ما سر ثقب الجاذبية العملاق في المحيط الهندي المعروف باسم المنخفض الجيوئيدي؟
تاريخ النشر: 19th, July 2023 GMT
عميقا تحت المحيط الهندي، يتموضع ثقب جاذبية عملاق يقدر بحوالي 3 ملايين كيلومتر مربع تقريبا، حيث يغوص قاع البحر ضمن منخفض واسع الامتداد، وتضعف قوى السحب إلى حد كبير جدا.
وكشفت الدراسات البحرية وقياسات الأقمار الصناعية أن مستوى سطح البحر ينخفض قرب طرف شبه القارة الهندية بسبب تفاوت الجاذبية بين ما يسمى الانخفاض الجيوئيدي تحت المحيط الهندي، وبين نقاط الجاذبية المحيطة به والتي تدعى "القمم أو المرتفعات".
وقد حاولت العديد من الدراسات تفسير الانخفاض الجيوئيدي تحت المحيط الهندي، وعزا معظمها ذلك إلى بقايا صفيحة سابقة غطست في وشاح الأرض تحت صفيحة أخرى منذ ملايين السنين. ومع ذلك، لم يكن هناك تفسير مقنع.
واستخدم باحثون آخرون نماذج التصوير المقطعي الزلزالي التي تستخدم الموجات الزلزالية للحصول على صورة ثلاثية الأبعاد لباطن الأرض، وذلك لدراسة الحمل الحراري في الوشاح، وهو نوع من الحركة يحدث داخل مائع حيث ترتفع المواد الأكثر سخونة والأخف وزنا إلى الأعلى، وتغرق المواد الأكثر برودة والأكثر كثافة تحت تأثير الجاذبية.
ووجدوا أن المواد الأخف وزنا في الوشاح العلوي إلى المتوسط أسفل الجيوئيد تبدو مسؤولة عن وجود الجاذبية المنخفضة بهذه المنطقة. وقد حاولت معظم النظريات الحالية تفسير هذا الشذوذ في الجيوئيد المنخفض بمساعدة الصفائح المحيطية الكثيفة والباردة التي غرقت بالوشاح في الماضي.
وعام 2018 انطلق فريق من علماء المركز الوطني للبحوث القطبية والمحيطية بالهند -على متن سفينة- لرسم خريطة لمنطقة الانخفاض الجيوئيدي، وقاموا بتوزيع سلسلة من أجهزة قياس الزلازل على قاع البحر في المنطقة المستهدفة.
وتمكن الفريق من رصد تدفقات حارة من الصخور المنصهرة تتصاعد تحت المحيط الهندي. وبالطبع كان لا بد من البحث في سيناريو يفسر تشكل الانخفاض الجيوئيدي في مراحله الأولى.
نشأة ومحدداتووفق تقرير نشر على موقع "ساينس ألرت" (Science Alert) قام الباحثون بتحديد نشأة المنخفض الجيوئيدي العملاق من خلال نمذجة كيفية انزلاق الصفائح التكتونية فوق طبقة الوشاح الساخن واللزج للأرض خلال 140 مليون سنة الماضية.
في تلك الفترة، بدأت الصفيحة التكتونية الهندية بالانفصال عن القارة العملاقة جوندوانا لتباشر مسيرتها نحو الشمال. ومع انفصال الصفيحة الهندية، غرق قاع بحر تيثيس القديم في طبقة الوشاح وانفتح المحيط الهندي.
وفي دراسة نشرت في مايو/أيار الماضي بدورية "جيوفيزيكال ريسرتش ليترز" (Geophysical Research Letters) قال الباحثان الجيولوجيان ديبانجان بال وأتري غوش من مركز علوم الأرض التابع للمعهد الهندي للعلوم في بنغالور "جميع الدراسات السابقة قد بحثت في تشوه الجاذبية ضمن الانخفاض الجيوئيدي ولكنها لم تهتم بكيفية نشأته".
ويعتقد الباحثان أن الإجابة تكمن على عمق يزيد على ألف كيلومتر تحت قشرة الأرض، حيث تنغمس بقايا باردة وكثيفة لمحيط قديم في "مقبرة الصفائح" تحت أفريقيا منذ نحو 30 مليون سنة، لتحرك بدورها صهارة صخرية حارة. ويرى الباحثان أن وجود مواد أخف بالجزء العلوي من منتصف الوشاح كان مسؤولا عن انخفاض الجاذبية في هذه المنطقة.
ثقب الجاذبية العملاق يقدر بحوالي 3 ملايين كيلومتر مربع تقريبا (المركز الدولي للنماذج العالمية للأرض) تدفق الصهارة الساخنةللوصول لتلك النتائج قام بال وغوش باستخدام أكثر من 10 نماذج حاسوبية لمحاكاة حركة الصفائح وحركة الوشاح، وقارنا بين شكل الانخفاض البحري الذي توقعته تلك النماذج وبين الملاحظات التي تم توثيقها من المنخفض الجيوئيدي نفسه.
وتشترك النماذج العشرة -التي عمل عليها الباحثان- في أنها تفترض وجود تدفقات من الصهارة الساخنة ذات كثافة منخفضة تتصاعد من تحت المنخفض الجيوئيدي. وبأن هذا الانخفاض الجيوئيدي قد تشكل بفعل تلك التدفقات التي طفت إلى ارتفاع كاف، إضافة إلى دور بنية طبقة الوشاح.
وقد كتب الباحثان "تشير نتائجنا إلى أنه من أجل تحقيق التطابق مع الانخفاض الجيوئيدي الموجود حاليا من حيث الشكل والارتفاع، يجب أن تطفو التدفقات بشكل كاف للصعود إلى عمق منتصف الوشاح".
وذكرت الورقة البحثية أن التدفقات الأولى من هذه الطبقات الساخنة قد ظهرت قبل حوالي 20 مليون سنة جنوب المنخفض الجيوئيدي بالمحيط الهندي، وحوالي 10 ملايين سنة عقب انغمار بحر تيثيس القديم في الوشاح السفلي. وازداد الانخفاض الجيوئيدي مع انتشار التدفقات تحت القشرة الصخرية واقترابها من شبه الجزيرة الهندية.
ونظرا لتوافق النتائج مع عناصر من أعمال النمذجة السابقة لغوش عام 2017، اقترح الثنائي الجيولوجي أن التدفقات قد ظهرت بعد غرق قاع بحر تيثيس – البحر المتوسط القديم في طبقة الوشاح السفلي، الأمر الذي أدى إلى اضطراب "كتلة أفريقيا الشهيرة".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
اكتشاف مخلوق متوهج يشبه قنديل البحر في أعماق المحيط
اكتشف باحثون أمريكيون نوعاً جديداً من المخلوقات "الرخوية الغامضة" تعيش في أعماق البحار، وهي شبيهة بقناديل البحر من ناحية شفافيتها، كما تتميّز بتوهجها النادر وحجمها الذي لا يزيد عن حجم فاكهة تفاح.
وفقاً لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، يعتبر أول نوع من فصيلته يُكتشف في أعماق المحيط. وله جسم بذيل يشبه المجداف وغطاء هلامي كبير. ويتميز بهيكل ضخم مقنّع على شكل وعاء في أحد طرفيه، لكن اللافت هو أعضاؤه الداخلية الملونة والمتوهجة.
وفيما أصبح اسمه العلمي "باتيديفيوس كوداكتيلس"، لقبه علماء "معهد خليجي مونتيري لأبحاث الأحياء المائية" بـ "سبيكة بحرية" نسبة إلى قيمته العالية مثل الذهب.
واستطاع فريق الأبحاث من المركز أخذ عينة من هذا المخلوق لدراستها بشكل مفصل في المختبر، فتبيّن خلال التحليلات أن المخلوق خال من أي حراشف، لكنه يتمتع بقدرة خاصة لخداع فريسته.
وعادة تعيش الرخويات البحرية في قاع البحر أو في البيئات الساحلية مثل برك المد والجزر، في حين أنه من المعروف أن القليل منها فقط يعيش في المياه المفتوحة بالقرب من السطح.
20 عاماً من الأبحاث
واجه عالما الأحياء المائية بروس روبيسون وستيفن هادوك الكائن الغريب لأول مرة في فبراير (شباط) 2000، خلال رحلة غوص في المياه العميقة قبالة سواحل خليج مونتيري باستخدام مركبة تيبورون التي تعمل عن بعد.
منذ ذلك الحين رُصد الحيوان البحري أكثر من 150 مرة، حيث كشف روبيسون أن الفريق العلمي استغرق 20 عاماً للتوصل إلى ماهية هذا المخلوق، وإصدار دراستهم أمس الأول الثلاثاء المتضمنة كل التفاصيل المتعلقة بهذا المخلوق.
وأظهر هذا المهلوق قدرة عالية على التكيّف للعيش في منطقة العمق التي تُسمى "منتصف الليل" وتقع ما بين 1000 و4000 آلاف متر تحت سطح المحيط.
ولفت إلى أن هذا العمق الشديد شكّل تحدياً كبيراً للفريق البحثي الساعي إلى فهم المزيد عن هذه الكائنات الفريدة التي تعيش في أعماق المحيطات.