حتَّى الفِئرَان تُحِبُّ الشِّعر المُجلَّل بالاتقان..!
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
كَثيرةٌ هي الأسمَاءُ التي قَصَّرت الشُّهرة مَعهم، ووَقفَتْ دُون الوصُولِ إليهم، ومِن تِلكَ الأسمَاءِ اسمُ الشَّاعرِ المهجريِّ «إلياس فرحات»..!
هَذا الأديبُ «السَّاخِرُ»، تَعرَّفتُ عليه في السَّنةِ الرَّابعةِ مِن دِراستِي الجَامعيَّةِ، وكَانَ خَيرَ مُحبِّبٍ لي في القِرَاءةِ، وأقربَ صَديقٍ ألجأُ إليه إذَا عَزَّ «الغَائِبُ»، وابتَعدَ «الصَّاحِبُ».
وأجمَلُ مَا في أديبِنَا «إلياس»، أنَّه لَمْ يَدخل المَدرسةَ، لذَلكَ كَانَ رَجُلًا فِطريًّا، لا يَعرفُ الكَذِبَ، أو مكيَاج البَلاغةِ، التي تُجمِّلُ القَبيحَ وتَتصنَّعُ المَليحَ، لَذلكَ دَخل مَدرسةَ الحياةِ، وتَعلَّمَ مِن مُعلِّمِيها.. يَقولُ في ذَلكَ:
لَئِنْ كُنْتُ لَمْ أدْخُلْ المَدْرَسَاتِ
صَغِيْرًا، وَلَا بَعَدَ هَذَا الكِبَرْ
فَذَا الكَونُ جَامعَةُ الجَامعَاتِوَذَا الدَّهْرُ أستَاذُهَا المُعْتَبرْ!
تَعرَّفتُ عَليهِ مِن خِلالِ كُتُبهِ، خَاصَّة كِتَاب: «ذِكرَياتِي بين صَبَاحِ الحيَاةِ ومَسائِهَا».. كَانتْ مَسيرتُه خَلفَ لُقمَةِ العيشِ تُؤلمنِي، فقَد طَافَ البَرازيلَ -عَبر مُستنقعاتِهَا وفَيافِيهَا- عَلى قَدميهِ، أو عَلى مَركبةٍ تَجرُّهَا الخيلُ؛ سَعيًا خَلفَ «العيشِ الشَّريفِ»، وقَد أتعَبتهُ هَذه اللُقمَةُ، لذلكَ قَالَ:
أُغرِّبُ خَلفَ الرِّزْقِ، وَهُو مُشَرِّقُ
وَأُقْسِمُ لوْ شَرَّقْتُ كَانَ يُغَرِّبُ
وَنَشرَبُ مِمَّا تَشرَبُ الخيلُ تَارةً
وَطَوْرًا تَعَافُ الخيلُ مَا نَحنُ نَشرَبُ!كَانتْ كِتَاباتُ أديبنا «إلياس فرحات» أنيقةً رَشيقةً، ودَواوينُه «سَمينةَ الرَّوعةِ»، خَاصَّةً دواوين «مَطلع الشِّتاء»، و»فَواكه رَجعيَّة»، و»أحلام الرَّاعي».. وله كِتَابٌ نَثريٌّ اسمُهُ «قَال الرَّاوي»..!
ومِن أطرَفِ مَا يُروى، أنَّ شَاعرنَا -كَما يَقولُ الأديبُ «وديع فلسطين»- كَان يَحتفظُ بدَواوينِهِ في بيتِهِ بالبَرازيل، ويهديهَا إلى رِجَالاتِ الأدبِ، ولَكنْ في إحدَى سَفراتِهِ لزيارةِ وَطنِهِ «لبنانَ»؛ بينَ عَامَي 1959 – 1960م، هَجمَ عَلى هَذِهِ الدَّواوين قَطيعٌ مِن الجِرذَانِ والفِئرانِ، والتَهَمَ أكثرَهَا.. فكَتبَ «فَرحات» إلى صَديقِهِ الشَّاعِر «جورج صيدح» -في باريس- فرحًا بهَذِهِ الخطوةِ مِن الجِرذانِ، قَائلًا لَه: (الحَمدُ للهِ.. أخيرًا وَجدتُ مَن يَستطعِمُ شِعرِي، ويُحبُّ دَواوينِي)..!
ومن غرائبِ الصُّدفِ، أنَّ القصَّةَ التي حصلتْ مع «إلياس فرحات» حصلتْ معِي، حينَ طبعتُ ديوانِي الأوَّل والأخير عام ١٩٩٩م، بعنوان «الخطايا أسئلة»، بعدهَا بسنتَين تبتُ من ورطةِ الشِّعرِ، واستغفرتُ اللهَ عن ديوانِي الذِي أصدرتُهُ، ثمَّ تركتُهُ في المستودعِ، وبعدَ فترةٍ أتيتُ المكانَ نفسَه، فوجدتُ الفئرانَ قد التهمتْ أطرافَ الدِّيوانِ وتذوَّقتْ شِعري، حينهَا تذكَّرتُ «إلياس فرحات» وقلتُ: «الحمدُ للهِ.. أنَّ الإنسانَ الذي تركَ الشِّعرَ -وهُو أنَا- وجدَ الفئرانَ تنتظرُ ديوانَهُ؛ لكِي تقرضَهُ بحماسةٍ ولذَّةٍ».الجديرُ بالذكرِ أنَّ الأديبَ اللبنانيَّ «إلياس فرحات» هذا الذِي أحببتُهُ، هو نفسُه الشَّاعر الذي كتبَ قصيدة «يا عروسَ الرَّوضِ» التي تغنَّى بها الفنَّانون: «محمد علي سندي»، و»فوزي محسون»، و»طلال مداح» -رحمهم الله-، وغنَّاهَا أيضًا الفنَّانُ «محمد عبده» -حفظه الله- وهذه الأغنية يقول مطلعها:
يَا عروسَ الرَّوضِ يَا ذاتَ الجناحِ
يا حمامة سافرِي مصحوبةً عندِ الصَّباحِ بالسَّلامة
واحمِلي شوقَ مُحبٍّ ذَا جراحٍ وهَيَامة
سافرِي مِن قبل يشتدّ الهجيرُ بالنُّزوحِ
واسْبحِي مَا بينَ أمواجِ الأثيرِ مثل رُوحِي
وإذَا لاحَ لكِ الرَّوضُ النَّظيرُ فاسْتَريحِيحَسنًا. مَاذا بَقِيَ؟!
بَقِيَ القَولُ: إنَّ حَالَ الأُدبَاءِ هَكَذَا، قَرينُ اليَأسِ، صَديقُ القنوطِ، رَفيقُ الفَقرِ، وأتذكَّرُ أنَّ أحدَ الأُدبَاءِ قِيل لَه: لمَاذا «لا تُدخِّنُ»؟! فقَال عَلى الفَور: (كَفَى بالأدبِ آفة، ولا أُريدُ أنْ أُضيفَ إلى آفةِ الأدبِ آفةً التَّدخينِ)..!
وللهِ دُرَّ أُدبَاء المَاضِي عِندمَا صَرَّحُوا بأنَّ «الأدَبَ مَا يُؤكِّلُ عيشًا».. واللهُ المُستعانُ عَلَى مَا يَقولُهُ الأُدبَاءُ، الشُّعرَاءُ مِنهم والنُّثرَاءُ..!.
أحمد عبدالرحمن العرفج – جريدة المدينة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: أ دب اء
إقرأ أيضاً:
الأم التي أبكت السوريين تطل ثانية .. (كلكم ولادي)
سرايا - بعدما تصدرت صورتها مواقع التواصل خلال اليومين الماضيين، وانتشرت قصتها على ألسنة آلاف السوريين في الداخل وحول العالم، أطلت الأم السورية زرقة سباهية، التي فقدت اثنين من أولادها وحفيدها ثانية.
فخلال زيارة محافظ السويداء، محمد عثمان، لمنزل تلك السيدة أمس الخميس من أجل تقديم العزاء، راحت هذه الأم التي انتشر فيديو لها بوشاحها الأزرق تحرس جثث أحبابها، تؤكد رغم ما تعرضت له من إساءة أن جميع شباب القوات الأمنية أولادها.
كما شددت على أن بلدة قبو العوامية بريف اللاذقية مع الأمن والسلام.
وأوضحت أنها وعائلتها لا تسأل عن نظام حالي أو سابق، بل جل ما تريده العيش بكرامة.
حرست جثث أولادها
وكان فيديو لهذه السيدة التي فقدت ولديها كنان وسهيل ريحان، وحفيدها، وراحت تحرس جثثهم بانتظار دفنها، انتشر كالنار في الهشيم بين السوريين خلال اليومين الماضيين. لاسيما بعدما راح أحد الأشخاص يصورها، ويسخر منها، موجها لها عبارات طائفية. إذ قال لها "أنتم غدارون، أعطيناكم الأمان، لكنكم غدرتم بنا"، في إشارة إلى استهداف "فلول النظام السابق" عناصر من قوات الأمن.
لتكتف الأم المصدومة بالرد بعبارة يتيمة "فشرتوا"..
وكانت محافظات الساحل السوري شهدت مواجهات عنيفة بين "مسلحين موالين لنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد" وبين القوات الأمنية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 1000 من الطرفين فضلا عن مدنيين.
في حين أعلن الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول بعض الانتهاكات التي حصلت في الساحل ذات الأغلبية العلوية.
كما توعد بملاحقة "الفلول" ومحاسبة كل من ارتكب جريمة أو انتهاكاً بحق المدنيين.
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 14-03-2025 01:23 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية