ربما يكون السؤال عن مدى احتمال بدء الصين الحرب هو الأكثر أهمية في الشؤون الدولية اليوم، وإذا هاجمت بكين تايوان أو أي هدف آخر في غرب المحيط الهادي، فستكون النتيجة حربا مع الولايات المتحدة، بين عملاقين مسلحين نوويا يتصارعان من أجل الهيمنة.
وإذا انضافت هذه الحرب إلى الحروب المتواصلة في أوكرانيا والشرق الأوسط، فسيحترق العالم في أتون صراع عالمي لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.
هكذا لخصت مجلة "فورين بوليسي" مقالا مشتركا بين مايكل بيكلي أستاذ العلوم السياسية بجامعة تافتس، وهال براندز أستاذ الشؤون العالمية في كلية جونز هوبكنز، أكدا فيه أن علامات الخطر على حرب صينية لا تزال موجودة، رغم موجة الدبلوماسية الأخيرة بين واشنطن وبكين.
ما مدى القلق؟
ومن هذه العلامات -حسب الكاتبين- قيام الصين بعرض سفن وطائرات وصواريخ في أكبر حشد عسكري منذ عقود، وقيامها بتخزين الوقود والغذاء، ومحاولتها الحد من تعرض اقتصادها للعقوبات، في وقت يقول فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ إن بلاده يجب أن تستعد "لأسوأ السيناريوهات وأكثرها تطرفا، وأن تكون مستعدة لتحمل الرياح العاتية والمياه المتلاطمة وحتى العواصف الخطيرة".
ونبه الكاتبان إلى أن كل هذا يأتي في وقت أصبحت فيه بكين أكثر تسلطا وعنفا أحيانا في التعامل مع جيرانها مثل الفلبين واليابان والهند، مع التصريح بشكل دوري بقدرتها على ضرب تايوان وحصارها وربما غزوها، مما جعل العديد من المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن خطر الحرب آخذ في الارتفاع، وقال مدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) ويليام بيرنز إن الرئيس الصيني يسعى إلى امتلاك القدرة على احتلال تايوان بحلول عام 2027.
ويرى بعض المراقبين أن الصين التي بلغت ذروتها قد تصبح عدوانية من أجل صرف الانتباه عن مشاكلها الداخلية أو لتأمين بعض المكاسب ما دام بإمكانها ذلك، إلا أن محللين آخرين يرون أن خطر العدوان الصيني مبالغ فيه، وحجتهم الأساسية أن الدولة التي لم تشن حربا كارثية منذ أكثر من 4 عقود من غير المرجح أن تفعل ذلك الآن.
وأشار الكاتبان إلى أن هذه الثقة في غير محلها لأن سلوك أي دولة يتشكل بشكل عميق وفقا لظروفها، والظروف في الصين تتغير بطرق متفجرة.
وعندما يأخذ المرء في الاعتبار 4 عوامل من هذا القبيل، يصبح من الواضح أن العديد من الظروف التي مكنّت الصين ذات يوم من الصعود السلمي ربما أصبحت الآن تشجع على الانحدار العنيف، وفقا للكاتبين.
عوامل انحدار
أول هذه العوامل -حسب الكاتبين- أن النزاعات الإقليمية التي تشكل الصين طرفا فيها، أصبحت أقل احتمالا للتسوية والحل السلمي مما كانت عليه في السابق، وثانيها تغير التوازن العسكري في آسيا بطرق قد تجعل بكين متفائلة بشكل خطير بشأن نتيجة الحرب، أما الثالث فهو أن آفاق الصين الإستراتيجية والاقتصادية أصبحت أكثر قتامة، رغم تحسن التوقعات العسكرية، والرابع هو تحويل شي جين بينغ الصين إلى "دكتاتورية شخصية من ذلك النوع المعرض بشكل خاص للحسابات الخاطئة الكارثية والحروب المكلفة"، حسب قولهما.
ولا يعني هذا أن الصين سوف تغزو تايوان في أسبوع أو شهر أو سنة معينة، ومن المستحيل التنبؤ بالتوقيت الدقيق للغزو، لأن الشرارة التي تشعله غالبا ما تكون أزمة غير متوقعة، ولأن الحروب تشبه الزلازل، لا يمكننا أن نعرف متى ستحدث، ولكننا نعرف العوامل التي تساعد على توقعها، واليوم تومض مؤشرات المخاطر في الصين باللون الأحمر، كما يقول الكاتبان.
وقد يبدو احتمال نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين بعيدا للوهلة الأولى، لأن بكين لم تخض حربا كبرى منذ 44 عاما، ولكن غياب الحرب لا يعني غياب العدوان، حيث استخدمت بكين القدرات العسكرية وشبه العسكرية لتوسيع نطاق سيطرتها في بحر جنوب وشرق الصين، وانخرطت أيضا في خلافات دموية مع الهند.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ترامب يجدّد الحرب التجارية مع الصين.. وبكين تتوعد بالرد بإجراءات مضادة
عواصم "أ.ف.ب": أعلنت الصين اليوم الأحد أنها "تعارض بشدة" التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمركي دونالد ترامب على بكين، متعهدة اتخاذ "إجراءات مضادة مماثلة لحماية حقوقنا ومصالحنا بحزم".
وقالت وزارة التجارة الصينية في بيان إن "الصين غير راضية ابدا وتعارض ذلك بشدة"، مضيفة أنها سترفع دعوى ضد واشنطن في منظمة التجارة العالمية.
قال البيت الأبيض امس إن الرئيس دونالد ترامب فرض رسوما جمركية على شركاء الولايات المتحدة التجاريين الرئيسيين، كندا والمكسيك والصين، مع نسبة أقل على واردات الطاقة الكندية.
وستفرض واشنطن رسوما بنسبة 25 في المائة على المنتجات المستوردة من كندا والمكسيك، مع نسبة 10 في المائة على موارد الطاقة الكندية، إلى أن تعمل كلاهما مع الولايات المتحدة لمكافحة تهريب المخدرات والهجرة. وذكر البيت الأبيض أن السلع الواردة من الصين ستفرض عليها رسوم جمركية بنسبة 10 في المائة، إضافة إلى الرسوم الجمركية الحالية.
وشددت الصين اليوم على أن الحروب التجارية "ليس فيها منتصرون".
وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان "لا يوجد منتصرون في حرب تجارية أو حرب جمركية"، مضيفة أن التعريفات الجديدة "ستؤثر حتما في التعاون المستقبلي في مجال السيطرة على المخدرات وتضر به"، في وقت تسعى الولايات المتحدة للحد من تهريب الفنتانيل الى الأراضي الأمريكية.
ونددت وزارة التجارة الصينية بهذه الرسوم قائلة "ليست عديمة الفائدة في حل مشاكل الولايات المتحدة فحسب، بل إنها تقوض أيضا التعاون الاقتصادي والتجاري الطبيعي".
وأضافت "الصين تأمل في أن تنظر الولايات المتحدة إلى مشاكلها مثل الفنتانيل وتتعامل معها بشكل موضوعي وعقلاني، بدلا من التهديد المستمر للدول الأخرى بالرسوم الجمركية".
وحضت بكين "الولايات المتحدة على تصحيح ممارساتها الخاطئة، (...) ومواجهة مشاكلها، وإجراء مناقشات صريحة، وتعزيز التعاون وإدارة الخلافات على أساس المساواة والمنفعة والاحترام المتبادلين"، بحسب بيان الوزارة.
من جهته، نفّذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعيده بزيادة التعريفات الجمركية على المنتجات الصينية بعدما اتهم بكين بممارسات تجارية غير عادلة وبعدم اتخاذ إجراءات في ما يتعلّق بتهريب الفنتانيل إلى الولايات المتحدة.
وفرض الجمهوري امس ضرائب إضافية بنسبة 10 في المائة على السلع الصينية، لتُضاف إلى تلك التي كانت مفروضة في السابق.
في هذه الاثناء، بلغ إجمالي عمليات التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة أكثر من 350 مليار دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام 2024، وفقا لواشنطن.
وفي هذه الفترة، بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة أكثر من 400 مليار دولار، بحسب أرقام أميركية، ما يجعل الصين ثاني أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، بعد المكسيك.
الصين من المورّدين الرئيسيين لسلع مثل الإلكترونيات والملابس والمنسوجات إلى الولايات المتحدة، وفقا لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي.
ولكن الخلل الكبير في الميزان التجاري شكّل لفترة طويلة مصدر قلق في واشنطن، مع بلوغ العجز التجاري مع العملاق الآسيوي 270 مليار دولار خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2024، وفقا لأرقام أمريكية أيضا.
ويساعد الدعم الهائل الذي تقدّمه الدولة الصينية لصناعتها، فضلا عن المعاملة غير المتوازنة التي تحظى بها الشركات الأميركية الموجودة على الأراضي الصينية، في تغذية اتهامات واشنطن لبكين بالإغراق، أي بالتصدير بسعر أقل من الأسعار المحلية. ويتطلّب إثبات الإغراق أدلّة أكبر من مجرّد الزيادة في الواردات، الأمر الذي يأخذ وقتا.
ومع ذلك، يبقى الاقتصاد الصيني معتمدا بشكل كبير على الصادرات، الأمر الذي يفسّر إحجام قادتها عن تغيير الوضع الراهن.
ماذا حدث خلال ولاية ترامب الأولى؟ خلال ولايته الرئاسية الأولى، فرض قطب العقارات رسوما جمركية على واردات صينية بقيمة مئات المليارات من الدولارات.
وتمثّلت المطالب الرئيسية للولايات المتحدة، في إتاحة الوصول بشكل أفضل إلى السوق الصينية التي تقيّدها سيطرة صارمة من جانب الدولة، بينما تحصل الشركات الوطنية على الأفضلية فيها.
وفي ذلك الوقت، ردّت بكين بفرض ضرائب على الواردات من الولايات المتحدة، الأمر الذي أضرّ خصوصا بالزراعة الأميركية.
بعد مفاوضات طويلة وشاقة، توصّل البلدان إلى ما سُمّي بـ"المرحلة الأولى" من اتفاق تجاري في العام 2019، ما أدى إلى هدنة في الحرب التجارية بينهما.
وبموجب الاتفاق، تعهّدت الصين استيراد منتجات أمريكية بقيمة 200 مليار دولار، من بينها منتجات زراعية ومأكولات بحرية بقيمة 32 مليار دولار.
غير أنّ الخبراء يؤكدون أن بكين لم تحقّق هذه الأهداف، جراء الصدمة الاقتصادية التي واجهتها بعد فترة وجيزة من جائحة كوفيد-19.
ويقول تشاد براون المحلل في "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي" إنّ "الصين لم تصل إلا إلى 58 في المائة من الواردات من الولايات المتحدة المنصوص عليها في الاتفاق، وهو أدنى حتى من المستوى الذي كانت عليه قبل الحرب التجارية".
وبعد انتخابه في العام 2020، لم يلغِ جو بايدن الرسوم الجمركية التي فرضها سلفه، ولكنّه اعتمد نهجا أكثر تحديدا للأهداف.
وكثّفت واشنطن جهودها لتقييد صادرات الرقائق الإلكترونية إلى بكين، في إطار استراتيجية تهدف إلى منع وصول التكنولوجيا الأميركية إلى الجيش الصيني.
كذلك، زادت إدارة بايدن بعض التعريفات الجمركية ردا على ما وصفته بـ"الفائض الصناعي" في الصين، في محاولة لمواجهة تأثير الإعانات الحكومية المقدّمة للمصنّعين الصينيين، والتي من شأنها أن تؤدي إلى إغراق الأسواق بالسلع الرخيصة.
كما ضاعفت الرسوم على المركبات الكهربائية أربع مرات، لتصل إلى مئة في المئة، في حين رفعت التعريفات الجمركية على أشباه الموصلات من 25 إلى 50 في المائة.
واستُهدفت أيضا البطاريات والمعادن الأساسية والمعدّات الطبية بهذا الإجراء.
لقد أثبت الرئيس الجمهوري أنّه كان جادّا في تهديداته التي أطلقها خلال حملته الانتخابية.
ولكنه ربط الرسوم الجمركية بمصير ملكية تطبيق تيك توك، وهدّد باتخاذ إجراءات إذا لم تتنازل الشركة الصينية الأم بايت دانس عن الشبكة الاجتماعية.
ويأتي ذلك فيما تتهم الولايات المتحدة الصين باعتماد نهج سلبي إزاء تهريب الفنتانيل إلى أراضيها. وأدّت هذه المادة الأفيونية إلى أكثر من 70 ألف حالة وفاة جراء جرعات زائدة في الولايات المتحدة، وفقا للسلطات الأميركية.