جابر حسين العماني
jaber.alomani14@gmail.com
قرأت في حياة الخلفاء الراشدين، الذين حكموا البلاد الإسلامية بالعدل والإنصاف، وكيف كانوا يديرون البلاد والعباد بإخلاص وجد واجتهاد، وكانت من أبرز صفاتهم: اللقاءات المباشرة مع النَّاس، ومن باب المثال فقد كان خليفة المسلمين الراشد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يلتقي مع الناس في الأسواق والمساجد، ويتحدث معهم ويستمع لمشاكلهم ويلبي احتياجاتهم ويقضي بينهم، وهو القائل: (لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيل، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ، وَلاَ اَلْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلاَ اَلْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ).
هكذا كان خليفة المسلمين العادل علي بن أبي طالب في حكومته بين الناس، وكذلك كان الخلفاء الراشدين في حكوماتهم وتعاملهم مع الرعية، وهم من كانوا يحكمون بخريطة اليوم أكثر من خمسين دولة، ولكن لم يمنعهم ذلك من النزول إلى الناس، والسؤال عن أحوالهم، بل ولم يكتفوا بإرسال الوكلاء أو ما يطلق عليهم اليوم بالوزراء أو المسؤولين الكبار إلى الناس فحسب، بل كانوا يقومون بمسؤولياتهم على أحسن وجه ممكن في خدمة الرعية، فما أجمل الحاكم والمسؤول الذي يكون مع الناس في أفراحهم وأحزانهم.
لماذا يا ترى تغيرت الأحوال؟ وأصبح أغلب حكام البلاد الإسلامية والمسؤولون الكبار فيها لا يراهم الناس إلا من خلال الشاشات المتلفزة، وإذا وفقوا لرؤيتهم بشكل مباشر رأوهم على نحو الصدفة ومن مكان بعيد؟
سؤال كان يراودني منذ زمن الطفولة، وبينما أنا متفكر في ذلك جاءت الصدفة اللطيفة والعظيمة التي جعلتني أرى من الدنيا أنها لا زالت بخير، وهي عندما التقيت في إحدى أسفاري بالمسؤول الكبير وهو قادم نحوي، مسلمًا عليَّ، وسألني عن حال الفقراء والمساكين، فأخبرته بأسمائهم ومواقعهم، فما كان منه إلّا أن أمر أحد المسؤولين بقضاء حوائجهم ورفع معاناتهم في أسرع ما يمكن، ثم التفت نحوي مبتسما وهو يقول لي: "نحن في خدمتكم وخدمة الناس، فقد خلقنا الله لنكون منكم وإليكم"، ما أجمله من كلام أثلج قلبي، وشرح صدري، ورفع قدري، وأنا في ضيافة المسؤول، أستنشق هواء الجنان، ونعيم الرب الديان، ببركة لقائي بالمسؤول، وبينما أنا متواجدًا معه، سمعت صوت طفلتي تناديني: أبتاه قم من نومك فقد حان وقت ذهابك إلى السوق لشراء أدوات المدرسة.
كان مجرد حلم عابر، تمنيت لو كان واقعًا، ملموسًا بحيث لا نرى في بلادنا العربية والإسلامية اليوم من يعاني من الفقر والحرمان والجوع، وذلك حتمًا لا يكون إلا بتكاتف المسؤولين الذين لابد أن يراعون مسؤولياتهم وواجباتهم تجاه الناس خصوصا الطبقات الضعيفة في المجتمع.
هناك بعض الإحصائيات العالمية تقول: إن ثلث الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 1 إلى 4 سنوات يعانون من الحرمان من التغذية والصحة، كما يعاني خمس الأطفال البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 17 من الحرمان من التعليم، فضلًا عن الكبار الذين يعانون الكثير من مآسي وآلام الفقر التي جعلت منهم يعيشون الكثير من الأمراض النفسية والجسدية، فيا ترى من المسؤول عن كل ذلك؟
اليوم هناك مسؤولية دينية وأخلاقية واجتماعية يجب أن يتحملها المسؤولون في حكومات البلاد الإسلامية، وهي: ترك قصورهم العاجية، والنزول إلى الشارع، لمعرفة أحوال الناس، وتلبية احتياجاتهم، والعمل الجاد على رفع معاناتهم وخلق الكثير من فرص العمل، وذلك لحماية الناس من الفقر والبطالة والفراغ الذي بات يشكل معولا من معاول الهدم للمجتمع وأبنائه.
وعلى المسؤول أن يعلم أن الرعية مخلوقات من مخلوقات الله تعالى، والمسؤول ليس أفضل من مخلوقات الله، لذا عليه ألا يجعل من نفسه مخلوقا مميزا بينهم، وأن مسؤوليته تكليفية وليست تشريفية، وليس من أخلاقيات وتعاليم ديننا الإسلامي أن يكون المسؤول أفضل من الرعية؛ فالرعية هي من جعلته مسؤولًا عليها، وليس من الصحيح استغلال المنصب والمسؤولية والكرسي لمآرب المسؤول الشخصية، قال تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24]، وقال: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92-93]، وقال: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]، صدق الله العلي العظيم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«آداب الطريق ونشر الإيجابية».. ندوة تثقيفية بمركز شباب أبو حماد بالشرقية
نظم مركز شباب أبوحماد بمحافظة الشرقية، ندوة تثقيفية بعنوان:" أداب الطريق ونشر الإيجابية" وذلك ضمن برنامج الرواق الأزهري للطفل والأسرة، بالتعاون مع الأزهر الشريف «منطقة وعظ الشرقية»، وضمن مبادرة على مبادرة رئيس الجمهورية " بداية لبناء الإنسان المصري" وذلك بحضور الدكتور محمد عبد الرحمن السيد الوفائي، واعظ بمنطقة وعظ الشرقية، والكابتن عماد حسانين، مدير مركز شباب أبوحماد وجمع كبير من شباب أبوحماد.
وقال الدكتور محمد الوفائي:"الإيجابيةُ تعنِي أنْ يكونَ المسلمُ فيضًا مِن العطاءِ، ثابتًا لا ييأسُ حين يقنطُ الناسُ، ولا يتراخَى عن العملِ حينَ يفترُ العاملون، يصنعُ مِن الشمعةِ نورًا، ومِن الحزنِ سرورًا، متفائلًا في حياتِه، شاكرًا في نعمائِهِ، صابرًا في ضرائِهِ، قانعًا بعطاءِ ربِّهِ لهُ، والسيدةَ هاجرَ عليها السلام ضربتْ لنَا أروعَ الأمثلةِ في الإيجابيةِ، فمثلًا في السعيِ بينَ الصفَا والمروةَ ونحن نقلدُهَا وهى تبحثُ عن الماءِ لولدِهَا إسماعيل، فجعلَ اللهُ السيدةَ هاجرَ رمزًا للإيجابيةِ، وجعلَ عن طريقِهَا عبادةً نتعلمُ منها الإيجابية، والمسلمَ لا يعملُ لنفعِ المجتمعِ الإنسانِي فحسب، بل يعملُ لنفعِ الأحياءِ، والنبيُّ ﷺ يقولُ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ".
وأشار الوفائي إلي أهمية آداب الطريق بقول النبي"(صلى الله عليه وسلم): (إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ علَى الطُّرُقَاتِ، فَقالوا: ما لَنَا بُدٌّ، إنَّما هي مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قالَ( صلى الله عليه وسلم ): فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قالوا: وَما حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قالَ(صلى الله عليه وسلم ): غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ.
وبين الوفائي عظم فضل إماطة الأذى بكل أنواعه عن طريق الناس ومجالسهم، فما أعظمه من أجر يناله الإنسان حينما يرفع الأذى عن الناس، حيث يقول النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ( لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ ).
يُذكر أن الرواق الأزهري يهدف لتصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة وتبصير النشء نحو الطريق الصحيح، وتعزيز الوعي الديني والثقافي بين النشء، وتوجيههم نحو السلوك القويم.وكذلك الرد على التساؤلات التي ترد في أذهان الشباب والأطفال والأسرة لأي أمر من الأمور الدينية والدنيوية.