عملات عربية من القمة إلى القاع.. كيف انهارت؟
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
في مطلع الثمانينيات، كانت العملات العربية، بما فيها عملات الدول غير النفطية، تمثل صورة قوية في سوق الصرف، أمام العملات الأجنبية.
ولك أن تتخيل أن الدولار الأميركي كان وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي:
أقل من جنيه مصري ( 70 قرشا فقط). 3.9 ليرات سورية. الدينار الأردني 3 دولارات. الجنيه السوداني يعادل 2.6 دولار. الشلن الصومالي يعادل 3.4 دولارات. الدينار العراقي يعادل دولارين.
ولكن عقد الثمانينيات كان له معطياته، حيث كان عدد من الدول العربية يتبع نظام الاقتصاد الاشتراكي وسيطرة الدولة، ومعظم تعاملاتها الخارجية تتم وفق آلية الصفقات المتكافئة، وكانت التعاملات الخارجية بطبيعتها محدودة، نظرا للعمل وفق سياسة إحلال الصادرات محل الواردات، عبر شركات القطاع العام.
و لم يكن السفر للخارج والحاجة للعملات الأجنبية؛ يمثلان عبئا وطلبا كبيرا للنقد الأجنبي، فضلا عن السياسية النقدية التي تعتمد نظام التسعير الإداري للعملة المحلية، وبالتالي كانت أسعار صرف العملات العربية لا تعمل وفق آلية العرض والطلب.
وقبل تحرير سعر الصرف في الدول العربية خلال الثمانينيات، كان الحصول على النقد الأجنبي يتطلب شروطا قد لا تتوفر للبعض، كما أن البنوك لم تكن تلبي احتياجات طالبي النقد الأجنبي (على قلتها)، وهو ما أوجد سوقا موازية للنقد الأجنبي، ولكنها لم تكن نشطة، أو مؤثرة بشكل كبير على سعر الصرف.
بينما الوضع في عام 2024، يختلف بشكل كبير، ففقد أصبحت أسعار الصرف للعملات العربية للدول غير المنتجة للنفط تواجه موجات عاتية من التراجع أمام العملات الأجنبية.
فأسعار الصرف الرسمية للدولار الأميركي حاليا كالتالي:
30 جنيها مصريا. نحو 546 جنيها سودانيا. نحو 1450 دينارا عراقيا. 1114 ريالا يمنيا. 492 ليرة سورية. 571 شلتا صوماليا. 3.1 دنانير تونسية.ورصد التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022 حالة التراجع في قيمة بعض العملات العربية في عام 2021:
الجنيه السوداني تراجعت قيمته بنسبة 588%. والريال اليمني بنسبة 314%. والدينار الليبي 224%. والليرة السورية بنسبة 140%.فكيف حصل ذلك؟
عوامل التراجع والانهيار 1- الفسادمن العوامل التي ساعدت على انهيار العملات العربية كذلك، ارتفاع معدلات الفساد، وخاصة في الدول التي تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني.
فتقرير الشفافية الدولية لعام 2023، وجد أن كل الدول التي انهارت أو تراجعت عملتها بالمنطقة العربية، ترتفع فيها معدلات الفساد. فالصومال تحتل ذيل قائمة الدول على مؤشر الشفافية في المرتبة 180، وسوريا في المرتبة 177، واليمن في المرتبة 176، وليبيا في المرتبة 170، والعراق في المرتبة 154، ومصر في المرتبة 108، علما أن المؤشر يضم 180 دولة.
ولا بد أن نفرق بين انهيار عملات بعض الدول وتراجع العملات في البعض الآخر، خاصة خلال العقدين الماضيين.
فما تم في سوريا ولبنان والسودان واليمن والصومال والعراق، هو انهيار بلا شك، أما الوضع في مصر وتونس، فلا يزال في إطار التراجع الكبير، ولم يصل بعد إلى الانهيار، ولكن لا توجد قواعد إنتاجية قوية في كل من مصر وتونس تساعد على الخروج من تراجع قيمة العملة، بحيث يتم العمل على زيادة الصادرات.
2- زيادة الطلب على النقد الأجنبيمطلع التسعينيات من القرن الـ20، شهد العالم انطلاق العولمة الاقتصادية، ولبست الاقتصاديات العربية ثوب اقتصاديات السوق، وعدلت من سياساتها النقدية والمالية والإنتاجية.
ودخلت غالبية الدول العربية غير النفطية في برامج إصلاح مع صندوق النقد الدولي، ألزمتها بتحرير سعر صرف عملاتها المحلية، وهو ما وضع العملات العربية أمام معادلة جديدة.
وفي ظل تطور العلاقات الاقتصادية الخارجية انتعشت حركة الواردات السلعية والخدمية، وسُمح بالسفر لكافة الفئات من رجال الأعمال والطلاب والراغبين في السياحة الخارجية، وهو ما ولد طلبا جديدا على النقد الأجنبي لم يكن موجودا من قبل.
ولم تتم عملية إدارة اقتصادية محكمة من قبل الحكومات العربية للدخول في صراع العولمة الاقتصادية، بل تم التعامل مع خروج الدولة من النشاط الاقتصادي، على أنه إخلاء مسؤوليتها عن الأداء الاقتصادي، وهذا غير صحيح، فالدولة وإن أسندت الجانب الإنتاجي والخدمي للقطاع الخاص، تظل مسؤولة عن التخطيط الكلي، بحيث تنضبط مؤشرات الاقتصاد الكلي، وتتوازن التأثيرات المتبادلة، حتى لا يتحمل قطاع أعباء أكثر من القطاع الآخر، أو يؤثر مؤشر ما سلبيا على أداء باقي المؤشرات الأخرى.
وتشير الأرقام إلى تطور كبير فيما يتعلق بالتجارة الخارجية للعالم العربي، ففي عام 1990 بلغت الواردات العربية من السلع والخدمات 175.6 مليار دولار، بينما في عام 2020 بلغت 922.2 مليار دولار، أي أن نسبة الزيادة في هذه الواردات بلغت 426%، وكذلك الحال بالنسبة للصادرات العربية من السلع والخدمات، فقد بلغت عام 2001 نحو 307 مليار دولار، بينما وصلت إلى 936 مليار دولار عام 2020، أي أن هذه الصادرات زادت بنسبة 204%.
وإن كانت الأرقام تعبر عن واقع العالم العربي ككل، إلا أن الدول العربية غير النفطية، تعاني كلها من عجز في علاقاتها التجارية الخارجية، وهو ما أثر سلبيا على واقع النقد الأجنبي بها، وزيادة الطلب على الدولار.
فعلى سبيل المثال مصر، كانت صادراتها من السلع والخدمات في عام 1980 نحو 6.6 مليارات دولار، ثم ارتفعت في 2022 إلى 71 مليار دولار، أما وارداتها من السلع والخدمات فارتفعت خلال نفس الفترة من 9 مليارات دولار إلى 104 مليارات دولار، لنجد أن العجز ارتفع من 2.4 مليار دولار إلى 33 مليار دولار خلال هذه الفترة، وهو ما يمثل صورة حية على زيادة الطلب على النقد الأجنبي.
3- غياب الاستقرار السياسيوبالإضافة إلى ذلك، فقد شهدت بعض البلدان العربية أحداثا سياسية وأمنية، أضرت بوضعها الاقتصادي بشكل كبير، مثل الصومال؛ حيث انهارت مؤسسات الدولة في مطلع الثمانينيات، كما تعرضت السودان لأحداث سياسية متتابعة، كان أكثرها ضررا على الواقع الاقتصادي انفصال جنوب السودان في عام 2011، ثم أحداث أبريل/نيسان 2019 التي أطاحت بنظام البشير.
والحال نفسه في العراق الذي تعرض للاحتلال الأميركي في عام 2003، في حين تعرضت عدة دول عربية بعد الربيع العربي لنزاعات مسلحة في كل من ليبيا وسوريا واليمن، كما تعرض لبنان لأزمة اقتصادية في نهاية 2019، وتعمقت في عام 2020 وما بعدها.
وعاشت مصر وتونس أحداثا اقتصادية سلبية أيضا بعد نهاية حقبة الربيع العربي.
4- تراجع الاحتياطات الأجنبيةوفي ظل التقلبات السابقة بالدول العربية التي انهارت أو تراجعت قيمة عملاتها، تأثرت مؤشراتها الاقتصادية الأخرى مثل احتياطي النقد الأجنبي.
وترصد أرقام البنك الدولي ما يلي:
في اليمن تراجع احتياطي النقد الأجنبي من 8.1 مليارات دولار في 2008 إلى 1.2 مليار دولار في 2022. في تونس تراجع الاحتياطي من 11.2 مليار دولار في 2009 إلى 8 مليارات دولار في 2022. في ليبيا تراجع الاحتياطي من 124 مليار دولار في 2012 إلى 86 مليار دولار في 2022.وفيما يتعلق باحتياطيات النقد الأجنبي في بعض الدول العربية، نجد أنها عانت من انهيار حقيقي، لكن ما ساعد على احتفاظها ببعض الأرصدة التي يمكن اعتبارها مقبولة، قيام الدول النفطية العربية بإيداع مبالغ في البنوك المركزية لهذه الدول، لمساندة احتياطياتها.
وتعد مصر وتونس مثالا واضحا لهذا الأمر.
ما تأثير انهيار العملات العربية على المواطن؟في ظل انهيار العملات العربية في الدول غير النفطية، تحمّل المواطن أعباء عدة، من أبرزها انهيار قيمة المدخرات لمن يحتفظون بمدخراتهم بالعملات المحلية، فلك أن تتخيل الوضع في السودان بعد أن كان الدولار يعادل ما بين 40 و50 جنيها، قفز إلى ما يزيد على 500 جنيه.
وفي مصر مثلا كان الدولار مطلع الألفية الثالثة بحدود 3.30 جنيهات، فأصبح في 2024 عند 30 جنيها للسعر الرسمي، وكذلك تكرر الوضع في باقي الدول التي شهدت تراجعا أو انهيار عملاتها المحلية.
وكان التضخم نتيجة حتمية لتراجع وانهيار العملات العربية، فحسب أرقام النشرة الفصلية للربع الرابع من عام 2023، والتي تصدرها المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، بلغ التضخم في السودان عام 2023 نحو 256%، وفي لبنان 238%، وفي سوريا 135%، وفي مصر 23%، وفي اليمن 14.9%، مع الأخذ في الاعتبار أن معدلات التضخم في تلك الدول شهدت قفزات أعلى مما هو مدون بخصوص عام 2023، ولكن التراجع في أرقام 2023 يُعزى إلى طبيعة المؤشر التي تقارن بالعام الماضي.
ومن الظواهر السلبية التي ارتبطت بتراجع وانهيار العملات العربية، ظاهرة الدولرة، حيث اتجه أصحاب المدخرات والتجار إلى ربط مدخراتهم، أو الأنشطة التجارية بالدولار بيعا وشراء، وهو ما جعل الجميع يزهد في العملات المحلية.
وانتقل المرض الخاص بالدولرة إلى إيجاد مضاربين جدد في العملات الأجنبية، وهو ما حمل النشاط الاقتصادي أعباء التخلي عن الإنتاج، أو خلق الوظائف الجديدة، واستقرار القائم منها، واتساع رقعة الأعمال الريعية.
ونتيجة ارتفاع معدلات التضخم لسنوات متتالية، وبدون وجود تحسن في الأداء الإنتاجي والاقتصادي بشكل عام ارتفعت معدلات الفقر، فمنظمة الأسكوا في مسحها للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعام 2021-2022 بينت أن نسبة 35.3% من إجمالي سكان المنطقة العربية (باستثناء دول الخليج وليبيا) يعيشون تحت خط الفقر، وبما يصل إلى 130 مليون شخص.
وأشار المسح إلى بلوغ الفقر في بعض الأقطار التي تعاني من انهيار عملاتها، مثل الصومال عند نسبة 72%، واليمن 88%، ولبنان عند نسبة 68.6%، وفي السودان 54%، وفي العراق 20%، وفي مصر 32%.
وفي بعض التحديثات سواء من قبل بيانات قُطرية أو أممية؛ هناك نسب أخرى للفقر. ففي مصر كان آخر بيان عن مستويات الفقر بحدود 29.7%، وفي سوريا ذكر المرصد الأورومتوسطي أن نسبة الفقر هناك شملت 90% من الشعب.
ما آفاق مستقبل العملات المنهارة؟قيمة العملة في أي اقتصاد تأتي لتعكس الحالة الاقتصادية بشكل صحيح، ما لم تكن هناك حالة استثنائية، فعلى الرغم من تراجع عملات ليبيا والعراق كدولتين نفطيتين، إلا أنهما يصنفان على أنهما دول نامية، حتى قبل أن تقع الأزمات السياسية أو أمنية.
فالنفط وإن مكّن للدول المنتجة له وضعا أفضل لسعر صرف العملات، إلا أنه لم يغير من الواقع التنموي شيئا.
ولا ينتظر أن يتحسن واقع سعر صرف العملات العربية المنهارة في الأجلين القصير والمتوسط، بسبب استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني.
فأداء المؤشرات الاقتصادية الكلية ضعيف، من حيث:
هشاشة الناتج المحلي. استمرار العجز بميزان المدفوعات. عجز الموازنة. انهيار الاحتياطيات من النقد الأجنبي.وهو ما يضعف الأمل في تحسن سعر صرف العملات العربية المنهارة أو المتراجعة.
وحتى في العراق وليبيا اللتين لهما نصيب جيد من تدفق النقد الأجنبي بسبب الصادرات النفطية؛ تقف ارتفاع معدلات الفساد عائقا أمام التنمية الاقتصادية وأمام تحسن أسعار الصرف.
وفي مصر وتونس لا ينتظر أن يتحسن سعر صرف عملتهما خلال المرحلة القادمة، في ظل وجود اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي.
فالإجراءات المطلوب تطبيقها لا يمكن أن تساعد على تحسين سعر الصرف، بل المطلوب منهما تخفيض قيمة العملة الوطنية بهما.
وأما دول النزاع (سوريا، اليمن، ليبيا، العراق، الصومال، السودان) فبعضها تغيب فيها سلطة الدولة، وبالتالي غياب سيطرة السلطات النقدية على إدارة سعر الصرف، أو إعمال آلية السوق المفتوحة لغياب أرصدة الاحتياطي اللازمة، أو التحكم في التدفقات الواردة، وخاصة من العاملين بالخارج، حيث تتم بشكل شبه كامل من خارج أُطر الجهاز المصرفي، وبالتالي لا يتوقع تحسين سعر الصرف بهذه الدول.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من السلع والخدمات على النقد الأجنبی ملیار دولار فی الدول العربیة ملیارات دولار غیر النفطیة صرف العملات فی المرتبة مصر وتونس سعر الصرف الوضع فی وفی مصر سعر صرف عام 2023 فی مصر فی عام وهو ما
إقرأ أيضاً:
ملامح عام 2024 في سوق العملات المشفرة
في إنجاز تاريخي لافت، كسرت «بتكوين» حاجز الـ100 ألف دولار في نوفمبر 2024، مسجلة محطة فارقة في الاقتصاد العالمي ككل.
وبعد أن اخترقت لأول مرة حاجز الـ90 ألف دولار في 14 نوفمبر، ارتفعت إلى 94800 دولار بحلول 20 نوفمبر، قبل أن تقفز إلى 99655.50 دولار في 22 نوفمبر.
وفي نهاية الشهر، وصل سعر «البتكوين» إلى 103.449.70 دولار، قبل أن يصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند أكثر من 106 آلاف دولار في 16 ديسمبر (كانون الأول
ويُنظر إلى هذا الاختراق المهم على أنه محفز قوي للمؤسسات والشركات وحتى الدول للتعامل مع «البتكوين» والعملات المشفرة بجدية أكبر. ومقارنةً بشهر يناير (كانون الثاني) 2024، حيث كان سعر «البتكوين» 44167 دولاراً، يتضح أن العملة قد شهدت زيادة ملحوظة في قيمتها بأكثر من الضعف.
وهذا التحول أسهم في جذب الاستثمارات المؤسسية بشكل قانوني ومنظم، مما عزز مكانة «البتكوين» كأصل مالي موثوق يمكن إدراجه ضمن المحافظ الاستثمارية المؤسسية الكبرى.
وفي 5 ديسمبر 2024، سجلت صناديق «البتكوين» المتداولة في البورصة الأميركية حجم تداول استثنائياً بلغ 7.1 مليار دولار.
كما أصبح صندوق الاستثمار المتداول للبتكوين من «بلاك روك» أسرع المنتجات الاستثمارية نمواً من نوعه، حيث جمع 13.5 مليار دولار من الأصول المدارة في غضون ثلاثة أشهر فقط. وأشار كريس كويبر، مدير البحث في «فيديليتي» للأصول الرقمية، إلى أن «البتكوين» حققت عوائد تفوق 150 في المائة في 2023، ثم أضافت 75 في المائة أخرى من العوائد حتى الآن في 2024.
في أبريل (نيسان) 2024، شهدت «البتكوين» حدث التنصيف (الهالفينغ) الذي قلص مكافأة التعدين من 6.25 إلى 3.125 بتكوين لكل كتلة، وهو ما يُعد حدثاً محورياً في مسار العملة المشفرة. ورغم أن هذه الأحداث عادة ما تؤدي إلى زيادات سعرية ملحوظة نتيجة لتقليص العرض، فإن السوق لم تشهد الارتفاع الفوري المتوقع. ويعكس هذا التفاوت في الاستجابة نضج السوق وتزايد فهم المستثمرين لهذا الحدث، مما يشير إلى أن تأثيرات «الهالفينغ» أصبحت أكثر تدريجية وأقل تأثيراً مباشراً مقارنةً بالسنوات السابقة
وشهدت «البتكوين» ارتفاعاً ملحوظاً بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث يعوّل مجتمع العملات الرقمية على إدارته الجديدة لتوفير بيئة تشريعية منظمة تعزز نمو القطاع.
وفي مؤتمر «البتكوين» في ناشفيل في يوليو (تموز) 2024، أثنى ترامب على فكرة إنشاء «احتياطي فيدرالي» لـ«البتكوين»، وأكد على أهمية جذب عمليات التعدين إلى أميركا، وتعهد بجعلها «عاصمة العملات المشفرة».
كما أطلق مشروع «وورلد ليبرتي فاينانشيال» بالتعاون مع عائلته لتداول العملات المشفرة. من جانبه، أعرب نجل الرئيس المنتخب، إيريك ترمب، نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة ترمب، عن تفاؤله بإمكانية أن تصبح الولايات المتحدة رائدة عالمية في مجال العملات المشفرة، من خلال وضع بعض المبادئ التوجيهية التنظيمية المدروسة.
كما أعرب عن دعمه القوي لعمليات التمويل اللامركزي (DeFi)، مشيراً إلى أن النظام المصرفي التقليدي أصبح قديماً وأن العملات المشفرة مستعدة لتجاوزه وتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال.
وفي 5 ديسمبر 2024، أعلن ترمب أنه سيفي بوعده الانتخابي ويكون «رئيساً للعملات الرقمية»، حيث أقر تعيين ديفيد ساكس، المدير التنفيذي السابق في «باي بال» ومناصر العملات الرقمية، «مستشار البيت الأبيض للعملات الرقمية والذكاء الاصطناعي»، ليقود سياسة العملات الرقمية ويعمل على إطار قانوني يوفر وضوحاً لصناعة العملات الرقمية.
كما أعلن أنه سيعين المحامي المؤيد للعملات الرقمية بول أتكينز لقيادة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، والذي أبدى دعمه للابتكار في مجال العملات الرقمية ليكون وسيلة لتعزيز التنافس في قطاع الخدمات المالية، وساعد شركات العملات الرقمية في تعاملاتها مع المنظمين من خلال استشارته في شركته «باتوماك غلوبال بارتنرز».
في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية وخفض أسعار الفائدة المتتالي من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي بعد دورة تشديد نقدي صارمة في عام 2022، برزت العملات المشفرة، وعلى رأسها «البتكوين» على أنها ملاذ آمن في مواجهة المخاطر المالية التقليدية. فقد أثرت تخفيضات الفائدة في عام 2024 على سلوك سعر العملة المشفرة، حيث تعكس هذه السياسات الضائقة الاقتصادية التي قد تدفع المستثمرين إلى تجنب الأصول عالية المخاطر. ومع ذلك، لا تزال «البتكوين» تحتفظ بجاذبيتها بأنها شبكة نقدية لا مركزية وأصل بديل للتحوط ضد الضعف المالي النظامي. ومع تباطؤ الاقتصاد العالمي، يزداد دورها في أنها أصل بديل وسط توقعات بفترة اقتصادية مضطربة قد تكون في الوقت نفسه محورية ومؤثرة.
ومن المرجح أن تؤدي زيادة السيولة في النظام المالي إلى تدفق الأموال نحو الأصول الرقمية، مما قد يعزز الطلب على «البتكوين» بشكل كبير.
على الجانب الجيوسياسي، من المتوقع أن تؤثر الأزمات في الشرق الأوسط والتوترات العالمية في 2025 على أسعار «البتكوين»، إذ أظهرت العملة المشفرة تاريخياً ارتفاعات بعد الأزمات الكبرى مثل النزاع التجاري بين أميركا والصين في 2019 والغزو الروسي لأوكرانيا. الطبيعة اللامركزية لـ«البتكوين» والعرض المحدود يجعلان منها وسيلة تحوط فعّالة، خاصة في ظل تخفيض قيمة العملات التقليدية. ومع ذلك، تبقى التقلبات الكبيرة في أسعار «البتكوين» قائمة، مما يستدعي الحذر من قبل المستثمرين عند التعامل مع هذه الأصول في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي.
من المتوقع أن يسهم التحول التنظيمي المؤيد للعملات المشفرة، إلى جانب إنشاء احتياطي استراتيجي لـ«البتكوين»، في انتعاش سوق العملات المشفرة في 2025. وبعد الاضطرابات التي شهدتها السوق في 2022، يظل المستثمرون يتطلعون إلى إطار تنظيمي شامل يعزز الاستقرار. وقد يؤدي تحول دور لجنة الأوراق المالية والبورصات لصالح لجنة تداول العقود الآجلة للسلع (CFTC) إلى زيادة وضوح السوق.
وفي الأشهر الأخيرة من الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، برز قدر مفاجئ من النقاش حول ظهور العملات المشفرة بأنها أولوية استراتيجية وطنية جديدة. في هذا السياق، اقترح بعض مؤيدي العملات المشفرة إمكانية نشوء «سباق تسلح للبتكوين»، حيث قد تبدأ الحكومات السيادية في جميع أنحاء العالم في تنفيذ عمليات شراء ضخمة. وفي الولايات المتحدة، من المحتمل أن يبدأ هذا السباق الشرائي من خلال إنشاء احتياطي استراتيجي يمكنها من شراء مليون بتكوين خلال السنوات الخمس المقبلة.
ومن المحتمل أن تضطر الدول الأخرى إلى اتباع نفس النهج. وقد أثار هذا الاحتمال تساؤلاً مثيراً يتمثل في أن الصين قد تضطر إلى التراجع عن حظرها المفروض على العملات المشفرة منذ أواخر عام 2021. وإذا قررت الصين الانغماس في سوق «البتكوين» وبدأت في تراكمها كما كانت تفعل مع احتياطياتها من الذهب، فقد يشهد السوق ارتفاعاً غير مسبوق في السعر. كما أن البرازيل وروسيا تدرسان حالياً استخدام «البتكوين» كاحتياطي استراتيجي، مما يعكس الدور المتزايد الذي تلعبه العملات المشفرة في الاقتصاد العالمي.
شهدت سوق العملات المشفرة، بقيادة «البتكوين»، مرحلة نضج وتحول خلال عام 2024، ومن المتوقع أن يستمر هذا الزخم في عام 2025 مدفوعاً بتطورات تنظيمية منتظرة واهتمام متزايد من الحكومات والمؤسسات. ويتوقع نايغل غرين، الرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفير»، إحدى كبرى شركات الاستشارات المالية في العالم، أن يرتفع سعر «البتكوين» إلى 120 ألف دولار بحلول نهاية الربع الأول من عام 2025، رغم الانخفاض المؤقت المحتمل بسبب تثبيت الأرباح من قبل بعض المستثمرين. من جهتها، رفعت «ستاندرد تشارترد» هدفها السعري لـ«بتكوين» بنهاية 2025 إلى 200 ألف دولار.
ومع هذه التوقعات المشرقة، يبقى السؤال: هل يشهد الاقتصاد العالمي ثورة مالية جديدة بقيادة العملات المشفرة رهن التطورات التنظيمية، والتقبل الواسع من الحكومات والمؤسسات الكبرى، فضلاً عن قدرة التكنولوجيا المالية على التغلب على التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي قد تطرأ؟