عربي21:
2024-12-18@03:28:06 GMT

تاريخ المجازر في سوريا في نصف قرن

تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT

كل دولة ربما يُقرأ تاريخها من زاوية معينة، وكل مؤرخ يقرأ الحدث، أو فقرات الأحداث، في الدول المعني بدراستها من لحاظ معين. بعضهم يقرؤها من زاوية سياسية، وآخر يقرؤها من زاوية اجتماعية، وثالث يقرؤها من زاوية اقتصادية، ورابع يقرؤها من لحاظ جيوبولوتيكي، وشريحة نخبوية تقرؤها من زاويتين أو أكثر، أو الزوايا المجتمعة.

ولعل ما يميز دولة عن دولة في هذه القراءة، هي غلبة هذه الزاوية على الزوايا الأخرى، فإن كانت الدولة المعنية بالدراسة ذات ظهور ونشأة وحضور دولي اقتصادي فستُقرأ بالتأكيد من هذه الزاوية، ولذا كثيرا ما تغلب على قراءة التاريخ الإسلامي القراءة من اللحاظ العسكري، نظرا لكثرة الفتوحات العسكرية، وانتشار الإسلام بشكل سريع نتيجة هذه الفتوحات.

قدمت هذه المقدمة لندرك الزاوية التي يمكن أن تكون مدخلا، نلج منها لدرس تاريخ عائلة آل الأسد التي امتطت البعث كوسيلة وأداة للوصول إلى الحكم، ثم الحكم تحت لافتته، ما دامت أقلية طائفية بحاجة إلى يافطة تحكم من خلالها، لتقنع الجمهور والشعوب العربية والإسلامية بشرعية هذا الحكم، ولذا كان استخدام أشرف قضية للعرب والمسلمين كرافعة لظهورهم على ساحة الحكم، وهي القضية الفلسطينية..

لحاظ جديد ومدخل نوعي يمكن أن يضاف لدراسة التاريخ، وهو أن تتم قراءة حكم عائلة آل الأسد عبر البعث وهو لحاظ المجازر المرتكبة بحق السوريين وغيرهم.. نقول هذا ونحن نعيش أجواء مجزرة العصر، حماة الفداء، التي وقعت في الثاني من شباط/ فبراير 1982 واستمرت لـ27 يوما وراح ضحيتها 40 ألفا من المدنيين الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، عبر استخدام كل ما تملكه العصابة الطائفية المجرمة من أسلحة فتاكة، وعبقرية إجرام، فكان القتل والإجرام، والإعدامات الجماعية، فضلا عن مسلكيات لا تخطر على قلب بشر هي الحاضر الأول والأخير، فبقرت بطون الحوامل، وقتلت الرضع، وحرقت الجثث وفجرت البيوت والمساجد والكنائس، وسط صمت عالمي مطبق، لكن كشف عن أهوالها لاحقا من نجا من هذه المجزرة، إلى جانب بعض الروايات التي وثقت تلك الأيام المرعبة من تاريخ سوريا.

ولا يزال المؤرخون والشهود عيان مدعوين لتوثيق هذه الأيام السبعة والعشرين التي هزت سوريا والضمير العالمي، وحتى صديقي سابقا الصحافي روبرت فيسك الذي دخل المدينة بعد وقوع المجزرة لم يوثقها، وإنما تحدث لِماما في كتابه المهم " الحرب الكبرى تحت ذريعة الحضارة" والمكون من ثلاثة مجلدات، وربما أحجم عن ذلك لقربه من النظام، كي لا يفقد علاقاته وقربه منه، وربما ما يفسر ذلك لاحقا علاقته مع مدير المخابرات الجوية جميل الحسن، ونقله لاستجوابات بعض المعتقلين لديه في الفرع المرعب على أنها حقيقة ووقائع، فقطعت اتصالي به يومها على الرغم من تكراره الاتصال الهاتفي، قبل أن يرحل عن عالمنا.

اليوم أقرأ رواية "السوريون الأعداء" للقاضي فواز حداد، ابن حماة والذي راحت عائلته الكبرى كلها، لكن نجا ابن أخيه الذي أتت به سيدة حموية إلى دمشق حيث يعمل القاضي، وسلمته إياه، لكن مع كل جلسة قراءة لهذه الرواية أجمع كل ما أملك من قوة وشجاعة لأطالع أهوال ما فعله المجرمون القتلة بأبناء شعبنا في حماة الفداء.

لم تكن مجزرة حماة الأولى في تاريخ هذه العصابة المجرمة، فبعد أقل من عام تقريبا على وصول البعث النبتة الخبيثة المزروعة في جسد هذه الأمة، وحاضرتها الشام، فقد بدأ مجازره الأولى في مساجد سوريا، وكأنه يعرف أنها مقتله: المسجد الأموي في دمشق، والمواجهة يومها مع العالم الرباني عبد الرحمن حبنكة الميداني، وأتباعه، ومسجد السلطان، عام 1964، حيث اقتحمت الدبابات المسجدين، وكان لحكمة الشيخين الميداني ومحمد الحامد رحمهما الله دورا في إخماد شهية البعثيين المبكرة لدماء السوريين.

في أواسط السبعينيات توجه جيش البعث إلى لبنان من أجل سدّ ثغرة يراها مهمة، حيث يتنفس الأحرار السوريون الهاربون من بطش البعث حرية التحرك ضد الأنظمة المستبدة في سوريا، فكان أن حاصر جيش البعث المخيمات الفلسطينية ومقرات القوى الوطنية اللبنانية، وأجهض كل تطلعاتها، فكانت سلسلة مجازره في لبنان من تل الزعتر والبداوي والكرنتينا ثم مجزرة صبرا وشاتيلا التي قادها حليفه إيلي حبيقة بدعم من الأسد وشارون، وقد لاحظ الكل كيف كان حبيقة مقربا من حافظ الأسد وفرضه على الحكومة اللبنانية.

ولا زلنا نستذكر حلفاءه من منظمة أمل في حصار المخيمات الفلسطينية وإرغام المحاصَرين على أكل لحوم القطط والكلاب، بعد نفاد الطعام من عندهم، فماتوا من الجوع والعطش، وسط صمت عربي واسلامي وعالمي مطبق، تماما كما جرى للسوريين من قبل ومن بعد. فقد جابه النظام المجرم انتفاضة السوريين في الثمانينيات بالمجازر، من مجزرة تدمر التي قتل فيها أكثر من ألف سجين، ثم المجازر شبه الأسبوعية في تدمر على مدى سنوات والتي قدرها السجناء بأكثر من 25 ألف سجين من خيرة أبناء سوريا، وتنقلت يومها مجازر النظام في كل محافظات سوريا، لكن القسط الأكبر في جسر الشغور وحلب، حيث لا ينسى أهالي حلب مجزرة المشارقة في يوم العيد والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء.

لا يمكن قراءة تاريخ سوريا لنصف قرن دون التركيز الأكبر على هذه المجازر ومعها تورط قوى داخلية وإقليمية ودولية فيها، فالمدخل الأول لفهم تاريخ سوريا خلال نصف القرن الماضي يكون من خلال هذه المجازر التي كانت على امتداد التاريخ والجغرافيا السوريتين
وحين تسلم بشار الأسد وديعة أبيه، كان القتل والإجرام على مدار الساعة، إذ قد لا يخلو أسبوع في سوريا منذ اندلاع الثورة عام 2011 وحتى اليوم دون مجزرة بحق الشعب السوري، والتي راح ضحية مجموعها أكثر من مليون شهيد، فضلا عن نصف مليون معتقل، وأكثر من 14 مليون مشرد. وتتنوع بين مجازر بالطيران وقذائف الهاون والقصف والصواريخ وخراطيم الألغام البحرية، والبراميل المتفجرة التي وصل عدد ما تم إلقاؤه منها على الشعب السوري أكثر من 82 ألف برميل بحسب دراسة بريطانية موثقة، فضلا عن استخدام الكيماوي 217 مرة بحسب دراسة بريطانية مستقلة أيضا، دون أن يرف جفن العالم كله. وحين فشل نظام الأسد في هزيمة إرادة السوريين استدعى عصابات منفلته طائفية، ودولتين؛ إقليمية هي إيران وعالمية هي روسيا لإخماد ثورة السوريين، ولم تخجل الدولتان من الإعلان عن مكنونات صدورها، بأن الحرب عقدية ضد أهل السنة والجماعة، وهو ما أعلنه لافروف، وقادة طائفيون في طهران والعراق ولبنان.

على هذه الخلفية السريعة لتاريخ المجازر التي ميّزت حقبة سطو البعثيين والأسديين على السلطة، لا يمكن قراءة تاريخ سوريا لنصف قرن دون التركيز الأكبر على هذه المجازر ومعها تورط قوى داخلية وإقليمية ودولية فيها، فالمدخل الأول لفهم تاريخ سوريا خلال نصف القرن الماضي يكون من خلال هذه المجازر التي كانت على امتداد التاريخ والجغرافيا السوريتين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأسد المجازر سوريا الثورة سوريا الأسد الثورة مجازر مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تاریخ سوریا هذه المجازر من زاویة أکثر من

إقرأ أيضاً:

أذاق السوريين الأمرين .. صور لفرع أمني أرعب حمص وحماة

سرايا - "الداخل مفقود والخارج مولود"، هو المثل الشعبي الأمثل الذي ينطبق على حال السوريين بسبب معتقلات نظام الأسد.

فبعد جولة سجن البالونة سيئ الذكر في حمص، وصلنا إلى فرع المخابرات الجوية في المدينة ذاتها، والذي أذاق أهالي حمص وحماة الأمرين، وفقا لشهادات من ذوي معتقلين.

فقد أفاد أحد الأهالي بأن هذا الفرع شكل رعبا لا يوصف لأهالي مدينتي حمص وحماة، خصوصا وأنه كان يخدّم المنطقتين.

وأضاف أن النظام كان يعتقل الشبان من عند الحواجز ويأتي بهم إلى هذا الفرع، مشيراً إلى أن التهم كانت متنوعة، من منشورات غير لائقة على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى الإرهاب.


كما تابع أن أسوأ أنواع التعذيب كانت تمارس في المكان، من الدواليب إلى الشبح وغيرها.

و أظهرت الجولة أن الفرع يتكون من عدة أبنية، وفي اثنين منها هناك أقبية للمعتقلين.

ووفق التقديرات، فإن المكان يمكن أن يضم آلاف المعتقلين.

أما الهنغارات، فوجد فيها ما عثر عليه في كل السجون تقريبا، من ذكريات مؤلمة لمعتقلين عذّبهم الانتظار والخوف.

وأظهرت الصور كتابات ورزنامات تشير إلى المدة الزمنية التي قضاها كل سجين في الزنزانة.


كذلك وجدت عبارات أخرى تتحدث عن الظلم، والوعود، ودعوات وآمال بفرج قريب.


أما الأهم، فهو ما وجد في فرع المخابرات من ملفات، بعضها عن التحقيقات، وأخرى عن أسماء وتفاصيل المعتقلين.

وكانت ما سمي "إدراة العمليات العسكرية" (هيئة تحرير الشام وفصائل مسلحة متحالفة معها)، شنّت في 27 نوفمبر هجوماً واسع النطاق على مواقع الجيش السوري في محافظتي حلب وإدلب وسيطرت عليهما، ثم انتقلت إلى حماة وحمص.

وفي 8 ديسمبر، دخلت العاصمة دمشق، حتى أعلنت الحكومة سقوط النظام هروب الرئيس السابق بشار الأسد.

ثم نشرت لاحقا قوات أمنية في المدن والشوارع، وسلمت السلطة لحكومة مؤقتة، كما عقدت اجتماعات مع مبعوثين أجانب.

إقرأ أيضاً : شريك قيصر السوري يكشف الفظائع: أعين معتقلين اقتعلت من جحورهاإقرأ أيضاً : ألمانيا لمؤيدي الأسد: إياكم الاختباء في بلادنا سنحاسبكمإقرأ أيضاً : الحكومة الانتقالية السورية: ستتم محاكمة الإعلاميين الحربيين الذين عملوا في ظل نظام الأسد .. فيديو



تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #ألمانيا#المدينة#الحكومة#الرئيس



طباعة المشاهدات: 1622  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 15-12-2024 10:52 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
بالفيديو .. الفتاة السورية "ليا خير الله": (الجولاني) طلب مني بلطف وأبوية أن أغطّي شعري قبل التقاط الصورة معه كشف الكذب: عبارات شائعة يستخدمها الكاذبون وكيفية التعرف عليها يابانيون يختبرون عقارا يجعل الأسنان تنمو من جديد أوبئة واعتزال فنانة شهيرة .. ليلى عبداللطيف تشعل الجدل بتوقعاتها لـ2025 الاعلامي فيصل القاسم يوجه رسالة هامة إلى أبناء... وصف مواطنة بـ "الكَابيتل" و... سامح الناصر رئيس هيئة الإدارة العامة لـ... أم تودع ابنها الشهيد بعد تكفينه ثم صرخت عليه قهراً... وفاة 4 اشقاء أردنيين بحادث سير مروع بالسعودية شريك قيصر السوري يكشف الفظائع: أعين معتقلين اقتعلت...ألمانيا لمؤيدي الأسد: إياكم الاختباء في بلادنا...الحكومة الانتقالية السورية: ستتم محاكمة الإعلاميين...الشرع: الأكراد جزء من الوطن وشركاء في سوريا القادمةالعدوان على غزة يدخل يومه 436الاحتلال الإسرائيلي يشن أكثر من 60 غارة على سوريا...الاحتلال يقصف خيام النازحين في دير البلح بغزةهذا ما قاله الأسد عن تركيا لإيران في رمقه الأخير...الشرع: إذا أعفاني السوريون من الرئاسة سأكون مرتاحا تعرف على الفنان السوري الراحل "شيخ... "وتر حساس" .. دراما مصرية تثير الفضول... جيم كاري: تصريحاتي عن الاعتزال فُهمت خطأ وقد أعود... كيف علق جورج وسوف على سقوط نظام الأسد؟!! دريد لحام يوجه رسالة للسوريين "الأنانية" مفتاح صلاح في التجديد .. والمفاوضات تتعقد مانشستر سيتي يحقق إيرادات قياسية للعام الثالث على التوالي بسبب ازدحام الجدول .. مدرب أرسنال يطالب بتقليص مدة المباراة لاعب مغربي شاب في قائمة ريال مدريد لكأس القارات وثيقة رسمية تثير التساؤلات بسبب الأخطاء الإملائية فيها مسلسل كرتوني يشعل حرباً كلامية بين بريطانيا وإسبانيا أحرقوها بمكواة .. هكذا عذّب والد وزوجته وشقيقه حتى الموت! خلال أعمال صيانة في أثينا .. اكتشاف تمثال وقطع أثرية من العصر الروماني (صورة) العريس محمود خسر حياته خلال شهر العسل .. هكذا قُتِلَ في وسط الشارع بسبب حادث سير خلاف على الميراث .. شخص يقتل شقيقه دهسا بسيارته جريمة مروعة .. امرأة تقتل زوجها لهذا السبب جزائريون تحت الصدمة .. شخص يحرق 4 أطفال ويرميهم بالمجاري ميتا تتبرع بمليون دولار لصندوق تنصيب ترمب "رسائل بريدية" مسرّبة تكشف ولع "أسماء الأسد" بالأثاث الفاخر خلال الحرب إيلون ماسك أول شخص تتجاوز ثروته 400 مليار دولار

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • أسوأ الأفرع الأمنية التي قهرت وعذبت السوريين (إنفوغراف)
  • مهمة صعبة أمام السوريين في استعادة المليارات من عائلة الأسد
  • مهمة صعبة أمام في السوريين في استعادة المليارات من عائلة الأسد
  • متحدث الدفاع المدني في غزة: المجازرُ التي ارتكبها الكيانُ الصهيونيُّ في غزةَ لم يحدُثْ مثلُها في القرن الـ 21
  • مدارس سوريا تستأنف الدراسة وآمال بتطوير العملية التعليمية
  • بعد سقوط الأسد..قدماء الانتفاضات العربية يحذرون السوريين
  • بعد سقوط الأسد.. تركيا تعلن عودة آلاف السوريين إلى بلدهم
  • ألمانيا تتمسك باللاجئين السوريين
  • أذاق السوريين الأمرين .. صور لفرع أمني أرعب حمص وحماة
  • واشنطن: ندعم حكومة مستقبلية في سوريا تمثل جميع السوريين