كساء هرم منكاورع.. أسئلة علمية عن أكبر لعبة بازل
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
أثار إعلان وزارة السياحة والآثار المصرية قبل أيام عن مشروعها لإعادة كساء الهرم الأصغر "هرم منكاورع" (منقرع) بالغرانيت المتساقط حوله، جدلا ذا طبيعة أثرية، بين من يراه "أكبر لعبة بازل في التاريخ" سيجري خلالها مطابقة الأحجار الغرانيتية المتساقطة مع أحجار الهرم بما يعيده لشكله القديم، واتجاه آخر يمثل الأغلبية يراه خلعا للعباءة الأثرية للهرم.
وبينما أشهر كل فريق أسلحته مستخدما نصوصا من المواثيق الدولية التي التزمت مصر بتطبيقها، غاب عن كليهما البعد العلمي الذي قد يحسم القضية لصالح رفض المشروع، حتى وإن كان تنفيذه جائزا من الناحية الأثرية.
فمن الناحية الأثرية، يرى رئيس المجلس الأعلى للآثار في مصر مصطفى وزيري، أن المشروع -الذي وصفه بأنه "هدية مصر للعالم"- سيقدم للزوار المعاصرين لمحة عن روعة الهيكل الأصلي للهرم، والذي كان مكونا من 16 طبقة من كتل الغرانيت لم يتبق منها اليوم سوى سبع طبقات.
وأيده قله من الأثريين والمهتمين بالتراث، منهم المؤرخ والكاتب بسام الشماع الذي وصف في حديث مع "الجزيرة نت" إعادة كساء الهرم بالغرانيت، بأنه "أكبر لعبه بازل في التاريخ"، وقال إن "قطاعا عريضا من الرافضين يقوم بتصفية حسابات شخصية بالاعتراض على المشروع، دون الاستناد إلى آراء منطقية".
وفي المقابل اعترض أغلب المجتمع الأثري على المشروع، وطالبت عالمة المصريات مونيكا حنا، بتبني نهج أكثر تحفظا يركز على الحفاظ على الهيكل كما هو اليوم، بدلا من محاولة إعادة إنشاء مظهره الأصلي.
ووصفت المشروع بأنه "عبث في إدارة التراث المصري"، مؤكدة أن "المبادئ الدولية للترميم الأثري تحظر بشكل عام مثل هذه التدخلات واسعة النطاق".
واللافت أن أحدا لم يهتم بالجانب العلمي للمشروع، وهل يؤثر إعادة الغرانيت إلى الهرم على سلامته الهيكلية أم لا؟ وهو السؤال الذي سعت "الجزيرة نت" للإجابة عليه عبر مجموعة من المتخصصين الذين وضعوا أسئلة علمية مشروعة، وأكدوا أهمية الإجابة عليها قبل اتخاذ قرار الموافقة أو الرفض.
رئيس المجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري (وسط) أثناء إعلانه عن مشروع إعادة كساء هرم منكاورع (فيسبوك) تقييم الوضع الراهنوانطلقت الأسئلة التي وضعها الخبراء من تقييم الوضع الراهن للمنطقة، والذي جاء في العديد من الدراسات، ومنها دراسة للخبير المتخصص في الهندسة الجيوتقنية بكلية الآثار جامعة القاهرة سيد حميدة، والتي أعدها بالتعاون مع أحد خبراء وزارة السياحة والآثار.
ووفق الدراسة التي نشرت قبل نحو 3 أعوام في دورية "علوم التراث"، فإن منطقة الأهرامات الكبرى بالجيزة تعرضت للتهديد بسبب طبقة مياه جوفية تغطي مساحة أسفل هضبة الهرم وأبو الهول، حيث يتراوح عمق المياه الجوفية بين 4 و7 أمتار، وتُعاد تغذية تلك الطبقة بشكل رئيسي من خلال شبكة المياه والتوسع الحضري بشكل عام.
وأوضحت الدراسة أن هناك تدهورا في أجزاء كثيرة من الأهرامات الثلاثة يرتبط بتقادم المواد وتأثير العوامل الجوية والمائية، وأثر ذلك على كتل الحجر الجيري الداعمة للأهرامات والتي تعرضت العديد منها للفصل.
كما اهتمت الدراسة بطبقات الغرانيت التي لا تزال تغلف الهرم الأصغر (سبع طبقات)، ولفتت إلى أن التدهور الواضح على كتل الغرانيت التي تغلف الهرم، هو عملية معقدة ناتجة عن تفاعل العديد من العوامل المرتبطة مثل ظروف المنطقة المناخية، وارتفاع منسوب المياه الجوفية الناتج عن تسرب المياه من قنوات الري في الضواحي، والتوسع الحضري الشامل المحيط بأهرامات الجيزة.
وإلى جانب ذلك، هناك بعض أشكال التجوية (عملية تفتت وتحلل الصخور والمعادن بواسطة العوامل الجوية السائدة) التي تؤثر على كتل الغرانيت، وعوامل التحلل الأخرى لمعادن السيليكات الموجودة بكتل الغرانيت ذات الصلة كيميائيا أو بيولوجيا بمعدلات التجوية، حيث تتكون كتل الغرانيت أساسا من أنواع معقدة من تلك المعادن المصبوغة بأوكسيد الحديد.
5 أسئلة مشروعةوانطلاقا من هذا الوصف الحالي للمنطقة ومشاكلها، يرى الخبير المتخصص في الترميم بكلية الآثار جامعة ألمنيا (جنوب مصر) محمد الشاذلي في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت"، أن أحد الأسئلة التي يجب الإجابة عليها قبل تنفيذ هذا المشروع هو: "هل تمت دراسة الحالة الحالية لكتل الغرانيت التي لا تزال موجودة من حيث عوامل التجوية التي تعرضت لها وتأثيرات التدهور الواضحة عليها والمشكلات الهيكلية الموجودة بها، وهل من الأجدى ترميم الموجود حاليا بشكل جيد أم إعادة الكتل المتساقطة؟".
ويتعلق السؤال الثاني باستدامة هذا المشروع، وهو: "هل تمت دراسة الظروف البيئية للمنطقة، بما في ذلك المناخ ومستويات المياه الجوفية والعوامل الخارجية الأخرى، ومدى تأثيرها في استدامة هذا التدخل المقترح؟".
أما السؤال الثالث فيتعلق بالمعادن الموجودة في الغرانيت، فهل قُيمت نسبة المعادن في الغرانيت المتساقط، ومدى وجود اختلافات بينها وبين الغرانيت الذي لا يزال يكسو الهرم، وهل توجد احتمالية لحدوث تفاعل بين المعادن الموجودة بالغرانيت وجسم الهرم؟
ويشير خبير متخصص في ترميم الآثار بوزارة الآثار المصرية طلب عدم نشر اسمه، إلى سؤالين آخرين يتعلقان بحالة الهرم الحالية، حيث يوجد تدهور في أجزاء منه يرتبط بتقادم المواد وتأثير العوامل الجوية والمائية، فهل ستمثل طبقة الغرانيب عبئا إضافيا على الأثر؟
ويقول: "لم تكن تلك المشكلة قائمة بطبيعة الحال وقت بناء الهرم، ولكن مع التقدم في الزمن لا بد من طرح هذا السؤال، حيث يمكن أن يكون للغرانيت معدلات مختلفة للتمدد والانكماش استجابة لتغيرات درجة الحرارة والرطوبة، ويمكن أن يؤدي هذا الاختلاف إلى الضغط على جسم الهرم، مما قد يؤدي إلى حدوث تشققات أو أشكال أخرى من الضرر بمرور الوقت".
والسؤال الأخير الذي يثيره خبير وزارة الآثار يتعلق باحتمالية امتصاص الغرانيت للرطوبة والاحتفاظ بها، "فهل روجع هذا العنصر في الأجزاء التي تغلف الهرم حاليا؟ فالمعروف أن الغرانيت يمكنه امتصاص الرطوبة والاحتفاظ بها، مما قد يخلق بيئة دقيقة رطبة حول القطعة الأثرية تؤدي إلى نمو العفن أو أشكال أخرى من التدهور".
لجنة لحسم مصير المشروعويطالب الخبراء بمراعاة هذه الأسئلة العلمية من قبل اللجنة التي قرر وزير السياحة والآثار المصري أحمد عيسى تشكيلها برئاسة وزير الآثار الأسبق زاهي حواس، لحسم مصير هذا المشروع، وذلك بعد الجدل الأثري الذي أثاره.
ويقول الشاذلي: "في تقديري فإن الإجابة على الأسئلة العلمية المطروحة يجب أن تكون من أولويات اللجنة، لأنها قد تحسم الاتجاه نحو إلغاء هذا المشروع، حتى وإن كان مقبولا من الناحية الأثرية".
ورفض حواس إبداء الرأي إزاء المشروع، قائلا في تصريحات صحفية: " لا أستطيع قول أي شيء على الإطلاق إلا بعد أن تنتهي اللجنة من عملها".
ومن المقرر أن تقوم اللجنة، التي تضم مهندسين وأثريين من العرب والأجانب، بإعداد تقرير علمي مفصل عن نتائج أعمالها، وما انتهت إليه المراجعة العلمية، واتخاذ قرار بشأن المضي قدما في المشروع من عدمه، على أن يتضمن التقرير جميع الإجراءات والخطوات الواجب اتباعها للتنسيق المطلوب مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" في هذا الشأن.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: هذا المشروع
إقرأ أيضاً:
لعبة الكراسي الموسيقية 2/3
كان لابد من علاج فوري لهذه المعضلة الكبيرة لأنه سيحضر مجموعة من كبار المسؤولين الذين سيجلسون بجانب الضيف الكبير في الصف الأمامي ولابد من إبعاد هؤلاء عن المقاعد الأمامية. اجتمع المسؤولون عن الحفل خلف كواليس المسرح لمناقشة هذه المشكلة الطارئة التي أعيتهم. اختفت عبارة “محجوز” التي وُضِعت على المقاعد تحت أرجل الجالسين، ولا يملك أي أحد من المنظّمين الشجاعة الكافية لطرد واحدٍ من هؤلاء عن مقعده لأن النتيجة ستكون حرباً شعواء قد تنتهي بالمستشفى أو السجن بدلاً من التكريم في نهاية الحفل.
كل شخص من هؤلاء المحتلّين للمقاعد الأمامية، يرى نفسه شيخ قبيلة لا يُشق له غبار والذي لا يرضى الإهانة في قبول أن يأتي أحدٌ ما ويطلب منه التخلّي عن مقعده لشخص آخر. هكذا هو الحال في مهرجانات الإبل، وشيلات أم رقيبة القديمة، أو عبر الشاشات الصحراوية، أو اليوتيوب، أو مقاطع الواتس أب، أو التيك توك التي تبث قصائد الكرامة والمجد ليل نهار تمنعهم من قبول أن يتنازل الإنسان عن الكرامة العربية التي لا تُقدّر بثمن.
“لديّ الحل!” قال كبيرهم الذي علّمهم أصول البروتوكول في استقبال الشخصيات المهمة. “سوف أطلب منهم أن يقوموا من مقاعدهم والتحرك إلى الأمام قليلاً بعيداً عن أماكنهم للسلام على الضيف الكبير الذي وصل، وسيقوم بالسلام على كل واحد فيهم. طبعاً، لن يصل أحد، لكن هذه هي الطريقة التي من خلالها يمكن أن يتخلّوا عن مقاعدهم، وأريد منكم في الوقت نفسه أن تنتشروا حول المقاعد لإحداث جلبة وفوضى أمام وحول المقاعد، ثم تحتلون أماكنهم عندما يتحرّكون في اللحظة المناسبة.”
كما هو مخطّط له، جاءت سيارة سوداء فارهة ووقفت بعيداً هناك، فأعلن صاحبنا هذا بصوته الجهوري المعروف أن الضيف الكبير قد وصل وأن عليهم، أي الجالسين في الصف الأمامي التحرك إلى الأمام قليلا لمواجهة الضيف المهم والسلام عليه إذ من العيب الكبير وقلة الذوق أن يظلوا جالسين هكذا من دون الوقوف والتحرك بعيداً عن مقاعدهم.
تحرّك الجميع بإثارة كبيرة لنيل شرف استقبال الضيف الكبير واختلط الحابل بالنابل ومدّوا رؤوسهم ينظرون إلى الأفق؛ لكنهم ما لبثوا أن فهموا الّلعبة بعد أن لاحظوا اندفاع البعض نحو المقاعد الخالية. لقد تعرّضوا لمكيدة كبيرة يصعب نسيانها وسوف تنغّص عليهم أي إحساس بالفرح في ليلة يُفترض أنها لإحياء الفرح. أي هزيمة مذلّة هذه التي تعرّضوا لها! ماذا لو شاهدت فتاة الأحلام الوردية هذا المشهد؟ يا لها من فضيحة مدوّية! كيف سيواجهون العالم لو انتشر هذا المقطع في التيك توك أو سناب شات أو الواتس أب أو اليوتيوب وتناقله الناس عبر هواتفهم المحمولة؟ أي ماء للوجه يمكن أن يبقى؟ تراجعوا يجرجرون عباءاتهم الصفراء والسوداء نحو الكراسي الباقية مخافة ضياع الكرامة العربية. لكم أن تتخيّلوا صورة الأشخاص الذين فقدوا مواقعهم وهم يدورون في حلقة مفرغة بحثاً عن المقاعد التي ذهبت لآخرين. يتجه الواحد منهم بسرعة ممسكاً عقاله مخافة أن يقع وبشته نحو المقعد الخالي ليجد شخصاً آخر قد سبقه إليه. تنازلت كرامتهم صفاً واحداً أو صفّين وتراجعوا عن مواقفهم الأولى بسبب قسوة الواقع الذي يفرض عليهم إبقاء الموضوع برمّته طي الكتمان حتى لا ينفضح أحد. التراجع صفّاً واحداً أو صّفين ليس نهاية العالم.
khaledalawadh @