فيلم “الحريفة”.. الغناء بصوت الآخرين
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
متابعة بتجــرد: هناك نكتة حول شخص يقول لأصدقائه أنه لا يحب صوت مغن شهير، فيسأله أحدهم وهل استمعت إلى أغانيه؟ فيجيب بقوله: لا، لم أستمع إليه، ولكن لي صديقاً كان يغني أغانيه ولم تعجبني!
لسبب ما، تذكرت هذه النكتة أثناء مشاهدة فيلم “الحريفة”، الذي بدا لي مثل صديق بطل النكتة، الذي يدندن بأغانٍ قد تكون عظيمة، لكن صوته المتواضع لا يسعفه.
يبدو الفيلم، بطريقة ما، وكأنه صديق يحكي لك فيلماً، قد تستشف من حكيه أن هناك فيلماً جيداً، ولكن ما يرويه الصديق ليس هو الفيلم بالتأكيد.
شيء ما غير حقيقي هنا، لا أقول مزيف، ولكن يفتقد لحميمية الصدق، وحميمية الإبداع.
ينطبق هذا على معظم عناصر الفيلم، من الكتابة وحتى تنفيذ مشاهد مباريات الكرة التي يفترض أنها تلعب الدور الأساسي في تطوير وحسم الصراع، مروراً بالتمثيل.
ينبت “الحريفة” من بذرة جيدة، قابلة للنمو والازدهار، وهي استغلال هوس الصبية والمراهقين بكرة القدم، وحلمهم بأن يصبحوا لاعبين دوليين مثل محمد صلاح ورونالدو وميسي، وهي أحلام مشروعة بالطبع، بل ضرورية.
ومن المشروع، والضروري أيضاً، أن يشاهد جمهور السينما، الذي يتكون أغلبه من هؤلاء الصبية والمراهقين، أعمالاً تنمي فيهم الطموح وأخلاقيات تطوير الذات والمثابرة والعمل المشترك، وحتى لو كان هذا الطموح يتلخص في لعب كرة القدم، فهو مشروع، كما أنه رمز للطموح في أي مجال آخر.
لكن هذه البذرة الجيدة لم تنل من الرعاية والتطوير والمثابرة والجهد المشترك ما يجعلها تتحول إلى زرعة مكتملة النمو.
يروي “الحريفة” قصة شاب، لا يذكر عمره ولا السنة الدراسية التي يدرس بها، ولكنه طالب في مدرسة ثانوية، لم يلتحق بالجامعة بعد، ما يعني عمره من 16 إلى 18 عاما على الأكثر، موهوباً ومهووساً بكرة القدم لدرجة أن اسمه “ماجد” (مثل الكابتن ماجد!)، وينتمي لعائلة شديدة الثراء، كما يظهر في بداية الفيلم، لديه حبيبة، وزميل شرير ينافسه في الملعب وفي الحب، وفجأة يتعرض الأب لأزمة مالية، فيفقد كل شيء.
وتضطر الأسرة للعودة إلى حي الزمالك للإقامة في بيت الجدة، ثم هجر الأم لهم بعد خلافات لا تتوقف مع الأب، ويتم إخراج الابن من مدرسته الفاخرة، للالتحاق بمدرسة عادية، وهذا يعني بالنسبة للصبي السقوط إلى الحضيض، كما يعني أنه سيخوض صراعين: الأول من أجل الاستمرار في لعب الكرة، والثاني من أجل التكيف مع الأوضاع الجديدة، وكل من الصراعين يكسبانه دروساً وتجارب تؤهله للنجاح في الحياة.
الفكرة جيدة للغاية، ولكن التفاصيل مسطحة، فلا قصة انهيار الأسرة مؤثرة، ولا انهيار حياة الشاب تدعو للتعاطف معه، ولا التجارب التي يمر بها من العمق والجذرية بحيث يمكن أن تساهم في تعليمه دروساً لا ينساها.
بعد فاصل قصير من التعرض للتنمر الخفيف من قبل عصابة الطلبة “الأشقياء”، سرعان ما يصبح “ماجد” ألمع طلاب المدرسة، وحبيب العصابة، ونجم فريق كرة قدم المدرسة (والعصابة)، يذهب معهم لخوض المباريات ذات الرهانات في الساحات الشعبية ومراكز الشباب.
إلى هنا تتوقف حركة الدراما، ويتعين دفع الأحداث نحو تصعيد كبير، وهذا التصعيد يتمثل في وجود مسابقة لفرق المدارس والهواة، يحصل الفائز فيها على جائزة تقدر بمليون جنيه، ويقرر الشاب وعصابته خوض المسابقة، والفوز بها بالطبع، لأن لديهم أسباباً “إنسانية” أكثر بالتأكيد من أسباب الفرق المنافسة الأخرى.
الصراع هنا، كما في هذا النوع من الأفلام “الرياضية”، داخلي، ضد عيوب الذات والمشاكل الشخصية، وخارجي، يتمثل في التدريب ووضع الخطط وتنفيذها وسير المباريات نفسها (ولنتذكر مثلا الفصل الأخير من مسلسل The Queen’s Gambit)، وهو ما يعني أن صانع الفيلم عليه رسم خطين متوازيين متقابلين في نهايتهما، وصولاً إلى الذروة.
راعى مؤلف سيناريو “الحريفة” إياد صالح هذا البناء بالفعل، ولكن مرة أخرى التفاصيل غير مقنعة: فجأة، وبقدرة قادر، تستدعي حبيبة “ماجد” خبير كروي لحضور مباراة قبل النهائي، فيكتشف على الفور أن “ماجد” موهبة عظيمة، لا بد من سفره خلال يومين إلى إسبانيا للالتحاق بناد عالمي، ما يعني أنه سيضحي بزملائه، ويتغيب عن نهائي البطولة.
حبكة تبدو ملفقة، فلا أحد يُكْتَشَف بهذا التعجل، ولا سفره بهذه السرعة، ومن المؤكد أن الفرصة لن تضيع إذا لم يلحق بهذا الاختبار المصيري، فهناك عشرات الاختبارات والفرق الأخرى (طالما أنه أسطوري الموهبة إلى هذه الدرجة)، وحتى لو كان لديه استعداد للسفر، فماذا عن العام الدراسي، وموافقة الولدين، والإعفاء من التجنيد، والحصول على تأشيرة “الشينجن”؟!
فإذا تغاضينا عن كل هذا، وقلنا أننا أمام فيلم “رياضي”، يسعى إلى إمتاع المشاهدين بصراع “خارجي” مبهر ومحكم التنفيذ، فسوف نكتشف أن تنفيذ المباريات وإظهار موهبة البطل لا تزيد كثيراً عن تنفيذ مباريات فيلم “الحريف” لعادل إمام (الأصل الفني للـ”الحريفة”)، أو مباريات فيلم “4-2-4” لسمير غانم ويونس شلبي (الأصل الكوميدي له).
يلعب بطولة “الحريفة” الممثل الشاب نور النبوي (ابن خالد النبوي)، وقد ذكرني ببطل فيلم “أبو نسب” الذي كان يعرض في القاعة المجاورة، وهو محمد إمام (ابن عادل إمام).
كل من الشابين المجتهدين حظيا بفرص كبيرة، ولديهما إمكانيات يمكن تطويرها وصقلها، ولكنهما عالقان بدرجات مختلفة في فلك الأب: لا أقول يقلدان، ولكنهما لا يستطيعان الخلاص من تأثيرهما والاستقلال بشخصيتيهما الفنية بعيداً.
رغم هذه الملاحظات، فقد توفرت لفيلم “الحريفة” تركيبة جذابة: كوميديا، قصة صعود، أغنياء وفقراء، كرة قدم، كابتن ميدو (أحمد حسام) وبعض نجوم الكرة القدامى في أحد المشاهد، بيومي فؤاد، الذي أصبح التأشيرة التي يجب وضعها على ملصق أي فيلم، حتى لو كان دوره محدوداً، وملصقاً (فعلياً) على الأحداث، بجانب عدد من الوجوه الجديدة الذين لمعوا في الدراما التليفزيونية وبرامج السوشيال ميديا مثل أحمد غزي، كزبرة، نور إيهاب، وعبد الرحمن محمد، وفوق ذلك مخرج شاب هو رؤوف السيد يعرف نبض ومتطلبات جمهور اليوم.
هذه التوليفة جذبت الكثير من المشاهدين، وجعلت الفيلم يتربع على عرش الإيرادات في مصر برصيد يزيد عن 43 مليون جنيه (1.39 مليون دولار)، ويبدو أن صوت الصديق الذي يغني أغاني المطرب المشهور لم يكن سيئاً جداً في نهاية المطاف، بالرغم من أنه لا يرقى بالطبع إلى الأصل.
ناقد فني.
main 2024-02-05 Bitajarodالمصدر: بتجرد
كلمات دلالية: ما یعنی
إقرأ أيضاً:
“على بلاطة”
شاهدت ذات مرة وثائقياً لا اذكر اسمه في الواقع !
لكنه كان يتحدث عن “حقيقة المسيح وماهيته”!
نبي .. ابن إله .. إله بحد ذاته .. رجل عادي .. أم ماذا؟! كان موضوعاً شيقاً ومثيراً للاهتمام .. حتى ظهر ذلك القس الأمريكي الذي بدأ ،بالحديث قائلاً : “أنا في الواقع لا اؤمن بشيء اسمه يسوع .. لست واثقاً من وجوده حتى .. على الأرجح أن الأمر برمته قصة خيالية من صنيعة الناس! لكنها جميلة .. لهذا أواصل الذهاب إلى الكنيسة” . فأصبح أكثر إثارة وتشويقاً بالنسبة لي !!
لم يكن شاباً تائهاً .. كما لم يكن من مجتمع المشككين الجدد .. ليس بوذياً أو هندوسياً أو غريباً أتى من بعيد! بل كان قساً أبيض يرتدي قلنسوة الراهب ويحمل مفتاح الكنيسة!!
لم استطع نسيان ما قاله .. ما كان موضوعاً شيقاً، أصبح فضولاً وتساؤلاً: كيف وصل بهم الحال إلى ما هم عليه الآن ؟! كيف تجردت المجتمعات المسيحية من مسيحيتها ؟!
لِم فقدوا عقيدتهم .. أين فقدوها .. كيف فقدوها ؟! باطلة .. ضآلة .. منحرفة .. فاسدة ، لا يهم ، في نهاية المطاف .. تظل العقيدة عقيدة وإن عنى ذلك عبادة الأبقار والأحجار !
عقيدة قوم نوح قائمة على تمثال .. لم يمحها إلا الغرق!!
كيف محيت النصرانية وأساسها حق يقين ؟!
ما قاله القس لم يمر مرور الكرام، بل دفعني إلى البحث أكثر في تاريخ المسيحية وهذا، ما وجدته:
بدأ الانحراف منذ وفاة المسيح … لا مشكلة .
كل الانحرافات آراء قابلة للنقاش ،
حتى تصل إلى عرش السلطة فتصبح دروساً تؤخذ!
وهذا ما حدث في القرن الرابع للميلاد ..
تولت الكنيسة زمام الحكم بعد أربعة قرون من الانحراف والتحديث والتعديل!
ما كان يسفك باسم الملك بات يسفك باسم الله!
وما كان يغتصب باسم الأسرة الملكية بات يغتصب باسم ممثلي الرب !
في البدايات اقتصرت ممارسات القساوسة الجائرة
على الامم والمعتقدات الأخرى … لكنها سرعان ما وصلت إلى المنزل المسيحي وطرقت أبوابه !
متى اقتلعته ودكت أركانه ؟!
بعد ستمائة عام بالضبط .. حينما وقع الانشقاق العظيم!
ما كان عقيدة فاسدة .. اصبح عقيدتين!
النصرانية .. لم تعد كذلك ! الآن بات لدينا كاثوليك وارثوذكس ! انقسام العقائد أشبه بالحفلات الصاخبة والعشوائية ! ما إن يسدل ستار المرح في وقت مبكر ..
حتى تجد نفسك محاطاً بالمتطفلين والمتسولين والمتربصين ..وتبدأ بالتساؤل !!
ما الذي جاء بك إلى هنا ؟! ما الذي تفعله في هذا المكان ؟!
ربما أنك لست من سكان المنزل .. وتفكر بالمغادرة .
هذا ما حدث للبيت المسيحي !
بات مرتعاً للدخلاء والغرباء الذين نجحوا
في اذكاء نار الكراهية والحقد بين الإخوة
فبدأوا بتكفير وقتل وذبح وسحل وشنق وحز وجز وحرق وإبادة بعضهم البعض بوحشية لا يمكن تصورها .
وبعد حفلة دموية استمرت ما يقارب الخمسمائة عام بدأوا بالتفكير ملياً في المغادرة!
كل ما ينقصهم الآن هو مجيء مخلص يصطحبهم إلى الخارج! وقد جاء فعلاً بمسمى العلمانية والإمبريالية واللا دينية وما شابه .
يمكن القول إن ما تمر به الأمة الإسلامية اليوم هو تكرار لما مرت به المسيحية قبل ألف عام ..
هذه نسخة مماثلة حد الإسقاط دون رتوش!
الانشقاق : سنة – شيعة .
الدخيل : الوهابية .
الهدف : الإلحاد .
ما فعلته وتفعله وستفعله التنظيمات التكفيرية في هذه الأمة سبق وأن حدث في أمم قبلنا .
إن كل ما تهدف إليه اللحى النجسة والدخيلة على الإسلام هو إخراجنا منه .
هذه ورقة الشيطان المفضلة .. لكن ما سيصنع الفارق في هذه اللعبة ..
هو أننا بحبل موصول من الله على عكس من سبق!
أما التكفيريون فهم هندسة صهيونية!