حديقة بحيص الجيولوجية بالشارقة.. أسرار الطبيعة قبل 93 مليون سنة
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
أبوظبي: «الخليج»
تحتضن دولة الإمارات العديد من الوجهات السياحية الأثرية والشاهدة على حضارات سكنت هذه الأرض وتركت آثاراً باقية ما بقي الزمان، يعود بعضها إلى أواخر فترة العصر الحجري أو ما يسمى بالعصر الحجري الحديث، وتعتبر حديقة بحيص الجيولوجية في الشارقة واحدة من أبرز هذه المواقع، حيث تعد من أقدم المواقع الأثرية في الدولة، وعنصراً في غاية الأهمية في مجال البحث الأثري الخاص بشبه الجزيرة العربية.
وتستقطب الحديقة وغيرها من المواقع الأثرية القديمة التي تزخر بها دولة الإمارات، خبراء التنقيب والجيولوجيين والباحثين في تاريخ الأرض والمواقع الجيولوجية، حيث تعتبر هذه المواقع متاحف مفتوحة في الهواء الطلق تختزل تاريخاً عميقاً لسكان المنطقة وبقايا حضارتهم وآثارهم، وتقدم دلائل علمية على رسوخ استيطان الإنسان لأرض الإمارات.
كما تحتضن دلائل تاريخية حول كيفية تشكل الطبيعة المحلية قبل فترة لا تقل عن 93 مليون سنة، وهي موقع غنيّ بالبقايا المتحجّرة للعديد من الكائنات البحريّة القديمة التي استوطنت بحاراً ضحلة كانت تغمر معظم اليابسة في الإمارات حتى فترة قريبة من المنظور الجيولوجيّ.
وتُعد هذه الفترة من العام والتي تشهد النسخة الرابعة من حملة أجمل شتاء في العالم، الحملة الوطنية الشاملة، والتي تكتسب هذا العام أهمية خاصة انطلاقاً من شعارها «قصص لا تنسى»، فترة مثالية للاستمتاع بجولة بين آثار حديقة بحيص الجيولوجية التي توثق تاريخاً تليداً سطره سكان الإمارات وتعتبر شاهداً على عراقة وجماليات الإنجاز البشري في كافة مجالات الحياة، الأمر الذي يجعل من بحيص وغيرها من الأماكن الأثرية التي تحفل بها الإمارات نافذة على التاريخ يستلهم منها الشباب طريقهم نحو المستقبل.
الحديقة الجيولوجية
تُعد الحديقة الجيولوجية في بحيص، التي تم افتتاحها في يناير من عام 2020، مشروعاً رائداً في مجال السياحة البيئية يهدف إلى تعريف الزوار بتاريخ الشارقة الجيولوجي، والأهمية الجيولوجية لجبل بحيص والمناطق الأثرية المحيط به.
وتحتضن دلائل تاريخية حول كيفية تشكل الطبيعة المحلية قبل فترة لا تقل عن 93 مليون سنة، كما تحوي موقعين أثريين يسهمان في تعزيز المعرفة بتاريخ استيطان البشر للمنطقة الوسطى في إمارة الشارقة والتي تعود إلى أكثر من 200 ألف سنة.
وتتضمن الحديقة معالم جيولوجية وأحافير من ملايين السنين، تتميّز بتصاميم فريدة في مساراتها يمكن من خلالها التعرف على كيفية تكوّن أبرز المعالم الجيولوجية في المنطقة، مثل سلسلة جبال الحَجَر، والجبال المنفردة الأخرى، والسهول الحصوية، وكثبان الرمال.
وفازت الحديقة بجائزة العمارة للعام 2020، وهي جائزة عالمية تحتفي بالإبداع والابتكار في مجالات التصميم المعماري وهندسة المناظر الطبيعية والتصميم الداخلي.
تنقيبات أثرية
يقع جبل بحيص الذي يرتفع إلى نحو 340 متراً فوق مستوى السهل المجاور، بالقرب من منطقة المدام ويبعد نحو 48 كيلومتراً جنوب شرق مدينة الشارقة، وقد بدأت عمليات التنقيب في المنطقة منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين، عندما اكتشف فريق عراقي بقايا حصن حجري على قمة المنحدر الشمالي الشرقي للجبل.
وفي عام 1990 قامت البعثة الأثرية الفرنسية بتنقيب مجموعة مكوّنة من سبعة هياكل كانت مرئية على المنحدر الجنوبي للجبل، وأسفر التنقيب في ثلاثة هياكل منها عن وجود مواد تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد، بينما كشفت التنقيبات في منطقة المنحدر أسفل الحصن الحجري مباشرة عن وجود تسع مقابر مشوّهة بشدّة، ومواد محدودة تعود للعصر الحديدي.
ثم جاءت حملة تنقيبات منهجية تحت إدارة هيئة الشارقة للآثار، استمرت لاثني عشر عاماً متواصلة (1994 - 2005) مما أدّى لاكتشاف نحو 91 قبراً من فترات مختلفة. ومازالت التنقيبات مستمرة عن طريق البعثة الألمانية في جنوب جبل بحيص.
ويتضمن موقع الجبل العديد من المكتشفات، أبرزها لقى أثرية تعكس حياة الإنسان القديم في المنطقة والتي تعود إلى 50 ألف سنة.
وتدل مكتشفات موقع جبل بحيص والمنطقة المحيطة به على وجود مجاميع من الرعاة المتنقلين في شرق شبه الجزيرة العربية في فترة العصر الحجري الحديث، وذلك خلال فترة سبقت بكثير ظهور أول مستوطنات مستقرة في المنطقة.
أما مدافن العصر الحجري الحديث، فقد أُرّخت بقاياه بواسطة الكربون الإشعاعي إلى بداية الألف الخامسة قبل الميلاد، أما العصر البرونزي فقد تمثل بعدد كبير من المدافن التي تؤرخ إلى النصف الأول من الألف الثالثة قبل الميلاد، وإلى فترة «وادي سوق» المؤرخة إلى النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد.
كما ضمت مقبرة بحيص مدافن أخرى تعود إلى العصر الحديدي المؤرخ إلى الألفية الأولى قبل الميلاد، واتخذت معظم قبور هذه الفترة شكل حفر أرضية بسيطة تم استخدامها لأغراض الدفن المنفرد والجماعي أيضاً، وكذلك فقد استخدم سكان العصر الحديدي القبور المشيدة خلال الفترات الزمنية السابقة لأغراض الدفن أيضاً، كما تم استعمال الكهوف والمآوي الصخرية التي تتوافر بصورة طبيعية على سفوح الجبل لأغراض الدفن بعد تحصينها بإضافة جدران حجرية أخرى وتحويلها إلى حجر مناسب لأغراض الدفن.
وعثر داخل هذه الكهوف على أعداد من الهياكل العظمية وعدد كبير من اللقى الأثرية خاصة الأوعية الفخارية التي تحمل بصمات العصر الحديدي المتميز، وكذلك الصناعات المعدنية كالأواني والأسلحة، ونشير هنا بشكل خاص إلى مجموعة رؤوس السهام البرونزية والتي يحمل البعض منها حزوزاً زخرفية، إضافة إلى ذلك، ضمت سفوح جبل بحيص عدداً قليلاً من القبور التي تعود إلى الفترة الهلنستية، وتم العثور بداخلها على عدد من الأواني الزجاجية ذات أشكال متميزة.
حماية الآثار
تحرص الجهات المعنية في الشارقة على توفير أعلى درجات الاهتمام بهذه الكنوز التاريخية في محمية جبل بحيص الطبيعية، حيث يحظر بشكل عام الأعمال والأنشطة والتصرفات التي من شأنها إتلاف أو تدهور النظام البيئي أو الإضرار بالحياة البرية أو البحرية أو الفطرية أو المساس بالأنشطة الأثرية والتراثية.
ويُحظر على وجه الخصوص صيد أو نقل أو قتل أو إيذاء الكائنات البرية أو القيام بأعمال من شأنها القضاء عليها ما لم يتم ذلك وفقاً للقواعد التي تحددها الأنظمة واللوائح والقرارات البيئية التي تصدرها السلطة المختصة، كذلك يحظر نقل أو أخذ أي كائنات أو مواد عضوية مثل الصخور والتربة لأي غرض من الأغراض وإدخال أجناس غريبة على المنطقة المحمية وإتلاف أو تدمير التكوينات الجيولوجية أو الجغرافية أو الأثرية أو المناطق التي تعتبر موطناً لفصائل الحيوان أو النبات أو تكاثرها أو تتواجد بها الآثار.
كما تحظر عمليات التنقيب وتلويث تربة أو مياه أو هواء المنطقة المحمية وقطع الأشجار أو النباتات أو إتلافها أو تعرية التربة وأنشطة التسلية والترفيه أو الرياضات التي من شأنها قتل أو إيذاء أو التأثير سلباً على الحياة الفطرية وإقامة المباني أو المنشآت أو شق الطرق أو تسيير المركبات أو وسائل النقل أو القيام بأي أنشطة زراعية أو صناعية أو تجارية في منطقة المحمية إلا بتصريح من السلطة المختصة في الإمارة.
مسار للدراجات
سعياً إلى إنعاش التجوال في هذه المناطق الأثرية تم في مطلع العام الماضي افتتاح «مسار البطائح للدراجات الهوائية» والذي يمتد بطول 48 كيلومتراً ذهاباً وإياباً وبإجمالي عرض 5 أمتار ويبدأ موازياً لشارع مليحة باتجاه منطقة «المنتثر» وصولاً إلى منطقة «بحيص».
ويعد المسار وجهة سياحية ورياضية متميزة لمحترفي وهواة ركوب الدراجات بكافة مناطق الإمارة وتم تصميمه وتنفيذه بمواصفات عالمية توفر بيئة محفزة وآمنة لممارسة هذه الرياضة لما له من فوائد صحية وبيئية ومرورية.
وتم اختيار موقع المسار بناءً على عدة معايير أهمها جاذبيتها لمستخدمي الدراجات وتوفير الأمن والسلامة لهم، حيث يخدم هذا المسار بشكل خاص مدينة الشارقة والبطائح ومدن المنطقة الوسطى، وتتميز المنطقة بشعبية كبيرة لدى محبي الصحراء وتقام فيها بالشتاء مطاعم ومقاهي برية وأنشطة ترفيهية متنوعة.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الشارقة آثار العصر الحجری قبل المیلاد فی المنطقة تعود إلى
إقرأ أيضاً:
الوادي الأعلى .. مشاريع تنموية تروي جمال الطبيعة
تتميز سلطنة عُمان بثراء طبيعي وثقافي فريد، حيث تتناثر البلدات والقرى الصغيرة بين ولاياتها، كل منها يحمل سحرًا خاصًا يجذب الزوار ويجعلهم يفتتنون بجمالها، ومن بين هذه البلدات الساحرة، تبرز بلدة الوادي الأعلى بولاية بهلا، الواقعة أسفل جبل الكور، حيث تنساب الطبيعة الخلابة بين التلال كأغنية قديمة يرددها الزمان، وألهمت هذه البلدة الشاعر الجزائري الدكتور محمد ناصر، الذي استوحى من جمالها قصيدته الشهيرة «وادي الجلال والجمال»، التي جسدت في أبياتها روعة الطبيعة العُمانية.
جبل الكور
أكد الشيخ الدكتور عبدالله بن علي بن زاهر الهنائي، رئيس اللجنة الرئيسية بالوادي الأعلى، أن بلدة الوادي الأعلى تتمتع بموقع استراتيجي وطبيعة ساحرة تجعلها واحدة من أجمل البلدان في سلطنة عُمان، وأشار إلى أن البلدة تقع تحت سفوح جبل الكور، وتعد ملتقى لعدة أودية، مما يجعلها معبرًا طبيعيًا إلى جبل الكور وقراه، وأوضح الدكتور عبدالله أن الحكومة تعمل حاليًا على رصف الطريق المؤدي إلى جبل الكور، رغم التحديات التي واجهت المشروع لفترة طويلة، وعند اكتماله، سيختصر الطريق الوقت والمسافة بشكل كبير، حيث سيصل الزائر إلى جبل الكور في 15 دقيقة فقط بدلًا من ساعة كاملة، مؤكدًا أن هذا المشروع سيُسهم في إيجاد حركة اقتصادية وسياحية نشطة، كما سيكون منفذًا إضافيًا لربط قرى وادي العين، مما يعزز الروابط بين المناطق ويدفع عجلة التنمية.
ممشى الوادي الأعلى
يُعد مشروع ممشى الوادي الأعلى من أبرز المشاريع التنموية في البلدة، حيث يمتد بطول 3.3 كيلومتر، وعرض 3 أمتار، ويتميز برصفه ببلاط الإنترلوك الذي يوفر سطحًا آمنًا ومريحًا للمشاة، كما يتميز الممشى بنظام إضاءة يعتمد على الطاقة الشمسية عبر 220 عمودًا، مما يجعله صديقًا للبيئة ويقلل التكاليف التشغيلية، ويهدف المشروع إلى تحقيق عدة أهداف، منها تعزيز الصحة العامة وتوفير بيئة مثالية لممارسة رياضة المشي، وتقليل الحوادث المرورية من خلال تخصيص مسار آمن للمشاة بعيدًا عن الشوارع المزدحمة، وتعزيز السياحة وجذب الزوار بفضل الموقع الاستراتيجي الذي يربط بين معالم تاريخية وطبيعية.
وأشار الدكتور خليفة بن سيف الهنائي، المشرف العام على المشروع، إلى أن نسبة الإنجاز في المرحلة الأولى بلغت 60% بتكلفة 20 ألف ريال عُماني، مؤكدًا أن العمل جارٍ وفق الخطة الزمنية والمواصفات المحددة، مع متابعة دقيقة لضمان جودة التنفيذ.
ويعد مشروع مصلى العيد في الوادي الأعلى من المشاريع المميزة التي تجمع بين الجوانب الروحية والترفيهية، ويمتد المشروع على مساحة تفوق 10.000 متر مربع، ويتسع المصلى لأكثر من 5000 مصلٍّ، بالإضافة إلى ذلك، يضم المشروع متنزهًا سياحيًا يتناغم مع الطبيعة الخلابة للموقع، وتم تصميم المشروع بحلول هندسية مبتكرة، منها بناء جسور بطول 300 متر لحماية المنطقة من مخاطر السيول، كما يهدف المشروع إلى تعزيز السياحة الداخلية والخارجية، وتوفير بيئة مناسبة للفعاليات الثقافية والاجتماعية.
تعاون مجتمعي ودعم مؤسسي
يعتمد تمويل المشروع على مساهمات الأفراد والمؤسسات، حيث يتم تخصيص جزء من التبرعات كصدقات جارية، وقد تم الانتهاء من المرحلة الأولى، التي شملت صب الخرسانة الأساسية، بينما تتطلب المرحلة الثانية تخصيص 25.000 ريال عماني لإنشاء الطريق الدائري وجسر الحماية.
وأكد راشد بن مهنا الهنائي، نائب رئيس اللجنة الرئيسية بالوادي الأعلى، أن تشكيل اللجنة جاء نتيجة إيمان المجتمع بمبدأ التعاون والتكاتف، وتضم اللجنة عدة فرق عمل، أبرزها اللجنة الإشرافية لمتابعة سير العمل، واللجنة الفنية للإشراف على الأعمال الهندسية، ولجنة العلاقات العامة للترويج للمشروع وجمع الدعم.
الجدير بالذكر أن المشاريع التنموية في الوادي الأعلى، مثل ممشى الوادي الأعلى ومصلى العيد، تسهم في تعزيز جودة الحياة وتحقيق التنمية المستدامة، كما تعكس هذه المشاريع روح التعاون المجتمعي والرؤية المشتركة لتحقيق التقدم والازدهار، وختامًا، أكد راشد بن سيف الهنائي أن هذه المشاريع ستُسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية بين أهالي الوادي الأعلى والوادي السافل، كما ستوفر بيئة صحية وسياحية تجعل من الوادي الأعلى وجهة مميزة في سلطنة عُمان.