ما تداعيات تحذير مصارف تركية بإغلاق بطاقات عملائها الائتمانية؟
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
إسطنبول- في خطوة استباقية تعكس الحرص المتزايد على الاستقرار المالي والتماشي مع السياسيات الاقتصادية المتشددة التي تنتهجها تركيا في ظل حربها الاقتصادية على التضخم وانخفاض سعر صرف الليرة، أطلقت المصارف التركية، مطلع فبراير/شباط الجاري، تحذيرات شديدة اللهجة لعملائها بشأن استخدام بطاقات الائتمان في تعاملات محددة، مثل شراء الذهب والعملات الأجنبية والأصول المشفرة، لاسيما التي لا تعتمد على مبررات "معقولة".
يأتي تحذير المصارف التركية في إطار سلسلة من التدابير التي تهدف إلى الحد من ارتفاع معدلات التضخم الذي وصل إلى 65% على أساس سنوي، وفقا لأرقام معهد الإحصاء التركي، وتعزيز الانضباط المالي، كما أشارت إلى احتمال إغلاق بطاقات الائتمان للمتعاملين الذين يخالفون هذه السياسات.
وتُظهر هذه التحذيرات الصادرة عن القطاع المصرفي عزما على مراقبة الإنفاق عبر بطاقات الائتمان، وتعكس سياسة صارمة ضد استخدام هذه الأدوات المالية في المعاملات الاستثمارية، مشددة على الدور الأساسي لبطاقات الائتمان كوسيلة لتلبية الاحتياجات اليومية والضرورية للمستهلكين.
أرقام مقلقةوفي ضوء هذه التدابير، سلطت هيئة التنظيم والرقابة المصرفية الضوء على الزيادة الكبيرة في استخدام بطاقات الائتمان الفردية، حيث بلغت تريليونا و172 مليار ليرة تركية خلال الشهر الأول من العام الجاري 2024، بزيادة 155% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي 2023، والتي بلغت فيها 459 مليار ليرة.
حجم استخدام بطاقات الائتمان الفردية في تركيا بلغ تريليونا و172 مليار ليرة تركية خلال فبراير 2024(الفرنسية)وكانت الهيئة، قد أعلنت في أغسطس/آب 2023، إيقافها إمكانية سداد مدفوعات بطاقات الائتمان على أقساط لأغراض السفر إلى الخارج، مثل الرحلات الجوية، ورسوم وكالات السفر، والإقامة، بهدف تقليص خروج العملات الأجنبية من البلاد، بعدما وصل إنفاق الأتراك في الخارج في النصف الأول من العام الماضي 2023 إلى 3.17 مليارات دولار بزيادة 84% عن الفترة نفسها من عام 2022.
ووفقا لإحصاءات اتحاد البنوك التركية، شهدت تركيا زيادة ملحوظة في عدد الأفراد الذين يستخدمون بطاقات الائتمان الشخصية خلال عام 2023، إذ ارتفع هذا العدد بمقدار 1.8 مليون شخص، ليصل إجمالي المستخدمين إلى 39.3 مليون شخص.
كما بلغ متوسط الاستخدام الشهري لبطاقات الائتمان الشخصية في تركيا حوالي 63 ألفا و700 ليرة تركية "2080 دولارا".
ومن الجدير بالذكر أن عدد الأفراد الذين تم اتخاذ إجراءات قانونية ضدهم، بسبب ديون بطاقات الائتمان الشخصية بلغ 1.1 مليون شخص خلال العام نفسه.
وبالتالي، يبدو أن هناك تحديات كبيرة تواجه الأفراد الذين لم يسددوا ديون بطاقاتهم الائتمانية، حيث وصل عددهم إلى 3 ملايين و836 ألفا و53 شخصا حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023. بالإضافة إلى ذلك، هناك 2.1 مليون شخص لا يزالون مدينين بديونهم المتعلقة ببطاقات الائتمان التي تم بيعها إلى شركات إدارة الأصول.
حلول مقترحةوفي هذا السياق، يرى الخبراء الاقتصاديون أن هناك مجالات رئيسية يمكن تعديلها للحد من الاستخدام المفرط لهذه الأداة المالية، كتغيير معدلات الفائدة، وتحديد قيود على خيارات التقسيط، وتعديل الحدود الائتمانية المتاحة للمستهلكين.
إذ تشير تقارير لوسائل إعلام تركية، إلى نقاشات جارية حول تقليص عدد الأقساط المتاحة للمشتريات باستخدام بطاقات الائتمان، مع الإشارة إلى إمكانية الإلغاء الكامل لهذا الخيار في قطاعات معينة، بهدف تشجيع الاستهلاك المسؤول وتجنب تراكم الديون.
البنك المركزي التركي أعلن أنه لن يُجري تغييرا على الحدود القصوى للفائدة والعمولات حاليا (رويترز)إضافة إلى ذلك، يُطرح على الطاولة خيار خفض الحدود الائتمانية للمستخدمين وزيادة الحد الأدنى للمدفوعات الشهرية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي للأفراد وتقليل المخاطر الناجمة عن الإفراط في الاقتراض.
أما فيما يتعلق بمعدلات فائدة بطاقات الائتمان، أوضح البنك المركزي التركي أنه لن يُجرى تغييرا على الحدود القصوى للفائدة والعمولات في الوقت الحالي، مع تحديد هذه المعدلات بناء على معايير محددة تشمل معدل الفائدة على الودائع والسياسة النقدية، مما يؤكد على نهج البنك في تحقيق التوازن بين تشجيع الادخار وتجنب الإفراط في الاستهلاك.
ووفقا لتقرير الاستقرار المالي الثاني لعام 2023 الصادر عن البنك المركزي، لوحظ زيادة في استخدام بطاقات الائتمان بعد ارتفاع أسعار الفائدة على القروض الاستهلاكية، الأمر الذي دفع المواطنين إلى اللجوء إلى بطاقات الائتمان كوسيلة للتمويل.
أبرز التداعياتمن جانبه، يقول الباحث الاقتصادي عبد الحليم العبادلة إن تحذيرات المصارف التركية لعملائها تأتي في ضوء الإحصاءات الرسمية التي تشير إلى ازدياد ملموس في عدد مستخدمي بطاقات الائتمان الشخصية، بالإضافة إلى ارتفاع متوسط الاستخدام الشهري إلى مستويات تتجاوز الحد الأدنى للأجور.
واعتبرها خطوة سليمة في إطار التماشي مع السياسات الاقتصادية الصارمة التي تعتمدها تركيا خلال الفترة الحالية، إذ ستعمل على خفض الطلب المرتفع للمستهلكين، مما سيدفع إلى خفض معدلات التضخم، لكن الوضع الطبيعي للدول لا يسمح بمثل هذه التحذيرات للعملاء التي تربطهم بالمصارف علاقة تجارية محكومة بقوانين رسمية.
عدد الأفراد الذين لم يسددوا ديون بطاقاتهم الائتمانية وصل إلى 3.836.053 شخصا في تركيا. (شترستوك)ولفت العبادلة إلى أن تدهور سعر صرف الليرة وارتفاع معدلات التضخم يجبر المواطنين على البحث عن وسائل أخرى تتيح لهم إمكانية شراء احتياجاتهم الأساسية والثانوية بشكل مستمر، مضيفا أن الثقافة الشرائية للشعب التركي شهدت تحولا تدريجيا نحو الاعتماد المتزايد على استخدام بطاقات الائتمان.
وأشار إلى ارتفاع نسبة المتداولين بالعملات الرقمية داخل تركيا خلال السنوات الماضية، معتبره أمرا لا يصنع اقتصادا حقيقا، ويبني جسورا كبيرة بين المواطنين ومحاولات التنمية الاقتصادية القائمة.
كما رجح أن تطبق المصارف تحذيراتها على العملاء الأكثر الأقل تأثيرا، في حين تتغاضى عن العملاء أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة أو الملتزمين بالسداد، إذا لم يكن هناك إلزام رسمي من البنك المركزي بإغلاق البطاقات الائتمانية لجميع العملاء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: استخدام بطاقات الائتمان الأفراد الذین البنک المرکزی ملیون شخص
إقرأ أيضاً:
2024 يقترب من نهايته: ما هي التحديات الاقتصادية التي تواجه تركيا؟
في تحليله الأخير تحت عنوان “2024 بينما يقترب من نهايته: الاقتصاد التركي بين الإيجابيات والسلبيات” ناقش الخبير الاقتصادي الدكتور مهفي إيجيلمز العوامل المؤثرة على الاقتصاد التركي، من التضخم وأسعار الصرف إلى النمو والبطالة، محذراً من استمرار العديد من التحديات، ومشدداً على أهمية وضع خطة شاملة توازن بين الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لتحقيق نمو مستدام.
التضخم: مشكلة مستمرة وحلول مؤقتة
أشار إيجيلمز إلى أن التضخم ما زال يشكل تحدياً رئيسياً لتركيا منذ عقود، حيث لم تتمكن البلاد حتى الآن من خفضه إلى النسبة المستهدفة 2-3%. وأوضح أن سياسة “الفائدة سبب والتضخم نتيجة”، التي طبقت في عام 2021، أدت إلى ارتفاع التضخم بدلاً من كبحه. لكنه لفت إلى أنه في يونيو 2023، تم التخلي عن هذه السياسة، وعادت تركيا إلى سياسات عقلانية تعتمد على رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم. وبفضل هذه الإجراءات، بدأت الأسعار في الانخفاض نسبيًا، رغم أن التضخم لا يزال عائقاً أمام تحقيق استقرار طويل الأجل.
أسعار الصرف: استقرار بفضل الفائدة المرتفعة
تناول إيجيلمز تأثير استقرار أسعار الصرف بفضل السياسات النقدية المرتفعة، مشيراً إلى أن هذا الاستقرار ساهم في تقليل “التضخم الناتج عن التكلفة”. أوضح أن تراجع الطلب على السلع بسبب الفائدة المرتفعة كان له أثر في كبح التضخم، إلا أن الطلب على الخدمات ظل قوياً نتيجة الاقتصاد غير الرسمي وارتفاع تكاليف المعيشة.
وتحدث إيجيلمز عن تغير نمط استهلاك الأفراد، حيث قال: “بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار العقارات والسيارات والأجهزة المنزلية، تحولت النفقات نحو الكافيهات والمطاعم وغيرها من الأنشطة الترفيهية.” ويرى إيجيلمز أن هذا التحول يعكس تراجع القدرة الشرائية للأفراد على اقتناء السلع طويلة الأجل، ما يدفعهم لإنفاق مدخراتهم في أنشطة يومية.
النمو والبطالة: توازن هش
فيما يخص النمو والبطالة، أوضح إيجيلمز أن معدل النمو الاقتصادي تباطأ في عام 2024، نتيجة للسياسات النقدية المشددة، التي حدت من نمو الأنشطة الاقتصادية بشكل عام. إلا أنه لفت إلى أن البطالة لم تسجل ارتفاعاً كبيراً رغم التباطؤ في النمو، معتبراً ذلك مؤشراً إيجابياً. وقال: “السياسة النقدية الصارمة تحد من النمو، ولكن عدم ارتفاع البطالة بشكل كبير يعتبر علامة إيجابية.”
الدولرة: انخفاض تدريجي وتحذير من تقلبات مستقبلية
أشار إيجيلمز إلى أن نسبة الحسابات المصرفية بالدولار (الدولرة) انخفضت تدريجياً بفضل السياسات النقدية المتشددة التي اتبعتها تركيا خلال العام، خاصة مع رفع البنك المركزي للفائدة. ومع ذلك، حذر من أنه في حال قررت الحكومة خفض الفائدة في المستقبل، فقد يتزايد الطلب على العملات الأجنبية مرة أخرى، مما يهدد استقرار سعر الصرف.