بقلم: الدكتور عبد الفتاح الفاتحي*

لأن التطرف أضحى ظاهرة عالمية وتحدي خطير يهدد السلم والأمن والاستقرار، وحيث إن الإرهاب لا دين له ولا وطن متسببا في الكثير من المآسي فضلا عن تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا وتشويه العقيدة الإسلامية. وهو ما يستوجب على الدول الإسلامية التفكير عبر عمل جماعي ووفق منظور استراتيجي شامل للتصدي للإرهاب والتطرف.

أو عبر بناء تحالفات أمنية وعسكرية قادرة على مواجهة نفوذ الجماعات الإٍرهابية.

وتبعا لذلك تحرص المملكة المغربية على دعم مختلف الجهود الإقليمية والدولية لمحاربة الإرهاب. إذ تنخرط بقوة في عدد من التحالفات الدولية كما وقعت على عدة اتفاقيات عربية وإسلامية ودولية لمكافحة الإرهاب.

وإيمانا منها بأهمية التنسيق والتعاون في تكوين جبهة دولية لمكافحة الإرهاب والخطاب المتطرف العنيف حرصت المملكة على عقد اتفاقات للتعاون العسكري والأمني والقضائي بين المغرب والعديد من الدول. كما احتضنت عدة مؤتمرات واجتماعات دولية، ومنها الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش الذي يضم 84 دولة ومنظمة شريكة تنتمي لعدد من دول العالم وذلك بمشاركة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.

* الجهد المغربي في اجتثاث الإرهاب إقليميا ودوليا 

بالإضافة إلى دورها الفاعل في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، والذي عقد اجتماعه الثاني على مستوى وزراء دفاع الدول الأعضاء السبت 03 فبراير الحالي (2024) في الرياض، تعد المملكة المغربية عضوا فعالا في البرنامج الأمريكي الذي يساعد الحكومات على تعزيز قدرتها على احتواء وهزيمة التنظيمات الإرهابية والمتعلق بـ"الشراكة المعنية بمكافحة الإرهاب عبر الصحراء الكبرى". كما ساهمت المملكة في تشكيل "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب".

وتبعا لهذا النهج تعد المملكة أول دولة من بلدان المغرب العربي التي تنضم إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي عام 2018، أجرت البحرية الأمريكية مناورة "المصافحة الصاعقة" مع القوات البحرية والجوية المغربية، وهي المناورة العسكرية الثنائية الأكثر تقدماً التي أجريت مع شريك أفريقي.

وتقديرا لما تقتضيه إعادة رسم خارطة التحالفات الأمنية والعسكرية في المنطقة ولاسيما حين يتعلق الأمر بالقضاء على الإرهاب، فإن المغرب يستمر في توجيه تحالفاته بدعم بلدان العربية والإسلامية أمنيا وعسكريا وسياسيا. ولذلك تواكب جهوده استكمال مختلف التدابير التي يجري تنفيذها فوق التراب المغربي من أجل المحافظة على الأمن وطمأنينة المواطنين المغاربة في مواجهة تهديد الإرهاب الدولي، إضافة إلى تعزيز التعاون العسكري والأمني متعدد الأوجه مع بلدان الخليج العربي والذي يمتد على فترة طويلة وبموجبه أعلن المغرب رسميا عن تقديم دعم عسكري لدولة الإمارات ليشمل بلدانا أخرى في المنطقة معنية بالمخاطر الإرهابية.

وكثيرا ما صدرت إشادات دولية باستراتيجية المغرب لمكافحة الإرهاب لجهود المملكة في تنفيذ إجراءات اليقظة الأمنية، والتعاون والإقليمي والدولي وسياسات لمكافحة التطرف. وتسخير المعلومات الاستخباراتية التي يوفرها المكتب المركزي للأبحاث القضائية إضافة إلى مساهمة فرق حفظ الأمن في التعاون مع الشركاء الدوليين للقيام بعمليات مكافحة الإرهاب.

ووعيا منها بأهمية تنسيق التعاون الدولي والإقليمي تترأس المملكة المغربية إلى جانب كندا، المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، فضلا عن كونها فاعلا نشطا في التحالف العالمي ضد داعش، كما أنها انضمت إلى عدد من التحالفات الدولية لمكافحة الإرهاب ومنها التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي أشاد الوزراء المشاركون في اجتماعه الثاني في السعودية، بما توصل إليه من توافق في الرؤى، وأهمية تضافر الجهود للوصول إلى تحقيق الأهداف التي ينشدها التحالف، وهو ما تدعو إليه المملكة المغربية في كثير من المؤتمرات.

* المملكة المغربية ورهان استدامة التنسيق الدولي لمحاربة الإرهاب

يراهن الانخراط المغربي في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب إلى تعميق التنسيق المتعدد الأطراف وضمان استدامته لمواصلة العمل على الرفع من القدرات الاستخباراتية والأمنية للدول فضلا عن العمل على التصدي للخطاب العنيف للجماعات الإرهابية تعزيز الخطاب الديني القائم على قيم الوسطية والاعتدال.

وتتأسس الاستراتيجية الإسلامية لمكافحة الإرهاب على كبح الاسلاموفوبيا التي تعد وجها من أوجه تشويه العقيدة الإسلامية بسب الأفعال الإرهابية التي لا تتصل بمبادئ العقيدة السمحة القائمة على قيم التفاهم والحوار والتسامح والسلام والاعتدال والوسطية ونبذ الكراهية والتحريض على العنف.

وتهدف الاستراتيجية المغربية لمكافحة الإرهاب إلى تقاسم المعطيات والخبرات والتجارب في محاربة الإٍرهاب، ولذلك تحرص على الانخراط في مختلف المشاريع أو الهيئات التي تعمل على محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أيا كان مذهبه وتسميته كما هو بالنسبة للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي تقوده المملكة العربية السعودية ويضم في عضويته 41 دولة مسلمة.

ولأولوية التنسيق الأمني والاستخباراتي مع دول مجلس التعاون الخليجي ولاسيما مع المملكة العربية السعودية تتفاعل المملكة المغربية مع هذا التحالف عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية أو التعاون في مجال المعدات والتداريب العسكرية الخاصة أو بنشر قوات أمنية من النخبة على أرض الدول الإسلامية التي يطالها الإرهاب.

وتمتلك المملكة المغربية رصيدا كبيرا من الخبرة في محاربة الإرهاب بالنظر إلى برامجها المحلية لمحاربة الإٍهاب ومشاركتها الدولية. وكذا لما باتت تتوفر عليه من كفاءات مهنية ناتجة عن شراكتها مع الولايات المتحدة الأمريكية في إقامة أكبر مناورة عسكرية في إفريقيا "مناورة الأسد الأفريقي" والتي تعد أكبر تدريب عسكري وسنوي لتقوية قدرات الدول العسكرية والأمنية.

* الاستراتيجية المغربية لمحاربة الفكر المتطرف 

لا تقف استراتيجية المغرب لمكافحة الإرهاب محليا على الجانب الشق الأمني والاستخباراتي ولكن تتعداها إلى اعتماد استراتيجية شمولية تستهدف اجتثاث الإرهاب وتجفيف منابعه عبر التصدي للفكر المتطرف والخطاب العنيف. ولذلك تم إصلاح الحقل الديني وإيجاد تشريعات قانونية وتنظيمية وتشغيلية إضافة إلى منظومة إعلامية قادرة على نشر قيم الاعتدال والوسطية.

وتقديرا لنهج الاستمرارية في اجتثاث الإرهاب من جذوره وتجفيف منابعه فكريا وإعلاميا أحدثت المملكة معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات الدينيين، في سابقة من نوعها، وهو المعهد الذي يدرس فيه أئمة ومرشدون ومرشدات من عدة دول إفريقيا وقد تخرج منه في صيف 2019 أول فوج لأئمة فرنسيين.

وعملت المملكة على تأسيس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، والتي لها فروع في 34 دولة إفريقية، لتصبح نموذجا بقبل عليه الكثير من صناع القرار في المنطقة والعالم، لتوفير مناهج نظرية وعملية لمواجهة معضلة التطرف العنيف، أو لتقديم نموذج إسلامي منفتح ووسطي معتدل، يشكل صورة نموذجية لمواجهة الصور النمطية السلبية التي تروج ضد الإسلام والمسلمين.

ويقوم النهج المغربي في محاربة الإرهاب على تنويع أساليب محاصرة الخطر الإرهابي عملت المملكة على تكثيف الاتصالات والتنسيق بين الدول من مسؤولياتها تجاهها. حيث أشرفت على تنظيم مؤتمرات إقليمية ودولية أمنية وأخرى تكوينية في سياق استهداف الإرهاب على كافة الجوانب.

ولذلك تعد المملكة المغربية نموذجا فعالا في مكافحة الإرهاب على المستوى المحلي. فقد اعتمدت عددا من البرامج الأمنية كبرنامج "حذر" الذي يرمي إلى حماية المرافق الإستراتيجية وحماية المغاربة والأجانب المقيمين في البلاد.

وكان لإحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية (BCIJ) في سنة 2015 التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، دورا كبيرا في محاربة الخلايا الإرهابية النشطة والنائمة أو الذئاب المنفردة مما مكن من تفكيك أزيد من 25 خلية إرهابية في المراحل الأولى من التخطيط لهجمات إرهابية كانت تستهدف مباني عامة وشخصيات عمومية ومواقع السياحية.

ولا تقتصر نموذجية النهج الأمني المغربي على المستوى المحلي فحسب ولكن سجلت جهودا حثيثة لمساعدة عدد من الدول في تحييد عشرات من العمليات الإرهابية المميتة وساعدت عدد من الدول الإفريقية على تكوين أئمة وأطر وكوادر أمنية للعمل على محاربة تمويل الإرهاب، وتحديد آليات وأطر العمل المستقبلية.

*الدكتور عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية.

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: المملکة المغربیة لمکافحة الإرهاب لمحاربة الإرهاب محاربة الإرهاب الإرهاب على فی محاربة عدد من

إقرأ أيضاً:

المغرب يعلن تفكيك خلية إرهابية

الرباط (الاتحاد)

أخبار ذات صلة 10 قتلى بهجوم مسلح في أفغانستان منتخبنا «وصيف» البطولة العربية للجولف

أعلنت السلطات المغربية، أمس، تفكيك خلية إرهابية تنشط في مدينتي تطوان والفنيدق شمال البلاد، بعملية أمنية مشتركة مع الشرطة الإسبانية.
يأتي ذلك في إطار العمليات الأمنية المشتركة والمتزامنة بين الأجهزة المغربية والإسبانية، وفق بيان للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، نشرته وكالة الأنباء المغربية.
و«تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية المغربي والمفوضية العامة للاستعلامات التابعة للشرطة الوطنية الإسبانية، من تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم «داعش» بمنطقة الساحل جنوب الصحراء»، وفق البيان.
وتتكون الخلية وفق البيان، من 9 عناصر، من بينهم ثلاثة ينشطون بتطوان والفنيدق، و6 آخرين في مدريد وإبيزا وسبتة، وتم توقيفهم.
وأوضح البيان أن «عمليات التفتيش المنجزة بمنازل المشتبه فيهم مكنت من حجز أسلحة بيضاء ومعدات إلكترونية، والتي سيتم إخضاعها للخبرات الرقمية اللازمة».
وأظهرت التحريات الأولية أن «المشتبه فيهم، ومن بينهم معتقلون سابقون في قضايا الإرهاب بإسبانيا، كانوا يروجون للفكر الداعشي ويعقدون لقاءات في سبتة وتطوان»، وفق المصدر ذاته.
وأضاف البيان أن «لقاءات المشتبه بهم كانت في إطار التخطيط والتنسيق للقيام بأعمال إرهابية باسم داعش قبل الالتحاق بصفوف فرع هذا التنظيم بمنطقة الساحل جنوب الصحراء».
ووُضع الموقوفون «تحت تدابير الحراسة النظرية تحت إشراف النيابة العامة المختصة المكلفة بقضايا الإرهاب والتطرف، للوقوف على ارتباطاتهم الداخلية والخارجية، وتحديد مستوى تورطهم في إطار المشاريع الإرهابية المخطط لها من طرف أعضاء هذه الخلية»، وفق البيان.

مقالات مشابهة

  • المغرب يعلن تفكيك خلية إرهابية
  • وزيرا التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي والاستثمار يلتقيان بعثة البنك الدولي لمناقشة موقف تطوير استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر (2025- 2030)
  • بنما تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع "البوليساريو" دعمًا لمبادرة الحكم الذاتي المغربية
  • المغرب يشترط على بيم التركية بيع 80% من المنتجات المغربية للتوسع في السوق المحلية
  • مدرس بـ«إعلام القاهرة»: يجب وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الشائعات والأخبار المضللة
  • سلطنةُ عُمان تُشارك في اجتماع تعزيز التعاون لمكافحة المخدرات بين الدول العربية
  • بن براهيم الوزير المكلف بالإسكان: المعرض الدولي للبناء منصة لعرض التجربة المغربية
  • عثمان استقبل قائد المجموعة الخاصة لمكافحة الإرهاب في الشرطة الفرنسية
  • الجامعة المغربية لحماية المستهلك توضح بخصوص تلوث معلبات التونة بالزئبق
  • هل تستطيع الشركات الناشئة المغربية دخول نادي "يونيكورن"؟