سودانايل:
2025-03-10@09:12:11 GMT

هل الحرب أداة لخلق تفكير سياسي جديد؟

تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT

زين العابدين صالح عبد الرحمن
أندلاع الحرب في السودان بغض النظر عن الذي خطط لها، تؤكد على أزمة العقل السياسي السوداني، و فشل إنجاز شعارات الثورة؛ يوضح أيضا أزمة العقل السياسي.. و اندلاع الثورة من الشارع إذا كان ذلك في النيل الأزرق أو في عطبرة، تؤكد أزمة الأحزاب السياسية بسبب أزمة عقل قياداتها، فالحرب يجب أن تكون هي نهاية للتعامل مع هذا العقل الذي لا ينتج غير الفشل و النزاعات و الحروب.

. هذا العقل المأزوم ليس مستوطن في أحزاب بعينها دون الآخرين.. بل هي أزمة لطريقة تفكير سياسي ممتدة تحتاج للتغيير.. و أيضا إبدال في المنهج الذي ساد في كل القوى السياسية و يريد الهروب من المسؤولية، و البحث عن شماعات تعلق فيها تلك الأخطاء " أن مقولة شرف لا ندعيه و تهمة لا ننكرها" التي تؤكد التبرير دون النقد هي المرحلة التي يجب تجاوزها. و هي المرحلة التي بينت أن قيادات الأحزاب لا تريد أن تتحمل مسؤولية أخطائها.
إشكالية النخب السياسية السودانية إنها واقعة في مستنقع أوهام، و شعارات بالية عن وحدة التاريخ و اللغة و الانتماءات الزائفة، و البحث عن مرجعيات ليس لها علاقة بموروث الشعب، فالهروب للخارج و الوقوع في أحداث التاريخ بهدف تشييد مجد من رمال في الخيال، جعل واقعهم مصاب بالعقم و الفشل. و فشلت الأجيال الممتدة و المتعاقبة أن تغير طريقة التفكير لكي تحدث واقعا جديدا. الأجيال الجديدة تقوم بمهمة تغيير النظم السياسية، و بعد سقوطها تأتي ذات العقليات التقليدية المتوارثة لكي تمارس ذات الفعل السابق وقع الحافر على الحافر. و الغريب في الأمر حتى الأحزاب الجديدة تعجز أن تحدث تغييرا في الموروث لكي يظهر جديدها، فهي تعتمد على الشعارات بدلا عن الاجتهاد الفكري، و عندما تصطدم بأول تحدي تكتشف أن الشعار أداة لا يمكن أن تساعد على تجاوز التحدي، لذلك تحاول أن تخلق لها عللا و محاججات غير مفيدة لكي تخرجها من مسؤولية تحمل الفشل.
أنظر للمسرح السياسي السائد الآن في البلاد، و اللغة المستخدمة و الشعارات المرفوعة، كلها تؤكد على انغلاق العقل. كل يحاول أن يرمي بالائمة على الأخر بهدف تبرئة الذات. و أيضا أنظر للتعليقات على المقالات المكتوبة لعدد كبير من الكتاب، لا تحمل أي نقد موضوعي يبين أن الناقد فهم المقال، و هنا لا اتحدث عن العامة بل عن النخب المثقفة التي تجيد إعمال العقل الممنهج. الأمر الذي يؤكد أزمة العقل، لذلك الحرب يجب أن تكون حدا فاصلا بين مرحلتين. فالمرحلة الثانية سوف تتخلق من رحم معاناة الحرب، و الناس في كل أقاليم السودان.. و تقدم أجيال جديدة لها طريقة تفكير و رؤى مغايرة.. أن التغيير في طريقة التفكير لكي تنجح لابد أن تسقط كل المتعلقات بالموروث القديم الذي قاد للفشل. كل المرجعيات التي اعتمدت عليها الأحزاب في العمل السياسي تحتاج لمراجعات فكرية لكي تتوأم مع الديمقراطية.
أن الحرب الدائرة بين القوى السياسية، و حديث اللوم، و الاتهام، و لغة الإقصاء، كلها تبين أن العقل السياسي مغلق، لا يريد أن ينظر للمشكل بأفق واسع لكي يجد الحل. فالذي يغلق الأفق هي المصالح الضيقة، و المصالح الضيقة لا تجعل صاحبها أن ينظر للمشكل ابعد من هذه الدائرة الضيقة. أن تغيير طريقة التفكير هي التي سوف تحرر العقل من ضيق الأفق و تجعله ينطلق عبر الخيال الواسع للبحث عن الحلول التي يتوافق عليها الجميع.. و بمعني أصح أن تجل الكل يشتبك في حوار جاد من أجل الوصول لحل، فالحرب خلقت واقعا جديدا، و أيضا أدخلت عناصر غير منتمية، و كانت بعيدة عن العمل السياسي، و لكنها تضررت بفعل الحرب، و تريد أن تسهم في عملية الحل، هؤلاء إذا استطاعوا أن ينظروا للقضية بأفق الوطن الواسع سوف يفروضوا شروطا جديدة على العمل السياسي، شروطا تنظر لوحدة الوطن شيئا مقدسا لا مساس به، و أيضا لعملية الاستقرار السياسي و الاجتماعي و التنمية، و تعزيز منهج تعامل الدولة السودانية مع الدول الأخرى من خلال المصالح المتبادلة، مع التأكيد على مؤسسات الدولة و خاصة الأمنية أن لا تتعامل مع الوجود الاجنبي في السودان بالا مبالاة، أو من خلال كسب رخيص في المال. لقد أوضحت الحرب أن هذا الوجود الأجنبي هو الذي ساهم بشكل كبير في سرقت المنازل و نهبها. و استطاعت الميليشيا أن تجندهم في حربها على الدولة.
أن العقل السياسي السوداني المبرمج على الموروث السياسي القديم و بكل تياراته الفكرية قد تكلس تماما، و أصبح عاجزا عن الإنتاج الفكري الذي يساعده على مواجهة التحديات، هذا العقل لا يمكن أن تجرى عليه عمليات الترميم و التحديث لآن قدراته المتواضعة التي اعتمدت على مخلفات أفكار الشعوب الأخرى، أن كانت دولية أو قومية لا تستطيع أن تستوعب المنتجات الفكرية الجديدة. فالحاجة المطلوبة عقول جديدة تحاول تطويع الفكر بهدف خدمة مطلوبات المجتمع السوداني، كما استطاعت الصين الشيوعية أن تستخدم عقول ما بعد ماوسيتونج في كيفية الموأمة بين الشيوعية و مطلوبات الاقتصاد الحر.. و أيضا لولا في البرازيل الذي جاء من خلفية يسارية نقابية أن يجعل من فكرة دعم " المشاريع الصغيرة" وحدت لبناء الاقتصادي البرازيلي و يصعد ببلده في مصاف الدول المتقدمة، و كذلك مهاتير محمد في ماليزيا الذي جعل فكرة تضيق الفروقات الاقتصادية بين مكونات المجتمع قاعدة لبناء الاقتصاد الوطني و صعد بالدولة في سلم الدول الناهضة...
أن العقل السياسي السوداني الذي غرق في مجادلات الهوية و الجهوية و العروبية و الإفريقانية و دولة 56 و مخاطبة جذور المشكلة و غيرها، هو جدل عقيم محصور في قضايا لا تجعل العقل قادر على تجاوزه، ولا قادر أن يفكر خارج اجندته، لذلك يقع في دائرة الفشل باستمرار. المشكل السوداني في حاجة لعقول جديدة تتجاوز كل الأجندة المطروحة على طاولة الحوار، و يأتي بافكار جديدة تنقل الكل إلي دائرة جديدة من التفكير يجعل من أفكار الأقتصاد و التنمية نواة للتحول في مسار الدولة، و أهتمام الفرد في البلاد.. لكن المشكل أن كل النخب السياسية و الأحزاب السياسية تجري وراء السلطة، و محاولة إحتكارها باعتبار أنها الوسيلة الوحيدة الناجعة لعملية التغيير. رغم أن التجارب السابقة من الانقلابات التي كان وراءها أحزاب سياسة و جميعها كانت وراء تكوين نظام حكم الحزب الواحد، و تسعى الآن أن تعيدها مرة أخرى، في اعتقاد أنها سوف تأتي بنتائج مغايرة.. نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com
//////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العقل السیاسی

إقرأ أيضاً:

أخطر أزمة أمام حزب الله.. تقريرٌ إسرائيلي يتحدّث عنها

نشر موقع "ماكو" الإسرائيليّ تقريراً جديداً قال فيه إنَّ "حزب الله في لبنان يُواجه إحدى أخطر الأزمات منذ تأسيسه"، مشيراً إلى أنه "بعد فترةٍ من الاغتيالات المُستهدفة والهجمات التي طالت قيادات الحزب، تتزايد الضغوط السياسية والانتقادات ضدّ الحزب في لبنان".   ويقول التقرير الذي ترجمهُ "لبنان24" إنهُ "للمرّة الأولى منذ سنوات، لا يتردّد الجمهور اللبناني في توجيه انتقادات شديدة لحزب الله، على شاشات التلفزيون وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أدت الحرب الأخيرة إلى إضعاف مكانة المنظمة في لبنان، وهي الآن تتعرض لهجوم داخلي من قبل الصحافيين والمعلقين والشخصيات المؤثرة في المجتمع الشيعي، الذين يتحدون قيادتها".   وأكمل: "لا يقتصر النقد العام على الخطاب الإعلامي، فالتدهور الاقتصادي في لبنان وتوقف تدفق الأموال من إيران يؤثر على قدرة حزب الله على تمويل ناشطيه وأنصاره. في المقابل، أفاد صحافيون لبنانيون أن الآلاف من أعضاء الحزب تجنبوا الانخراط في ساحات القتال، بسبب الشعور باليأس وعدم الثقة بالقيادة".   وفي السياق، تقول أورنا مزراحي، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إنَّه "بعد الحرب الأخيرة، نحن أمام منظمة ضعيفة من حيث قدراتها ومن حيث مصادر دخلها ومن حيث قيادتها".   كذلك، يقول التقرير إنَّ "رياحاً جديدة تهبّ على السياسة اللبنانية"، ويضيف: "الرئيس المنتخب جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام لا يتحالفان مع حزب الله ويقولان ذلك علناً. كذلك، فقد زادت الولايات المتحدة من تدخلها في الأحداث في لبنان، وخاصة في فرض وقف إطلاق النار وفرض القيود على تهريب الأسلحة والأموال إلى حزب الله".   ويضيف: "في ذروة الواقع الحالي، تُطرح أيضاً مقترحات عديدة لتغيير اتجاه العلاقات في المنطقة. هنا، يقترح بعض القادة في لبنان استغلال ضعف حزب الله والانضمام إلى اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، ومن المتوقع أن تكون هذه العملية طويلة ومعقدة، وذلك بسبب المعارضة الكبيرة داخل لبنان. لكن في المقابل، فإنه من الواضح أن الحرب الأخيرة وتداعياتها الداخلية تقوض مكانة حزب الله أكثر من أي وقت مضى".   وهنا، تقول ميرزاحي إن "القيادة الجديدة في لبنان تخلق بالتأكيد نوعاً من الفرصة لتغيير العلاقة بين إسرائيل ولبنان"، وتضيف: "إنهم لا يريدون الحرب بسبب العواقب المترتبة عليها بالنسبة للدولة اللبنانية، ومن الممكن أن تنعكس نتائج هذه التطورات في الانتخابات البرلمانية المقبلة، إذا أجريت في موعدها". المصدر: ترجمة "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • جاء العقل الرعوي شخصياً وبطل التيمم الفكري (2-2)
  • الرد على الوليد آدم مادبو- بين أزمة الخطاب وامتحان العقل
  • جيش الاحتلال يواجه أزمة بشرية بسبب خسارته 12 ألف جندي خلال حرب غزة
  • الكوني: العمل بنظام المحافظات من شأنه أن يخفف العبء عن العاصمة التي أصبحت ساحة للصراعات السياسية
  • خبير سياسي: مصر وقطر بذلتا جهدًا ثمينًا في وقف إطلاق النار بغزة
  • خطة الجحيمفي غزة.. ما الذي تخطط له حكومة نتنياهو ؟
  • سياسي فرنسي: ماكرون يستخدم الحرب في أوكرانيا لصرف الأنظار عن المشاكل الداخلية
  • الخارجية العراقية: ندعم مسارات الحل السياسي التي تضمن وحدة سوريا وسلامة شعبها
  • أخطر أزمة أمام حزب الله.. تقريرٌ إسرائيلي يتحدّث عنها
  • القيادة السياسية توعز لجيش الاحتلال بالاستعداد الفوري لاستئناف الحرب على غزة