تشهد ولاية نيفادا، الثلاثاء، سباقا جمهوريا جديدا بين المتنافسين الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وسفيرته السابقة، نيلكي هايلي، في محطة مثيرة للجدل، ضمن مشوار نيل ترشيح الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية 2024.

ما يميز نيفادا عن باقي الولايات هو أن التصويت على المرشح الجمهوري سيتم عبر آليتين هما الانتخابات التمهيدية، والمؤتمرات الحزبية، فما السبب؟

تشريع بعد فوضى

بعد عقود من عقد المؤتمرات الحزبية قليلة الحضور، والتي أصبحت في بعض الأحيان فوضوية، أصدر مشرعو ولاية نيفادا قانونا، عام 2021، يتطلب إجراء انتخابات تمهيدية عندما يكون هناك أكثر من مرشح واحد في بطاقة الاقتراع.

 

وبعد أن أطلق أكثر من 10 مرشحين حملات للترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري لعام 2024، حدد مسؤولو ولاية نيفادا الثلاثاء موعدا لإجراء انتخابات تمهيدية للحزب الجمهوري والديمقراطي.

لكن قانون 2021 كان يعاني من ثغرة كبيرة أدت إلى سيناريو غريب ومربك، تمثل في إجراء انتخابات تمهيدية للحزب الجمهوري، يليها بيومين، مؤتمرات حزبية للجمهوريين، لأن الحزب أصر على ذلك.

ترامب ضغط لاعتماد نتائج المؤتمرات الحزبية بدلا من الانتخابات التمهيدية في نيفادا

وقد أدت الضغوط المكثفة التي مورست على قادة الحزب الجمهوري في نيفادا من قبل ترامب، إلى سيناريو فريد، وربما محير: ستعقد نيفادا هذا الأسبوع انتخابات تمهيدية تديرها الولاية، ومؤتمرات حزبية يديرها الحزب الجمهوري.

ما الفرق؟

بشكل عام، هناك آليتان لاختيار مرشح الحزب، وهما الانتخابات التمهيدية التي تتيح إمكانيات أكثر أمام الناخبين للتصويت، مع خيار الاقتراع البريدي عن بعد.

في المقابل، هناك آلية المؤتمرات الحزبية التي ينظمها الحزب، وتكون المشاركة فيها حضورا فعليا للناخبين، مع حمل بطاقات الهوية في أيديهم، في مكان محدد وفي وقت محدد.
 
ورغم وجود تشريع بتنظيم الانتخابات التمهيدية، إلا أن الحزب الجمهوري في نيفادا، والذي يهيمن عليه ترامب، رفض خلال الحملة الانتخابية، التقويم الجديد للانتخابات التمهيدية، وحافظ على تنظيم مؤتمرات حزبية بعد يومين.

وكان الحزب الجمهوري في نيفادا واضحا في هذه النقطة حين أعلن أنه سيمنح مندوبيه البالغ عددهم 26 لمن يفوز في المؤتمرات الحزبية، التي يتنافس فيها ترامب ضد المرشح الجمهوري، ريان بينكلي، غير المعروف، مع غياب اسم هايلي في هذا التجمع.

عملية مزدوجة 

المشهد المربك في نيفادا يتلخص في أن هايلي ستشارك وحدها في الانتخابات التمهيدية، وسيظهر اسمها على ورقة الاقتراع مع غياب اسم منافسها ترامب.

على العكس من ذلك، اسم ترامب يظهر في المؤتمرات الحزبية في الولاية، وتغيب هايلي عنها، لأنها لا تشارك أساسا فيها معتبرة أن ترامب استمال المؤتمرات لصالحه بطرق بعيدة عن التنافس المفتوح. 

تشارك نيكي هايلي فقط فق الانتخابات التمهيدية في نيفادا واسمها غير مدرج في المؤتمرات الحزبية بالولاية

وجاء النظام المزدوج بعد أن نجح ترامب في استمالة قادة الحزب الجمهوري في نيفادا، الذين أعلنوا في أغسطس أنهم سيتجاهلون بشكل أساسي الانتخابات التمهيدية التي تديرها الولاية، وعقد المؤتمرات الحزبية، مع قواعد مصممة على ما يبدو لصالح ترامب.

وتقول صحيفة واشنطن بوست إن من الطبيعي أن يختار ترامب خوض السباق عبر المؤتمرات الحزبية، فيما اختارت هيلي منذ فترة طويلة الترشح عبر الانتخابات التمهيدية، كما فعل العديد من المرشحين الرئيسيين الآخرين، بما في ذلك نائب الرئيس السابق، مايك بنس، والسناتور، تيم سكوت، (الجمهوري عن ولاية ساوث كارولاينا)، قبل أن ينهوا حملاتهم.

وتشير الصحيفة إلى أن من المؤكد أن ترامب سيكتسح المؤتمرات الحزبية.

لماذا يفضل ترامب المؤتمرات الحزبية؟

السبب في أن ترامب يضغط باتجاه عقد المؤتمرات الحزبية أنه ركز في السنوات الماضية بدعم من أنصاره على ربط إمكانية التصويت عبر البريد، والمسموح بها في الانتخابات المتهيدية بعمليات الغش. كما أن ترامب يعرف جيدا أن نتائج المجالس الحزبية تميل لصالحه.

وفي 2016، فاز ترامب في المؤتمرات الحزبية بولاية نيفادا بنحو 46 بالمئة من الأصوات، متفوقا بفارق كبير على أقرب منافسيه، السيناتور، ماركو روبيو، (جمهوري عن فلوريدا)، وتيد كروز، (جمهوري عن تكساس).

وفوز هيلي في الانتخابات التمهيدية ليس مضمونا بالضرورة، لأنه في الانتخابات التمهيدية الرئاسية في نيفادا، يكون لدى الناخبين خيار عدم تفضيل "أي من هؤلاء المرشحين". 

ويشجع الحزب الجمهوري في نيفادا الناس على الإدلاء بمثل هذا التصويت لإضعاف أي زخم محتمل لهايلي.

وبالنسبة لهايلي، فإن منح المجالس الانتخابية ميزة تحديد من سيحظى بدعم مندوبي الحزب الـ26، يعني أنها ستكون بعيدة عن تحقيق أي إنحاز، وبالتالي بات واضحا أن ترامب سيكسب هذا الدعم، الأمر الذي أدى إلى اتهامه بتحريف القواعد لصالحه.

وكانت هايلي صرحت الشهر الماضي، بأنه "تم حجز المجالس الحزبية، وشراؤها ودفع ثمنها منذ فترة طويلة"، مضيفة "لكننا سنركز على الولايات المنصفة".

تتهم هايلي ترامب بالهيمنة على المؤتمرات الحزبية لاستمالة النتائج لصالحه

ونقلت صحيفة "لاس فيغاس ريفيو" عن، تشارلز فروت، المؤيد لهايلي، قوله "ليس هناك أي معنى للمشاركة في المجالس الحزبية. لا أستطيع التصويت لمرشحتي".
 
وأضاف أنهم "يحرمونني من حقي في التصويت. وهذا يحدث في الحزب الجمهوري الذي أنتمي إليه. أنا غير سعيد".

ويؤكد الخبير السياسي في جامعة نيفادا في لاس فيغاس، دانييل لي، فعالية الحسابات السياسية لترامب، في الاعتماد على المجالس الحزبية.

ويقول لوكالة فرانس برس إن "المشاركين في المجالس الحزبية يتميزون بحماسهم، فهم نشطاء متحمسون حقا ومعبئون لصالح مرشحهم، كما أنهم مستعدون للتضحية بوقتهم من أجل الذهاب للتصويت في صالة للألعاب الرياضية ذات رائحة كريهة. هؤلاء هم مؤيدو ترامب النموذجيون".

ويتفجر هذا  الجدل في نيفادا في وقت يتركز فيه قدر كبير من الاهتمام السياسي على الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري التي ستجري في ولاية ساوث كارولاينا في 24 فبراير، حيث تأمل هايلي في تقليص تقدم ترامب.

بايدن وترامب

في هذه الأثناء، تنظم انتخابات تمهيدية للحزب الديموقراطي أيضا، الثلاثاء، ولكن من دون أي عنصر تشويق، حيث يتنافس الرئيس، جو بايدن مع، ماريان ويليامسون، ودين فيليبس، اللذين من المرجح أن يجمعا عددا قليلا من الأصوات. 

ومع ذلك، قد يتسلط الضوء مجددا على نيفادا، حيث من المحتمل أن تشهد منافسة بين الرئيس الديموقراطي، بايدن وسلفه الجمهوري ترامب. وكان بايدن قد فاز في هذه الولاية المحورية بفارق ضئيل في العام 2020.

وبعد مرور أربع سنوات، تبدو التوقعات أكثر تعقيدا بالنسبة لبايدن، في ظل تراجع معدلات الثقة المحلية إلى النصف، بينما تظهر استطلاعات الرأي أنه يخسر الأصوات بين الناخبين من ذوي الأصول اللاتينية، وهو أمر بالغ الأهمية وله تأثيره في الانتخابات.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الانتخابات التمهیدیة انتخابات تمهیدیة فی الانتخابات ولایة نیفادا أن ترامب

إقرأ أيضاً:

لماذا علق ترامب الرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يوما ؟!

يمانيون../
في مشهد سياسي واقتصادي يفيض بالتناقضات ويعكس ارتباكًا عميقًا داخل إدارة البيت الأبيض، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 9 أبريل 2025 عن تعليق مؤقت لمدة 90 يومًا للرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها على عدد من الحلفاء التجاريين للولايات المتحدة، وذلك بعد أسابيع من التصعيد الممنهج تجاه الصين ودول أخرى، كجزء من سياسة تجارية شعبوية يسعى من خلالها إلى كسب دعم داخلي قبيل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

هذا القرار، الذي جاء في توقيت بالغ الحساسية، أثار موجة من التساؤلات في الأوساط الاقتصادية والسياسية على حدّ سواء. فبينما اعتبره البعض خطوة نحو التهدئة وتحقيق نوع من الاستقرار المؤقت للأسواق المتقلبة، رآه آخرون بمثابة تراجع اضطراري فرضته ظروف السوق وضغوط الداخل الأمريكي، إلى جانب تصاعد الاعتراضات الدولية التي باتت ترى في السياسات التجارية الأمريكية تهديدًا مباشرًا لأسس النظام التجاري العالمي.

لكن السؤال الأهم الذي ظل يطرق أبواب مراكز التفكير ومواقع القرار هو: لماذا الآن؟ لماذا اختار ترامب، المعروف بعناده في الملفات التجارية، التراجع المؤقت عن سياسة الرسوم الجمركية؟ وهل القرار يمثل استراحة تكتيكية في معركة تجارية طويلة، أم اعترافًا ضمنيًا بفشل نهج العداء التجاري المتصاعد؟ للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من النظر في جملة من العوامل المتشابكة التي دفعت بهذا القرار إلى الواجهة.

أولًا: خلفيات القرار وظروفه المباشرة
منذ توليه الرئاسة في يناير 2017، تبنّى دونالد ترامب سياسة تجارية تقوم على شعار “أمريكا أولاً”، وهي سياسة ترتكز على إعادة صياغة العلاقات التجارية مع العالم، من خلال فرض رسوم جمركية على عدد من الدول التي يعتبرها “تستغل” الميزان التجاري الأمريكي. وكانت الصين الهدف الأبرز لتلك السياسة، لكنها امتدت لاحقًا إلى الاتحاد الأوروبي، وكندا، والمكسيك، وكوريا الجنوبية، واليابان.

الرسوم الجمركية الأخيرة التي أُعلن عن تعليقها كانت تشمل واردات من دول أوروبية وآسيوية، وتراوحت نسبها بين 15 و30 في المائة على سلع استراتيجية مثل السيارات، والألمنيوم، والإلكترونيات الدقيقة. وقد أدّت تلك الرسوم إلى حالة من التوتر الاقتصادي في الأسواق العالمية، وفاقمت من حالة عدم اليقين التي تسيطر على سلاسل التوريد الدولية منذ جائحة كورونا، وما تبعها من أزمات جيوسياسية.

في هذا السياق، جاء قرار ترامب بتعليق الرسوم الجديدة لمدة 90 يومًا، مبررًا خطوته بالحاجة إلى “إعطاء الفرصة للحوار البنّاء”، في ما بدا محاولة لتهدئة العاصفة التي تسببت بها تلك السياسات.

ثانيًا: تراجع الأسواق وضغوط الداخل الأمريكي
أبرز الدوافع المباشرة التي دفعت الإدارة الأمريكية لتعليق الرسوم الجمركية هو الانهيار الوشيك في الأسواق المالية. فبعد الإعلان عن الرسوم، شهدت البورصات الأمريكية، وفي مقدمتها “وول ستريت”، موجة تراجعات حادة، حيث خسر مؤشر “داو جونز” أكثر من 1300 نقطة في ثلاثة أيام فقط، فيما تراجعت مؤشرات الثقة لدى المستثمرين لأدنى مستوياتها منذ أزمة 2008.

في موازاة ذلك، واجهت سندات الخزانة الأمريكية عمليات بيع كثيفة، ما أدى إلى ارتفاع العائدات بصورة مفاجئة، في وقت تعاني فيه الإدارة من ضغوط ديون متزايدة وحاجة ملحة لتمويل عجز الموازنة. وقد شكل هذا التراجع المتزامن في الأسهم والسندات مصدر قلق بالغ لوزارة الخزانة، خاصة وأن ذلك يُنذر بفقدان ثقة المستثمرين العالميين في قدرة الاقتصاد الأمريكي على تحمّل سياسات خارجية متقلبة وغير محسوبة.

وبحسب شبكة “CNN”، فإن البيت الأبيض شهد في اليوم الذي سبق الإعلان عن القرار حالة من الارتباك العميق، حيث تسابق المستشارون لإقناع الرئيس بضرورة اتخاذ خطوة عاجلة لتهدئة الأسواق قبل أن يتسع نطاق الانهيار. وفي حين كان الممثل التجاري الأمريكي يدلي بشهادته أمام الكونغرس دفاعًا عن الرسوم الجمركية، كان ترامب يوقّع قرارًا بتجميدها، في مشهد يعكس الارتجالية الواضحة في آلية صنع القرار داخل الإدارة.

رائع، سأواصل الآن استكمال التقرير بنفس الأسلوب التحليلي والسياسي الموسّع، حتى نصل إلى النص الكامل المكوّن من 3000 كلمة على الأقل.

ثالثًا: الخلافات داخل الإدارة الأمريكية
القرار بتعليق الرسوم الجمركية أظهر بوضوح الخلافات العميقة داخل فريق ترامب الاقتصادي، وهي خلافات ليست جديدة، لكنها تفاقمت في الآونة الأخيرة نتيجة التناقض بين مستشاري البيت الأبيض الذين يمثلون الاتجاه النيوليبرالي، والذين يرون أن العولمة الاقتصادية أمر حتمي يجب التكيف معه، وبين المستشارين المحسوبين على التيار القومي الاقتصادي، والذين يروجون لإغلاق الأسواق الأمريكية في وجه ما يصفونه بـ”الغزو الصناعي الأجنبي”.

فريق وزير الخزانة، وبعض مستشاري مجلس الأمن القومي، بالإضافة إلى لوبيات شركات وادي السيليكون، أعربوا مرارًا عن قلقهم من سياسات ترامب التجارية. حيث يرون أن فرض الرسوم الجمركية لا يعزز من تنافسية المنتجات الأمريكية بقدر ما يؤدي إلى زيادة التكاليف على المستهلك الأمريكي نفسه، ويُفقد الثقة بمناخ الاستثمار.

وفي المقابل، أصر ترامب على المضي في طريق التصعيد، معتبرًا أن الإجراءات المتشددة وحدها هي القادرة على إجبار الدول الأخرى، وفي مقدمتها الصين، على تغيير قواعد اللعبة، واحترام ما يصفه بـ”العدالة التجارية”.

لكن مع تفاقم الأزمات داخل السوق، تراجعت الأصوات المدافعة عن النهج التصعيدي، وبدأت الدعوات ترتفع داخل الكونغرس من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) بضرورة مراجعة تلك السياسات التي تهدد باستنزاف الطبقة الوسطى، وتضع الاقتصاد الأمريكي في مرمى الركود.

رابعًا: ضغوط الحلفاء ورد الفعل الدولي
لم يكن القرار الأمريكي معزولًا عن ردود الفعل الدولية التي تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة، والتي عبّرت عن استياء غير مسبوق من الحلفاء الأوروبيين والآسيويين الذين اعتبروا أن واشنطن تتعامل معهم بمنطق الابتزاز الاقتصادي.

وزراء مالية مجموعة السبع، باستثناء وزير الخزانة الأمريكي، ناقشوا في اجتماع سري بباريس إمكانية التنسيق لإجراء ردّ جماعي على الإجراءات الأمريكية، سواء من خلال رفع قضايا في منظمة التجارة العالمية، أو فرض رسوم مضادة، وهو ما زاد من عزلة واشنطن داخل تكتلها الاقتصادي التقليدي.

المستشارة الألمانية، ووزير الاقتصاد الفرنسي، عبّرا علنًا عن رفضهم للسياسة التجارية الأمريكية الجديدة، واعتبرا أنها “تهدد استقرار النظام التجاري العالمي”، وهو التعبير الذي تكرر أيضاً في تصريحات رئيس الوزراء الياباني، الذي دعا إلى “عودة واشنطن إلى قواعد اللعب النظيف”.

المفارقة أن بعض هذه الدول كانت قد دعمت ترامب خلال حملته ضد الصين، لكنها تفاجأت بأن الولايات المتحدة لم تفرق كثيرًا في تطبيق الرسوم بين خصومها التجاريين وشركائها الإستراتيجيين، ما أظهر انعدام البوصلة السياسية في واشنطن، حسب تعبير أحد المحللين الأوروبيين.

خامسًا: استمرار التصعيد ضد الصين
في المقابل، فإن تعليق الرسوم لم يشمل الصين، بل على العكس، تم رفع الرسوم المفروضة على صادراتها إلى ما نسبته 125 في المائة، وهو ما يعتبر أعلى نسبة رسوم تفرضها الولايات المتحدة على دولة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.

هذا التصعيد ضد بكين يعكس التوتر الإستراتيجي العميق بين القوتين، ويظهر أن إدارة ترامب تنظر إلى الصين ليس فقط كخصم تجاري، بل كمنافس جيوسياسي يهدد الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي.

تقرير “وول ستريت جورنال” أشار إلى أن رفع الرسوم على الصين كان جزءًا من إستراتيجية “الضغط الأقصى”، المقتبسة من سياسة ترامب تجاه إيران، وأن الهدف هو إجبار بكين على الرضوخ في ملفات أوسع من التجارة، تشمل حقوق الملكية الفكرية، والتحكم في التكنولوجيا، وقوانين العمل، وحتى السياسات الرقمية.

لكن الصين ردت بإجراءات مضادة، إذ فرضت رسومًا على منتجات زراعية أمريكية، وأعادت النظر في بعض عقود الطيران مع شركة بوينغ، وهو ما عمّق الخسائر التي تعانيها الشركات الأمريكية الكبرى، وزاد من متاعب ترامب داخليًا، خصوصًا مع المزارعين والولايات الصناعية التي كانت من أبرز داعميه في الانتخابات السابقة.

سادسًا: البعد الانتخابي والحسابات الداخلية
من المرجّح أن الحسابات الانتخابية كانت حاضرة بقوة في قرار التعليق المؤقت للرسوم. فترامب يستعد لخوض معركة انتخابية جديدة في نوفمبر 2026، ويحتاج بشدة إلى دعم الناخبين في الولايات المتأرجحة، الذين تأثروا بشكل مباشر من موجة الغلاء الناتجة عن الرسوم الجمركية.

الدراسات الميدانية أشارت إلى أن أسعار عدد من السلع الأساسية ارتفعت بنسبة 12 إلى 18 في المائة منذ بداية تطبيق الرسوم، وهو ما أثار غضبًا واسعًا في ولايات مثل ميشيغان وويسكونسن وأوهايو، التي تعتمد بشكل كبير على التجارة والصناعات التحويلية.

كما أن قطاع التجزئة، الذي يضم ملايين الوظائف، بدأ يتأثر سلبًا بفعل تراجع الاستيراد وزيادة التكاليف التشغيلية، ما دفع عددًا من كبار المانحين الجمهوريين إلى مطالبة الإدارة بمراجعة السياسات الجمركية قبل فوات الأوان.

وبالتالي، فإن تعليق الرسوم قد يكون محاولة لتجميل الصورة أمام الناخبين، وإعطاء فرصة للأسواق كي تتنفس، خصوصًا في ظل أرقام اقتصادية تُنذر بانكماش محتمل في الربع الثالث من العام الجاري.

سابعًا: التقييم الاقتصادي العام للقرار
اقتصاديون ومراكز دراسات عديدة اعتبرت أن قرار ترامب بتعليق الرسوم يمثل خطوة ضرورية، لكنها غير كافية، لمعالجة الاختلالات التي أفرزتها السياسة التجارية خلال السنوات الماضية.

معهد بروكنغز نشر تقريرًا مفصلًا أشار فيه إلى أن “سياسة الرسوم أدّت إلى نتائج عكسية على الاقتصاد الأمريكي، وأفقدت المنتجين والمستهلكين الأمريكيين قرابة 92 مليار دولار خلال عام 2024 وحده”.

وأضاف التقرير أن التصعيد مع الصين قاد إلى تفكك سلاسل التوريد في قطاعات حساسة مثل صناعة الرقائق والسيارات، وأجبر الشركات الأمريكية على البحث عن بدائل مكلفة وغير مستدامة.

كما أشار تقرير البنك الدولي الصادر في مارس الماضي إلى أن الرسوم الجمركية الأمريكية “تسببت في تباطؤ التجارة العالمية بنسبة 1.3 في المائة، وخسارة الاقتصاد العالمي نحو 760 مليار دولار في الناتج الإجمالي”.

ثامنًا: إلى أين تتجه الأمور بعد انتهاء مهلة الـ90 يومًا؟
السؤال المحوري الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يمثل التعليق خطوة أولى نحو إعادة النظر في سياسة الرسوم، أم أنه مجرد استراحة مؤقتة لالتقاط الأنفاس قبل العودة إلى التصعيد؟

المؤشرات الراهنة توحي بأن ترامب يراهن على تحسين موقعه التفاوضي مع الصين أولاً، ثم مع بقية الحلفاء، من خلال الجمع بين العصا والجزرة. فهو يمنح مهلة قصيرة للحلفاء لكي يقدموا تنازلات ملموسة في ملفات مثل دعم الصناعات الوطنية، ومعايير التصدير، والضرائب على الشركات الرقمية، مقابل الإبقاء على الصين تحت الضغط الكامل.

لكن هذا النهج يحمل مخاطر كبيرة، أبرزها فقدان الثقة بواشنطن كشريك تجاري مستقر، وإضعاف مصداقية الولايات المتحدة في المؤسسات الدولية، خاصة منظمة التجارة العالمية.

وفي حال فشل مفاوضات التهدئة خلال فترة التعليق، فإن الأسواق قد تشهد موجة جديدة من التوتر، وربما ردودًا انتقامية، ما قد يُدخل الاقتصاد العالمي في دوامة جديدة من الركود والانكماش، في وقت لا تزال فيه آثار جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا تلقي بظلالها الثقيلة على الاقتصاد الدولي.

خلاصة وتقدير موقف
تعليق ترامب للرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يومًا ليس قرارًا عفويًا، بل نتيجة حتمية لضغوط داخلية وخارجية متصاعدة، ولتخبط سياسات لا تعتمد على استراتيجية واضحة، بل على ردود فعل متسرعة تراعي في المقام الأول الحملة الانتخابية المرتقبة.

القرار يعكس هشاشة النهج التجاري الذي اعتمدته إدارة ترامب الثانية، والذي رغم شعاراته الشعبوية، أثبت أنه يضر بالاقتصاد الأمريكي قبل غيره، ويهدد العلاقات مع الحلفاء والشركاء التقليديين، في لحظة يتصاعد فيها التحدي الصيني، وتتشكل معالم نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب.

ويبقى مستقبل القرار مرهونًا بما ستؤول إليه المحادثات المقبلة، وبقدرة ترامب على الموازنة بين أهدافه الانتخابية ورهانات الأمن القومي، في وقت تتراجع فيه مكانة واشنطن على الساحة الاقتصادية الدولية.

مقالات مشابهة

  • توسيع اللجان الحزبية.. الوعي: نعمل على ربطها بالمواطنين
  • كولر للاعبي الأهلي: الأجواء أمام صن داونز تختلف عن أي ناد آخر
  • رئيس الوفد لـ صدى البلد: لن تكون هناك انتخابات برلمانية بدون إشراف قضائي
  • لماذا عاد ترامب إلى المفاوضات مع إيران؟
  • الشعب الجمهوري يعين إسماعيل موسى أمينا لأمانة الشؤون الرياضية المركزية
  • تركيا وإسرائيل: لماذا بلغ التوتر ذروته؟
  • نواب التغيير: التنسيق مفقود
  • لماذا علق ترامب الرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يوما ؟!
  • لماذا زجّ ترامب بالصومال في حديثه عن جماعة الحوثي؟
  • سباق الترشيحات ينطلق في عكار... وتنظيم إلكتروني لتسهيل الإجراءات