بين السودان والأراضي المحتلة.. الازدواجية الأمريكية في التعامل مع جرائم التطهير العرقي
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
نشر موقع "إنترسبت" الأمريكي تقريرا تحدث فيه عن التحديات التي تواجه التحقيقات في جرائم الحرب في غزة، خاصة في ظل استخدام إسرائيل للرفض العقابي ضد محققين دوليين.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه في أواخر السنة الماضية طلبت 50 منظمة إنسانية من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اتخاذ قرار بشأن الفظائع المرتبطة بالصراع الذي كان يجذب الاهتمام العالمي.
وكانت المجموعات التي طلبت التصنيف تضغط على إدارة بايدن منذ أشهر. وفي رسالتهم في تشرين الثاني/ نوفمبر، ركزوا على الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، وهي إحدى الفصائل المتحاربة في معركة للسيطرة على السودان. وبعد ستة أيام، رد بلينكن بإصرار أن قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية مذنبة.
وقال بلينكن في بيان صدر في السادس من كانون الأول/ ديسمبر إنه "بناءً على التحليل الدقيق الذي أجرته وزارة الخارجية للقانون والحقائق المتاحة، قررت أن أفراد القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ارتكبوا جرائم حرب في السودان".
وذكر الموقع أنه في حالة قوات الدعم السريع، ذهب بلينكن إلى أبعد من ذلك قائلا "لقد قررت أيضًا أن أعضاء قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي".
وبالنسبة لناشطي حقوق الإنسان الذين طالبوا بهذا التصنيف، كان ذلك بمثابة انتصار جميل.
ويمكن أن يكون لمثل هذا التصريح آثار مهمة على السياسة الخارجية، مما يخلق تصنيفًا قانونيًا للجرائم الدولية عادة ما يكون مصحوبًا بقيود على الأسلحة والمساعدات الأمنية، وعقوبات اقتصادية، وغيرها من العقوبات أخرى.
مع ذلك، هناك تناقض واضح في الموقف الأمريكي، فعلى بعد ما يزيد قليلاً عن 1100 ميل من العاصمة السودانية الخرطوم، ترتكب جرائم حرب موثقة دون عقاب، لكن وزارة الخارجية الأمريكية لم تكن راغبة في اتخاذ قرار مماثل فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة.
ونقل الموقع عن سارة ياجر، مديرة مكتب منظمة "هيومن رايتس ووتش" في واشنطن، أن المسؤولين الأمريكيين يدينون بانتظام تصرفات الأطراف المتحاربة الأخرى في أماكن أخرى مثل أوكرانيا وإثيوبيا والسودان. لكن فيما يتعلق بغزة، يتجنب المسؤولون الأمريكيون إصدار الأحكام على سلوك إسرائيل".
ويتلقى المتحدث باسم وزارة الخارجية يوميا أسئلة من وسائل الإعلام ويتم الضغط عليه بشكل روتيني بشأن الفظائع الأخيرة التي يُزعم أن القوات الإسرائيلية ارتكبتها، سواء كان ذلك إطلاق نار يستهدف مدنيين في كنيسة، أو قصف المستشفيات أو المساجد أو المدارس أو الجامعات أو المباني السكنية، أو قطع الغذاء والوقود والدواء.
وبشكل عام، تشير الأسئلة إما إلى أدلة فيديو أو تصريحات مسجلة لوزراء الحكومة الإسرائيلية.
وأشار الموقع إلى أن وزارة الخارجية ترفض باستمرار إصدار الأحكام، وتقول في كثير من الأحيان إن آراء أو تصرفات بعض عناصر قوات الأمن أو بعض الوزراء لا تمثّل الموقف الإسرائيلي الرسمي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، في وقت سابق من هذا الشهر، إن "الولايات المتحدة ترفض التصريحات الأخيرة للوزيرين الإسرائيليين بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير اللذين يدعوان إلى إعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة وهذا الخطاب تحريضي وغير مسؤول لقد قيل لنا مرارا وتكرارا من قبل حكومة إسرائيل، بما في ذلك رئيس الوزراء، إن مثل هذه التصريحات لا تعكس سياسة الحكومة الإسرائيلية".
ومن خلال رفض اتخاذ قرار بشأن الفظائع المتعلقة بالقوات الإسرائيلية، فإن الولايات المتحدة تترك أحد أدواتها الحاسمة خارج الميدان.
فقد استخدمت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة قراراتها المتعلقة بالفظائع لجذب الانتباه إلى الصراعات وحشد المجتمع الدولي.
وقد فعلت ذلك بوتيرة متزايدة في السنوات الأخيرة، مع البوسنة والهرسك (1993)، ورواندا (1994)، والعراق (1995، 2014)، ودارفور (2004)، وبورما (2021)، والصين (2021)، وإثيوبيا (2021)، والسودان (2023).
ويقول الخبراء إن وزارة الخارجية تتهرب من التزامها بتقييم ما إذا كانت إسرائيل تلتزم بقوانين الحرب، وفشلت في التصرف بناءا على طلبات القنوات الخلفية من بعض نفس المدافعين الذين ضغطوا من أجل تصميم السودان على القيام بشيء مماثل فيما يتعلق بحرب إسرائيل في غزة.
ونقل الموقع عن جون رامينج تشابيل، زميل في مجال المناصرة والقانون في مركز المدنيين في الصراعات، أنه "من الضروري أن تقوم الولايات المتحدة بتقييم امتثال إسرائيل للقانون الدولي لأن العديد من الأسلحة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي لقتل المدنيين وتسوية المنازل وتدمير المرافق الطبية مصنوعة في الولايات المتحدة ويدفع ثمنها دافعو الضرائب الأمريكيون.
وتابع، "من خلال توفير المساعدات العسكرية، تخاطر الولايات المتحدة بأن تصبح متواطئة في جرائم وحشية محتملة".
أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات كانت الذخائر أمريكية الصنع عنصرا أساسيا في تدمير إسرائيل لغزة.
وفي الشهر ونصف الشهر الأول فقط من الحرب، أسقطت إسرائيل أكثر من 22 ألف قنبلة زودتها بها الولايات المتحدة على غزة، وذلك وفقا لأرقام استخباراتية قُدّمت إلى الكونغرس وكشفت عنها صحيفة "واشنطن بوست".
وبين شهر تشرين الأول/ أكتوبر وأواخر كانون الأول/ ديسمبر 2023، سلّمت الولايات المتحدة أكثر من 10 آلاف طن من الأسلحة والمعدات إلى إسرائيل، وذلك وفقًا لشبكة التلفزيون الإسرائيلية "القناة 12".
وأشار هذا التقرير أيضا إلى أن وزارة الدفاع الإسرائيلية طلبت أسلحة ومعدات إضافية بقيمة 2.8 مليار دولار من الولايات المتحدة.
حرب إسرائيل على غزة
كان لدى الولايات المتحدة بالفعل، اعتبارًا من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مبيعات عسكرية أجنبية معلقة لإسرائيل بقيمة 23.8 مليار دولار، بما في ذلك مقاتلات إف-35 والذخائر الموجهة بدقة.
وبموجب عملية المبيعات التجارية المباشرة - التي تشتري من خلالها إسرائيل مباشرة من شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية - سمحت الولايات المتحدة بالتصدير الدائم لأكثر من 5.7 مليار دولار من الأسلحة والمعدات ما ما بين 2018 و2022.
وقد زودت الولايات المتحدة إسرائيل بمعدات أخرى بقيمة 6.6 مليار دولار في إطار برنامج المواد الدفاعية الزائدة منذ سنة 1992.
وإجمالا، منحت الولايات المتحدة إسرائيل 158 مليار دولار في شكل مساعدات ثنائية وتمويل للدفاع الصاروخي، أكثر من أي دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك وفقًا لتقرير آذار/ مارس 2023 الصادر عن خدمة أبحاث الكونغرس.
وقال المتحدثون باسم الإدارة مرارا وتكرارا إن الولايات المتحدة لا تقوم بتقييم ما إذا كانت إسرائيل تلتزم بالقانون الدولي في عملياتها في غزة.
وأشار تشابيل إلى أن "هذه التصريحات تتعارض مع سياسة الإدارة الخاصة بنقل الأسلحة التقليدية، التي التزم فيها الرئيس بايدن بـ "المشاركة في المراقبة المناسبة" لضمان استخدام الأسلحة الأمريكية وفقًا لالتزامات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
وتتطلب السياسة نفسها من الوكالات الحكومية تحديد ما إذا كان نقل الأسلحة المقترح من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم خطر الانتهاكات بناءً على سلوك المتلقي السابق، ولا يمكن لإدارة بايدن تنفيذ هذا المطلب بحسن نية دون تقييم شرعية سلوك الجيش الإسرائيلي في غزة".
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية لم ترد على أسئلة موقع "إنترسبت" حول تصميمها الفظيع على إدانة ما يحدث في السودان وفشلها في إصدار تصنيف مماثل لإسرائيل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة السودان الولايات المتحدة السودان الولايات المتحدة غزة مجازر الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع الولایات المتحدة وزارة الخارجیة ملیار دولار إلى أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
ماذا يعني قرار إسرائيل وقف التعامل مع الأونروا؟
أعلنت الخارجية الإسرائيلية -اليوم الاثنين- أنها أبلغت الأمم المتحدة رسميا بأنها ألغت الاتفاقية المبرمة مع الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والتي تسمح للأخيرة بتقديم الدعم والعمل في فلسطين.
وفي بيان، وجّه وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس اتهاما للأونروا بأن موظفيها شاركوا في الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية على مستوطنات في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتعود الاتفاقية الموقعة بين إسرائيل والأونروا إلى عام 1967، وسمحت للوكالة الأممية بالعمل في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وتقديم خدمات مختلفة للفلسطينيين بهذه الأماكن، ومن بينها التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الإغاثية.
انهيار العمل الإنسانيوسيدخل القرار الإسرائيلي حيز التنفيذ خلال 3 أشهر، لكن المتحدث باسم الأونروا جوناثان فاولر قال "إذا تم تطبيق القرار فمن المرجح أن يتسبب في انهيار العملية الإنسانية الدولية في قطاع غزة التي تشكل الأونروا عمودها الفقري".
وفي تصريحات للجزيرة نت، قال المستشار الإعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة "إننا في الأونروا لم نُبلغ رسميا بقرار إلغاء الاتفاقية" لكن إسرائيل بدأت الآن تطبيق القرارات التي أقرها الكنسيت أخيرا بشأن حظر عمل الأونروا في المناطق التي تقع تحت سيادتها.
وأشار أبو حسنة إلى أن إسرائيل تمثل قوة احتلال، وتسيطر على الأرض والمعابر والنظم المصرفية وعمليات الشراء، وهذا ما يؤكد النتائج الكارثية غير المسبوقة التي سيتعرض لها عمل الأونروا وما يتعرض له الفلسطينيون نتيجة إلغاء هذه الاتفاقية.
ولا تتوقف خطورة القرار الإسرائيلي عند منع وصول المساعدات الإغاثية المبقية لحياة ملايين الفلسطينيين فقط، بل تمتد إلى تحطم المنظومة التعليمية والصحية التي تتكفل بها الأونروا لصالح ملايين من الفلسطينيين، وحتى الآن لا يوجد بديل يقوم بهذا العمل في فلسطين، حسب المستشار الإعلامي للأونروا.
نداءات استغاثة
وأطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) نداء بضرورة توفير الدعم المنقذ لحياة آلاف الأطفال في قطاع غزة، وذلك بعدما لقي أكثر من 14 ألف طفل مصارعهم نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من سنة.
وقال الناطق باسم اليونيسيف في فلسطين كاظم أبو خلف إن الأونروا "تمثل أكبر مؤسسة أممية عاملة في فلسطين، وهي العمود الفقري لكل ما يتعلق بالاستجابة الإنسانية في قطاع غزة" وحتى المؤسسات الأممية الأخرى أو الشريكة معها تعتمد في تقديم مساعداتها على مقدرات الأونروا بحكم عملها على الأرض منذ عشرات السنين و"لديها في قطاع غزة وحده 13 ألفا من العاملين".
وأشار أبو خلف -في مقابلة مع الجزيرة نت- إلى أن الأونروا تستضيف في مدارسها قبل العدوان على قطاع غزة ما يزيد على 300 ألف طالب في التعليم الأساسي، وعبر مراكزها الممتدة في كافة أنحاء القطاع تقدم الرعاية الصحية الروتينية لسكان غزة وأطفالها، كما أنها "الوحيدة التي تقدم الخدمات بالمفهوم الشامل للفلسطينيين، ومن ثم يصبح القرار الإسرائيلي مسألة حياة أو موت بالنسبة للغزيين".
وأضاف الناطق باسم اليونيسيف في غزة أن كل المؤسسات العاملة في القطاع -سواء تابعة للأمم المتحدة أو غيرها- ستستمر في تقديم الخدمات المنقذة للحياة في غزة، لكن الفجوة التي تتركها الأونروا لا يمكن تعويضها بعد القرار الإسرائيلي.
أجيال من اللاجئين
علقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأن قرار إسرائيل قطع العلاقة مع الأونروا محاولة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وتأكيد على تجاوز كل القيم الإنسانية. كما طالبت حماس المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالوقوف بشكل حازم أمام القرار الإسرائيلي الذي وصفته بأنه "متمرد على الشرعية الدولية".
ومن جانبه قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بالقطاع إسماعيل ثوابتة إن القرار الإسرائيلي "جريمة جديدة ضمن جرائم الاحتلال بحق شعبنا الفلسطيني، خاصة اللاجئين الذين طردهم من أراضيهم المحتلة منذ عام 1948. والآن يلاحقهم من جديد ويقتل أبناءهم وأطفالهم ونساءهم، خاصة الذين نزحوا إلى مراكز الإيواء هربا من هذا القتل الجديد".
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أضاف ثوابتة أن عمل الأونروا "جاء بقرار سياسي دولي من أجل الحفاظ على حقوق شعبنا الفلسطيني، غير أن هذا القرار يؤكد أن الصلف الإسرائيلي يواصل اعتداءه على الحقوق الفلسطينية بالإعلان عن عدم التعامل مع الأونروا، وهو تحد للقرار الدولي وللأمم المتحدة".
ودان مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة "الجريمة الجديدة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بعدم التعامل مع الأونروا ووقف عملها، إضافة إلى ذلك نحن نطالب الأمم المتحدة بطرد إسرائيل من كل المؤسسات التابعة لها، ونحمل الإدارة الأميركية التي تصطف إلى جانب إسرائيل وتدعم قرارها السياسي كامل المسؤولية عن هذه الجريمة الجديدة".
وكان الكنيست أقرّ الاثنين الماضي بشكل نهائي وبأغلبية 92 صوتا من أصل 120 حظر نشاط الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بزعم أن موظفين في الوكالة أسهموا في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لكن الأونروا نفت صحة ادعاءات إسرائيل، كما أكدت الأمم المتحدة أن الوكالة تلتزم بالحياد وتركز حصرا على دعم اللاجئين.
يُذكر أن الأونروا أنشئت في ديسمبر/كانون الأول 1949 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويعمل فيها نحو 18 ألف موظف في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينهم 13 ألفا في قطاع التعليم و1500 في قطاع الصحة، وتقدم دعما للاجئين في الفلسطينيين بالداخل أو البلدان المجاورة.