هل يستطيع اللبنانيون أن يتعايشوا على المرّة قبل الحلوة؟
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
بالعودة إلى الماضي البعيد، وقبل أن تطغى المصالح الشخصية والفئوية على المصالح العامة، كان اللبنانيون وبالأخصّ أهالي القرى يعيشون بوئام وسلام. فعلى رغم الاختلاف في العادات والتقاليد بينهم، والتي فرضتها الانتماءات الطائفية والمذهبية لم يكن هذا الاختلاف ليتحّول إلى خلاف إلا ما ندر. وغالبًا ما كان محور هذه الخلافات قضايا لا علاقة لها بالدين، بل ما له علاقة مثلًا بالمداورة في الري بين الأحياء السكنية والزراعية.
ولكن عندما دخل الغريب بين "البصلة وقشرتها" تغيّرت الأوضاع، ولم تعد الخلافات محصورة بأمور صغيرة، بل تعدّتها إلى ما جعل الفرقة بين اللبنانيين أكبر من أن تُعالج بالمسكنات والتداوي بالأعشاب، لأنه قد سالت الدماء من كلا الجانبين، بعدما انقسم اللبنانيون، وتمترسوا في خنادق متقابلة بما عّرف بـ "خطوط التماس" فانقسمت بيروت إلى "شرقية" و"غربية"، وحصدت القذائف العشوائية المتبادلة الكثير من الضحايا. وكلما كانت تسقط قذيفة في هذه المنطقة أو تلك كانت رقعة التباعد بين اللبنانيين تكبر يومًا بعد يوم، فحّل التنافر مكان التجاور والالفة والوئام، وساد جو من الحقد الأعمى بدلًا من جو التسامح. لم يكن مشهد تبادل القبلات عندما تُفتح المعابر سوى تعبير عن استرجاع القليل مما أفقدته الحرب من أجواء لا يزال كثيرون يحنّون إليها. ولكن هذه المشاهد، التي تكرّرت أكثر من مرّة خلال الحرب العبثية كانت تمحوها عودة أصوات المدافع.
ومع أن ما شهده الجبل من مصالحة سُميت "تاريخية" بعد تهجير جماعي لمسيحييه، فإن القلوب لم تصفَ بالكامل، وبقيت هذه المصالحة في حاجة إلى مصارحة أعمق، سواء على مستوى أهل الجبل أو على مستوى الوطن كله، من شماله إلى جنوبه. وإذا لم يتصارح اللبنانيون مرّة أخيرة، ويضعوا كل هواجسهم، وهي كثيرة، على طاولة واحدة، لا تشبه طاولات الحوار السابقة، التي لم تؤدِ إلى أي نتيجة سوى الاستمرار في مسرحية التكاذب المتبادل، فإن الآتي سيكون أعظم. وهذا ما يعكسه يوميًا ما نشهده من تبادل للاتهامات على خلفية ما يجري في الجنوب.
ومن الجنوب، حيث تدور اشتباكات متقطعة بين العدو وفصائل "المقاومة الإسلامية" على طول "الخط الأزرق"، وإلى كل لبنان، تختلف وجهات النظر بين من يؤيد "حزب الله" في حرب مساندته لأهل غزة وتخفيفًا عمّا يتعرّضون له من حرب إبادة لم يشهد التاريخ الحديث مثيلًا لها، وبين فئة أخرى من اللبنانيين، الذين يرفضون أن يقرّر "حزب الله" نيابة عن جميع اللبنانيين فتح جبهة الجنوب، مع ما يمكن أن تجرّه هذه الحرب من كوارث على مستوى كل لبنان. وهذا ما شهدناه من حملات تخوين طالت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي لمجرد أنه اقتبس ما يقوله أهل الجنوب عن رفضهم "ثقافة الموت" و"انتصارات وهمية". وإن دّلت ردود الفعل على ما اقتبسه الراعي على شيء فإنها دّلت على عمق ما يباعد بين اللبنانيين، وهي اثبات يُضاف إل اثباتات أخرى بأن ما يفرّق بينهم أكثر بكثير مما يجمعهم.
ومن هذه النقطة الخلافية، وهي الأكثر حماوة، يمكن الانتقال إلى نقطة خلافية حامية أخرى، وهي عدم التفاهم على انتخاب رئيس لبلاد مهدّدة بالاجتياح في كل لحظة، وهي آيلة للسقوط بفعل الأزمات والمشاكل الاقتصادية والمالية، التي لا تُعدّ ولا تُحصى. فلا رئيس لجمهورية لا يتفق أبناؤها على الأقّل على انتشالها من أتون النار، وعلى انقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الآوان. فإذا كان اللبنانيون غير قادرين على التوافق على انتخاب رئيس يُجمع من هم في الخارج ويتعاطون بهذا الملف الشائك على أن إتمام هذا الاستحقاق هو المدخل الطبيعي لحلّ الكثير من المشاكل المعقدّة، فكيف يستطيعون أن يتفقوا على أن يتعايشوا معًا على "المرّة" قبل "الحلوة"؟
فكما أن "الثنائي الشيعي" استطاع أن يفرض على الآخرين ما يرفضونه، كذلك في استطاعة "الثنائي أو الثلاثي أو الرباعي المسيحي" أن يفرضوا الرئيس الذي يرونه مناسبًا أكثر لمرحلة كثُرت فيه التنازلات. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
إسرائيل وحزب الله.. القتال مستمر والاتفاق على وقف إطلاق النار لا يزال غامضا
عرض برنامج «من مصر»، الذي يقدمه الإعلامي عمرو خليل، على قناة القاهرة الإخبارية، تقريرا تلفزيونيا بعنوان: «إسرائيل وحزب الله.. القتال مستمر والاتفاق على وقف إطلاق النار يظل غامضا».
لا يزال مصير الحرب في لبنان معلقاوأوضح التقرير أنه لا يزال مصير الحرب في لبنان معلقا وغامضا، في ظل تقارير إسرائيلية وأمريكية يتحدث بعضها عن قرب التوصل إلى اتفاق وأخرى تشير إلى عراقيل لا تزال تعترضه، وعقب مشاورات أمنية عقدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن الاتفاق مع لبنان أصبح جاهزا، وأنه تم إعطاء المبعوث الأمريكي آموس هوكستين الضوء الأخضر للمضي قدما نحو الاتفاق، فيما نقل موقع أكسيوس عن مسؤول أمريكي قوله إن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان يقترب، لكن لا يزال هناك بعض العمل يتعين القيام به.
خطأ كبير وإخفاق تاريخيولفت إلى أنه وفي ظل هذه التقارير وصف وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن جفير، الاتفاق المحتمل مع لبنان لوقف إطلاق النار بأنه خطأ كبير وإخفاق تاريخي، وطالب نتنياهو بالاستمرار في الحرب حتى القضاء على حزب الله وتحقيق ما يسميه بالنصر المطلق، ورغم هذا الهجوم إلا أن بن جفير لم يهدد بالانسحاب من الحكومة كما اعتاد على ذلك سابقا كلما تحدثت تقارير عن إحراز تقدم في المفاوضات المتعلقة بقطاع غزة، أما على الجانب اللبناني، فمنذ عودة هوكستين إلى واشنطن لم تتلق الأطراف اللبنانية أي اتصالات إلا أن آخر ما نقله المبعوث الأمريكي في بيروت هو أن الاتفاق بات قريبا.
وأشار إلى أن الجميع في بيروت التزم بالصمت إزاء التقارير التي يجري تداولها في وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية، وفي الوقت نفسه أعتبر رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن استهداف إسرائيل مركزا للجيش اللبناني في الجنوب، يمثل رسالة دموية مباشرة برفض كل المساعي والاتصالات الجارية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتعزيز حضور الجيش في الجنوب وتنفيذ القرار الدولي الرقم 1701.
حزب الله يواصل تصديه لمحاولات التوغل الإسرائيليةوكشف التقرير أنه ميدانيا استمر القتال المباشر والاشتباك في عدة بلدات في جنوب لبنان، بين حزب الله وقوات جيش الاحتلال المتوغلة، بالتزامن مع الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي المقابل يواصل حزب الله تصديه لمحاولات التوغل الإسرائيلية وقصف المستوطنات والقواعد العسكرية في إسرائيل من الشمال إلى الجنوب.