في العلاقة الملتبسة بين القاضي والمحامي (بين الشراكة والعون)
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
كثير من القضاة والمحامين يفهمون كون المحاماة عوناً للعدالة بمفهوم يذهب إلى اعتبار القضاة وحدهم يمثلون العدالة وأن المحامين ليسوا سوى عون لهم ورهن مشيئتهم وكأن علاقة المحامي بالقاضي علاقة التابع بالمتبوع والعدالة وصفة جاهزة مرتبطة بشخص القاضي يتصف بها ويتسلح بها أي قاضِ فيمنحها لمن يشاء ويشهرها في مواجهة من يشاء ويمنعها عمن يشاء، وهذا الفهم يضر بالقضاة وبالعدالة وبمهنة المحاماة أيما ضرر ويخلق لدى القضاة حالة من الزهو تبعدهم عما يوصل للعدالة، مع أن صراط العدالة يعتمد على بلورة مفهوم إيجابي خلاق للشراكة الصادقة بين القاضي النزيه وبين المحامي الذي يحترم مهنته، وهي شراكة تجعل كل من طرفيها عوناً للآخر لتحقيق موضوعها وهو العدالة في مكانة المحراب للجميع والمقصر منهما في أدائها يجب أن يخضع للآلية المحددة للرقابة والمحاسبة القانونية في إطار وظيفة عامة هدفها الوصول إلى إجلاء الحقيقة التي يتأسس عليها الحكم بعد بسط الأدلة والوثائق والمستندات ومناقشتها وفحصها بالقدر اللازم والضروري، من احترام القانون والتفاهم والمسؤولية وإعطاء روح العدالة ما تستحقه من التقديس والاحترام والتمييز بين ما هو عام وما هو شخصي والربط بينها بصورة تحقق الغاية المنشودة من كل منها، ومهنة المحاماة في إطار هذه الوظيفة من أبرز إن لم تكن أبرز مهنة ينطوي مضمونها على مزج بين العام والخاص، ولهذا تدخل وظيفة المحامي ضمن التعريف الشامل للموظف العام في معظم إن لم يكن مختلف القوانين في العالم وهي ذات العلة التي جعلت كثيراً من قوانين القضاء في العالم تشترط لشغل وظيفة القاضي ممارسة المحاماة لمدة ست سنوات أو نحوها، وإحاطة مهنة المحاماة بروح القداسة ذاتها التي تحاط بها مؤسسة العدالة بكل ما يرتبط بها .
هذا المزج الواعي بين العام والخاص يجب أن يشعر المحامي أولاً بمكانة مهنته ومسؤوليته تجاه قدسيتها وعلاقتها العضوية بالعدالة والتي لا تقل عن مسؤولية القاضي، ويشعر القاضي كذلك بأهمية دور المحامي كشريك كامل الحرية ومسؤول بما تستوجبه الحرية والمسؤولية في تحقيق العدالة، وبذلك يترجم بالفعل والممارسة مفهوم كون المحاماة مهنة علمية حرة ترجمة تمزج بين الحرية والعلم والمسؤولية أيضاً، ورغم حرية المحامي في اختيار القضية التي يقبلها أو يرفضها كوكيل عن من اختاره والطريقة المناسبة للدفاع عن حقوق موكله فإنه من واقع الاحترام لهذه المهنة يجب أن لا يقبل تقمص شخصية من وكله فيما يخالف القانون ويرفض استخدام وسائل غير مشروعة لمحاولة التدليس على القاضي أو تضليله أو استخدام شهود زور أو أدلة أو أساليب قائمة على التزوير والخداع، بل إن ذلك يعرضه للمساءلة المهنية والجنائية انطلاقاً من مسؤوليته تجاه احترام العدالة ويتعامل مع موكله ابتداءً بصدق ومسؤولية ويتخاطب معه خطاب القاضي المسكون بِهَمِ البحث عن كل ما يؤدي إلى العدالة من منطلق يتجلى فيه المعنى المتكامل للمقولة أو الحديث الذي جعل:(النصيحة) بمنزلة الدين كله (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسولَ الله قال : (لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، صورة تجعل كل مواطن شريك شراكة كاملة ومسؤولة في السلطة واتخاذ القرار.
إن روح المسؤولية لدى المحامي المتشبع بها تحول عمله الخاص الحر إلى عمل أقرب إلى العام الذي هو أساس وظيفة القاضي وجوهر مسؤوليته تجاه المجتمع، وانعدام هذه الروح لدى القاضي يقربه من الانزلاق بالعدالة إلى هاوية تحويل الوظيفة العامة المقدسة التي يمثلها في منصة الحكم أو في أي موقع من مواقع مؤسسة العدالة القضائية إلى موقع المتاجرة غير الشريفة أي إلى استباحة تحويل العمل العام إلى خاص وهو ما يعد مدخلاً للاعتداء المباشر المستبيح لدماء الناس وأموالهم وأعراضهم وسرقة شاملة واضحة الأركان من خلال ما يصدره من أحكام يساوم بكل جرأة على إصدارها، والحديث هنا عن القاضي الذي لا يحترم موقعه كملاذ للمظلومين والمنتهكة حقوقهم أو حرياتهم، أما القضاة المحترمون فهم في موضع التبجيل ومكانتهم محفوظة مصانة شأنهم شأن كل من يحترم نفسه ومكانته ولهم درجة أعلى لعلو مكانة العمل الذي يقومون به في رد الحقوق إلى أصحابها وإنقاذ الأبرياء مما وقعوا فيهم من ظلم سواء بناء على إجراءات باطلة أو تجاوزات مستهترة، والوصول إلى هذه المكانة بحاجة ماسة إلى ذكاء وفطنة وشجاعة ونزاهة لدى القاضي والمحامي على السواء باعتبار العدالة القضائية بجناحيها الرسمي والحر وظيفة عامة تعتمد على الإحساس المشترك بالمسؤولية ووعي كامل بمتطلبات الشراكة بين القاضي والمحامي في معركة ساحتها الوطن وذخيرتها القانون والدستور وهدفها تحقيق العدالة .
(ليس من مات فاستراح بميتٍ * إنما الميتُ ميت الأحياء
وغيابُ الضمير موتٌ أكيدٌ * قد وهبناه مجدنا المفقودٌ)
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
في الذكرى الـ 49 ليوم الأرض الفلسطيني.. نقطة تحول في العلاقة بين السلطة الإسرائيلية وفلسطيني 48
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يحل اليوم الأحد 30 مارس، الذكرى الـ49 ليوم الأرض الفلسطيني، تلك المناسبة التي أصبحت عيدا للأرض والدفاع عنها منذ عام 1976، إذ استُشهد في تلك الهبة 6 مواطنين، وجُرح 49 واعتُقل أكثر من 300 آخرين.
يُعد "يوم الأرض" محطة بارزة في تاريخ النضال الفلسطيني، حيث أعلن الفلسطينيون في هذا اليوم تمسكهم بأرضهم وهويتهم الوطنية والقومية، رغم سياسات القمع والقتل والإرهاب التي مارستها، ولا تزال تمارسها، سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدف إبعادهم عن أرضهم.
يواصل الاحتلال الاسرائيلي عدوانه على الفلسطينيين، تزامنًا مع يوم الأرض هذا العام، من خلال القتل والقصف والتدمير والاعتقالات، غير آبه بحالة التهدئة التي أعلنتها فصائل المقاومة الفلسطينية.
هذا الواقع يعكس الطبيعة الدموية للاحتلال، الذي قام أساسًا على قتل الفلسطينيين واغتصاب أراضيهم.
يوم الأرض.. صرخة في وجه العدوان
جاء يوم الأرض، بعد هبة الجماهير الفلسطينية في أراضي الـ 48 عام 1976، معلنة صرخة احتجاجية في وجه سياسات الاستيلاء والاقتلاع والتهويد التي انتهجتها إسرائيل، وتمخضت عن هذه الهبة ذكرى تاريخية سميت بـ"يوم الأرض".
بداية يوم الأرض
بدأت الشرارة التي أشعلت الجماهير ليوم الأرض، من خلال إقدام السلطات الإسرائيلية على الاستيلاء على نحو 21 ألف دونم من أراضي عدد من القرى الفلسطينية في الجليل ومنها عرابة، وسخنين، ودير حنا، وعرب السواعد وغيرها في عام 1976؛ وذلك لتخصيصها لإقامة المزيد من المستعمرات في نطاق خطة تهويد الجليل وتفريغه من سكانه العرب، وهو ما أدى إلى إعلان الفلسطينيين في الداخل وخصوصًا المتضررين المباشرين الإضراب العام في يوم الثلاثين من مارس.
في هذا اليوم، أعلنت مدن الجليل والمثلث وقراهما إضرابا عاما، وحاولت السلطات الإسرائيلية كسر الإضراب بالقوة، فأدى ذلك إلى صدام بين المواطنين والقوات الإسرائيلية، كان أعنفه في قرى سخنين، وعرابة، ودير حنا.
تفيد معطيات لجنة المتابعة العليا، الهيئة القيادية العليا لفلسطينيي 48، بأن إسرائيل استولت على نحو مليون ونصف مليون دونم منذ احتلالها لفلسطين عام 1948 حتى عام 1976، ولم يبق بحوزتهم سوى نحو نصف مليون دونم، إضافة إلى ملايين الدونمات من أملاك اللاجئين وأراضي المشاع العامة.
بذلت إسرائيل جهودًا كبيرة لكسر إرادة القيادات الفلسطينية ومنع انطلاق فعاليات نضالية، لكن رؤساء المجالس البلدية العربية أعلنوا الإضراب العام في اجتماع يوم 25 مارس 1976 في مدينة شفا عمرو.
جاء قرار لجنة الدفاع عن الأراضي العربية، التي انبثقت عن لجان محلية في إطار اجتماع عام أجري في مدينة الناصرة في 18 أكتوبر 1975، بإعلان الإضراب الشامل، ردًا مباشرًا على الاستيلاء على أراضي (المثلث)، ومنع الفلسطينيين من دخول المنطقة في تاريخ 13-2-1976.
يشير باحثون إلى أن الاستيلاء على الأراضي بهدف التهويد بلغ ذروته في مطلع 1976، بذرائع مختلفة تجد لها مسوغات في "القانون"، و"خدمة الصالح العام"، أو في تفعيل ما يعرف بـ"قوانين الطوارئ" الانتدابية.
كانت أرض المثلث التي تبلغ مساحتها 60 ألف دونم، تُستخدم في السنوات 1942-1944 منطقة تدريبات عسكرية للجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية، مقابل دفع بدل استئجار لأصحاب الأرض، وبعد عام 1948، أبقت إسرائيل على الوضع نفسه الذي كان سائدًا في عهد الانتداب البريطاني، إذ كان يسمح للمواطنين بالوصول إلى أراضيهم لفلاحتها بتصاريح خاصة.
في عام 1956، أغلقت السلطات الإسرائيلية المنطقة بهدف إقامة مخططات بناء مستعمرات يهودية ضمن مشروع تهويد الجليل.
كما كان صدور وثيقة (كيننغ) في 1976/3/1 عن متصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية الإسرائيلية (يسرائيل كيننغ) وثيقة سرية، سمّيت فيما بعد باسمه، وتُستهدف لإفراغ الجليل من أهله الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وتهويدها، وهي واحدة من مسببات الاتجاه نحو الإضراب.
دعت وثيقة (كيننغ) في طياتها إلى تقليل نسبة الفلسطينيين في منطقتي الجليل والنقب، وذلك بالاستيلاء على ما تبقى لديهم من أراضٍ زراعية وبمحاصرتهم اقتصادياً واجتماعياً، وبتوجيه المهاجرين اليهود الجدد إلى الاستعمار في منطقتي الجليل والنقب.
ركزت على تكثيف الاستعمار اليهودي في شمال الجليل، وشددت الوثيقة على ضرورة التضييق الاقتصادي على العائلات العربية، عبر ملاحقتها بالضرائب، وإعطاء الأولوية لليهود في فرص العمل، وكذلك تخفيض نسبة العرب في التحصيل العلمي، وتشجيع التوجهات المهنية لدى التلاميذ، وتسهيل هجرة الشباب والطلبة العرب إلى خارج البلاد، ومنع عودتهم إليها.
الرد الإسرائيلي
كان الرد الإسرائيلي عسكريًا شديدًا على هبة "يوم الأرض"، باعتبارها أول تحدٍ ولأول مرة بعد احتلال الأرض الفلسطينية عام 1948، إذ دخلت قوات معززة من الجيش الإسرائيلي مدعومة بالدبابات والمجنزرات إلى القرى الفلسطينية وأعادت احتلالها، موقعة شهداء وجرحى بين صفوف المدنيين العُزْل، فكانت حصيلة الصدامات استشهاد 6 فلسطينيين، 4 منهم قُتلوا برصاص الجيش، واثنان برصاص الشرطة.
رغم مطالبة فلسطينيي الـ48، إسرائيل بإقامة لجنة للتحقيق في قتل الجيش والشرطة مواطنين عُزْل يحملون الجنسية الإسرائيلية، فإن مطالبهم قوبلت بالرفض التام، بإدعاء أن الجيش واجه قوى معادية.
سعت إسرائيل إلى إفشال الإضراب، لما يحمله من دلالات تتعلق بسلوك الأقلية الفلسطينية كأقلية قومية حيال قضية وطنية ومدنية من الدرجة الأولى، ألا وهي قضية الأرض. حيث عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعا استمر لأربع ساعات، تقرر فيه تعزيز قوات الشرطة في القرى والمدن الفلسطينية، للرد على الإضراب والمظاهرات.
كما حذرت قيادة اتحاد العمال الإسرائيلي "الهستدروت" العمال وهددتهم باتخاذ إجراءات انتقامية ضدهم، وقرر أرباب العمل في اجتماع لهم في حيفا طرد العمال الفلسطينيين من عملهم إذا ما شاركوا في الإضراب العام في يوم الأرض. كذلك بعث المدير العام لوزارة المعارف بتهديد إلى المدارس الفلسطينية لمنعها من المشاركة في الإضراب.
ذكرى خالدة
رغم مرور (49 عاما) على هذه الذكرى، لم يمل فلسطينيو أراضي 48 الذين أصبح عددهم نحو 1.3 مليون نسمة بعدما كانوا 150 ألف نسمة فقط عام 1948، من إحياء ذكرى يوم الأرض، الذي يُجمعون على أنه أبرز أيامهم النضالية، وأنه انعطافة تاريخية في مسيرة بقائهم وانتمائهم وهويتهم منذ نكبة 1948، تأكيدا على تشبثهم بوطنهم وأرضهم.
يعتبر يوم الأرض نقطة تحول في العلاقة بين (السلطة الإسرائيلية) وفلسطينيي 48، إذ إن إسرائيل أرادت بردها أن تُثبت للجماهير الساخطة من "أسياد الأرض"، فكان هذا التحدي العلني الجماهيري الأول للكيان المحتل من الجماهير الساخطة، باعتقاد العديد أن يوم الأرض ساهم بشكل مباشر في توحيد وحدة الصف الفلسطيني وتكاتفه في الداخل على المستوى الجماهيري، بعد أن كان في العديد من الأحيان السابقة نضالا فرديا لأشخاص فرادى أو لمجموعات محدودة. كما كان هذا الرد بمثابة صفعة وجرس إيقاظ لكل فلسطيني قَبِل بالاحتلال الإسرائيلي عام 1948.
أصدر الاحتلال خلال عام 2024، 35 أمراً بوضع اليد على حوالي 1,073 دونماً، وخمسة أوامر استملاك لحوالي 803 دونمات، و9 أوامر إعلان أراضي دولة لحوالي 24,597 دونماً، إضافة إلى 6 أوامر تعديل حدود محميات طبيعية.
كما استولى الاحتلال من خلالها على حوالي 20,000 دونم، وذلك ضمن السياسة الممنهجة والمستمرة للسيطرة على أراضي الفلسطينيين كافة، وحرمانهم من استغلال مواردهم الطبيعية، وضمن سياسة الضم التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.