لقد تم إهراق الكثير من الحبر عن منظمات المجتمع المدني والدور الذي يلعبه المانحون الأجانب. أدناه بعض النقاط:

1) المجتمع المدني مفهوم واسع جدًا، وبالتالي من الصعب اختزاله في بُعد واحد. ويرى العديد من الناشطين والمفكرين أن المجتمع المدني يلعب دورا مهما ويعددون إيجابياته التي يمكن العثور عليها في الإنترنت بضغطة زر.

ولكن على نفس القدر من الأهمية، يلفت العديد من المفكرين الجادين الانتباه إلى الجانب السلبي لظاهرة الأنجوة، بما في ذلك تقزيم الأجسام والأحزاب السياسية والجماعات النقابية لصالح الأنجوة الممولة من الخارج وفي هذا إضعاف وخصخصة للعمل السياسي. بهذا المعني فإن المجتمع المدني هو المعادل السياسي للقطاع الخاص في الفضاء الإقتصادي. والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية لا يخضعون لمساءلة ديمقراطية من مواطني بلدهم بل من الجهات المانحة، ويمكن أن يؤدي هذا التمويل إلى تحيز مواقف بحيث لا تتعارض مع مصالح الجهات المانحة وتوجهاتها الأيديولوجية وفي هذا تشويه للتطور الديمقراطي المستقل.
2) هل منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية جيدة أم سيئة؟

وبما أن هذه المنظمات عالم متسع النطاق، فلا يمكن أن يكون هناك إجابة واحدة تغطي جميع الحالات. تقوم بعض هذه المنظمات بعمل جيد ومهم بدون أجندة سياسية صارخة أو مشكوك فيها مثل تقديم إغاثة وخدمات طبية أو علمية وما شابه في جميع أوجه النشاط الأنساني. لكن بعض هذه المنظمات لا يعدو كونه واجهة لوكالات مخابرات وأجندات خارجية أخرى مشبوهة وخبيثة في نواياها.

3) هل كل منظمات المجتمع المدني عميلة للأجانب؟ لا، بعضها تنطبق عليه المعايير ولكن الكثير منها تقوم بأعمال إنسانية وفي مجالات أخري محترمة.

4) هل جميع منظمات المجتمع المدني في الداخل والخارج نظيفة وشريفة؟ لا، بعضها جيد والبعض الآخر مشبوه ويخدم أجندات خارجية معادية للمصالح الوطنية للبلد المضيف.
5) إن وجود منظمات غير حكومية ومنظمات مجتمع مدني نظيفة لا يعني أن جميع هذه المنظمات نظيفة. ووجود منظمات القذرة لا يعني أن كل هذه المنظمات قذرة. وكذلك التمويل الأجنبي فمنه معقول وكريم ومنه مفسد واستعماري.

6) لا يمكن تحديد ما إذا كانت المنظمة نظيفة أو قذرة بشكل مسبق. يجب تقييم كل منظمة علي وحدها كحالة مستقلة بالرجوع إلي عملها وطبيعتها ومواقفها وطبيعة الجهة المانحة لها.

7) ماذا عن التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني؟
في عالم مثالي، لا ينبغي وجود تمويل أجنبي لعمل سياسي. يمكن للأموال الأجنبية تمويل العمل الإنساني الذي ليس له أجندة سياسية صارخة ومباشرة . ولكننا لا نعيش في عالم مثالي، ونظراً للضعف الاقتصادي الشديد في السودان فإن الأموال الأجنبية سوف تستمر في التدفق سواء شئنا أم أبينا.

8 ) لكن قبول تدفق الأموال الأجنبية المسيسة كفضيلة أو كمصير لا نستطيع إيقافه ليس نهاية القصة إذ أن الشفافية مسألة هامة ذات صلة. وحتى لو تم قبول دور الأموال الأجنبية، فهناك حاجة إلى حوار حول ضرورات الشفافية كما هو الحال في بلدان أخرى حيث يتعين على متلقي الأموال الأجنبية الإعلان عن الجهات المانحة بالاسم، وكم يتلقي منها وكيف ينفق الأموال. وعليه أن يدفعوا الضرائب التي تأتي من أنشطة مرتبطة بالأموال الأجنبية أيضاً. ومع الشفافية الكاملة، لن يمكن تشويه سمعة النظيفين المستفيدين من الأموال الأجنبية الذين يصرفونها في أنشطة مقبولة تخدم مجتمعاتهم. وفي غياب الشفافية لا نستطيع لوم مواطن لو لعب الفار في عبه.

في الولايات المتحدة علي سبيل المثال، يمكن لأي شخص أو شركة تقديم خدمات لحكومات أو جهات أجنبية، بما في ذلك التاثير علي القرار السياسي الأمريكي لصالح الجهات الأجنبية، ولكن علي تلك الجهة أن تسجل نفسها عند الحكومة الأمريكية كوكيل لجهات أجنبية وان تحدد الجهة الأجنبية التي تعمل لصالحها وان تكشف عن تمويلها وصرفها وتدفع ما عليها من ضرائب وتكون خاضعة لمراقبة السلطة الأمريكية وتدفع الثمن لو خرقت القانون الأمريكي.

9) ينبغي مناقشة الموضوع بالرجوع إلى محاسن المال الأجنبي المسيس ومفاسده، وعدم حصره في مناقشة الكيانات السياسية الأخرى التي تلقت أموالاً قذرة لأن محمد أحمد فعل أيضًا دفاع ضعيف، متهافت وفي أحسن الأحوال هو قتال سياسي ضيق يذهل عن أهمية التاسيس النظري. فلو قتل الأخوان أو الشيوعيون الناس فهذا لا يبرر قيام الآخرين بمقتلة أخري.

معتصم أقرع

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: منظمات المجتمع المدنی الأموال الأجنبیة هذه المنظمات

إقرأ أيضاً:

تحذيرات من تفاقم الأزمة الإنسانية وتزايد البطالة في اليمن جراء وقف المساعدات الأمريكية

قال مسؤولون في مجال الإغاثة وسلطات حكومية في اليمن، إن قرار تعليق المساعدات الأميركية المقدمة عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يهدد بشكل كبير حياة ملايين اليمنيين ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يصنف أحدَ أفقر البلدان العربية.

 

ونقلت رويترز عن مسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في عدن لوكالة رويترز، بأن تداعيات القرار الأميركي بدأت تظهر تباعاً، إذ تلقت الوزارة خلال الأيام القليلة الماضية، عشرات الخطابات من منظمات إغاثية وتنموية محلية تفيد بوقف أو تقليص أنشطتها وتسريح المئات من موظفيها.

 

 وأضاف المسؤولون أن غالبية هذه المنظمات تعمل في مناطق سيطرة جماعة الحوثي في شمال ووسط وغرب البلاد ذات الكثافة السكانية العالية.

 

وأحجم المسؤولون عن الإدلاء بمزيد من التفاصيل، لكنهم أكدوا أن توقف أنشطة المنظمات وتسريح المئات من الموظفين سيساهم في ارتفاع معدلات البطالة بالبلاد المرتفعة أصلاً.

 

ويشعر عبد الله سامي بالحسرة والحزن من قرار تسريحه من منظمة إغاثة محلية تتلقى تمويلاً من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ومثله كثير من زملائه فقدوا وظائفهم وأصبحوا بلا مصدر للدخل في ظل توقف الحكومة اليمنية عن توظيف الشبان منذ اندلاع الحرب قبل سنوات.

 

وقال سامي (32 عاماً) ويسكن مدينة عدن، إنه لم يخطر بباله قط أن توقف الولايات المتحدة تمويلاتها في اليمن، ويفقد بسبب هذا القرار دخلاً جيداً كان يحصل عليه من عمله في تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا ويعينه على إعالة أسرته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلين.

 

وتشير تقارير محلية وأخرى للأمم المتحدة إلى أن الأزمة الاقتصادية الخانقة في اليمن قفزت بمعدل البطالة بين الشبان لنحو 60% مقارنة بـ 14% قبل الحرب، ورفعت معدل التضخم إلى نحو 45%والفقر إلى نحو 78%.

 

وحذر رئيس منظمة إغاثية محلية في العاصمة صنعاء، طلب عدم ذكر اسمه، من أن وقف مساعدات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لن يؤثر على المستفيدين من برامج الإغاثة فحسب، لكنه سيضر بالعاملين في القطاع والذين يقدر عددهم بالمئات.

 

ويرى الباحث الاقتصادي في مركز اليمن والخليج للدراسات وفيق صالح أن توقف برامج المساعدات الإنسانية الأميركية في اليمن ينذر بمزيد من تدهور الأوضاع واتساع رقعة الجوع في البلاد.

 

وقال إن مخاطر هذه الخطوة على الوضع الإنساني تتضاعف لأنها تتزامن مع أوضاع إنسانية متردية، وتقلص برامج مساعدات دولية أخرى تقدم لليمن، إلى جانب تدهور الاقتصاد الكلي، وتفاقم العجز في مالية الدولة وتشتت الموارد المحلية.

 

لكن بعض سكان صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون، لا يعيرون الأمر الكثير من الاهتمام ويعتقدون أن تراجع أو توقف نشاط الوكالة الأميركية "لن يكون له تأثير يذكر في ظل الوضع الإنساني الصعب الذي تعيشه البلاد".

 

وقال مهدي محمد البحري، أحد سكان صنعاء، لرويترز إن "حضور الوكالة الأميركية يكاد يكون منعدماً على مستوى علاقتها المباشرة بالناس، فهي تشتغل على منظمات المجتمع المدني الحقوقية وهي في الغالب ليست منظمات إنسانية".

 

ويتفق معه في الرأي زيد الحسن الذي يقيم أيضاً في صنعاء ويقول "القرار الأميركي الجديد لم يعنِنا لأن وضعنا صعب للغاية ولم نتلق خلال الفترة الماضية أي إغاثة من الوكالة الأميركية أو أي منظمات إغاثية أخرى".

 

وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 80% من سكان اليمن يحتاجون إلى مساعدات، ويقف ملايين على شفا مجاعة واسعة النطاق.

 

ويقول برنامج الأغذية العالمي إنه قدم المساعدة إلى 15.3 مليون شخص أو47% من السكان في اليمن البالغ عددهم 35.6 مليون نسمة في عام 2023.

 

وقالت وزارة الخارجية الأميركية في فبراير/ شباط 2023 إن حجم المساعدات الأميركية لليمن منذ بدء الصراع هناك عبر الوكالة الأميركية للتنمية ومكتب السكان واللاجئين والهجرة بلغ أكثر من 5.4 مليارات دولار. لكن في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وجهت الأمم المتحدة نداء إلى المانحين الشهر الماضي لتقديم 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال عام 2025 مشيرة إلى أن نحو 20 مليون شخص هناك يحتاجون إلى الدعم الإنساني بينما يعاني الملايين من الجوع ويواجهون خطر الإصابة بأمراض تهدد حياتهم.

 

وجاء توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 20 يناير كانون الثاني على أمر تنفيذي بتعليق تمويل المساعدات الأميركية الخارجية لمدة 90 يوماً لحين مراجعة سياسات التمويل ليربك حسابات العديد من المؤسسات الخيرية والإغاثية العاملة في اليمن.

 

ويأتي وقف المساعدات الأميركية في وقت يدخل قرار ترامب بإعادة إدراج حركة الحوثي اليمنية على قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" حيز التنفيذ، ليزيد الأمور تعقيداً في بلد يعاني بالفعل تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانهيار العملة وانعدام الخدمات وحرباً أوصلت واحدة من أفقر الدول العربية إلى حافة المجاعة.

 

 


مقالات مشابهة

  • الجيش الثالث يستقبل عددا من شيوخ القبائل وممثلي المجتمع المدني بجنوب ووسط سيناء
  • قيادة الجيش الثالث الميداني تستقبل عددا من شيوخ وعواقل القبائل وممثلي المجتمع المدني بجنوب ووسط سيناء
  • تعليق المساعدات: تداعيات كارثية تهدد حياة ملايين اليمنيين
  • ترامب: نطلب معادن نادرة ونفطاً وأي شيء يمكن أن نحصل عليه من أوكرانيا
  • منظمات حقوقية تطالب بإجراء تحقيق شامل في وفاة مختطفين لدى الحوثيين  
  • تحذيرات من تفاقم الأزمة الإنسانية وتزايد البطالة في اليمن جراء وقف المساعدات الأمريكية
  • منظمات أمريكية تدعم تسمية الضفة الغربية بـيهودا والسامرة
  • ندوة بمأرب تناقش واقع مؤسسات المجتمع المدني في زمن الحرب
  • الشباب يدخل التاريخ ويُتوّج لأول مرة بكأس جلالة السلطان للقدم
  • المجتمع المدني اليمني في ظل الصراع.. تحديات وتحولات