في ظل حرب داخلية وخارجية تنضج إسرائيل نضجا قاسيا
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
ثمة توقعات واسعة النطاق بأن الائتلاف الحاكم اليميني المنقسم بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لن يصمد أمام القبول باتفاق مع حماس على وقف ممتد لإطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن، كما اقترح مبدئيا وسطاء عرب الأسبوع الماضي.
فقد تعهد سياسيون يمينيون متطرفون من أمثال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بهدم الحكومة بدلا من الإذعان لوضع يزعمون أنه سوف يمثل انتصارا «للإرهاب» بعد الفظائع التي وقعت في السابع من أكتوبر.
يرى عضوا مجلس الوزراء الحربي بيني غانتس وغادي آيزنكوت أن عودة الرهائن آمنين هي الأولوية القصوى. وبرغم أن نتانياهو يواصل إصراره على التدمير الكامل لحماس والسيطرة على غزة في المدى البعيد، فإنهما لن يسمحا له بعرقلة الصفقة التي تدعمها الولايات المتحدة إلى أجل غير مسمى. وهذا المأزق لا يشكل مفاجأة. فهو مؤشر على انقسام وطني أكثر جوهرية كان واضحا منذ ما قبل مذبحة حماس وتفاقم إلى حد كبير بعد ذلك. إذ يجري الآن صراع وجودي واسع النطاق حول الطابع الديمقراطي للبلاد، وقيادتها المستقبلية، وعلاقاتها مع الفلسطينيين والدول العربية، ومكانتها الدولية. ويبدو أن إسرائيل وصلت إلى نقطة انعطاف يسميها البعض «نقطة اللاعودة».
وكما يعلم العالم، فإن السنوات التي تلت تأسيس إسرائيل في عام 1948 شابها الفشل في إنشاء دولة فلسطينية تتمتع بحقوق سيادية مماثلة. ولكن ماذا لو أن الاقتتال الداخلي اليوم، الذي يغذيه المتعصبون اليهود المتدينون، هو نذير بفشل المشروع الوطني الإسرائيلي أيضا؟
ماذا لو انتهى السعي إلى حل الدولتين بمفارقة تتمثل في غياب دولة ديمقراطية فاعلة على أي من الجانبين؟
ليس هذا بالسؤال الغريب تماما. فعلى مدى أشهر قبل السابع من أكتوبر، اهتزت إسرائيل أمام احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد محاولة نتانياهو «إصلاح» النظام القضائي وضد أمور أخرى مثيرة للجدل. إذ اتُهم نتانياهو بتدبير «انقلاب دستوري» والاستهزاء بالمبادئ الديمقراطية الأساسية. وحذر الرئيس إسحق هرتزوغ مرارا وتكرارا من نشوب حرب أهلية.
ولقد تعمقت المخاوف بشأن الديمقراطية في إسرائيل منذ أن بدأت حرب غزة. حيث يرفض نتانياهو الاستقالة أو السماح بإجراء انتخابات جديدة أو تحمّل المسؤولية شخصيا عن الإخفاقات الأمنية التي حدثت في السابع من أكتوبر. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن معظم الإسرائيليين غير راضين عنه وعن إملاءات مجلسه الوزاري الحربي، ويريدون إجراء تحقيق فوري في أحداث السابع من أكتوبر. كما تعارض الأغلبية إطلاق سراح أعداد كبيرة من الفلسطينيين لتأمين حرية الرهائن.
ولقد بلغ الاستقطاب داخل المجتمع الإسرائيلي أعماقا جديدة في نهاية الأسبوع الماضي. ففي مظاهرة في القدس، دعا آلاف اليمينيين، من بينهم بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، ونواب حكوميون في الكينيست وحاخامات وجنود، إلى إعادة توطين اليهود في غزة وطرد السكان الفلسطينيين.
قال بن غفير «إذا كنا لا نريد وقوع السابع من أكتوبر مرة أخرى، علينا العودة إلى ديارنا [في غزة] والسيطرة عليها. نحن بحاجة إلى إيجاد طريقة قانونية لهجرة [الفلسطينيين] طوعا وفرض أحكام الإعدام على الإرهابيين»، وقال سموتريش «نحن ننهض، وعندنا أمة من الأسود».
أما الوزير حاييم كاتس المنتمي إلى حزب الليكود بزعامة نتانياهو فبدا في مزاج تفاؤلي إذ قال «إن لدينا اليوم الفرصة لإعادة البناء وتوسيع أرض إسرائيل. وهذه هي فرصتنا الأخيرة».
جاءت الإدانة من اليسار شرسة. إذ كتب المحلل ألون بنكاس في صحيفة هآرتس أن الحكومة أظهرت «ألوانها الحقيقية. كان هذا الائتلاف في حالة نشوة مناهضة للدولة وللديمقراطية... إن ما رأيتموه لم يكن محض توجه ثيوقراطي فاشي في المجتمع والسياسة الإسرائيلية، ولكنه في ما يقرب من نصف ائتلاف نتانياهو... لقد قام نتانياهو بتطبيع السيادة اليهودية القومية وإضفاء الطابع الشرعي عليها وتعميمها وتشجيعها».
إن إحباط نتانياهو لجهود الرئيس الأمريكي جو بايدن الرامية إلى تقليل الخسائر في صفوف المدنيين وزيادة المساعدات لغزة، ورفضه الصارم لحل الدولتين الذي تفضله واشنطن، يعززان الشعور بالوصول إلى نقطة تحول. وذلك لأن تحدي رئيس أمريكي في مثل هذا المنعطف يشكل استراتيجية يائسة. والعقلاء من الإسرائيليين يدركون أن الولايات المتحدة، بالنسبة لهم على الأقل، هي في الحقيقة ما أسمته مادلين أولبرايت بـ«الدولة التي لا غنى عنها».
وبالمثل، يدرك الجميع، إلا الممعنين في الحماقة، أن التحذير الدقيق الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن مخاطر الإبادة الجماعية في غزة أمر لا يمكن تجاهله ببساطة.
إذ أن هذا الحكم يعكس مدى نفور الرأي العام العالمي من مذبحة غزة. أظهرت دراسة حديثة أن نسبة من ينظرون إلى إسرائيل نظرة إيجابية على مستوى العالم قد انخفضت بمتوسط 18.5% بين سبتمبر وديسمبر، إذ انخفضت في اثنتين وأربعين دولة من أصل ثلاث وأربعين.
إن الانقسامات الداخلية في إسرائيل وعزلتها الدولية حقيقيان ومتناميان. ومن دواعي سرور إيران وأمثالها أن حرب نتانياهو الدائمة تبشر بانقسامات أعمق ونبذ أكبر. ويحذر الكتاب والمعلقون من معارك شوارع بين المتعصبين اليمينيين وعائلات الرهائن، ومن انهيار الديمقراطية.
ليس من المرجح أن يصل الأمر إلى ذلك. فسوف يتجاوز الإسرائيليون هذه الأزمة، برغم أن الازدهار الذي شهدته الأعوام الأخيرة قد يصعب تكراره. ولدى الإسرائيليين الآن نقاط قوة عديدة يمكنهم الاعتماد عليها -منها الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري- ولا يقل عن ذلك نقاط القوة الممثلة في تاريخهم وشجاعتهم وقدرتهم على الصمود. ومع ذلك، بعد مرور ما يقرب من قرن على الكابوس الذي سبق ولادة البلد، من الواضح أن دولة إسرائيل، بوصفها كيانا معاصرا، تشهد مرحلة نضج وحشية تتحطم فيها الأوهام.
من الناحية التاريخية، غالبا ما شكلت الصراعات الأهلية والتهديدات الخارجية هوية الدول القومية وشخصيتها. وإسرائيل اليوم ليست استثناء، وهذا هو الدرس الرئيسي المستفاد من نقطة التحول بالغة الأهمية التي تمر بها.
ليس لإسرائيل حق فطري في عصيان الأعراف والقوانين الدولية. ومشاكلها وتحدياتها ليست فريدة من نوعها. والاحتلال يمثل وبالا على الأمن والشرعية والاعتراف. ووجود دولة فلسطينية مستقلة يمثل ضرورة مرغوبة ومحتومة. ولكي يزدهر بلدهم، يتعين على مزيد من الإسرائيليين أن يتقبلوا هذه البديهيات -وأن يرفضوا الحكومات والقادة الذين يؤمنون ويتصرفون بما يتنافى مع ذلك.
لقد كتب بينكاس قائلا إن «في إسرائيل أغلبية ديمقراطية ليبرالية. وإن القوميين المتطرفين واليهود الأرثوذكس والمستوطنين هم الأقلية... والآن ألقى أغلب الإسرائيليين نظرة واضحة على المستقبل وأدركوا ما يخبئه لهم، وربما يتعين عليهم الاختيار».
والخيار هنا إنما هو بين ديمقراطية ناجحة واحتوائية ومسالمة مع جيرانها، وبين دولة تنزلق إلى الاستبداد أو ما هو أسوأ منه، وتبقى في حصار إلى الأبد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السابع من أکتوبر فی غزة
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تعيّن مقرباً من نتانياهو والجمهوريين سفيراً لدى واشنطن
أعلنت إسرائيل، الأحد، موافقتها على تعيين يحيئيل ليتر، المقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو سفيراً لها لدى الولايات المتحدة.
ويأتي إعلان إسرائيل بعد اختيار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب المحافظ المتشدد مايك هكابي ليكون سفيراً لبلاده لدى إسرائيل.وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان "وافقت الحكومة بالإجماع على تعيين الدكتور يحيئيل ليتر سفيراً لدى الولايات المتحدة".
وليتر، المقرب من الحزب الجمهوري الأمريكي، كان أحد قادة مجلس المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة "يشع" في تسعينات القرن الفائت. هل يقود ترامب "صفقة الرهائن" على طريقة ريغان 1981؟ - موقع 24يعلق أهالي الرهائن والمسؤولون الإسرائيليون آمالهم على نجاح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في إنجاح اتفاق في غزة بأسرع وقت، وتحقيق ما فشل فيه الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن. وهو أيضاً عضو في حزب الليكود الذي يتزعمه نتانياهو ويعمل حالياً مستشاراً استراتيجياً لمراكز أبحاث إسرائيلية.
وقتل ابن ليتر ويدعى "موسى" في قطاع غزة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.
وسيتولى ليتر منصبه الجديد بعد تنصيب ترامب العام المقبل، خلفاً للسفير مايك هرتسوغ شقيق الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ الذي تم تعيينه في العام 2021.
وينظر إلى ليتر على أنه أحد أشد المنتقدين لسياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن. وانتقد في يناير (كانون الثاني) في مقابلة مع قناة "توف" الإسرائيلية الخاصة "الضغوط الأمريكية" خلال الحرب على غزة.
ورحبت إسرائيل هذا الشهر بترشيح مايك هكابي وخصوصًا أنه من أشد المؤيدين لحكومة نتانياهو.
وكان هكابي في العام 2017 بين من حضروا مشروع توسعة مستوطنة معاليه أدوميم، إحدى أكبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.