سودانايل:
2025-02-16@11:40:17 GMT

وثائق حرب السودان (3): وثائق حرب ليبيا: ستة دروس

تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT

واشنطن، محمد علي صالح
كانت الحلقة الأولى فى هذه الوثائق البيانات المتناقضة التي أصدرها كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. خلال سبعة شهور، منذ بداية الحرب في شهر ابريل، حتى شهر نوفمبر. وستستمر هذه البيانات في حلقات قادمة.
وكانت الحلقة الثانية وثائق حرب الصومال، والدروس التي يمكن ان يستفيد منها السودانيون:
عشرون سنة حكومة عسكرية.

عشر سنوات فوضى، بدون حكومة. عشر سنوات حكومة مدنية ضعيفة. والعشرة سنوات الاخيرة حكومة مدنية قوية، بعد انتخابات حرة ونزيهة (رغم حركات إسلامية مسلحة).
بالنسبة لليبيا: أربعون سنة حكومة عسكرية (القذافى). ثلاث سنوات فوضى. والعشرة سنوات الاخيرة حكومتان بجيشين: في الشرق (بنغازى)، والغرب (طرابلس).
------------------
الدرس الاول: تسليح الناس:
بعد فشل الجيش السودانى في وقف زحف الدعم السريع، امر بتوزيع الاسلحة على الناس لحماية أنفسهم. وهكذا بدأت "المقاومة الشعبية".
رحب خبراء وصحفيون سودانيون بتسليح عامة الناس، لكن، حذر آخرون من خطورة ذلك، لأكثر من سبب:
1. لايوجد قانون يقنن طريقة توزيع الاسلحة.
2. لا يملك كثير من الناس خبرة استعمال الاسلحة.
3. لا توجد ضمانات لاعادة جمع الاسلحة.
هذه مقتطفات عن الموضوع فى ليبيا، من تقرير مؤسسة "راند" في كاليفورنيا: "ليبيا بعد القذافى" (2014):
"مع قتل القذافى، صار السلاح في كل مكان في ليبيا. طبعا، لم توزعه حكومة القذافى، لكن أكثره جاء من قطر ... يعتقد ان قطر أرسلت أكثر من 20,000 طنا من الاسلحة. منها بنادق اتوماتيكية، وصواريخ محمولة مضادة للدبابات، وقنابل عنقودية مضادة للجنود ...
"حسب ارقام الامم المتحدة، مع قتل القذافى، كان في ليبيا ما بين ربع مليون ومليون قطعة سلاح، كلها في أيدي أفراد وجماعات. وحسب أرقام "ام 16" (الاستخبارات البريطانية) كان العدد مليون طن، أكثر من كل ما عند الجيش البريطانى ...
"هذا بالاضافة الى اكثر من 20,000 صاروخ "مانباد" (صواريخ الكتف المضادة للطائرات) كان القذافى اشتراها من روسيا. ولا يعرف ما حدث لها ...
"لان حدود ليبيا طويلة ومفتوحة، صارت كل هذه الاسلحة، وما سيضاف اليها، تهدد ليس فقط شعب ليبيا، ولكن، ايضا، شعوب دول مجاورة. وذلك لأن حدود ليبيا الجنوبية (مع تشاد والسودان والنيجر) يبلغ طولها الفا كيلومتر...
"كثير من هذه الاسلحة في ايدي قبائل، سواء التى سلحها القذافى، او التى مولتها قطر. ويزيد هذا احتمالات خروجها خارج حدود ليبيا. الأن، بعد قتل القذافى بسنوات كثيرة، لا تقدر اى حكومة فى ليبيا على شيئين:
اولا، حماية الحدود.
ثانيا، جمع الاسلحة، والتى تظل تزيد ..."
--------------
الدرس الثانى: تدخل قطر:
هذه مقتطفات من تقرير معهد "بروكنغز" في واشنطن (29-8-2011):
"حصل المتمردون في ليبيا على تأييد كبير من دول حلف "الناتو". لكن، لا يتحدث كثير من الناس عن مساعدات قطر، شبه جزيرة صغيرة، أصغر من ولاية كونيتيكات، وغنية بالبترول والغاز ...
"أرسلت قطر طائرات "ميراج" عسكرية، ودربت متمردين ليبيين تدريبات عسكرية. وصرفت ملايين الدولارات ...
"من الناحية السياسية، كانت قطر من الدول التى ضغطت على جامعة الدول العربية لتبرير التدخل العسكري في ليبيا. وبرر هذا الاعلان تدخل دول حلف "الناتو" لضرب قوات القذافى، حتى أسقطته ...
"هكذا، حدث في حرب ليبيا ما لم يحدث في حرب العراق. أعطت جامعة الدول العربية الأذن للدول الغربية للتدخل عسكريا ..."
وهذه مقتطفات اخرى عن تدخل قطر من تقرير "اكسفورد اكاديميك" (4-4-2016):
"تدخلت قطر في ليبيا وفى سوريا، وأرسلت مساعدات مالية وعسكرية الى المتمردين في كل من الدولتين. وبينما نجحت قطر في اسقاط القذافى (الذى كان يشتم حكامها، وحكام دول الخليج الاخرى)، فشلت قطر في اسقاط الرئيس السورى بشار الأسد ...
"حدث عكس ذلك. استولى تنظيم "داعش" فى سوريا على كثير من اسلحة قطر. ولم يهدد حكومة سوريا فقط، بل، ايضا، حكومة قطر نفسها، وحكومات دول الخليج الاخرى ..."
وهذه مقتطفات عن تدخل قطر من تقرير معهد "كارنيغي" فى واشنطن: "قطر وربيع العرب" (24-9-2014):
"خلال سنوات ربيع العرب، ايدت قطر، التي كانت تربطها علاقة قوية مع تنظيم الإخوان المسلمين، المظاهرات ضد حكم العساكر في مصر، وسوريا، وليبيا. وذلك بسبب العداء التاريخي بين الإسلاميين والعساكر. ولعب تلفزيون "الجزيرة" دورا كبيرا في ذلك ...
"بعد تولي الأمير تميم بن حمد آل ثانى الحكم من أبيه الذي كان يعطف على الاخوان المسلمين (2013)، واجه ضغوطا من السعودية والامارات لتخفيف التحالف مع الاسلاميين. وايضا، من امريكا. والتى تقدر وساطات قطر في مواضيع مع دول، مثل افغانستان و ايران. لكنها قالت ان تحالف قطر مع الاسلاميين يشوه سمعة قطر ...
"خلال الحرب الاهلية الثانية فى ليبيا (بدأت سنة 2014، ومستمره)، قللت قطر تدخلها في ليبيا، وركزت على تأييد حكومة الوفاق (فى طرابلس)، التى تعترف بها الأمم المتحدة. لكن، لم تقطع قطر علاقتها مع الحركات الاسلامية ... "
----------------
الدرس الثالث : خلافات الخليجيين:
رغم ان قطر لعبت الدور الرئيسي في التدخل في ليبيا، تدخلت دول خليجية اخرى، مثل الإمارات والسعودية. وهكذا تأثرت دول كثيرة بخلافات الخليجيين.
تدخلت الخليجيون في ليبيا مرتين:
1. فى الحرب الأهلية الأولى (بدات سنة 2011): ايد الخليجيون الاسلاميين في ليبيا لإسقاط القذافي. (اذا توجد حسنة واحدة عند القذافى، كان شجاعا في الهجوم على حكم العائلات في الخليج. وفي شتمهم). وضغط الخليجيون على جامعة الدول العربية (وهم يصرفون عليها) لإعلان الحرب ضد القذافي. وشجعوا حلف "الناتو" لضرب حكومة القذافى حتى اسقطته، وقتلته.
2. في الحرب الاهلية الثانية (بدأت سنة 2014، ومستمرة): انقسم الخليجيون:
في جانب، وقفت قطر مع حكومة الوفاق (فى طرابلس)، والتي تؤيدها حركات اسلامية محسوبة على قطر.
وفى الجانب الآخر، وقفت السعودية والامارات مع حكومة برلمان ليبيا (فى بنغازي). وهى حكومة تعادى الاسلاميين، ويقود جيشها الجنرال الامريكي الليبى خليفة حفتر.
هذه مقتطفات من تقرير "كارنيغي" السابق الذكر:
"تؤيد قطر حكومة الوفاق (فى طرابلس) لان الامم المتحدة تعترف بها، ولان بها عدد من الاسلاميين، ولان الحركات الاسلامية في طرابلس تحميها. لكن، لا تريد قطر ان يهزم الاسلاميون الجيش الوطني (بقيادة حفتر) لانها تعرف انه قوى، وتقف وراءه مصر، والسعودية، والإمارات ...
"تريد قطر ان تستمر ليبيا مقسمة بين اسلاميين (في طرابلس)، وغير اسلاميين (في بنغازى)، بدلا عن هزيمة كاملة للاسلاميين. وهكذا، لا يبدو ان الحرب الاهلية الثانية فى ليبيا ستنتهى قريبا ..."
------------
الدرس الرابع: الاسلاميون:
عارض الإخوان المسلمون القذافى (كما عارضوا جمال عبد الناصر). واعتقل القذافى قادتهم، وأعدم بعضهم (كما فعل عبد الناصر).
وعندما بدأت مظاهرات "ربيع العرب" (2011)، شملت ليبيا. واستغلها الاسلاميون بمساعدة قطر التى كان يوجد فيها عدد من قادة الإخوان المسلمين. واشترك اسلاميون في تعقب القذافى، وفى قتله. ورفعوا علم قطر، الى جانب علم ليبيا، فوق قصر القذافى المهدم.
هذه أسماء بعض قادة الإسلاميين فى ذلك الوقت (من تقرير "كارنيغي" السابق الذكر):
1. نورى ابو سهمين، مؤسس "غرفة الثوار"، ومن الامازيغ البربر.
2. عبد الحكيم بلحاج، من اوائل الذين قادوا حركات مسلحة ضد القذافى، وكان حارب في أفغانستان مع "المجاهدين".
3. أحمد معيتيق، صار رئيس وزراء بعد انتخابات مزورة (2014).
4. محمد الزهاوى، مؤسس جماعة "أنصار الشريعة".
5. الإخوان على الصلابى (الجناح المتدين، ولقب بمفتى الحركات الاسلامية). واسماعيل الصلابي (الجناح الاقتصادى. وصاحب شركة "الصحارى" التي كانت تمول الحركات).
لكن، بعد سنوات قليلة، انقلبت موازين القوى. وذلك لان الاسلاميين استغلوا الفراغ بعد قتل القذافى. وحاولوا تأسيس دولة إسلامية في ليبيا. وظهر اسلاميون متطرفون يريدون إعلان قوانين الشريعة، وحظر حرية النساء. ولفترة سنتين، سيطرت منظمة "داعش" على مناطق على الساحل، وذبحت اعدائها، ونشرت الذبح في فيديوهات في الانترنت.
هذه مقتطفات من تقرير "راند" السابق الذكر:
"خلال الحرب الاهلية الثانية في ليبيا، تستمر قطر في تمويل وتسليح الحركات الاسلامية، رغم أنها تنكر ذلك ...
من بين الحركات الإسلامية التي تمولها وتسلحها قطر:
1. قوات "الزاوية" التى تحرس مطار طرابلس، وأنابيب البترول القريبة.
2 . قوات "فجر ليبيا"، وهي تحالف حركات اسلامية صغيرة.
3. قوات "بنغازى" التى حاربت جيش ليبيا الوطنى (بقيادة حفتر). وعندما انهزمت، لجأت الى طرابلس ..."
---------------
الدرس الخامس: حفتر
لابد ان الجنرال الاميركى الليبى خليفة حفتر، قائد جيش ليبيا (حكومة شرق ليبيا) يقلق البرهان وزملائه العسكريين. ها هو الجنرال ياسر العطا يصف دولة الامارات بانها مثل "عصابة المافيا"، ويحذر حفر من مساعدة حميدتى (30-11-2023)
لكن، قبل 13 سنة، بدأت العلاقة بين حفتر وحميدتي (مع بداية الحرب الاهلية الاولى في ليبيا)، عندما ارسل حميدتي جنودا وأسلحة الى حفتر عن طريق الكفرة.
وعندما بدأت الحرب بين حميدتى والبرهان، رد حفتر الجميل الى حميدتى، وأرسل (ويستمر يرسل) مساعدات كثيرة، عن طريق الكفرة، ايضا.
هذه عناوين تقارير صدرت مؤخرا عن دور حفتر في السودان:
1. مركز "سوفان": "حفتر يستغل الحرب في السودان للانتقام من تأييد البشير للإسلاميين في ليبيا" (23-4-2023).
2. مركز "الدراسات الاستراتيجية": "سيناريو ليبيا في السودان: حكومة في الغرب، وحكومة في الشرق" (14-11-2023).
3. مجموعة "كرايسيز": "الحرب في السودان مأساوية." (9-1-2024).
4. صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية: "حفتر يقدر على اغراق السودان في كابوس مسلح" (23-4-2023).
هذه مقتطفات من تقرير صحيفة "اوبزيرفر":
"يخشى كثير من الخبراء والمراقبين بان حفتر سيغرق السودان في كابوس عسكرى لا يعرف احد نهايته. لكن، لا يفعل حفتر اكثر من رد الجميل لحميدتي ...
"حفتر وحميدتى حليفان عسكريان، وصديقان، وتاجران. يتعاونان في تهريب الذهب والمخدرات، والاسلحة، والبضائع. وانتقل التعاون الى القادة ذوي الرتب المتوسطة في مليشيات كل واحد ...
"صارت علاقة حفتر وحميدتي عائلية. قبل الحرب، زار واحد من أبناء حفتر الخرطوم، وتبرع بمليوني دولار لنادي المريخ، أحد فريقي كرة القدم الكبيرين في السودان الذي يعاني مالياً. ويرتبط النادي بـ حميدتي الذي ساعد في إصلاح ملعبه ..."
-----------------
الدرس السادس: سيناريو ليبيا:
هذه مقتطفات من تقرير أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى واشنطن، تحت عنوان "تحاشى سيناريو ليبيا في السودان" (14-11-2023). كتبه كاميرون هدسون، خبير فى المركز، وعمل مع مبعوثين امريكيين للسودان، وكان عميلا لوكالة الاستخبارات المركزية (هو يكرر ذلك):
"تزيد سيطرة الدعم السريع على ثلاث من عواصم الولايات الخمس في دارفور على قدرته ليسيطر على جزء كبير من السودان غرب نهر النيل (تقريبا ثلثا مساحة السودان) ... وسيقدر على اعتبارها امتدادا لدول مجاورة، مثل تشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وجنوب السودان. وعلى زيادة المجندين من تلك الدول. وعلى زيادة امدادات الاسلحة ...
"في الجانب الآخر، جاءت هزائم جيش السودان في دارفور، والخرطوم. واجزاء من كردفان، واجزاء من الجزيرة، مع انتقال البرهان وحكومته الى بورتسودان، على البحر الأحمر. والتى صارت العاصمة الجديدة للسودان ...
"لهذا، يقول كثير من الناس ان هذا مثل "سيناريو ليبيا"، حيث تحكم حكومتان، شرقية في بنغازى، وغربية في طرابلس. لكن، لان حجم السودان عشرة أضعاف حجم ليبيا، سيكون انهيار السودان اكثر كارثية من انهيار ليبيا ...
"في نفس الوقت، بالاضافة الى تجنيد الدعم السريع جنودا من تشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، سينهمر على السودان طوفان من مكان اخر، من غرب افريقيا، من منطقة الساحل. توجد هناك جماعات اسلامية متطرفة، لابد ان يغريها الفراغ فى السودان بعد انهيار الجيش الوطنى ...
"يأتي الطوفان من اتجاه اخر، من الشمال البعيد، من روسيا التى تستمر ترسل المرتزقة الى دول فى غرب افريقيا، نكاية بتدخل أمريكا وفرنسا فى تلك المناطق. وتستمر روسيا تريد قاعدة عسكرية على البحر الأحمر. حاولت مع حكومات سابقة وفشلت. لكن، الحكومة الحالية ضعيفة ...
"اخيرا، ينشغل العالم بالحرب في اوكرانيا، والحرب فى غزة. لكن، يجب ان يهتم العالم بالنتائج الجيوسياسية الكارثية بسبب انهيار السودان."
=======

MohammadAliSalih@gmail.com
MohammadAliSalih.com
Mohammad Ali Salih/Facebook  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکات الاسلامیة سیناریو لیبیا الدعم السریع فی السودان الحرب فی فى لیبیا فی لیبیا کثیر من قطر فی

إقرأ أيضاً:

انقسام وشيك للسودان المنهك

زوايا
حمّور زيادة

مع بداية الشهر الثالث والعشرين للحرب في السودان، انقسمت القوى السياسية، وحلّت تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم) نفسَها لتتحوّل الى جسميْن برؤيتين مختلفتين. الجانب الذي يضم أغلبية القوى المدنية، والتي كانت جزءاً من تحالف قوى الحرية والتغيير، أعلن برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك تكوين جسم جديد يسعى إلى محاولة وقف الحرب. بينما انحاز الجانب الذي يضم أغلبية الحركات المسلحة، ومعها بعض الذين هاجروا إليها بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول (2021)، لتكوين حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع. وهكذا تمضي المجموعة الثانية بسرعة في طريق تقسيم السودان بشكل رسمي، بإحداث وضع حكومتين. ورغم الخسارة الوشيكة لهذه المجموعة العاصمة الخرطوم، التي يمكن أن يعلن الجيش استعادتها في أي لحظة في الأسابيع المقبلة، إلا أنها توجه أنظارها كما يبدو نحو مدينة الفاشر. المدينة المحاصرة منذ أكثر من عام ونصف العام، وتواجه استنزافاً شبه يومي، يوشك أن يتحوّل إلى مذبحة تحت أنظار العالم أجمع.

المدينة التي تشهد وقفة القوات المشتركة لحركات دارفور المسلحة، الخصم القديم والرئيسي لقوات الدعم السريع، تضم مئات آلاف من النازحين، وتقف عقبة أمام إعلان الحكومة الموازية. ورغم المناشدات الدولية والعقوبات، تمضي قوات الدعم السريع في استهداف المدينة، منذرةً بإبادة تواجهها أعراق دارفورية، في استكمالٍ لحرب الإبادة التي دعمها نظام عمر البشير السابق وجنرالات الجيش الحاكمون.

يبدو العالم كما لو ترك الفاشر لمصيرها. تقرّر عن نفسها وعن آخر شكل لوحدة سياسية هشة خرّقتها ثقوب الرصاص. فامتناع المدينة عن قوات الدعم السريع ربما يعيق قليلاً إعلان الحكومة الموازية. وهو ما يبقي السودان، اسمياً فقط، تحت سلطة عسكرية واحدة تحكم من العاصمة البديلة. بينما تُظهر التقارير الإعلامية كيف تحوّلت العاصمة القديمة إلى ركام. استطاعت حربٌ لم تكمل العامين بعد تدمير المدينة التي عاشت حوالي 200 عام، وتوشك أن تدمّر وحدة البلد المنهك بالحروب الأهلية أكثر من نصف قرن.

انقسام القوى السياسية التي اتحدت تحت شعار محاولة وقف الحرب يبدو منطقياً، بعدما تجاوزت الحرب خانة المخاوف، فكل ما تحذّر منه القوى السياسية حدث. وعربة الحرب المندفعة داست على حلم التحوّل الديمقراطي، وأصبح البلد المناضل منذ العام 1958 للخروج من نار الحكم العسكري مندفعاً لمنح السلطة للجيش مقابل الأمان في جانبٍ منه، ومهرولاً لتقسيم البلاد بحكومة محمية ببندقية متهمة بارتكاب جرائم الحرب والتطهير العرقي في جانب آخر.

صادرت البندقية العملية السياسية. وحدثت جرائم الاستهداف العرقي. وزادت قوة المليشيات القديمة والجديدة التي حلّت مكان مليشيا "الدعم السريع" في التحالف مع الجيش. ونظّم قادة الجيش والحركة الإسلامية أكبر عملية غسيل سمعة ليتحول من اعتُبروا سنواتٍ "أعداء الشعب وطغاته" إلى منقذيه وأبطاله.

في الوقت نفسه، يمضي الجيش السوداني في تأكيد احتكاره السلطة المستقبلية، فقائده الذي أعلن، السبت، أن "القوى المساندة للجيش لن تختطف السلطة بعد الحرب"، عاد ليؤكّد، الخميس، أن "الجيش لن يتخلى عن الذين حملوا السلاح وقاتلوا بجانبه، وأنهم سيكونون جزءاً من الترتيبات السياسية المقبلة". تُخبر هذه التصريحات بأن السلطة للجيش، وهو من يحدّد من يشارك معه فيها، وهو من يطمئن القلقين على حصّتهم. يحدُث هذا مع تنامٍ غير مسبوق لتيار شمولي يؤيد بلا تحفظ استمرار الحكم العسكري ظنا أنه جالب الأمان والمظهر الأخير لوحدة السودان.

ما بدأ باشتباكات مسلحة في قلب الخرطوم قبل حوالي عامين تحوّل اليوم إلى أكبر أزمة نزوح في العالم، وحرب تهدّد تماسك البلاد. ولم تنجح القوى السياسية في وقف الحرب، إنما كانت ضحيتها الأولى. تاركة البلاد تواجه مصيرها المحتوم بين بنادق المتقاتلين.

قسّمت الحرب الأهلية الأطول في تاريخ القارّة الأفريقية (1955 – 2005)، السودان إلى بلدين، شمال وجنوب. وتبدو الحرب الأهلية الحالية ماضية إلى تقسيم جديد، شرق وغرب. وهو تقسيم قد لا يصمد سياسياً وقتاً طويلاً، لكن أثره المباشر سيكون مدمّراً على البلاد التي لم يبق فيها ما يُدمّر.

نقلا عن العربي الجديد  

مقالات مشابهة

  • حكومة السودان والدعم السريع في مؤتمر للأمن في ألمانيا
  • أنسا: مانتوفانو يدافع عن حكومة جورجيا ميلوني وإدارتها لملف العلاقات مع ليبيا
  • انقسام وشيك للسودان المنهك
  • صمود قوى الثورة لاسترداد عافية السودان
  • دروس الثورة السورية
  • هل السودان بديل محتمل لتهجير أهالي غزة؟؟
  • القاعدة الروسية تطل براسها من جديد
  • ليبيا والسودان يهيمنان على أجندة اليوم الثالث للقمة الأفريقية
  • حكومة الاحتلال تهدد باستئناف الحرب علي غزة
  • غزوة بدر