساوي عند الله جناح بعوضة! وبالتالي فإن ملكها، أو رئاستها، أو خلافة مسلميها، أو إمارة مؤمنيها، ما هو إلا مثل جزء من جناح بعوضة!
ولئن كان ينبغي إعطاء السلطة لمن هو أهل لها، فإنّ أهم وأكرم وأعظم ما يؤهل المرء للسلطة هو أن يكون زاهداً فيها. بعد هذا "المؤهل الفارِز"، الذي يفرز الخبيث من الطيب، تأتي المؤهلات التقنية الأخرى.
يجب أن تُعطى السلطة لمن لا يريدها، ولا يسعى إليها، ولا يفرح بها، ومن هو محصّنٌ، نفسياً وأخلاقيا، من حبها والحرص عليها.
من حرص على السلطة كذبَ، وسرقَ، وقتلَ، ثم كفر.
وإني لأعجب أن أرى في بلدنا رجالا ونساء وعائلات بعينها لا شغل لهم ولا شاغل إلا السعي للوصول إلى مناصب السلطة، تحت كل الظروف. يرون أنها لا تصلح إلا لهم وهم لا يصلحون إلا لها. لا أشك مطلقا في أن هؤلاء، وأمثالهم في كل مكان وزمان، هم السادات والكبراء المذكورون في القرآن، الذين يضلون الناس عن السبيل، وهم المترفون المأمورون بالفسق، علموا ذلك أو لم يعلموا.
إنّ "الأخونة"، أو "الكوزنة"، هي السعي إلى السلطة واستخدام الدين وسيلة للتمكين. ومصير كل من يتخذ الدين مطية للجاه والمال أن يستغنى بهما عن رب العالمين.
alrayyah@hotmail.com