هل الحرب أداة لخلق تفكير سياسي جديد؟
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أندلاع الحرب في السودان بغض النظر عن الذي خطط لها، تؤكد على أزمة العقل السياسي السوداني، و فشل إنجاز شعارات الثورة؛ يوضح أيضا أزمة العقل السياسي.. و اندلاع الثورة من الشارع إذا كان ذلك في النيل الأزرق أو في عطبرة، تؤكد أزمة الأحزاب السياسية بسبب أزمة عقل قياداتها، فالحرب يجب أن تكون هي نهاية للتعامل مع هذا العقل الذي لا ينتج غير الفشل و النزاعات و الحروب.
إشكالية النخب السياسية السودانية إنها واقعة في مستنقع أوهام، و شعارات بالية عن وحدة التاريخ و اللغة و الانتماءات الزائفة، و البحث عن مرجعيات ليس لها علاقة بموروث الشعب، فالهروب للخارج و الوقوع في أحداث التاريخ بهدف تشييد مجد من رمال في الخيال، جعل واقعهم مصاب بالعقم و الفشل. و فشلت الأجيال الممتدة و المتعاقبة أن تغير طريقة التفكير لكي تحدث واقعا جديدا. الأجيال الجديدة تقوم بمهمة تغيير النظم السياسية، و بعد سقوطها تأتي ذات العقليات التقليدية المتوارثة لكي تمارس ذات الفعل السابق وقع الحافر على الحافر. و الغريب في الأمر حتى الأحزاب الجديدة تعجز أن تحدث تغييرا في الموروث لكي يظهر جديدها، فهي تعتمد على الشعارات بدلا عن الاجتهاد الفكري، و عندما تصطدم بأول تحدي تكتشف أن الشعار أداة لا يمكن أن تساعد على تجاوز التحدي، لذلك تحاول أن تخلق لها عللا و محاججات غير مفيدة لكي تخرجها من مسؤولية تحمل الفشل.
أنظر للمسرح السياسي السائد الآن في البلاد، و اللغة المستخدمة و الشعارات المرفوعة، كلها تؤكد على انغلاق العقل. كل يحاول أن يرمي بالائمة على الأخر بهدف تبرئة الذات. و أيضا أنظر للتعليقات على المقالات المكتوبة لعدد كبير من الكتاب، لا تحمل أي نقد موضوعي يبين أن الناقد فهم المقال، و هنا لا اتحدث عن العامة بل عن النخب المثقفة التي تجيد إعمال العقل الممنهج. الأمر الذي يؤكد أزمة العقل، لذلك الحرب يجب أن تكون حدا فاصلا بين مرحلتين. فالمرحلة الثانية سوف تتخلق من رحم معاناة الحرب، و الناس في كل أقاليم السودان.. و تقدم أجيال جديدة لها طريقة تفكير و رؤى مغايرة.. أن التغيير في طريقة التفكير لكي تنجح لابد أن تسقط كل المتعلقات بالموروث القديم الذي قاد للفشل. كل المرجعيات التي اعتمدت عليها الأحزاب في العمل السياسي تحتاج لمراجعات فكرية لكي تتوأم مع الديمقراطية.
أن الحرب الدائرة بين القوى السياسية، و حديث اللوم، و الاتهام، و لغة الإقصاء، كلها تبين أن العقل السياسي مغلق، لا يريد أن ينظر للمشكل بأفق واسع لكي يجد الحل. فالذي يغلق الأفق هي المصالح الضيقة، و المصالح الضيقة لا تجعل صاحبها أن ينظر للمشكل ابعد من هذه الدائرة الضيقة. أن تغيير طريقة التفكير هي التي سوف تحرر العقل من ضيق الأفق و تجعله ينطلق عبر الخيال الواسع للبحث عن الحلول التي يتوافق عليها الجميع.. و بمعني أصح أن تجل الكل يشتبك في حوار جاد من أجل الوصول لحل، فالحرب خلقت واقعا جديدا، و أيضا أدخلت عناصر غير منتمية، و كانت بعيدة عن العمل السياسي، و لكنها تضررت بفعل الحرب، و تريد أن تسهم في عملية الحل، هؤلاء إذا استطاعوا أن ينظروا للقضية بأفق الوطن الواسع سوف يفروضوا شروطا جديدة على العمل السياسي، شروطا تنظر لوحدة الوطن شيئا مقدسا لا مساس به، و أيضا لعملية الاستقرار السياسي و الاجتماعي و التنمية، و تعزيز منهج تعامل الدولة السودانية مع الدول الأخرى من خلال المصالح المتبادلة، مع التأكيد على مؤسسات الدولة و خاصة الأمنية أن لا تتعامل مع الوجود الاجنبي في السودان بالا مبالاة، أو من خلال كسب رخيص في المال. لقد أوضحت الحرب أن هذا الوجود الأجنبي هو الذي ساهم بشكل كبير في سرقت المنازل و نهبها. و استطاعت الميليشيا أن تجندهم في حربها على الدولة.
أن العقل السياسي السوداني المبرمج على الموروث السياسي القديم و بكل تياراته الفكرية قد تكلس تماما، و أصبح عاجزا عن الإنتاج الفكري الذي يساعده على مواجهة التحديات، هذا العقل لا يمكن أن تجرى عليه عمليات الترميم و التحديث لآن قدراته المتواضعة التي اعتمدت على مخلفات أفكار الشعوب الأخرى، أن كانت دولية أو قومية لا تستطيع أن تستوعب المنتجات الفكرية الجديدة. فالحاجة المطلوبة عقول جديدة تحاول تطويع الفكر بهدف خدمة مطلوبات المجتمع السوداني، كما استطاعت الصين الشيوعية أن تستخدم عقول ما بعد ماوسيتونج في كيفية الموأمة بين الشيوعية و مطلوبات الاقتصاد الحر.. و أيضا لولا في البرازيل الذي جاء من خلفية يسارية نقابية أن يجعل من فكرة دعم " المشاريع الصغيرة" وحدت لبناء الاقتصادي البرازيلي و يصعد ببلده في مصاف الدول المتقدمة، و كذلك مهاتير محمد في ماليزيا الذي جعل فكرة تضيق الفروقات الاقتصادية بين مكونات المجتمع قاعدة لبناء الاقتصاد الوطني و صعد بالدولة في سلم الدول الناهضة...
أن العقل السياسي السوداني الذي غرق في مجادلات الهوية و الجهوية و العروبية و الإفريقانية و دولة 56 و مخاطبة جذور المشكلة و غيرها، هو جدل عقيم محصور في قضايا لا تجعل العقل قادر على تجاوزه، ولا قادر أن يفكر خارج اجندته، لذلك يقع في دائرة الفشل باستمرار. المشكل السوداني في حاجة لعقول جديدة تتجاوز كل الأجندة المطروحة على طاولة الحوار، و يأتي بافكار جديدة تنقل الكل إلي دائرة جديدة من التفكير يجعل من أفكار الأقتصاد و التنمية نواة للتحول في مسار الدولة، و أهتمام الفرد في البلاد.. لكن المشكل أن كل النخب السياسية و الأحزاب السياسية تجري وراء السلطة، و محاولة إحتكارها باعتبار أنها الوسيلة الوحيدة الناجعة لعملية التغيير. رغم أن التجارب السابقة من الانقلابات التي كان وراءها أحزاب سياسة و جميعها كانت وراء تكوين نظام حكم الحزب الواحد، و تسعى الآن أن تعيدها مرة أخرى، في اعتقاد أنها سوف تأتي بنتائج مغايرة.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
//////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العقل السیاسی
إقرأ أيضاً:
مجلس الأمن الذي لم يُخلق مثله في البلاد!
(في أمر جلل يهز العالم والإنسانية: 93,3% نعم و 6,7% لا. فنطبق على العالم حكم %6,7 !!!)
هل عرف العالم إفلاسا أكثر من هذا للمنظومة الدولية، أخلاقيا وفكريا وديمقراطيا وقانونيا، عندما يعارض طرف واحد إجماع 14 عضوا في مجلس "الأمن" قرارا إنسانيا بالدرجة الأولى لوقف الإبادة الجماعية لشعب أعزل، إلا من قوة إرادته على الصمود والثبات في أرضه ومنازلته للمحتل بأقصى مما جاد الله عليه من ذكاء ووسائل إصرار وتوفيق في التصويب والتنكيل بالعدو!؟
يتجلى الإفلاس الأخلاقي عندما يرى العالم هذه الفظائع من الإجرام تطال النساء والأطفال بالدرجة الأولى (70 بالمائة من ضحايا الحرب)، ثم يسلم لعنجهية الراعي والداعم المستمر للإبادة في غزة، الإدارة الأمريكية.
إذن سموه ما شئتم إلا أن يكون مجلس "أمن" ! أين الأمن للضعفاء وللمحرومين وللمضطهدين! هذا مجلس تواطؤ ومجلس شرعنة قانون الغاب ومجلس تكريس منطق دوس القيم وكل المثل الانسانية من أجل شهوة متعطشين لسفك الدماء! ينبغي لأحرار العالم من دول ومنظمات وهيآت دولية ومجتمعية الثورة على هذا المنطق الاستعماري الذي تكوى به الانسانية منذ عقود من الزمن!
يتجلى الإفلاس الأخلاقي عندما يرى العالم هذه الفظائع من الإجرام تطال النساء والأطفال بالدرجة الأولى (70 بالمائة من ضحايا الحرب)، ثم يسلم لعنجهية الراعي والداعم المستمر للإبادة في غزة، الإدارة الأمريكية.ويدل هذا التصويت على الإفلاس الفكري للمنظومة الحداثية الغربية التي صدعت العالم لعشرات السنين، بعد الحرب العالمية الثانية بمشروعها "المبشر" بإنقاذ البشرية من التخلف ومن الكراهية ومن القمع والاستبداد ومن الإرهاب، فإذا هي تكشف عن حقيقتها بالدوس على ذلك كله، وإستدعاء عمقها الصليبي الاستعماري بتوظيف القوة، كل أنواع القوة المادية والاستخباراتية والابتزازية وغيرها من أجل التنكيل الممنهج بكل مطالب بحقه في الحرية وفي الانعتاق من الظلم والاستغلال والاحتلال.
كما يدل هذا التصويت على الإفلاس الديمقراطي السياسي، إذ كيف تتحكم نسبة 6,7% تمثلها الإدارة الأميركية في مصير شعب بأكمله تحت الإبادة الجماعية المستمرة وترفض إيقاف الحرب ونتجاهل 93,3% من أصوات ممثلي باقي دول العالم التي صوتت لإيقاف الحرب!!
كما يعبر هذا التصويت عن الإفلاس القانوني للمنظومة الدولية حين تعطل المحاكم الدولية كالمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ومهام المقررين الأمميين من أجل نزوات استعلائية تسلطية استعمارية موروثة من عهد بائد سيء الذكر، لخمسة من دول العالم، ويتم تجاهل رأي 188 دولة أخرى من بين 193 دولة عضوة الآن في الأمم المتحدة.
وإنك لتعجب أشد العجب وأنت تفتح الموقع الرئيس للأمم المتحدة على الأنترنيت وتجد التقديم التالي بالأحرف الكبيرة:
"الأمم المتحدة: السلام والكرامة والمساواة على كوكب ينعم بالصحة.
تعريف بنا: مكان واحد حيث يمكن لدول العالم أن تجتمع معا، وتناقش المشكلات الشائعة
و تجد حلولا مشتركة".
﴿أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٦ إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ ٧ ٱلَّتِی لَمۡ یُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِی ٱلۡبِلَـٰدِ ٨ وَثَمُودَ ٱلَّذِینَ جَابُوا۟ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ ٩ وَفِرۡعَوۡنَ ذِی ٱلۡأَوۡتَادِ ١٠ ٱلَّذِینَ طَغَوۡا۟ فِی ٱلۡبِلَـٰدِ ١١ فَأَكۡثَرُوا۟ فِیهَا ٱلۡفَسَادَ ١٢ فَصَبَّ عَلَیۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ ١٣ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ ١٤﴾ [الفجر ]
*مسؤول مكتب العلاقات الخارجية بجماعة العدل والإحسان/ المغرب