الشيوعيون والإخوان ولعنة نميري – حميدتي …!!
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
إسماعيل عبدالله
الحزبان الأكثر جدلاً في ميدان السياسة السودانية هما الحزب الشيوعي وجماعة الإخوان المسلمين، كلاهما زرعا كادرهما العسكري بمؤسسة الجيش، ونجحا في اختراق المؤسسة العسكرية والسطو على سطلتين ديمقراطيتين، بانقلابين عسكريين يعتبران أكبر كارثتين حلتا بمؤسسات الدولة، جمع بينهما الكيد السياسي وانعدام التسامح، والإصرار على تجاوز القيم والأعراف السودانية المعهودة، فجعلا من السكان هدفاً مشروعاً للتشفي والانتقام، وعزيا فشلهما والرسوب في امتحان صندوق الاقتراع، لخذلان السكان لهما حينما حانت ساعة الإدلاء بالأصوات، كذلك اتصفا بالدموية والعسف والقسوة في حسم الخلاف السياسي بينهما وبين القوى السياسية الأخرى، وكان الحزب الشيوعي الأقل حظاً في الحفاظ على السلطة، حينما استخف بالنميري وغدر به، فما لبث المشير أن أعاد الكرة بعد ثلاثة أيام، فأودع جهابذة الحزب الشيوعي السجون ومن ثم أعدمهم، وعكس الشيوعي فإنّ الاخوان المسلمين قد أمد الله لهم في طغيانهم بعد انقلابهم على الشرعية الدستورية، فقبضوا على مقاليد السلطة بالحديد والنار، إلى أن قيّض الله للفتى البدوي القادم من أصقاع البلاد البعيدة، أن سحقهم بعد أن غدروا به صباحاً وهجموا على جيشه بالطيران الحربي والسلاح المدججة به كتائبهم المتطرفة، ولأن ملكهم العضود قد توطدت أركانه وعشعش في جسد الأمة والدولة، طالت أيام الحرب التي أشعلوها وظنوها نصر ساعة، ولم تكن إعادة الأمور إلى نصابها بالأمر السهل، سهولة قصر المسافة التي قاد فيها المشير نميري مدرعته المنصورة، من القصر الجمهوري إلى سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة العسكرية.
لو نجح الشيوعيون في انقلابهم على المشير جعفر نميري، لفعلوا ما فعله الإخوان المسلمون من ارتكاب للجرائم بحق الوطن والمواطن، وذلك نسبة للوجه الدموي الذي كشفته مجزرة بيت الضيافة، فالإخوان والشيوعيون وجهان لعملة واحدة، لا يؤمنون بالديمقراطية إلّا تقيةً، ويتخذون من أدبيات التنظيم العالمي شرعةً ونهجاً وسلوكاً، خاصة في جانب الممارسة الأمنية والاستخباراتية، تلك الأدبيات التي أدخلت ولأول مرة البشاعة في القتل ووسائل التعذيب البدني والنفسي للمعارضين السياسيين، وما يفعله طيران الاخوان اليوم في حربهم ضد قوات الدعم السريع، وضربهم للنسيج المجتمعي السوداني، يؤكد غرابة النهج الأمني الذي تغذت عليه أدمغتهم المريضة، وكذلك يشترك الحزبان الأيدلوجيان في تنشئة كادرهما الحزبي على خصائص الغرور والتعالي والعجرفة والتكبر والغلو والتطرف، والاعتداد بالرأي حتى لو كان خاطئاً، وضح ذلك في أقوال الكادر الحزبي والمدني للحزب الشيوعي إبّان حربهم ضد المشير جعفر نميري، والكل يعلم محاولات اغتيال شخصيتي النميري والترابي من قبلهما، حين وصفوا الأول بالطيش (آخر الدفعة) والثاني بالغلام، فغالب ما شهده الانسان السوداني من وحشية في تعذيب الشهيدين الأستاذ أحمد الخير والطبيب علي فضل ومجزرة بيت الضيافة، كان جراء المنهج المنحرف الذي تربى عليه منسوبو كلا الطرفين، فحال الحزبين هو حال المنبت الذي جسّده المثل القديم (المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى)، فالأثنان استوردا نظريتيهما من خارج أطر التكوين النفسي والثقافي للفرد السوداني المتصوف، فاصطدمت دعوة الاخوان المسلمين بأفراد مجتمع صوفي حد الثمالة، وانهار مشروع الحزب الشيوعي عند أول اصطدام برغبة الجماهير الغاضبة.
كما صار الحزب الشيوعي مجرد أعلام حمراء وقصائد وأشعار تذرف لها الدموع، أمام حوائط المبكى السنوي الذي يقيمه المريدون احتفاءً بذكرى تقدم سن الديناصور العجوز المتهالك، أيضاً سيؤول المآل بالإخوان المسلمين لذات الحالة الماضوية التي سكنت وجدان الشيوعيين، وسوف تأتي تلك الأيام التي ترون فيها مريدي الحزب الكهنوتي الاخواني البغيض ينشدون أناشيد الدفاع الشعبي، وهم قلة قليلة ومستضعفة تعيش على هامش الفعل السياسي، فالتجريف الذي تعمل عليه (كرّاكة) الدعم السريع سيوصل هؤلاء النفر إلى أقاصي الدنيا لاجئين ومشردين، تماماً مثلما فتك المشير نميري برموز حلف لينين، الذين دفنوا في بلاد الثلج والجليد دون أن ترثيهم فرقتهم الكورالية الحمراء بقاعة الصداقة، فجماعة الاخوان التي وضعت ملامح نهايتها بيدها، بعد أن حسمت أمرها وتقدمت كمخلب قط إيراني في مواجهة حارس الازدهار، سوف تطاردها اللعنات الى يوم يبعثون، وستلاحقها مذكرات الاعتقال في كل جحر ضب خرب يدخلونه، وسوف يضرب أوكارها الأسد الأمريكي الجريح كما ضرب مليشيات الحشد الشعبي الإيرانية بالعراق وفلول داعش بسوريا، ووقتها لن يجدي فلول النظام البائد أهازيج فرقة الصحوة الجهادية، ولا حماس المنشد شنّان ولا نهيق ضارب الرق قيقم.
إسماعيل عبدالله
ismeel@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی
إقرأ أيضاً:
الهند وأوقاف المسلمين.. انتهاك لحقوق الأقليات
عباس المسكري
في الديمقراطيات الحقيقية، لا يُقاس عدل القانون فقط بما ينص عليه؛ بل أيضًا بالسياق الذي يصدر فيه، والآثار التي يتركها على المكونات المختلفة للمجتمع، ومن هذا المنطلق، يثير التعديل الجديد لقانون الأوقاف في الهند مخاوف مشروعة وعميقة لدى المسلمين، لا لأنه ينظم إدارة الأملاك فحسب؛ بل لأنه يُدخلها في إطار وصاية قد تفرغها من معناها الأصلي وتحوّلها إلى أداة خاضعة لمركز سياسي لا يُمثّلها.
الأوقاف الإسلامية في الهند ليست مجرد ممتلكات تُدار؛ بل هي امتداد لهوية تاريخية وثقافية ودينية، نُسجت عبر قرون من التفاعل والعيش المشترك، وارتبطت بأنشطة التعليم والرعاية الاجتماعية والدينية، وهذه المؤسسات كانت دائمًا تعبيرًا عن قدرة المجتمع المسلم على تنظيم شؤونه وممارسة مسؤولياته الخيرية والدينية دون الحاجة إلى تدخل الدولة.
لذلك، فإنَّ نقل الإشراف على هذه الممتلكات من داخل المجتمع إلى جهة حكومية لا تعبّر عن طبيعته الثقافية والدينية، يُنظر إليه بحقٍ كخطوة تفتقر إلى الحساسية السياسية وتخالف روح التعددية التي يُفترض أن تقوم عليها الهند الحديثة، وتبرير الحكومة بأنَّ التعديل يستهدف تعزيز الشفافية ليس كافيًا؛ بل وربما يفتقر إلى المصداقية، عندما نضعه في سياق سياسي أوسع يتّسم بتقليص متزايد لمساحات التعبير الذاتي للمسلمين، وتزايد واضح في مركزية السُلطة وغياب التمثيل المُتوازِن للأقليات في اتخاذ القرار.
لقد زاد في تعميق المخاوف المتعلقة بتعديل قانون الأوقاف في الهند، السياق السياسي الذي تتخذه الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، والتي تُعد في نظر كثيرين حكومة يمينية متشددة في مواقفها تجاه الأقليات، خاصة المسلمين، فعلى الرغم من أن التعديل جاء تحت شعار تعزيز الشفافية، فإنَّ اشتراط تعيين مواطن من الطائفة الهندوسية على رأس إدارة أوقاف المُسلمين يُنظر إليه كإجراء يستهدف تقويض الهوية الثقافية والدينية للمسلمين، وهذا التعيين يُعد بمثابة تجاوز فاضح لحقوق المسلمين في إدارة شؤونهم الدينية والاجتماعية، مما يعزز الشكوك حول نوايا الحكومة في تحويل الأوقاف الإسلامية إلى أداة لفرض السيطرة الثقافية والدينية، بدلًا من تعزيز التعددية واحترام الحقوق المتساوية لجميع الطوائف.
الشفافية لا تُفرض من أعلى؛ بل تُبنى من داخل المؤسسات، بالشراكة، وبتمكين المجتمعات من إصلاح ذاتها، لا بمصادرة حقها في إدارة شؤونها، وما يزيد من عمق الإشكال أن هذا القانون أُقر رغم الاعتراضات السياسية الواسعة، ورغم التحفظات التي عبّر عنها ممثلو الطائفة المُسلمة وغيرهم من الأطياف السياسية، وهذا التمرير السريع يعكس خللًا في آلية التشريع حين يتعلق الأمر بحقوق الأقليات، وكأنَّ أصواتهم ليست معتبرة بما يكفي للتأثير في القرار النهائي، ما يعيد إنتاج شعور الإقصاء والتهميش.
إن أي صمت مستقبلي من قبل المنظمات الإسلامية والحقوقية الدولية تجاه ما تسعى إليه حكومة مودي اليمينية، لن يكون مبررًا؛ بل قد يُفهم كتواطؤ يشجّع على المضي في مزيد من الانتهاكات. ما يتم الترويج له في الهند اليوم ليس مجرد تعديل قانوني؛ بل توجه سلطوي خطير يمكن أن يتحوّل إلى نموذج عالمي في قمع الأقليات المسلمة تحت غطاء "الإصلاح" و"الشفافية". وغياب ردّ فعل دولي حازم، ربما يُشكّل سابقة خطيرة قد تُغري حكومات أخرى بانتهاج المسار نفسه، مما يُهدد مستقبل الحقوق الدينية والثقافية للمسلمين في عدد من الدول، والسكوت في هذه المرحلة لن يُقرأ إلا كضعف، أو رضًا ضمنيًا عن نهج قمعي يتسع نطاقه.
إنَّ الدفاع عن استقلالية الأوقاف ليس قضية فقهية ولا إدارية فقط؛ بل هو دفاع عن الحق في التنظيم الذاتي، عن التعددية الحقيقية، عن توازن العلاقة بين الدولة ومواطنيها من خلفيات مختلفة. فحين تفرض الأغلبية رؤيتها على مؤسسات الأقلية، دون حوار حقيقي، فإنَّ ذلك لا يحقق العدالة؛ بل يرسّخ الهيمنة، ويغذي الانقسام.
الهند اليوم أمام لحظة فارقة، ليس فقط في مسار تشريعي؛ بل في اختبار جدي لمدى التزامها بالمبادئ التي قامت عليها بعد الاستقلال، فإمَّا أن تُثبت أنها قادرة على احتضان تنوعها بمسؤولية وإنصاف، أو تنزلق إلى نموذج تُهيمن فيه رؤية واحدة على حساب البقية، وتُدار فيه الدولة بمنطق الوصاية لا الشراكة.