قراءة في جديد الشاعر عبد الرزاق الربيعي “ضِحْكُ على الأطلال”
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
“من أجندة الملك الضلّيل” وبها وفيها وعلى أجنحتها التاريخية والمسقطة على الواقع المعاش، يهبّ المبدع الكبير عبد الرزاق الربيعي على جراحات كثيرة من ضمنها ضياع الفرد والجماعة والأرض والوطن، فنجد أنفسنا نقتفي امرئ القيس في سيرته الطافحة بكلّ بطولة وتمرّد وثأر وصعلكة (لا أعني صعلكة هذه الأيام) المؤدية بنا إلى الإنساني فينا، وقد زاده الربيعي من نفسه شعرية وروعة، ها هو يسأل (الضلّيل) عن حاجته وما يريده من الزمن، ويجيبه بألم وصرامة ووضوح:
“.
ماذا ترتجي؟
والأرض
كلّ الأرض
في أحداق هذا الطفل
ما عادت لتكفيه وطنْ
ما الذي ترجو
إذنْ
علّ ما يهفو له الرأس
ستلقاه
بأذيال الزمنْ”
أريد أن أتوغّل في المجموعة فتشدّني من نصّها الثاني “لعبة” حيث يطرح علينا الشاعر لعبتنا الأبدية ( ملك/ كتابة ) ويخيّرنا بين الأمرين ..فيحتار كلّ منّا فيما يختاره، فإن اختار الملك يضع على رأسه تاجا وبه يحكم غابة، وإن اختار الكتابة فسيعيش مثل الشاعر غريبا في البرية، ولكن حرّ وحرّ وحرّ، ويبدو هذا ما اختاره المبدع الكبير عبد الرزاق الربيعي ..وترك العالم في غيبوبته وسباته وغفلته، لقد عاش شاعرا ويموت حين يجيء الأجل شاعرا دون أن يغريه الملك وهمومه الكثيرة:
“لكنّك حين يغطّ العالم
في غيبوبته
ستحلّق
فوق جناح سحابةْ”
يظلّ الشاعر مهموما بأسئلة الحياة والموت، يكتب ما يراه وما يعاينه ويخرج من نصّ إلى نصّ بإيقاع آخر مختلف ومغاير، قرأت له في مجموعة “ضِحْكٌ على الأطلال” قصائد مثل (حوت) ويتعرّض فيها للزمن ولعبته القديمة الجديدة مع الطفل فالشاب إلى نهاية اللعبة واكتشاف كلّ شيء بعين الكهل: العالم صار يباب، وقرأت قصائد صريحة ودامغة مثل (مصيدة) التي يتطرّق فيها إلى هادم اللذات ومفرّق الجماعات ألا هو الموت ويحدّث في هذه القصيدة كائن صغير يواجه قدره، ويرمز للإنسان بالفأر،فكلّ نفس ذائقة الموت ولا دائم إلا الله، من الصعب أن تركض خلف شاعر وهو يخطو خطوات عملاقة فوق المعنى والمجاز والتلميح والإيجاز، وممّا اقتطفته من قصيدة بعنوان “قلب وسهم ودم” مهداة إلى زوجته وحبيبته ورفيقته جمانة المصون، تغمّد الله هذا الحبّ وأسبغ عليهما ستره وأطال إلى الأبد عشرتهما:
“عند خطوط استواء الغيب
وفوق تلال دوائر الطول
والعرض
ووسط أدعية المصلين
وتراتيل القديسين
وصلاة الطير
أحبّك”
صراحة لم أستطع أن أمرّ إلى قصيدة أخرى لأقطف منها ما يروق لكم، فقد أفحمتني شعرية هذا الصدق في هذه القصيدة وأقصد “قلب وسهم ودم” وأدعوكم لقراءتها كاملة لتعاينوا جوارح هذا الشاعر المقتول بالحبّ، ثمّ هو من الشعراء العرب القليلين الذين كتبوا بكلّ تلقائية وانسيابية عن زوجاتهم، خاصة أنّ الشاعر العربي لا يعترف بحبّ رفيقته في الحياة إلا بعد الوفاة وهذا ما يجب أن يزول إلى الأبد، فالحبّ هو كلّ شيء رهيف وسامٍ ومقدّس، اسمعوا عبد الرزاق الربيعي وهو يشدو:
“قلب واحد
ووحيد
يقف عاجزا
عن حبّك
وسيهوي
من أعلى ورقة
في شجرتك
إلى أسفل قلمي
ليقاسمني السهر
والحمّى
ومباهج الهاوية”
ماذا أقول بعدك يا الشاعر لقد أفحمت الأبجدية، أصرّ فقط على دعوة القراء إلى قراءة المجموعة كاملة وعدم الاكتفاء بالقليل القليل الذي انتقيته، ربّما أضيف شيء هو يدخل في باب الغبطة وقد كتبته على زوجتي الفاضلة اترككم مع هذا المقطع من قصيدتي المعنونة (لكِ):
“لكِ ما ليس لغيــركِ :
عنوانُ الصعلوك وظلّ المصلوبْ
لك إسراء الأعمى من حانته
وحفيف جناحيْ الطائر حين يؤوبْ
لك إغفاء المجنون على ذات العتبةْ
وسجود الآبق للمحبوبْ
لك وجه الشاعر في دمعته
وبقايا العمر المنهوبْ”
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: مكتب تونس
إقرأ أيضاً:
نجم المرزم
لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمين إياها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.
والنجم الذي نتحدث عنه اليوم هو نجم المرزم، وهو ثالث نجم من حيث اللمعان في كوكبة الجبار، وهو يعتبر من الأنواء التي كانت العرب تستدل به في المواسم وعند ظهور هذا النجم فإنه يعتبر آخر فترة لشدة الحر في شبه الجزيرة العربية، وأما عن حضور هذا النجم في الثقافة العربية القديمة فقد ذكر الكاتب جواد علي في كتابه كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام أن «بعض قبائل ربيعة عبدوا «المرزم»
وقد أوضحت الدراسات الحديثة أن هذا النجم يبعد عن الأرض حوالي 240 سنة ضوئية، ويبلغ قطره نحو 5 أضعاف قطر الشمس، وتبلغ درجة حرارة سطحه حوالي 21,500 كلفن، مما يجعله أسخن بكثير من الشمس، كما أن ضوءه يفوق ضياء الشمس نحو 4000 مرة.
ولم يكن هذا النجم بمعزل عن الأشعار العمانية فنجد أن الملاح العماني أحمد بن ماجد قد ذكر هذا النجم في منظومته الفلكية فقال:
والـدَّبَرَانُ شـَامُ والمِـرزم يَمَـن
قاسـُوهُمَا مِن قبلِنا أُولو الفِطَن يَحســَبُهُم خــابِرُ هــذا الفــنِّ
كلاهمــــا إلاَّ بفــــردِ خَــــنِّ
كَمَثـلِ مـا المِـرزَمُ ثـمَّ النَّاجِد
قَـد كَنَفَـا الجوزاءَ في القَوَاعِد
وإذا أتينا إلى شاعر الفخر العماني سليمان النبهاني فنجده أورد هذا النجم في معرض فخره بنفسه فهو يقول إن همته تعلو على نجم المرزم فيقول:
وذكــري يطـوفُ بـأفقِ البلادِ
وفضــليَ يسـري إلـى النُّـوم
ولــي همَّـةٌ تنطـح النَّيَرْيـنِ
وتسـمو رُقيّـاً علـى المِـرزم
وأما في الشعر الجاهلي فلأنهم يسامرون النجوم ويستخدمونها دليلا لهم في رحلاتهم وتنقلاتهم في الصحراء فنجد الشاعر الجاهلي الجُمَيحُ الأَسَديُّ.
جُبْـهٍ إِذا ابْتَـدُّوا قَنـابِلَهُ
كَنَشـاصِ نَـوْءِ الْمِرْزَمِ السَّجْمِ
صـَجْرٍ يَغَـصُّ بِـهِ الْفَضـاءُ لَهُ
ســَلَفٌ يَمُــورُ عَجـاجُهُ فَخْـمِ
وإذا أتينا إلى الشعر الأموي فنجد الشاعر الكُمَيْتُ بنُ زيدٍ الأسدي يذكر هذا النجم وأنه هو الذي يجلب الرياح الحارة فيقول:
وَالْحِيَــاضَ الْمُمَلْآتِ مِـنَ الشـَّرْبِ
إِذَا الْمِرْزَمُ اسْتَهَبَّ الْحَرُورَا
ومن أشهر الشعراء في العصر الأموي الذين ذكروا هذا النجم في أشعارهم نجد الشاعر جرير يقول:
حَــيِّ الـدِيارَ بِعاقِـلٍ فَـالأَنعُمِ
كَـالوَحيِ في رَقِّ الكِتابِ المُعجَمِ
طَلَـلٌ تَجُـرُّ بِـهِ الرِياحُ سَوارِياً
وَالمُـدجِناتُ مِنَ السِماكِ المِرزَمِ
وأما الشاعر الأموي عمر بن لجأ التيمي فقد قرن هذا النجم بالجوزاء فيقول:
أَراقِــبُ مِـرزَمَ الجَـوزاءِ حَتّـى
تَضــَمَّنَهُ مِــن الأُفــقِ السـُجودُ
وَعــارضَ بَعــدَ مَســقَطِهِ سـُهَيلٌ
يَلـــوحُ كَــأَنَّهُ بِــدَمٍ طَريــدُ
ولو عرجنا على الشعر في العصر العباسي فنجد أبو هفان المهزمي يمدح أحدهم بنوء المرزم فيقول:
لو كنتَ نوءاً كنت نوء المِرزَمِ
أو كنتَ ماءً كنتَ ماءَ الزمزمِ
كما في ديوان «سقط الزند» للشاعر العباسي أبو العلاء المعري ذكر لهذا النجم فيقول:
وكيــف لا يَطْمَـعُ فـي مَغْنَـمٍ
مَـن الثرَيّـا بعـضُ ما يَغْنَم
وكيـف يَخفـى نَفَـلٌ بعضُه ال
مِرّيـخُ والجـوْزاءُ والمِـرْزَمُ
ومن الشعراء العباسيين المشهورين نرى الشريف الرضي يقرن هذا النجم بنجم السها فيقول:
فَعَلـى مـا يَطلُـبُ غـايَتي مُتَسَرِّعاً
غُلُـقُ الجَنـانِ أَقـولُ مـا لا يَفهَمِ
هَيهــاتَ أَقعَـدَكَ الحَضـيضُ مُـؤَخِّراً
عَنّـي وَجـاوَرَني السـُها وَالمِـرزَمُ