خيّمت التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط، خاصة الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على غزة، وما تبعها من توترات في البحر الأحمر واليمن ولبنان، على المشهد الاقتصادي العالمي.

وكشفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) عن توقعات منقحة للاقتصاد العالمي، متحدية المخاوف السابقة لكنها اعترفت بالديناميكيات المعقدة التي تلعبها.

ويتبنى التقييم الأخير للمنظمة بحذر التفاؤل في حين يظل منتبها للشكوك التي تلوح في الأفق. حيث تتوقع المنظمة أن يصل النمو العالمي إلى 2.9%، وهو تعديل إيجابي عن توقعاتها السابقة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، البالغة 2.7%.

ويرتكز هذا التعديل التصاعدي على المرونة التي أظهرها الاقتصاد العالمي وسط التحديات، مما يوفر بصيصا من الاستقرار. ومع ذلك، ترتبط هذه المرونة بشكل خاص بتحسن التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة، التي تعمل كأنها موازنة للمخاوف بشأن الضعف الاقتصادي في منطقة اليورو.

ورغم أن القوة غير المتوقعة للنمو العالمي في 2023 بلغت 3.1%، مدعومة بانخفاض التضخم والأداء القوي في الولايات المتحدة والأسواق الناشئة، فإن المؤشرات تشير الآن إلى "بعض الاعتدال" في النمو.

وتؤثر أسعار الفائدة المرتفعة على أسواق الإقراض والعقارات، إلى جانب ضعف التجارة العالمية، وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

لكن التعمق في التوقعات المحدثة للمنظمة يكشف عن مشهد دقيق، حيث يتنافس التفاؤل مع الظلال التي تلقيها التوترات في الشرق الأوسط.

التوترات في الشرق الأوسط.. سحابة فوق الوعد الاقتصادي

وعلى الرغم من التوقعات الاقتصادية العالمية الواعدة بشكل عام، فإن تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يبدو كأنه تحذير بشأن تأثير التوترات في الشرق الأوسط.

ووفقا للمنظمة، فإن الحرب الإسرائيلية على غزة، وما تلاها من اضطرابات في ممرات الشحن في البحر الأحمر تشكل تهديدا كبيرا.

وشدد التقرير على أن "التوترات الجيوسياسية المتصاعدة تشكل خطرا كبيرا على النشاط والتضخم على المدى القريب"، مشددا على العواقب المحتملة لهذه الاضطرابات.

وأدت الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي على السفن في البحر الأحمر، واستهدفت السفن المرتبطة بإسرائيل، إلى تصاعد المخاوف. وردّت القوات الأميركية والبريطانية بشن ضربات ضد الجماعة، التي أعلنت من وقتها أن المصالح الأميركية والبريطانية تشكّل أهدافا مشروعة لهم أيضا.

وأدت هذه التوترات إلى ارتفاع كبير في تكاليف الشحن، مما أثّر في جداول الإنتاج في أوروبا، خاصة بالنسبة لشركات صناعة السيارات. فإن الزيادة الأخيرة في تكاليف الشحن قد زادت بنسبة 100% تقريبا، وإذا استمرت يمكن أن يكون لها تأثيرات دائمة في تضخم أسعار المستهلك.

منظمة التعاون: إذا استمر الارتفاع في تكاليف الشحن، فإن التضخم بأسعار الواردات يمكن أن يرتفع بنحو 5 نقاط مئوية. (الأوروبية)

وتقدّر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه إذا استمر الارتفاع في تكاليف الشحن، فإن التضخم السنوي لأسعار الواردات في دول المنظمة يمكن أن يرتفع بنحو 5 نقاط مئوية، مما يسهم بنسبة 0.4 نقطة مئوية في تضخم أسعار المستهلك بعد عام.

توقعات متفائلة مرتبطة بـ الديناميكيات العالمية

وترتكز هذه التوقعات المتفائلة على الاقتصاد الأميركي الذي يعمل داعما لها، الذي من المتوقع أن ينمو بمعدل 2.1% في 2024 و1.7% في 2025 وفقا لتقرير المنظمة. لكن توقعات النمو لمنطقة اليورو خُفضت إلى 0,6% بعدما كانت 0,9% سابقا. وبقيت التوقعات للصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، دون تغيير عند 4,7%. بينما يتوقع أن يؤدي انخفاض مستويات التضخم إلى تعزيز نمو الأجور، الذي بدوره يؤدي إلى تخفيضات في أسعار الفائدة. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يتحرك الاحتياطي الفدرالي الأميركي في الربع الثاني، وأن يحذو البنك المركزي الأوروبي حذوه في الربع الثالث.

البنوك المركزية تبحر في مياه غير مؤكدة

ومع ظهور حالة من عدم اليقين والضغوط التضخمية المحتملة، أكدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أهمية ضمان البنوك المركزية احتواء التضخم بشكل كامل، قبل النظر في تخفيضات أسعار الفائدة.

وشدد التقرير على الحاجة إلى سياسة نقدية حكيمة للتغلب على التعقيدات الناشئة عن مختلف التوترات، وتأثيرها المحتمل في الاستقرار الاقتصادي العالمي.

ويتوافق تحذير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مع التصريحات الأخيرة لقادة البنوك المركزية. حيث أعرب جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي، عن أهمية تجنب تخفيضات أسعار الفائدة المبكرة، قائلا "إن خطر التحرك في وقت مبكر جدا هو أن المهمة لم تكتمل تماما". وبالمثل خفّف بنك إنجلترا من توقعاته بتخفيضات مبكرة في أسعار الفائدة، مؤكدا الحاجة إلى مزيد من الأدلة على استمرار انخفاض التضخم.

جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي أعرب عن أهمية تجنب تخفيضات أسعار الفائدة المبكرة (رويترز)

ورغم أن التوقعات الاقتصادية العالمية لا تزال إيجابية، فإن المخاوف بشأن التضخم لا تزال قائمة. وحذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أنه على الرغم من انخفاض التضخم في الاقتصادات الكبرى، فإنه "من السابق لأوانه التأكد من احتواء ضغوط الأسعار الأساسية بشكل كامل".

دعوة لاتخاذ إجراءات حذرة

وبينما تؤكد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أهمية السياسات النقدية الحكيمة، والدور الذي تلعبه البنوك المركزية في احتواء التضخم، فإن الحرب الإسرائيلية والتوترات في الشرق الأوسط تؤكد الحاجة إلى اتباع نهج شامل في التعامل مع استقرار الاقتصاد العالمي.

ومع التأثيرات التي تجاوزت الجغرافيا، أصبحت الحرب الإسرائيلية على غزة كأنها تذكير صارخ بأن التوترات الجيوسياسية يمكن أن تترجم بسرعة إلى تحديات اقتصادية عالمية، مما يؤثر في التجارة وجداول الإنتاج ومعنويات السوق بشكل عام.

الحرب الإسرائيلية على غزة تشير إلى أن الاقتصاد العالمي يعيش في توازن دقيق يسهل تعطيله بفعل الأحداث الجيوسياسية.  (الفرنسية)

وبينما يتمسك العالم بالأمل الذي توفره التوقعات الاقتصادية المتفائلة، فإن الحرب الإسرائيلية على غزة تشير إلى أن الاقتصاد العالمي يعيش في توازن دقيق، يسهل تعطيله بفعل الأحداث الجيوسياسية.

ويتطلب التغلب على هذه التحديات فهما دقيقا للترابط بين الإجراءات السياسية والتداعيات الاقتصادية، مما يعزز ضرورة اتخاذ القرارات الحذرة والإستراتيجية على الساحة العالمية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: منظمة التعاون الاقتصادی والتنمیة الحرب الإسرائیلیة على غزة التوترات فی الشرق الأوسط التوقعات الاقتصادیة الاقتصاد العالمی فی تکالیف الشحن أسعار الفائدة یمکن أن

إقرأ أيضاً:

شركة "Seesaw" تستحوذ على "المفكرون الصغار" الأردنية الناشئة

 

عمَّان (الأردن)- خاص

أعلنت Seesaw، الشركة العالمية الرائدة في مجال التكنولوجيا التعليمية من مرحلة ما قبل الروضة حتى الصف الثاني عشر، عن خطوة استراتيجية جديدة؛ عبْر استحواذها على الشركة الأردنية الناشئة "المفكرون الصغار" (Little Thinking Minds)، المتخصِّصة في تطوير حلول تعليم اللغة العربية وتقنيات المعرفة القِرَائِيَّة.

ولا شَكَّ في أنَّ هذه الصفقة تمثِّل نَقْلَةً نَوْعِيَّةً في تعزيز حضور Seesaw الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإثراء محفظتها بحلول تعليمية تَعَلُّمِيَّة عربية مُبتكرة ومُتأصلة في الثقافة المحلية.

وبفضل هذا الاستحواذ، ستدمج Seesaw المناهجَ الرقمية القرائية للُّغة العربية من "المفكرون الصغار" ضمن منصتها الذكية، مما سيوفِّر للمدارس والمعلمين ووزارات التعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أدواتٍ شاملةً لتعليم اللغة العربية المدعومة بتقنياتٍ تفاعلية حائزة على جوائز عالمية، كما تخطِّط Seesaw لإطلاق أول منصة تعليمية باللغة العربية في عام 2026؛ لتكون نافذةً جديدةً نحو تجارب تعليمية تَعَلُّمِيَّة متعددة اللغات بالمنطقة والعالم.

ومنصة Seesaw هي شركة تكنولوجيا تعليمية رائدة، مقرُّها الولايات المتحدة، وهي تحظى بثقة أكثر من 25 مليون مُعَلِّم وطالب وعائلة حول العالم؛ بسبب ما تقدِّمه المنصة من الأدوات والحلول التعليمية التفاعلية الحائزة على جوائز عالمية، والتي تُحوِّل الفصولَ الدراسية إلى مساحاتٍ إبداعية، وتعزِّز التواصل بين المدرسة والمنزل عبْر أدواتٍ ذكية تقدِّم تقييماتٍ فوريةً ورُؤًى قائمة على البيانات، تمكِّن المعلمين من خلق تجارب ‏تَعليميَّة تَعَلُّمِيَّة ممتعة وشاملة وشخصية، مما يضمن دَعْمَ كل طالب طوال مسيرته الأكاديمية.

وعلى الجانب الآخر، أُسِّسَت "المفكرون الصغار" في عام 2004، ونجحت عبْر عِقْدَيْنِ في تمكين أكثر من 400 ألف طالب عربي -في أكثر من 10 دول- من تحسين مهارات القراءة والكتابة بنسبة 25% عبر منصاتها الرقمية، التي تُستخدم في المدارس الحكومية والخاصة، وفي برامج تعليم اللاجئين، والمبادرات الحكومية، وفي طليعتها منصات أقرأ بالعربية (I Read Arabic)، وأتعلم العربية (I Start Arabic)، ومنصة ميزان للتقييمات.

ورسَّخَت "المفكرون الصغار" مكانتَها كواحدة من أقوى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا التعليمية في المنطقة، وأثبتتْ مكانتَها كأحد أبرز الأسماء في مشهد التكنولوجيا التعليمية العربية.

وفي عام 2018، جمعت "المفكرون الصغار" استثمارًا من الفئة "أ" بقيادة Algebra Ventures، بمشاركة Mindshift Capital وAl Turki Ventures وصندوق ISSF، وسمح هذا التمويل- إلى جانب الدعم من المستثمرين الأوائل بما في ذلك شبكة المستثمرين الملائكيين النسائية (WAIN) وOasis500- لشركة "المفكرون الصغار" بتوسيع نطاق منصتها، وتوسيع نطاق وصولها، وتطوير حلولها في المعرفة القرائية، مما عزز دورها كشركة رائدة في النظام البيئي للتكنولوجيا التعليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ويمثِّل هذا الاستحواذُ علامةً فارقة في منظومة التكنولوجيا التعليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يعزِّز التزامَ Seesaw بالتعليم متعدد اللغات، ويوسِّع نطاق وصولها إلى الأسواق الناطقة بالعربية والأسواق العالمية.

ومن شأن الجمع بين منصة Seesaw التعليمية الرائدة وحلول "المفكرون الصغار" لضمان المعرفة القرائية ضمن شراكة فاعلة، أن يُوَفِّر للمؤسسات التعليمية أدواتٍ شاملةً لتعزيز مشاركة الطلاب، والتقييمات، وتنمية المعرفة القرائية، كما سيخدم الرؤى التربوية لوزارات التعليم وقادة المدارس المستندة إلى البيانات؛ من خلال لوحات معلومات Seesaw التفاعلية، وملفات الطلاب، مما يوفِّر صورة أوضح لتقدُّم الطلاب ونتائج التعلُّم.

وقال ماثيو جيفن الرئيس التنفيذي لشركة Seesaw: "تمثِّل هذه الشَّرَاكَةُ خطوةً رئيسة في مهمتنا المتمثلة في خلق تجارب تعليمية تفاعُلية وفعَّالة للطلاب حول العالم". وأضاف: "لقد بَنَت (المفكرون الصغار) سمعةً طيبة، وقَدَّمَت منتجات فعَّالة لتحسين المعرفة القرائية العربية، ومن خلال توحيد جهودنا، سيصبح من اليَسِير العملُ على تمكين المزيد من الطلاب والمعلمين، من خلال حلول تعليمية محلية وعالية التأثير".

وبدورها، قالت راما كيالي الشريك المؤسِّس والرئيس التنفيذي لشركة "المفكرون الصغار": "فخورون للغاية بانضمامنا إلى عائلة Seesaw، التي تمثِّل تتويجًا لرحلتنا نحو الارتقاء باللغة العربية والمعرفة القرائية في جميع أنحاء المنطقة".

وأضافت: "كشركة رائدة في مجال تكنولوجيا التعليم العربية في المنطقة، ومع مُوَاءَمَة المناهج الدراسية في معظم البلدان العربية، فإننا نشكِّل بَصْمَةً حاضرة وبقوة في كلٍّ من المدارس العامة والخاصة، كما نتميز بالبحث والتطوير الرائد في مجال الذكاء الاصطناعي للمعرفة القرائية العربية، ومن هنا يمكننا القول إنَّ هذا الإنجاز يمثِّل خطوة انتقالية نوعيَّة في مهمتنا. وبالتعاون مع Seesaw نحن على استعداد لتوسيع نطاق تأثيرنا بشكل أكبر، وتقديم تجارب تعليمية تعلُّمية مواكِبة للتطور، وذات صِلَة بالهُوِيَّة الثقافية، وتعمل على تمكين الأطفال في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها".

ويُعد هذا الاستحواذ، الذي بدأ مع EDT&Partners، تطورًا بارزًا في منظومة التكنولوجيا التعليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يعزز التزام منصة Seesaw بتعزيز التعليم متعدد اللغات ويمد جذورها في الأسواق الناطقة بالعربية، وتخدم شركتا Seesaw والمفكرون الصغار حاليًا أكثر من 800,000 مستخدم في أكثر من 3,000 مدرسة ووزارة ومجموعة تعليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتتطلعان الآن إلى توسيع نطاق عملياتهما عالميا بوتيرة سريعة من خلال مجموعة حلولهما المشتركة.

مقالات مشابهة

  • تفاؤل اقتصادي بتحويل حلبجة لمحافظة: تمهد لتنمية واسعة في إقليم كوردستان
  • كيف يمكن لمنظمة الصحة العالمية مكافحة أوبئة قد تحدث مستقبلا؟
  • شركة "Seesaw" تستحوذ على "المفكرون الصغار" الأردنية الناشئة
  • تركيا في الشرق الأوسط الجديد: لاعب أم صانع قواعد؟
  • طهران تؤكد: جولة التفاوض المقبلة مع واشنطن خارج الشرق الأوسط
  • الجنرال بترايوس رئيساً لمجلس إدارة "كيه كيه آر الشرق الأوسط"
  • بعد توقعات فيتش حول التضخم.. خبير اقتصادي: زيادة أسعار البنزين والسولار السبب.. والمعدلات أفضل من السابق
  • خفض أم تثبيت؟.. «خبير اقتصادي» يتوقع سعر الفائدة باجتماع البنك المركزي الخميس المقبل
  • خفض أم تثبيت.. خبير اقتصادي يتوقع سعر الفائدة لاجتماع البنك المركزي الخميس المقبل
  • تقرير أميركي يحذر: ليبيا تواجه خطر الانهيار الاقتصادي بسبب تراجع متوقع في أسعار النفط