يقوم العقل بعمليات معقّدة ، وبأرقام مهولة مستمرة يوميًا، كالتحكُّم في العواطف والمشاعر، وتنّظيم التفكير والحركة، والسلوكيات المختلفة التي تعمل في دائرة واحدة ، وتصدرالعديد من الأوامر، وتكمن فيها قوة عظيمة جداً من خلال المحفِّزات المستمرة التي تتحكَّم في اتخاذ القرارات .
و بلا شك أن هذه العمليات المستمرة التي يقوم بها العقل، قد تكون مجهدة و مرهقة، فتؤثر سلبًا على الإنتاج من خلال فقدان القدرة على التفكير بشكل واضح، بسبب تشتُّت العقل، وعدم وضوح الرؤية حيال المستقبليات، وذلك بسبب المشكلات التي يواجهها الفرد بشكل عام و لا يقوم بعلاجها.
ينشأ تشتّت العقل لدى الفرد ،بسبب وجود المعيقات، ولا سيما تتمحور في التفكير المستمر، حيث أن العقل يكون في حالة تأهب دائمة لحل هذه المعيقات، و لكن حينما تتراكم ، فإنه يتشتّت، بسبب تعدُّد المهام التي يجب عليه حلها ، وهذا ما يجعل الفرد مرتكبًا لأخطاء في اتخاذ القرار المناسب، وكذلك النسيان المستمر وصعوبة التركيزالعام .
هذا الضعف العقلي ، يؤثرعلى الجسد ،كما أنه يبثّ مشاعر الألم على الفرد ، لعدم قدرته على الإنجاز، أو القيام بالمهام الصعبة ،مع استمرار صعود المؤشرات السلبية عامة، و يحتاج الفرد هنا إلى تصفية عقله، وتنقيته من الشوائب المتعلقة به ، و حسم أمور التفكير المتعلقة منذ فترة طويلة ، لخلق مساحة تفكير جديدة، حتّى يتمكن الفرد من معالجة المعيقات.
كما أن منح فترة هُدنة للعقل ، يجعله يعمل بشكل أقوى ممّا كان عليه سابقًا ،وكذلك الإبتعاد عن محفِّزات القلق ،وتحّفيز التصور الإبداعي ،و استخدام تقنيات التأمل التي تشحن العقل ،وتعزِّز الإيجابية فيه.
هذه الطرق، تعمل على تغذية العقل وتنقيته، كما أن الكتابة كذلك ، تلعب دورًا كبيراً في تصفية العقل، وتنميته وتحّفيزه بشكل سريع.
fatimah_nahar@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
غارودي وفضيحة النخب السودانية
في محاضرة للمفكر الفرنسي الماركسي روجيه غارودي الذي اعتنق الإسلام في تسعينات القرن الماضيي و التي اقيمت في فندق الماريوت بالزمالك كانت قد نظمتها جريدة الإهرام.. قال غارودي (عندما أقبلت على القراءة عن الإسلام، لم تكن بدافع العاطفة لأنني لم أكن مسلما، و لكن كانت المعرفة هي التي أوصلتني للقناعة أن اعتنق الإسلام.. فكيفية القراءة و الهدف منها هو الذي يوصل للنتائج المثمرة) فالوعي ينتج عن الفهم للقراءة الصحيحة للظاهرة، و ليس على تقديم الشعارات التي تتحكم فيها الرغبات العاطفية "like and dislike" و السؤال هل النخب السودانية و أغلبية الطبقة الوسطى مواقفها السياسية هي نتيجة لوعي معرفي ناتج عن قراءة صحيحة لتطورات و تغيرات الواقع، أم تحيز أيديولوجي تريد به تعطيل العقل و فرض أحكام سلطوية؟..
و أزمة القراءة للواقع و النخب السودانية أشار إليها الدكتور منصور خالد في "كتاب النخبة" عندما يقول ( تعود الأزمة النخبوية في جوانبها الفكرية، إلي تصدع الذات، الذي يقود، بطبعه، إلي فجوة بين الفكر و الممارسة، بين ما يقول المرء و ما يفعل، بين التصالح مع الواقع السلبي في المجتمع و الإدانة اللفظية لهذا الواقع) و يقول أيضا ( عندما يضحى النقد لممارسات الأحزاب أو أداء الأفراد و الجماعات رديفا للقذف و الإساءة ينتهي الأمر بالكثيرين إلي الاستكبار من إعاد النظر في أحكامهم الخاطئة و مراجعة مواقفهم التي تستلزم المراجعة و ما ذلك إلا العزة بلإثم) فالواقع يؤكد ضعف النخبة السياسية و الذين يدورون في فلكها، و يبحثون عن شماعات تعلق عليها أخطائهم.. و يتراكم الفشل على الفشل، و الغريب يعيدون بافعالهم ذات المنتج الذي درجوا على إنتاجه..
عندما يجد المرء أحد اشخاص يضعون علامة " الدكتوراة " مقدمة على أسمائهم، و كل ما يفعلون في القروبات أن يرفعوا "بوسترات الميليشيا" أو أية بوسترات يعتقدون أنها سوف تدين " الجيش" و يصبح السؤال ما هي فائدة " الدكتوراة" التي تعتبر درجة علمية في الفلسفية لإحدى العلوم إذا تعمد أصحابها على تعطيل عقولهم.. و بالفعل تقل قيمتها عند الأزمات التي تواجه مجتمعاتهم، لآن أصحابها عجزوا أن يفكروا خارج الأطر التي وضعوا انفسهم فيها.. المشكلة ليست الموقف مع الميليشيا و إدانة ل الجيش، و لكن المشكلة تعطيل العقل في أن يقدم رؤية للحل بعيدا عن الشعارات التي تنثرها الأحزاب في الساحة السياسية، و هي تعلم أن الهدف منها مقصده تغيب العقل..
أن فشل القيادات السياسية في تاريخها السياسي في تقنين و تعقلن الصراع من خلال التبادل السلمي للسلطة، تكون قد تفتحت الباب لعلاقات القوة.. في نفس الوقت الذي تفتقد فيه للقوة التي تستطيع أن تعبد بها طريق الديمقراطية.. و معلوم القوة يتقاسمها الشارع "القاعدة العريضة في المجتمع" و الجيش.. و الآن الإثنان يقفان في صف واحد لدحر المؤامرة على الوطن.. فهل تستطيع القوى الحزبية أو المدنية أن تكسر هذا الحلف، و هي منقسمة بين تحالفها مع الميليشيا أو راجية تدخل خارجي يعيدها للسلطة.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com