تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالا يقول صاحبه "كيف نردُّ على من يشكك في فضل ليلة النصف من شعبان بحجّة أن هناك ضعفًا في أسانيد الأحاديث الواردة في فضلها؟".

وقالت دار الإفتاء، في إجابتها على السؤال، إنه قد وردت في فضل ليلة النصف من شعبان مجموعة من الأحاديث والآثار؛ أهمها: ما رواه الترمذي وابن ماجه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: فقدتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة، فخرجت أطلبه، فإذا هو بالبقيع رافعٌ رأسَه إلى السماء، فقال: «يَا عَائِشَةُ، أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟» فقُلْتُ: وما بي ذلك، ولكني ظننتُ أنك أتيتَ بعضَ نسائك.

فقال: «إِنَّ الله تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعرِ غَنَمِ كَلْبٍ».

وروى البيهقي في "شعب الإيمان" عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ نَادَى مُنَادٍ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ، هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ، فَلَا يَسْأَلُ أَحَدٌ شَيْئًا إِلَّا أُعْطِيَ، إِلَّا زَانِيَةٌ بِفَرْجِهَا أَوْ مُشْرِكٌ».

وأمَّا ما قيل من الطعن في فضل هذه الليلة بحجة ضعف ما ورد من الأحاديث فيه؛ فالجواب عن ذلك: أن أسانيد الوارد ليست كلها ضعيفة، بل بعضها قد صحَّحه الحفاظ.

وتابعت دار الإفتاء: لو سلَّمنا بضعف آحادها، فإنَّ القاعدة الحديثية أنَّ الأحاديث الضعيفة الإسناد تتقوى بالمجموع؛ وقدَّ صرَّح بهذا المعنى بعض العلماء؛ فقال الشيخ تقي الدين بن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 136، ط. دار عالم الكتب-بيروت): [وليلة النصف من شعبان قد رُوِي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها مُفَضَّلة، وأنَّ من السلف من كان يخصّها بالصلاة فيها، وصومُ شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة.

ومن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم من الخلف من أنكر فضلها، وطعن في الأحاديث الواردة فيها؛ كحديث: «إنَّ الله يغفرُ فِيها لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعرِ غَنَمِ كَلْبٍ»، وقال: لا فرق بينها وبين غيرها، لكن الذي عليه كثيرٌ من أهل العلم، أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها، وعليه يدلّ نص أحمد؛ لتعدّد الأحاديث الواردة فيها، وما يُصَدِّق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعضُ فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر] اهـ.

وقال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (3/ 367، ط. دار الكتب العلمية) -بعد أن ساق أحاديث ليلة النصف من شعبان-: [فهذه الأحاديث بمجموعها حجةٌ على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء] اهـ.

ولو سَلَّمنا ضعف ما وردَ في فضل ليلة النصف من شعبان، وعدم تَقَوِّيه بمجموع الوارد وبتعدد الطرق، فإنَّ جواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل هو قول جماهير العلماء سلفًا وخلفًا؛ قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي: إذا روينا الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد وسمحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشدَّدنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال. اهـ. "المدخل إلى كتاب الإكليل" للحاكم النيسابوري (ص: 29، ط. دار الدعوة بالإسكندرية).

وخلصت دار الإفتاء إلى القول إنه “بناءً على ذلك: فلا عبرة بكلام مَن يشكك في فضل ليلة النصف من شعبان؛ فترغيب الناس في فعل الطاعات أولى من غلق أبوابها في وجوههم”.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء فضل ليلة النصف من شعبان ليلة النصف من شعبان الأحاديث العلماء دار الإفتاء الله ع

إقرأ أيضاً:

بيان منزلة النفس الإنسانية في الإسلام.. الإفتاء تجيب

أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد لها من أحد المتابعين عبر صفحتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي جاء مضمونه كالتالي: النفس الإنسانية لها منزلة خاصة في الشريعة الإسلامية؛ فنرجو منكم بيان ضرورة المحافظة عليها في ضوء نصوص الشرع؟.

مكانة النفس الإنسانية في الشريعة

قالت دار الإفتاء إن الإسلام دعا إلى المحافظة على النفس الإنسانية؛ فجعل حفظ النفس من مقاصده الكلية التي جاءت الشرائع لتحقيقها، وارتقى بهذه المقاصد من مرتبة الحقوق إلى مقام الواجبات، فلم تكتف الشريعة الغراء بتقرير حق الإنسان في الحياة وسلامة نفسه، بل أوجبت عليه اتخاذ الوسائل التي تحافظ على حياته وصحة بدنه وتمنع عنه الأذى والضرر.

وأوضحت الإفتاء أن حفظ النفس وصيانتها من الضروريات الخمس التي اتفقت عليها جميع الشرائع؛ قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (1/ 31، ط. دار ابن عفان): [فقد اتَّفقت الأمة بل سائر الملل على أنَّ الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليل معيَّن، ولا شهد لنا أصل معيَّن يمتاز برجوعها إليه، بل علمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد، ولو استندت إلى شيءٍ معيَّن لوجب عادة تعيينه] اهـ.

وأضافت الإفتاء قائلة: ومظاهر دعوة الإسلام للمحافظة على النفس الإنسانية لا تحصى؛ منها: تحريم قتل النفس بغير حق وإنزال أشد العقوبة بمرتكب ذلك؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: 151].

ومنها: أيضًا تحريم الانتحار؛ قال جلَّ وعلا: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (5/ 156، ط. دار الكتب المصرية): [أجمع أهل التأويل على أنَّ المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضًا؛ ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال، بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدِّي إلى التلف] اهـ.
وتابعت: كما نهى الإسلام عن إلقاء النفس في التهلكة؛ قال تعالي: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، قال الإمام الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 222، ط. دار ابن كثير): [التهلكة: مصدر من هلك يهلك هلاكًا وهلكًا وتهلكةً أي: لا تأخذوا فيما يهلككم.. والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل ما صدق عليه أنَّه تهلكة في الدِّين أو الدنيا فهو داخل في هذا، وبه قال ابن جرير الطبري] اهـ.

وأكدت: ونهى عن إلحاق الضرر بالنفس أو بالغير كمظهر من مظاهر المحافظة على النفس؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، رواه الحاكم في "المستدرك" وصححه على شرط مسلم، والدارقطني والبيهقي في "السنن"، والدينوري في "المجالسة".

مقالات مشابهة

  • حكم استعمال البخور ليلة الجمعة ؟
  • أفضل صيغة للصلاة على النبي ليلة الجمعة ويومها.. الإفتاء تنصح بهذه الطريقة
  •   قائد الثورة: المعركة مستمرة والحضور فيها يُعبر عن الإيمان والعطاء والجهاد المقدس
  • دليل فضل دعاء يوم الجمعة في الأحاديث المطهرة
  • أفضل ما يستحب ترديده في ليلة الجمعة.. اللهم افتح لنا أبواب فضلك
  • المقصود بالمسح على الجورب وحكمه عند الوضوء
  • بيان منزلة النفس الإنسانية في الإسلام.. الإفتاء تجيب
  • هل يجوز قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة بعد غروب شمس الخميس؟ اعرف الوقت الصحيح
  • هل الروح تموت أم لا.. الإفتاء توضح
  • هل الأرواح تسجد تحت عرش الرحمن أثناء النوم كل ليلة إذا باتت طاهرة؟