يحتفل المصريون اليوم الثلاثاء، بالليلة الختامية بذكرى مولد السيدة زينب، «أم العواجز» كما يحبون أن يطلقون عليها، وهي السيد زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب، والسيدة فاطمة الزهراء، والتي تشرفت مصر بقدومها إليها، بعد أن استجاب لها الله تعالى وأسكنها بلدًا طيبًا وعوضها حبًا ومودة وأهلًا محبين مستبشرين بمقدمها.

ولايزال ذكرى مولدها محفورًا في أذهان المصريين ويحتفلون به كل عام، وهو خير دليل على تسابق أهلها بعقيلة بنى هاشم أول من شرف مصر منهم، فكانت أول الغيث وبعدها وفد بقية أهل البيت، ولا يزال دعاؤها: «نصرتمونا نصركم الله.. وآويتمونا آواكم الله.. وأعنتمونا أعانكم الله.. وجعل لكم من كل مصيبة مخرجًا ومن كل ضيق فرجًا»، محفورًا فى أذهان المصريين منذ ذلك الحين.

لا شك فى أن الكثير من المصادر التاريخية أثبتت أن السيدة زينب الكبرى بعد أن سيرت للشام ثم للمدينة، ثارت فتنة بينها وبين عمرو بن سعيد والي المدينة حينذاك من قبل يزيد بن معاوية، وأصدر أمرًأ بنقلها من المدينة فنقلت منها إلى مصر، ودخلتها على مسلمة بن مخلد والي مصر فى ذلك الوقت، فى أول شعبان سنة ٦١ هجريا، وأقامت بها مدة ١١ شهرا ونحو ١٠ أيام أى توفيت مساء الأحد ١٤ رجب عام ٦٢ هجرية، بموضع كان يقال له الحمراء القصوى، حيث بساتين الزهري، وهو وفقًا لرسائل المقريزى هو المنطقة الواقع بها الضريح الزينبى الآن، إذن فهذا المشهد معروف من قبل القرن الثاني.

وأكد الإمام الرائد الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم، في كتابه «مراقد آل البيت» أن زينب الكبرى بنت السيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا الرسول صل الله عليه وسلم، وأبوها الإمام على بن أبى طالب، وولدت بعد مولد سيدنا الحسين بسنتين وكلاهما ولد فى شهر شعبان، فهى ولدت فى السنة الخامسة أو السادسة للهجرة فعاصرت إشراق النبوة، وسماها الرسول زينب إحياء لاسم ابنته زينب.

معنى زينب هى الفتاة القوية المكتنزة الودودة العاقلة، واشتهرت سيدتنا بجمال الخلقة والخلق، والإقدام والبلاغة والكرم وحسن المشورة والعلاقة بالله، فكان يرجع إليها أبوها وأخواتها فى الرأى لأخذ مشورتها لبعد نظرها وقوة إدراكها، كما تزوجت من ابن عمها عبدالله بن جعفر بن أبى طالب وأنجبت منه جعفر وعلى وعون الأكبر وأم كلثوم وأم عبدالله.

وكان لها من اسمها نصيب، فلقد كانت من أشد عباد الله ابتلًاء وصبرًا واحتسابًا، ولم تكد تتفتح عيناها على الحياة فى رحاب جدها وحنان والدها وشفقة أمها، وما أن أتمت الخامسة حتى قبض جدها المصطفى فحرمت من عطفه وحنانه وشفقته وبعدها بستة أشهر فقدت أمها الزهراء فألقيت عليها مسئولية البيت وفرض عليها أن تؤدى دور الأم لأخويها وترعى شئون أبيها وفوق ذلك انشغال والدها عنها بهموم الخلافة التى ما تركته يومًا.

وجاء النبأ الحزين يقتحم عالم وحدتها وصمتها بمقتل والدها الإمام علي وهو خارج ليؤم المسلمين في صلاة فجر يوم من أيام شهر رمضان على يد شقي من الخوارج والتي تندفع إليه بالسيف المسموم ليقتل غدرًا.

وتلاحقت الأحداث والناس فى اختلاف حول إمامة أخيها الحسن بعد استشهاد أبيه ما بين مؤيد ومعارض ومتهم لأبيها وأخويها ذورًا بالتحريض أو بالتقصير إيذاء مقتل سيدنا عثمان رضى الله عنه، فتضع زوجة أخيها السم له فى طعامه فتقتله مسمومًا وهو الوديعة المؤثر الصلح والسلام فقد تنازل عن الخلافة.

واكتملت مأساتها المروعة فى كربلاء فى العاشر من محرم عام ٦١ هجريًا بعد توالى البلايا خلال مشاركتها فى الأحداث الكبرى، حيث شاركت أخاها الإمام الحسين فى جهاده ضد غدر يزيد بن معاوية له، فكانت رضى الله عنها تثير حمية الأبطال وتشجع الضعفاء وتخدم المقاتلين، حسبما ذكر السراج المنير في كتابه « السيدة زينب فى قلوب المحبين».

وكانت أبلغ وأخطب وأشعر سيدة من أهل البيت، فبعد مقتل الحسين ساقوها مع السبايا ووقفت على ساحة المعركة تقول: "يا محمداه.. يا محمداه.. هذا الحسين فى العراء مزمل بالدماء مقطع الأعضاء.. يا محمداه هذه بناتك سبايا.. وذريتك قتلى تسفى عليها الرياح"، وكان لها مواقف جريئة مع ابن زياد ومع يزيد، وحمى بها الله فاطمة الصغرى بنت الحسين من السبى والتسري، وكذلك على الأصغر زين العابدين من القتل والذى حفظ به الله ذرية سيدنا الحسين وانتشرت فيما بعد، ولقبت سيدتنا بلقب "بطلة كربلاء: زينب".

وذكر الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم في كتابه «مراقد آل البيت» تاريخ المسجد الزينبى الذي  يحتفل المصريون حوله كل عام وكيف كان قبل وبعد مقام السيدة زينب، حيث أول ما كان بيتًا لأمير مصر "مسلمة بن مخلد" قائمًا على الخليج المصري عند قنطرة على الخليج كانت تسمى "قنطرة السباع" لأنها كانت مزينة من جوانبها بسباع منحوتة من الحجر.

ولما ردم  الجزء الذي عليه القنطرة من الخليج زالت القنطرة فاتسع الشارع، حتى ظهر مسجد السيدة بجلاله الحالى بعد أن توالت التجديدات عليه، فقد تم تجديد الحرم الزينبى فى القرن السادس الهجرى فى عهد الملك سيف الدين أبو بكر، ثم فى سنة ٩٥١ هجريًا جدده الأمير على باشا الوزير، وفى عام ١١٧٠ هجريًا جدده الأميرعبدالرحمن كتخدا، ثم أنشئت بعد ذلك مقصورة النحاس الأصفر على القبر، ثم وقف التجديد.

وجاء محمد على فأتم عمارة المسجد ثم عباس الأول قام بوضع توسعة المسجد وتجديده ثم قام سعيد بتنفيذ التصميم ثم قام الخديوى توفيق بإصلاح القبر والمنارة وتجديد الجدران والقبلة، ثم قامت الحكومة المصرية بتوسعة أولية عام ١٩٤٠ م، ثم التوسعة الثانية عام ١٩٦٩ م، وأنشأت محرابًا جديدًا وميضأة منفصلة، وما زالت التجديدات مستمرة حتى الآن، حيث تقوم وزارة الأوقاف بتجديده حاليًا.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: السیدة زینب

إقرأ أيضاً:

حكم صبر الإنسان عند الإبتلاء بالفقر أو الغنى

الغنى والفقر.. أوضحت دار الإفتاء المصرية أن المكلف إذا التمس أسباب الرزق، فإمَّا أن يحصل له الغنى أو يُقدَّر له الفقر، فإن أصابه الغنى استوجب ذلك الشكر؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].

حكم الغنى والفقر

يقول الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (19/ 67، ط. دار إحياء التراث العربي): [الاستقراء دلَّ على أنَّ من كان اشتغاله بشكر نعم الله أكثر، كان وصول نعم الله إليه أكثر، وبالجملة فالشكر إنَّما حَسُن موقعه؛ لأنَّه اشتغال بمعرفة المعبود، وكل مقام حرَّك العبد من عالم الغرور إلى عالم القدس؛ فهو المقام الشريف العالي الذي يوجب السعادة في الدين والدنيا] اهـ.

وقال تعالى مثنيًا على نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: 121].

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ»، فقال: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» أخرجه أبو داود في "سننه".

الغنى والفقر
وقالت الإفتاء إنْ طلب المكلَّف أسباب الرزق والغنى فقدَّر الله له الفقر؛ صار الصبر له مطلوبًا، والرضا بقضاء الله فيه عين العبادة، فقد قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].

قال الإمام الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 185، ط. دار ابن كثير): [عن ابن عباس في قوله: ﴿ولنبلونكم﴾ الآية، قال: أخبر الله المؤمنين أنَّ الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر وبشرَّهم، فقال: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، وأخبر أنَّ المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة؛ كتب الله له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله، والرحمة، وتحقيق سبيل الهدى] اهـ.

وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» أخرجه مسلم.

فالفقر والغنى ابتلاءان، أحدهما: ابتلاء بقلة النعمة، والآخر: ابتلاء بكثرتها؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35]. والفقر يستوجب الصبر، والغنى يستوجب الشكر.

يقول الإمام الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن" (18/ 439، ط. مؤسسة الرسالة): [ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرخاء والسعة والعافية؛ فنفتنكم به] اهـ.

كما أن الله تعالى قد أوضح هذه الحقيقة جلية في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ۝ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ۝ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ۝ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ۝ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا ۝ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر: 15-20].
 

مقالات مشابهة

  • انعقاد مجلس الحديث العشرين لقراءة صحيح البخاري بمسجد الحسين
  • انعقاد مجلس الحديث العشرين لقراءة «صحيح الإمام البخاري» من مسجد الإمام الحسين
  • تسيير قافلة عهد الأحرار بمناسبة ذكرى مولد الزهراء
  • انعقاد مجلس الحديث العشرين لقراءة “صحيح البخاري” من مسجد الإمام الحسين
  • الهيئة النسائية في الجوف تحيي ذكرى ميلاد السيدة فاطمة الزهراء وتؤكد على دعم القضية الفلسطينية
  • رأي اليوم: الجولاني قابل مرجعية شيعية في دمشق وأمر بمفرزة أمنية لحماية مقام السيدة زينب
  • عربي21 ترصد الأجواء بمقام السيدة زينب في ريف دمشق بعد سقوط الأسد (شاهد)
  • حكم صبر الإنسان عند الإبتلاء بالفقر أو الغنى
  • اللجنة المنظمة تحدد الساحات النسائية بالمحافظات لإحياء ذكرى مولد الزهراء
  • تحديد الساحات النسائية بالمحافظات لإحياء ذكرى مولد الزهراء عليها السلام