عن عقيدة القتل بلا هوادة والتخريب بلا توقّف
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
عن عقيدة القتل بلا هوادة والتخريب بلا توقّف
هل كان يمكن لأيّ ذهن بشري قبل العدوان المستمرّ أن يتخيّل الصورة التي آل إليها قطاع غزّة جرّاء هذا العدوان؟
صدمة 7 أكتوبر أدّت إلى ولادة جديدة، غريبة وصادمة، أُقفلت معها صفحة أفكار كثيرة دار الوعي الصهيوني في فلكها سبعة عقود.
يريد الكيان الصهيوني محو تاريخ ضاغط على وعيه، وحاضراً خطراً على وجودهم، وسؤالاً أخلاقياً ملحّاً: هل وصل الوحش أخيراً إلى لحظة انطفائه الأكيدة؟
يتّكئ الاحتلال على عقائد مشوَّهة، تَفترض أنّ القتل هبة إلهية والتدمير بتنويعاته المختلفة خدمةٌ لمن يحملون في جيناتهم المريضة خيالاتا تفوّق مدفوعة بادّعاء الحقّ الإلهي.
استيقظ الكيان بعد طوفان الأقصى على خطاب ووعي جديد إزاء الصدمة، كان ضروريا بمكان أن يذهب في الدم، وقد وقف خلفه قادة الغرب الذي أسّس لثقافة التفوّق في أدبيّاته.
* * *
هل كان يمكن لأيّ ذهن بشري قبل العدوان المستمرّ أن يتخيّل الصورة التي آل إليها قطاع غزّة جرّاء هذا العدوان؟ كان يمكن مقاربة ذهن الاحتلال وميله الفطري إلى البطش والتخريب والقتل، باعتباره يتّكئ، ومنذ لحظة اختلاقه الأُولى إلى عقائد مسيانية مشوَّهة، تَفترض أنّ القتل هبة إلهية، وأنّ التدمير، بتنويعاته المختلفة، خدمةٌ لمن يحملون في جيناتهم المريضة فانتازيا التفوّق المدفوعة بادّعاءات الحقّ الإلهي وامتلاك مفاصل التاريخ البعيد.
لعلّ اللافت في ما حدث، وما زال يحدث حتى اللحظة، أنّ سلسلة الخطابات والتصريحات الممنهَجة التي قادت إلى لحظة الحرب العليا، كانت كلُّها تحاول أن تنزع صفة الآدمية عن الفلسطينيّين؛ نزعٌ رافقه استدعاء لمقولات مؤسِّسة في الذهن الصهيوني حول الخطر الوجودي وطعنة ذكرى التأسيس والوحوش البشرية باعتبارها آخر ما تفتّق عنه وعي الصدمة في مجتمع الحاخامات الجديد القديم، نظراً إلى أنّ هذه التصريحات الآن. وقد انقضى أكثر من 120 يوماً على خروجها إلى الهواء، بات من اليسير الجزم إلى ماذا مهّدت: القتل بلا هوادة، والتخريب بلا توقّف.
ثمّة ولادات كثيرة عصفت بمجتمع الاحتلال منذ اختلاقه في العام 1948، وما حملته هذه الولادات من صدمة البدايات المؤسِّسة لما يلي، وترسّخت من جملة ما ترسّخ أيديولوجيا التفوّق على المحيط.
فلطالما بنى هذا المجتمع نفسه ووعيه على فكرة غابة العداء، وبحر الوحوش الذين ينتظرون لحظة الانقضاض، لكن صدمة 7 أكتوبر أدّت إلى ولادة جديدة، غريبة وصادمة، أُقفلت معها صفحة أفكار كثيرة دار الوعي الصهيوني في فلكها لسبعة عقود كاملة؛ ومنها احتكار المبادرة بالهجوم، والقدرة على الحسم دائماً، والانسجام مع العالم في كلّ الأوقات.
وإذا كانت ولادة عام 1948 بالنسبة إلى الذهن اليهودي قد ارتبطت بالجلوس، عقيدة ودولة، فقد كانت ولادة عام 1967 ولادة النصر السريع الساحق، لكن عام 1973 دوّن ارتداداته اللاحقة، من قلب وحل المفاوضات والسياسة، كان محض ولادة صغيرة لاستفاقة من الحلم، ولمّا كان عام 1978 باعتباره عاماً لصعود اليمين الذي حاول القضاء على المقولة المركزية المرتبطة بهوية الدولة والإجهاز على من أداروا الكيان الصهيوني منذ لحظة تأسيسه، كان عام 2023 عاماً للوصول الكاسح لتمظهرات اليمين المتطرّف الذي فرط أحشاءه أمام العالم على فكرة اللون الخالص والحسم التام مع قدوم الحكومة الأكثر يمينية والأكثر تطرّفاً والأكثر وضوحاً بالضرورة.
هكذا بدا الجدول الزمني للكيان قبل 7 أكتوبر تواريخ رتيبة، وبدايات تؤسّس للآتي المعروف، ولا خطر وجودياً يدقّ الجدران حتى تلك اللحظة، في خطاباتها المعلنة بالحد الأدنى. وإذ استيقظ الكيان بعد عملية طوفان الأقصى على خطاب جديد، ووعي جديد إزاء الصدمة الجديدة، كان من الضرورة بمكان أن تذهب في الدم، وقد وقف خلفها كلّ قادة الغرب الذي أسّس لثقافة التفوّق في أدبيّاته القديمة وما زال يحميها في ثقافته الجديدة.
تذهب في الدم أبعد ممّا يمكن تصوّره في مجتمعات ما بعد الحداثة وحقوق الإنسان وتلويناته المختلفة، لكن الذهن الذي قاد المذبحة/ الإبادة وروّج لها ودافع عنها ممسوساً برسائل متخيّلة عن الوحوش الآدميّين أو الآدميّين الوحوش، لم يكن ليذهب إلى كلّ ذلك لولا تلك النصوص التي كان، حتى وقت قصير، يجري تداولها في جلسات أشبه بالطقوس السرّية.
فتقتبس سفر القضاة من العهد القديم، بكلّ قصصه وتوجيهاته عن جدعون وأبيمالك ويائير ويفتاح، وشمشون الذي "انتقم عندما هدم البيت الذي كان مسجوناً فيه وقد حوى على ثلاثة آلاف رجل فرحين باعتقاله، فماتوا جميعاً مع شمشون"، لكنّ استدعاءها اليوم أصبح في وضح النهار، وتنفيذها يُعلَن للعالم وكأنّها محض قواعد لمنظومة العلاقات في عالمنا الجديد.
لم يكن الكيان الصهيوني وهو يفتح صفحة جديدة من صفحات التوحّش البشري الأعمى، أو يرفع واحدة من أفدح ذروات الشرّ فيه إلى الأعلى، مدفوعاً فقط بمنطق انتقام أعمى يريد أن يجبّ كابوس هزيمة اللحظة جانباً، ولا كان محض ترميم لصورة تشوّهت على مدار 75 عاماً بإعادة ترتيب اصطفافات الخوف والبطش في العالم، ولا باباً دوّاراً للجحيم على الفلسطينيين "الأغيار"، الذين لطالما وجدوا أنفسهم في قلب عاصفة التحريض والشيطنة، بل كان، وإلى جانب ذلك كلّه، يريد أن يمحو تاريخاً ضاغطاً على وعيهم، وحاضراً خطراً على وجودهم، وسؤالاً أخلاقياً ملحّاً يعيد اللحظة إلى سؤالها الأوّل: هل وصل الوحش أخيراً إلى لحظة انطفائه الأكيدة؟
*أمير داود كاتب من فلسطين
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين تخريب توحش 7 أكتوبر عقيدة القتل الكيان الصهيوني العهد القديم
إقرأ أيضاً:
“العدل الدولية” تبدأ إجراءات الفتوى بشأن إلتزامات الكيان الصهيوني بتواجد الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية
أصدرت محكمة العدل الدولية، أمرا بتنظيم الإجراءات المتعلقة بطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة الحصول على فتوى بشأن إلتزامات الكيان الصهيوني تجاه وجود وأنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدول الأخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأفاد بيان المحكمة بأن رئيسها قرر أن “الأمم المتحدة ودولها الأعضاء، إضافة إلى دولة فلسطين المراقبة. يمكنهم تقديم معلومات حول المسألة للمحكمة في المهل الزمنية المحددة”. وحدد الرئيس تاريخ 28 فيفري 2025 كآخر موعد لتقديم البيانات المكتوبة.
ويأتي هذا الأمر بعد أن اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يطلب “رأيا استشاريا” من محكمة العدل الدولية. حول التزامات الكيان الصهيوني فيما يتعلق بوجود وأنشطة الأمم المتحدة ومنظمات أخرى في الأرض الفلسطينية المحتلة. حيث صدر القرار بتأييد 137 عضوا ومعارضة 12 وامتناع 22 عن التصويت.
وتعد محكمة العدل الدولية الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وقد أُسست بموجب ميثاقها في عام 1945. تتألف المحكمة من 15 قاضيا منتخبا وتقدم تسويات قانونية وآراء استشارية حول المسائل القانونية المعروضة عليها.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور